قالت الصحف:ماذا بعد استقالة الحكومة؟
الحوار نيوز – خاص
استقالة الحكومة كانت الموضوع الوحيد الذي طرقته الصحف الصادرة صباح اليوم ،وتوزعت المواقف بين الاباب التي دفعت الى الاستقالة وآفاق المرحلة المقبلة لجهة طبيعة الحكومة المقبلة ،حيث ظهرت جليا حالة الضياع التي تسود أجواء القوى السياسية،فماذا بعد؟
• وكتبت صحيفة " الأخبار " تقول : ثمة من يطمح دائما لاعادة عقارب الساعة الى الوراء. ذلك تماما ما حصل أمس مع اعلان رئيس الحكومة حسان دياب استقالته لتدخل حكومته عالم تصريف الأعمال، بصرف النظر ان كانت تلك الحكومة تتصرف أصلا منذ تشكيلها على أنها بحكم المستقيلة. اللحظة اليوم شبيهة بمساء 29 تشرين الأول من العام 2019، أي لدى اعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري استقالته. الشارع هو هو أيضا، ومطالبه لم تتغير، باستثناء أن دماء الضحايا تغطي أرضا محروقة. وأن الانفجار معطوفا على الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية المتفاقمة، هشّم صورة القوى السياسية الممثلة في مجلسي الوزراء والنواب بشكل مضاعف عما كانت عليه في بداية الانتفاضة. الا أن ذلك لم يردع أهل السلطة من الامعان في انكار ما يحصل، فلم يجدوا ما يحثّهم على انجاز ولو اصلاح صغير يخرق مشهد الانهيار الكبير.
حتى الخطة الوحيدة التي شكلت نافذة أمل لبدء عملية التصحيح المالي والنقدي، أي خطة "التعافي المالي"، صاغتها هذه القوى وانقلبت عليها سريعا، لتحمي أحد أركانها، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومصالح أصحاب المصارف وكبار المودعين. لم يعد بالامكان بعد ذلك كله الحديث عن مسار اصلاحي قريب ولا عن خطوات تدريجية للتعافي واعادة هيكلة الدين العام والمصارف لانقاذ ما تبقى من ودائع الناس، ولإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد. فتحالف السلطة قرر استنزاف الحكومة وعرقلة عملها وتحميلها وزر سنوات من الفساد والمحاصصة والنهب. كان السيناريو حاضرا وينتظر التوقيت المناسب. جاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليمعن أكثر في تهميش دور هذه الحكومة، جامعا الأقطاب الثمانية، وطالبا منهم التوافق على حكومة وحدة وطنية. كان لا بدّ لدياب من ردّ الصاع الى من يجلسون معه على الطاولة ويعدّون خطة ذبحه في الوقت عينه. رمى قنبلة الانتخابات النيابية المبكرة، فانفجرت في وجهه بعدما اتخذ الرئيس نبيه بري، منفرداً، ومن دون التشاور مع حلفائه، قرار سوق الحكومة الى مذبح مجلس النواب، لـ"مساءلتها" يوم الخميس المقبل. في المقابل، تردد امس أن رئيس المجلس قرر هذه الخطوة، كحل وسط بينه وبين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، اللذين أرضاهما إسقاط الحكومة فدفنا فكرة الاستقالة من البرلمان وإفقاده "ميثاقيته". أمام هذا الواقع، معطوفاً على بدء تفكك "مجموعة حسان دياب" في مجلس الوزراء، تقدّم رئيس الحكومة باستقالته، أمس معلنا أن "منظومة الفساد أكبر من الدولة (…) حاولوا تحميل الحكومة مسؤولية الانهيار والدين العام. فعلا، اللي استحوا ماتوا".
على الاثر، استكملت وزارة الخارجية الفرنسية ما كان بدأه ماكرون معلقة على الاستقالة بالاشارة الى أن "الأولوية لتشكيل حكومة جديدة بسرعة". وأكدت أنه "بدون إصلاحات سيتجه لبنان نحو الانهيار محددة تحديات الحكومة المقبلة بـ"إعمار بيروت وتلبية مطالب اللبنانيين حول الاصلاحات". وفيما كانت القوى السياسية المشاركة في الحكم تعوّل على المبادرة الفرنسية لايجاد مدخل لائق للعودة الى السلطة عبر البوابة الدولية، أكّدت مصادر سياسية رفيعة المستوى ان فرنسا ليست متمسكة بحكومة الوحدة الوطنية، بل إنها تقترح، مع الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ضرورة تأليف "حكومة محايدة"، وبسرعة. وفي السياق نفسه، رأت مصادر قريبة من الرياض أن "لا مبادرة فرنسية بشأن لبنان، وأن الكلام الذي قيل عن حكومة وحدة وطنية غير وارد ولا يُصرف، بل هناك استحالة، لأن حكومة من هذا النوع ستفجّر ثورة أخرى". وقالت إن "الفرنسيين تراجعوا عن فكرة حكومة الوحدة الوطنية، بذريعة خطأ ترجمة كلام ماكرون". أما بالنسبة إلى الموقف السعودي مما يجري في لبنان والمبادرة الفرنسية، فأشارت المصادر إلى ان "الرياض غير معنية، وهي قامت بواجبها وقدمت المساعدات للشعب اللبناني" مكررة أن "لا مبادرة فرنسية". المشكلة، في نظر الرياض، هي في "سيطرة حزب الله وتغطية ميشال عون له، وإذا استمر الوضع كذلك فمبروك عليهم لبنان". ولا يزال الموقف السعودي هو نفسه الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان؛ وفي حال كانت هناك مبادرة أميركية أو فرنسية، فالمملكة "غير معنية وغير موافقة".
ولفتت المصادر السياسية اللبنانية إلى أن الأميركيين والفرنسيين والسعوديين يرددون اسم السفير السابق نواف سلام كمرشح لترؤس الحكومة المحايدة. وأكّدت المصادر أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربما سيستخدم صلاحيته الدستورية بعدم تحديد موعد للاستشارات قبل تأمين حد ادنى من التوافق على رئاسة الحكومة المقبلة، لكنه مستعجل تأليف حكومة لان البلاد لا تحتمل الفراغ. وأشارت المصادر إلى ان عون، ومعه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لا يمانع تسمية سلام لرئاسة الحكومة، فيما لم يتضح بعد موقف كل من بري وحزب الله.
قرار اقالة الحكومة أو دفعها الى الاستقالة، يبدو أنه كان متخذا منذ مدة. فعدا عن حديث بعض القوى السياسية عن تعديل وزاري أو اقالة بعض الوزراء، كانت ثمة أجواء سياسية خصوصا من الفريق السياسي المشكّل للحكومة يسوّق لاستقالتها. فخلال الاجتماع الذي حصل قبيل شهر تقريبا، بين الوفد العراقي ووزراء الطاقة والصناعة والزراعة، ريمون غجر وعماد حب الله وعباس مرتضى، اقترح مرتضى أخذ صورة تذكارية "لأن الحكومة رح تفل بعد أيام". ضحك الجميع يومها وسط استياء الوفد العراقي، فيما كان مرتضى يكرر "النكتة" نفسها على مدى الأسابيع الماضية. لم يكن وزير الثقافة والزراعة على علم بانهيار قريب للهيكل الحكومي، تحت وطأة الموجة الانفجارية لحدث 4 آب. لكنه عكس نبض قوى السلطة التي كانت تتأنى الى حين الاتفاق على بديل. حتى دياب نفسه أعلن استعداده للاستقالة في حال توفر بديل. سرّع انفجار المرفأ بفرض أمر واقع يستدعي حلّ الحكومة. واليوم، تسير التطورات وفق مسارين اثنين:
1- إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنه طرح يفتقد الى الجدّية لاستحالة تنفيذه. اذ تحول دونه صعوبات عدة، أولها الاتفاق على قانون انتخابي جديد، وإلا الدوران في الحلقة السياسية نفسها. قانون النسبية نفسه أخذ عامين أو أكثر من الأخذ والردّ ولم يبصر النور من دون ضمان كل فريق أن حصته محفوظة. والواقع أن مجلس النواب مقسّم بالتكافل والتضامن بين هذه القوى التي ستعيد انتاج قانون مفصّل على قياسها. أما حلّ مجلس النواب كما بدأ يطالب بعض من في الشارع أخيرا، فسيؤدي الى عدم امكانية تشكيل حكومة جديدة والاستمرار بتصريف الأعمال وخلق فراغ مؤسساتي كبير لما يشكله البرلمان من شرعية شعبية تتيح له الامساك بالقرار.
عندها واذا ما تقرر اجراء انتخابات مبكرة، فستكون وفق القانون القديم، ما يعني عودة القوى نفسها، لكن بخسائر لبعضها. أصلا مطلب الانتخابات المبكرة لم يكن يوما مطلبا شعبيا بين المجموعات الرئيسية والمعتصمين بل اقتصر طرحه على حزب الكتائب وبعض الأفراد. ذلك لأن حدوث هذا الاستحقاق من دون أن تكون هذه المجموعات قد تنظمت ضمن جهة معارضة تقدم برنامجا متكاملا، سيسقطها مرة أخرى سقطة مثيلة لتلك التي واجهتها في العام 2018. فيما تيار المستقبل والحزب الاشتراكي غير متحمسَين أيضا لا لتقديم استقالات نوابهم، ولا لانتخابات مبكرة، لكنهم اضطروا الى اثارة هذا الموضوع والمناقشة فيه نظرا الى الضغط الممارس عليهم من قبل النواب المستقيلين الذين يدورون جميعهم في فلك 14 آذار، وبهدف تحسين شروط تفاوضهم في معركة تأليف الحكومة المقبلة. لكن تيار المستقبل يدرك جيدا أن تراجع شعبيته وغياب أي مال خليجي، يمنعه من اتخاذ خطوة مماثلة. ومرة جديدة، يترك الحريري وجنبلاط رئيس "القوات"، سمير جعجع، وحيداً، بعدما بشّر الأخير اللبنانيين بخطوة كبيرة سيعلن عنها، وكان يمنّي النفس بإقناعهما بالاستقالة من مجلس النواب، لكنها فضّلا التوافق مع بري على المضي في مغامرة مع جعجع.
2- تأليف حكومة جديدة أو إعادة تكوين النظام. الحل الثاني غير قابل للتطبيق خصوصا أن تغييره يستدعي نقاشا طويلا ورعاية غربية وخليجية شبيهة لما حصل وقت الطائف، وهو أمر متعذر ويحتاج لوقت لا يملك لبنان ترفه. يبقى أن تأليف حكومة ليس سهلا هو الآخر ويعيد البلاد الى معضلة ما بعد استقالة الحريري. غير أن النقاش هذه المرة سيحصل على وقع شارع مدمر وأهال يطالبون بالثأر لضحاياهم. ثم أن المظلة الدولية والاقليمية والعربية لم تتضح صورتها بعد. هل أن المبادرة الفرنسية ستسلك طريقها نحو التنفيذ ليصبح هدف الأميركيين محصورا باعادة اصلاح التوازنات السياسية داخل الحكومة واضعاف خصومهم، أم أنهم سيرون الظروف مناسبة لتشديد الخناق على حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر لجرّهما الى هزيمة واخراج الحزب من الحكم؟ عدا عن أن عودة الحريري الى رئاسة الحكومة باتت شبه مستحيلة ومرفوضة كليا من الشارع الذي ضاعف مطالبه أيضا. اذا من البديل؟ هل يعيّن الحريري وكيلا بالنيابة عنه أم أن المطلوب حكومة حياديّة تؤسس لتغيير سياسي شامل في لبنان وتفرض شروطاً جديدة على الأرض؟ هل يتمثل الأقطاب بأنفسهم أم يختبئون مجددا وراء تكنوقراط ومستقلين؟ ربما تتضح أجزاء من الصورة مع وصول الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل الى بيروت هذا الأسبوع.
• كتبت صحيفة " النهار " تقول : قطعا لا اسف على حكومة حسان دياب ولكن الأهم الان استحقاق التغيير الكبير وصولا الى انتخابات رئاسية ونيابية معجلة وليست فقط مبكرة.
كل العوامل والظروف الدراماتيكية المتسارعة التي كانت تتجمع وتتراكم قبل 4 آب أصلا، كانت تشكل ادانة ضخمة لحكومة حسان دياب وداعميها خصوصا لجهة فشلها الهائل في الاستجابة للمطالب الداخلية والخارجية بالإصلاح ممرا الزاميا وملحا لبداية اخراج لبنان من أنفاق الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي اتخذت خلال ولاية هذه الحكومة أحجاما مضاعفة ومتعاظمة. فكيف الحال بعد كارثة 4 آب التي ظلت الحكومة ورئيسها وتحالف العهد وقوى 8 آذار يتصرفون حيالها طوال الأيام التي فصلت بين يوم الانفجار المزلزل واليومين الماضيين بمنطق المكابرة والمخادعة والمناورة السياسية ظنا منهم ان إلهاء الرأي العام ببعض الإجراءات التي يقوم بها التحقيق سينجي التحالف الحاكم من دفع الثمن السياسي أولا والجنائي ثانيا جراء المسؤولية والتبعات المباشرة التي يتحملها التحالف كلا بكل قواه امام الكارثة غير المسبوقة التي ضربت بيروت.
وإذ اشتعلت البلاد مجددا بانتفاضة شعبية بالغة الخطورة مدفوعة بانفجار الغضب العارم الذي اجتاح البلاد كما هب العالم بأسره لنجدة الشعب اللبناني حصرا مطلقا حكم الإدانة القاطعة على التحالف الحاكم والسلطة والحكومة، انقلبت صفحة المشهد رأسا على عقب ورسمت وقائع قاسية صارمة وجد التحالف الحاكم نفسه امام حتمية اللجوء قسرا الى ما تجنب اللجوء اليه في اللحظة الأولى من الانفجار. قرر التحالف الحاكم التضحية بالحكومة التي وصفت يوم تشكيلها بحكومة العهد الأولى والتي جاءت قبل ثمانية اشهر محمولة بأحادية المحور الذي يضم العهد وقوى 8 آذار، وفجأة بدأت ترتيبات تقديم التضحية السياسية الى الداخل والخارج تحت حجة اندلاع معركة حادة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب عقب تفرد دياب بإعلانه اعتزامه تقديم مشروع قانون الى مجلس الوزراء حول الانتخابات النيابية المبكرة، الامر الذي اعتبره بري تجاوزا لصلاحيات مجلس النواب وقرر على الأثر معاقبة دياب بتحديد جلسة مساءلة للحكومة الخميس المقبل موحيا بإمكان اسقاط الحكومة فيها.
والحال ان هذه الذريعة بدت حجة شكلية في مسار التأزيم الكبير الذي وجد تحالف العهد والقوى المكونة للحكومة نفسه محاصرا فيه امام تمدد التداعيات النارية لكارثة الانفجار التي فضحت إهمالا هائلا للسلطة بكل مستوياتها لم تشفع في طمسه كل المحاولات اللاهثة التي تولتها أدوات السلطة لتوجيه الاتهامات سلفا ضد خصوم سياسيين او سواهم. كما ان قوى التحالف بدت كأنها قررت التضحية بالموقع الأضعف لديها راهناً تحسباً لاحتمال تكبد خسائر اكبر لاحقاً فقررت تقديم رأس حسان دياب فدية داخلية وخارجية على امل ان تتمسك من خلال رئيس الجمهورية ميشال عون بورقة التحكم باستحقاق التغيير الحكومي البديل وإطلاق المفاوضات الخلفية داخليا وخارجيا حول تسويات مقبلة راج الكلام عليها بقوة أخيرا.
واذا كانت الوقائع السياسية المملة والرتيبة التي طبعت الساعات الطويلة امس بين بعبدا والسرايا وعين التينة تمركزت حول التفاصيل التي دفعت دياب الى إطالة امد اعلان استقالته، كما لعب وزراء كثر أدوارا سطحية ومسرحية في التمهيد للاستقالة، فان المعطيات الجدية كشفت بما لا يقبل جدلا ان التحالف الحاكم للعهد وقوى 8 آذار ولا سيما منها الثنائي الشيعي اتخذ قرار"اقالة " حسان دياب وإطلاق الساحة امام الاستحقاق الحكومي المقبل عَل ذلك يؤدي أولا الى فتح التفاوض مع الداخل والخارج حول حكومة يبقى للتحالف يد طولى فيه ولو من ضمن وقائع جديدة تحفزها مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في العودة بقوة الى الوضع اللبناني بتفويض دولي وتحديداً أميركي. كما ان فتح الاستحقاق الحكومي الطارئ من شأنه ان يشكل قتالا تأخيرياً لمنع تسريع استحقاق الانتخابات النيابية المبكرة التي يرفضها التحالف الحاكم بكل قواه. ولعله يندرج في هذا الإطار الاجتماع الطارئ الذي علمت "النهار" انه عقد مساء امس في عين التينة وضم الى الرئيس نبيه بري الوزير السابق جبران باسيل والوزير السابق علي حسن خليل وعن حزب الله حسين الخليل ووفيق صفا. وأدرجت أوساط 8 آذار الاجتماع في التشاور الأولي حول الرئيس المكلف لتأليف الحكومة الجديدة. وعلى ذمة هذه الأوساط فان حركة "امل" و"حزب الله" ووليد جنبلاط يؤيدون عودة الرئيس سعد الحريري لتولي تأليف حكومة توافقية فيما يؤيد جبران باسيل تكليف السفير السابق نواف سلام. ولكن الوضع لا يزال في بداياته ولا يمكن بلورة صورة المواقف بوضوح من الان. وثمة معطيات تتوقع ضغطا فرنسيا ودوليا لاستعجال تأليف حكومة تتولى الإصلاحات كاولوية برئاسة سعد الحريري.
الإطلالة الأخيرة!
وبعد ساعات طويلة استبعد فيها الاعلام عن مكاتب رئيس الحكومة وقاعة مجلس الوزراء وسادها هرج ومرج اعلامي و"بطولات " وزارية تطايرت مع تصريحات وزيرات وزراء حاولوا تصيد اللحظة الشعبوية الأخيرة اطل دياب في السابعة والنصف على اللبنانيين بكلمة اعلان الاستقالة التي لم تختلف في نمطها اطلاقا عن كل ما دأب على إطلاقه من هجمات على معارضي الحكومة والقوى السياسية المعارضة، فيما لم يتجرأ بالتطرق بكلمة واحدة حيال أي فريق او طرف من أطراف التحالف الحاكم ولا تناول الظروف الحقيقية التي أسقطت حكومته. وشن دياب حملة حادة على "منظومة الفساد المتجذرة التي اكتشفت انها اكبر من الدولة التي لا تستطيع التخلص منها ". وقال "اننا امام مأساة كبرى وكان يفترض بالقوى الحريصة ان تتعاون لمساعدة الناس وبلسمة جراحهم لكن البعض يعيش في عالم آخر ولا يهمه من كل ما حصل الا تسجيل النقاط السياسية ". ومن دون ان يسمي أحدا مضى الى القول "انه يفترض بهؤلاء ان يخجلوا لان فسادهم فجر هذه المصيبة المخبأة منذ سبع سنوات وان المطلوب هو تغييرهم لانهم هم المأساة الحقيقية للشعب اللبناني ". وإذ دافع عن حكومته واعتبر ان "كل وزير فيها أعطى اقصى ما عنده" قال "كنا وحدنا وكانوا مجتمعين ضدنا لانهم يعرفون اننا نشكل تهديدا لهذه الطبقة". واعلن "اننا نتراجع خطوة الى الوراء للوقوف مع الناس ونخوض معركة التغيير معهم ونريد فتح الباب امام الإنقاذ الوطني لذلك اعلن اليوم استقالة هذه الحكومة والله يحمي لبنان ".
وتوجه دياب مساء الى قصر بعبدا وقدم استقالته الخطية الى رئيس الجمهورية ميشال عون ثم صدر مرسوم قبول الاستقالة وتكليف الحكومة بالاستمرار في تصريف الاعمال. ولم تخل الدقائق الأخيرة قبل الاستقالة من خدمات ومحاصصات اذ صدر مرسوم رئاسي بتعيين العميد ماهر الحلبي قائدا للشرطة القضائية، وكان مجلس الوزراء كلف أيضا باسم القيسي بتسيير أمور مرفأ بيروت لستة اشهر كما قرر المجلس إحالة انفجار المرفأ على المجلس العدلي.
الاستشارات متى؟
وإذ تردد ان الأسبوع الحالي لن يشهد تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتأليف الحكومة الجديدة سادت مخاوف من ان يعمد رئيس الجمهورية الى تكرار التجربة التي سبقت تكليف دياب عقب استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري اذ مضت أسابيع قبل اجراء استشارات التكليف بحجة توفير التوافق على اسم رئيس الحكومة الجديد. ولم تبدد المؤشرات الأولية الصادرة عن بعبدا امس هذه المخاوف اذ قالت مصادر بعبدا ان المشاورات السياسية تعطى وقتا قبل الاستشارات النيابية كما هي العادة الا ان الاستشارات النيابية لن تتأخر كثيرا.
في ردود الفعل الداخلية اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط استقالة الحكومة "انتصارا سياسيا كبيرا " واكد اننا مع تشكيل حكومة حيادية تشرف على انتخابات نيابية جديدة وفق قانون الطائف".
اما في ردود الفعل الخارجية فأعلنت الخارجية الفرنسية ان "الأولوية لتشكيل حكومة جديدة بسرعة" وأكدت انه من دون إصلاحات سيتجه لبنان نحو الانهيار.
مجلس الامن
وسط هذه الأجواء الداخلية انعقدت امس جلسة لمجلس الامن الدولي في شأن لبنان قال خلالها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "ان التداعيات الاقتصادية لتفجير بيروت كبيرة ونعمل على مساعدة لبنان طبيا وإنسانيا". وأضاف ان الأمم المتحدة تشارك في عمليات الإغاثة في لبنان "كما شدد على ضرورة تحقيق إصلاحات اقتصادية في لبنان منوها بان "لدى لبنان إرادة قوية ولن نترك بيروت وحدها الانفجار جاء في وقت صعب حيث يواجه لبنان صعوبات اقتصادية وتأثيرات جائحة كورونا".
• كتبت صحيفة " الجمهورية " تقول : مشهدان متناقضان يحكمان الواقع اللبناني؛ الاول، فيه شيء من الأمل، عبّر عنه التعاطف الدولي مع لبنان في مصابه الكارثي خصوصاً الفرنسي، حيث دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لبنان الى "الإسراع في تشكيل حكومة تثبت فاعليتها أمام الشعب". وقال لودريان في بيان "يجب أن تكون الأولوية للإسراع في تشكيل حكومة تثبت فاعليتها أمام الشعب وتقضي مهمتها بالإستجابة للتحديات الرئيسية للبلاد وخصوصاً إعادة إعمار بيروت والإصلاحات التي من دونها، تمضي البلاد نحو انهيار إقتصادي وإجتماعي وسياسي". وأضاف لودريان "لا بد من الإصغاء الى التطلعات التي عبر عنها اللبنانيون على صعيد الإصلاحات وكيفية ممارسة الحكم".
وتابع "في هذه الأوقات الصعبة من تاريخه، تقف فرنسا الى جانب لبنان كما فعلت دائما". واما الثاني، فمشهد اقل ما يُقال فيه إنه مقزّز، تتشاركه سلطة مشوّهة فاقدة اصلاً لعلّة وجودها، وها هي ترحل بعدما قدّمت أسوأ نموذج في الحكم وإدارة الدولة – مع شركائها في جريمة افلاس البلد وانهياره، واخضاعه لمحميّات المكاسب والمصالح والصفقات والفساد، التي اشعلت فتيل زلزال المرفأ واحلّت الكارثة ببيروت وأهلها، ومن خلالها بكلّ لبنان واللبنانيين.
بعد ستة اشهر بالتمام والكمال على وجودها في الحكم منذ 11 شباط الماضي، استقالت حكومة حسان دياب، الذي زار القصر الجمهوري مساء أمس وسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كتاب استقالة خطية للحكومة، فقبلها وطلب اليه الاستمرار في تصريف الاعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة.
دياب
وكان دياب قد تلا قبل ذلك بيان الاستقالة من السرايا الحكومية، وجاء هجومياً على من سمّاها "منظومة الفساد التي تبيّن انّها اكبر من الدولة"، لافتاً الى انّ احد نماذج الفساد قد انفجر في مرفأ بيروت، وقال: "انّ حجم المأساة اكبر من ان يوصف، لكن البعض لا يهمّه من كل ما حصل الّا تسجيل النقاط السياسية والخطابات الشعبوية الانتخابية".
اضاف: "كان يُفترض ان يخجلوا، لأنّ فسادهم انتج هذه المصيبة المخبأة منذ 7 سنوات، والله اعلم كم مصيبة موجودة تحت عباءة فسادهم"، مؤكّداً انّ المطلوب هو تغييرهم لأنّهم هم المأساة الحقيقية للشعب.
وشدّد دياب على "انّهم استعملوا كل اسلحتهم وزوّروا الحقائق وكذّبوا على الناس، وكانوا يعرفون اننا نشكّل تهديداً لهم بـ "تحقيق سريع يحدّد المسؤوليات"، وختم: "نريد ان نفتح الباب امام الإنقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته، لذلك اعلن استقالة هذه الحكومة .. والله يحمي لبنان".
الوقائع المتدحرجة
كل الوقائع التي تدحرجت على المسرح الداخلي نهار امس، اكّدت انّ حكومة السلطة تعيش لحظاتها الاخيرة، بعدما فقدت الحد الادنى من القدرة على الإستمرار، فيما كانت العاصمة بيروت تجاهد وبقدرات متواضعة، للملمة جراحها العميقة وآثار الزلزال الكارثي الذي ضربها ونكب أهلها، والتحقيق ماضٍ – في هذه الجريمة الفظيعة التي احيلت على المجلس العدلي- في محاولة كشف ملابسات الانفجار الغامض وتحديد المسؤوليات، والحصول على اجابات واضحة لا تقبل ادنى شك، حول اصل شحنة "نيترات الموت"، وكيف وصلت الى مرفا بيروت؟ ومن احضرها؟ ولحساب من؟ ولماذا تمّ تخزينها طيلة سنوات، برغم علم المخزّنين بخطورتها الكبيرة؟ ولماذا تمّ التراخي في التعاطي مع حريق المرفأ فور اشتعاله قرابة الواحدة بعد ظهر الرابع من آب، اي قبل 5 ساعات من الانفجار الكبير، ومن دون ان يحرّك المعنيون ساكناً؟ والأهم من كل ذلك، لماذا تمّ تجاهل "نيترات الموت" من قِبل السلطات الحاكمة سواء الحالية او السابقة، مع أنّه بات مؤكّداً من انّها أُخطرت بوجودها وبحجم خطرها الذي جاء كارثياً مع الانفجار؟
زلزال سياسي
في موازاة زلزال بيروت، بدا جلياً انّ زلزالاً سياسياً ضرب السلطة بكل مستوياتها. رئيس الحكومة حاول ان يماشي حراك الغاضبين ومصادرة مطلبهم بالانتخابات النيابية المبكرة، والقى بهذه المتفجّرة السياسية في قلب الحاضنة السياسية لحكومته، وانفجارها السريع كان مدوّياً في بعبدا وعين التينة وسائر زوايا الحاضنة. والسؤال الاساس الذي طُرح في هذا الجانب: من نصحه بهذه الخطوة المتسرّعة التي لا تنم الّا عن مراهقة سياسية؟ وإلامَ كان يرمي من ورائها؟ وهل قدّر عواقبها وارتداداتها؟ وهل يستطيع وحده ان يحلّ المجلس النيابي او ان يقصّر ولايته؟ وقبل كل ذلك، على اي قانون يريد حسان دياب ان يجري الانتخابات النيابية المبكرة؟ وهل انّ حكومة عاجزة على ان تتفق على ارقام خسائر لبنان، او ان تتخذ قراراً بنقل حاجب من مكان الى آخر، قادرة على انجاز انتخابات مبكرة؟
عون وبري مصدومان
وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ العبوة السياسية، التي القاها حسان دياب، احدثت مفاجأة كبرى في القصر الجمهوري. وانّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جاهر بغضب بالغ من خطوة لم تكن متوقعة في بعبدا، وصدرت من دون التشاور مع الرئيس. وثمة اسئلة كثيرة طُرحت على شاكلة من نصحه بذلك، ومن ورّطه فيها. واما النتيجة الفورية فخلاصتها، كما يقول عارفون موثوقون، انّ رئيس الجمهورية، الذي كان حتى ما قبل عبوة حسان دياب، رافضاً لفكرة تغيير الحكومة، جاءت عبوة الانتخابات المبكرة لتحدث انقلاباً جذرياً في موقفه، وصار متحمساً للتغيير.
وتشير المعلومات، الى انّ حجم الصدمة كان كبيراً جداً في عين التينة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، تلقّى اعلان دياب عن الانتخابات المبكرة بسلبية كبرى، واستغراب بالغ لكيفية الإقدام على مثل هذه الخطوة من دون تشاور او تنسيق سواء مع رئيسي الجمهورية والمجلس، او مع اطراف الحاضنة السياسية للحكومة التي حمتها على مدى الاشهر الماضية، وصرفت من رصيدها الكثير لتبقيها محصّنة امام الهجومات التي كانت تتناولها على تقصيرها الفاضح في شتى المجالات، وايضاً على السقطات المتتالية لرئيس الحكومة، ولاسيما منها مع وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان وكذلك مع الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط".
وبحسب المعلومات، فإنّ رئيس المجلس، الذي لم يرَ ايّ مبّرر لمبادرة رئيس الحكومة الى هذا التفرّد في مسألة دقيقة وشديدة الحساسية التي تحتاج الى توافق شامل، ويلقيها كجمرة حارقة في يد الحاضنة السياسية للحكومة، والردّ المعبّر والبالغ الدلالة جاء بما مفاده "رضينا بالهم والهمّ مش راضي فينا".
في جانب منها، بدت مبادرة دياب الى طرح الانتخابات المبكرة، تنطوي على محاولة للنأي بهذه الحكومة ورئيسها، ونفض اليد من الشراكة في مسؤولية ما جرى في زلزال بيروت، علماً انّ مستويات رفيعة في الدولة تؤكّد انّ مراسلات تلقّاها رئيس الحكومة من الجهات الامنية المعنية، حول خطورة ما هو مخزّن في المرفأ من دون ان تبادر الى اي اجراء، وكذلك محاولة استثمار الحراك والقاء المسؤولية على مجلس النواب، في الوقت الذي كان يتعرّض هذا المجلس لمحاولات لاقتحامه من قِبل مجموعات ليل السبت.
ومن هنا، بحسب العارفين، كان لا بدّ من مبادرة رئيس المجلس الى ان "يرد الإجر" لدياب، وقطع الطريق على اي محاولة من هذا النوع للتنصّل من المسؤولية، وكان قراره بجلب الحكومة الى حلبة الجلد، في جلسة محاسبة للحكومة حدّدها الخميس، "لمناقشتها على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب، وتجاهلها". وبالتالي ترك النواب يقرّرون مصيرها.
اتصالات.. فاشلة
وتشير المعلومات، الى انّ حركة اتصالات مكثفة جرت ما بين ليل امس الاول الاحد، والساعات السابقة لانعقاد جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية بعد ظهر امس، التي جرى فيها الاكتفاء بإحالة انفجار مرفأ بيروت على المجلس العدلي وعرض تقرير لجنة التحقيق. وشارك في الاتصالات بشكل مباشر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي تنقّل بين المقرّات الرئاسية، وكذلك اطراف اساسيون من حاضنة الحكومة. وتردّدت معلومات في هذا الاطار عن تواصل حصل بين رئيس الحكومة و"حزب الله"، ( ربما مع المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين خليل).
وفيما لم يُسجّل اي تواصل ما بين رئيس المجلس ورئيس الحكومة، افيد عن تواصل بين دياب ورئيس الجمهورية. وكشفت اوساط مواكبة لحركة الاتصالات لـ"الجمهورية"، انّها تمحورت بالدرجة الاولى حول محاولة حمل رئيس الحكومة على التراجع عن طرحه، وربطاً بذلك تنقل اللواء ابراهيم اكثر من مرة بين السرايا الحكومية وعين التينة، ولكن هذه المحاولات كانت فاشلة، وذلك لرفض دياب التراجع.
ولفتت المعلومات، الى انّ رئيس الجمهورية الذي أجرى اكثر من اتصال مباشر وغير مباشر بينه وبين رئيس الحكومة، كان رافضاً لأن يُطرح موضوع الانتخابات المبكرة في جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة بعد ظهر امس، في القصر الجمهوري، فتمّ نقل الجلسة الى السرايا الحكومية وسط أجواء أوحت بأنّ استقالة دياب باتت حتمية، مهّدت اليها سلسلة الاستقالات الوزارية. فيما صدر من عين التينة تأكيد متجدّد على عقد جلسة محاسبة الحكومة الخميس، بعدما ثبتته هيئة مكتب المجلس النيابي إثر اجتماعها برئاسة بري في عين التينة، حيث كان لافتاً قول عضو "تكتل لبنان القوي": "سنؤكّد في اجتماع هيئة المكتب اليوم اذا لم تستقل الحكومة اليوم، ستستقيل الخميس" في اشارة فُسِّرت على انّ الاستقالة ان لم يعلنها رئيس الحكومة، فسيفرضها النواب في جلسة المحاسبة.
استقالوا تجنّباً للبهدلة
الاكيد انّ استقالة الحكومة، كانت مؤيّدة من حاضنتها السياسية، قبل المعارضة، ونُظِر الى هذه الاستقالة على انّها حتمية، فإن لم يستقل رئيسها، سيستقيل 7 وزراء منها بما يجعلها ساقطة حكماً، وإن لم يستقل هؤلاء الوزراء فستُقال الحكومة في جلسة الخميس، ولعلّ هذه الاقالة في جلسة الخميس هي التي دفعت العديد من الوزراء الى اعلان استقالتهم مسبقاً، قبل ان تتمّ اقالتهم "ويتبهدلون" في جلسة المحاسبة.
من البديل؟
على انّ البند الاساس الذي سيطر على النقاش، هو مرحلة ما بعد الاستقالة، وهوية بديل رئيس الحكومة، وما اذا كان هذا البديل جاهزاً، وهذا يعني تشكيلاً سريعاً لحكومة جديدة، او لم يكن جاهزاً، وهذا معناه السقوط في ازمة البحث عن البديل، ومعناه ايضاً السقوط في الفراغ الحكومي الذي قد يكون طويلاً في ظل غياب هذا البديل.
مع استقالة دياب، تنعدم امكانية اعادة تسميته لتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا بات محسوماً، حتى في اجواء الحاضنة السياسيّة لحكومته، الّا انّ نادي المرشحين لتشكيل الحكومة الجديدة يبدو خاوياً حتى الآن.
ماذا بعد الاستقالة؟
البديهي، بعد تقديم رئيس الحكومة استقالته، وقبولها من قبل رئيس الجمهورية، أن يطلب رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة تصريف الاعمال، الى حين تشكيل الحكومة الجديدة. وبالتالي، يدعو الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الجديد. إلا انّ عدم توفّر اسم الشخصية البديلة حتى الآن، قد يفرض على رئيس الجمهورية تأجيل دعوته الى الاستشارات الملزمة الى الاسبوع المقبل، او ربما الى الاسبوع الذي يليه، ريثما يتم التوافق المُسبق على اسم هذه الشخصية.
وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ اسم الرئيس سعد الحريري هو اكثر ترجيحاً، الّا انّ الأمر غير محسوم بصورة نهائية، حيث اكدت مصادر موثوقة انّ هذا الامر يحتاج الى مشاورات جدية، خصوصاً انّ للرئيس الحريري شروطاً معيّنة سبق له ان أعلنها قبل تشكيل الحكومة الحالية.
وبحسب مصادر حاضنة الحكومة المستقيلة، فإنّ كل ذلك سيتبيّن مع حركة الاتصالات المكثفة التي ستحصل بوتيرة سريعة، خصوصاً انّ وضع البلد لا يحتمل أيّ تأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، فلبنان كله على الارض. وامام هول الكارثة، لا يملك ان يضيّع ولو لحظة واحدة على شروط من هنا وشروط من هناك، وعلى فجع من هنا وهناك على الوزارات السيادية والخدماتية والتي تعتبر الحقائب "المدهنة"، على حد التوصيف الذي يطلق على بعض الوزارات.
حكومة.. بوظائف محددة
وبحسب مصادر سياسية، فإنه بعد استقالة دياب، لن يتم الوقوع في الخطأ نفسه، الذي حصل قبل تكليف حسان دياب، لا سيما بعد فشل تجربة حكومة التكنوقراط التي كانت عبئاً على البلد وعبئاً على نفسها ايضاً، بل انّ الاولوية هي لحكومة تتمتع بالمواصفات التالية:
- أولاً، حكومة لا حيادية ولا تكنوقراط
- ثانياً، حكومة وحدة وطنية جامعة سياسية مطعّمة باختصاصيين، تتمثّل فيها كل الاطراف السياسية. والافضلية تبقى لحكومة أقطاب.
- ثالثاً حكومة لها مجموعة وظائف:
- الوظيفة الاولى اعادة التوازن الداخلي في لبنان، بعدما فقد هذا التوازن نهائياً، وهذه مسؤولية كل الاطراف من دون استثناء.
- الوظيفة الثانية، الحضور الفاعل والمباشر على الارض للملمة آثار زلزال بيروت، ورسم خريطة طريق اعادة الاعمار.
- الثالثة، إجراء إصلاحات نوعيّة وسريعة تضع لبنان على سكة الخروج من الازمة الاقتصادية. ومن شأن ذلك، تسريع التفاهم مع صندوق النقد الدولي الذي اكد مجدداً قبل ساعات أن لا مساعدات للبنان من دون اصلاحات، وايضاً عبر تسريع وضع "سيدر" موضع التنفيذ.
- الرابعة، الاستفادة من المناخ الدولي المتعاطف مع لبنان، ومحاولة البناء عليه لتطويره من الانتقال من تقديم مساعدات إنسانية، الى تقديم مساعدات مالية يحتاجها لبنان وتمكّنه من الصمود في وجه أزمته وتجاوزها. وهذا يوجِب المبادرة الى خطوات سريعة تستعيد ثقة العالم بلبنان، وبالدولة والسلطة. مع الاشارة الى انّ المجتمع الدولي قرنَ تعاطفه مع لبنان في الكارثة التي اصابته، بإعلان عدم الثقة بالسلطة عبر حجب مساعداته عن السلطة وحصرها بممرات الى لبنان عبر الامم المتحدة بعيداً عن يد السلطة في لبنان.
تنازلات
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ الشرط الاساس للوصول الى مثل هذه الحكومة في وقت سريع، هو إدراك كل الاطراف ومن دون استثناء انّ ما كان ممكناً قبل كارثة 4 آب هو مستحيل بعده، وانّ الدلع الذي كان يحصل مع تشكيل الحكومات، والشروط التي كانت ترتفع سقوفها من قبل هذا الطرف او ذاك، لا مكان لها مع التطورات الجديدة. ولذلك، فإنّ كل الاطراف محكومون بتقديم تنازلات، بصرف النظر عمّن ستكون الشخصية التي ستكلّف لتشكيل الحكومة الجديدة.
رد فعل الغاضبين
وعلى الرغم من التطور الذي حصل، بقي رد فعل قوى الحراك الشعبي في حدود التصعيد ضد السلطة السياسية، رفضاً لإعادة انتاج سلطة جديدة بالاسم إنما هي مُستنسخة عن السلطات التي تعاقبت وتسببت بانهيار البلد. ولوحِظ بالأمس عودة الصدامات الى محيط مجلس النواب في وسط بيروت، تخللها رشق بالحجارة في اتجاه العناصر الامنية المولجة حماية المجلس، وتدخلت القوى العسكرية والامنية وأطلقت في اتجاههم القنابل المسيلة للدموع.
مجلس الأمن
وفي تطور دولي لافت، عقد مجلس الامن الدولي جلسة حول لبنان بعد انفجار المرفأ، وقال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إن "التداعيات الاقتصادية لتفجير بيروت كبيرة، ونعمل على مساعدة لبنان طبياً وإنسانياً".
وأضاف: "العديد من الأشخاص لا يملكون منازل الآن بسبب تفجير بيروت"، مشيراً إلى أنّ "الأمم المتحدة تشارك بعمليات الإغاثة في لبنان، والتداعيات الاقتصادية لتفجير بيروت ستكون كبيرة، ولا بد من تحقيق إصلاحات اقتصادية في هذا البلد".
وتابع: "لدى لبنان إرداة قوية، ولن نترك بيروت لوحدها. الانفجار جاء في وقت صعب حيث يواجه لبنان صعوبات اقتصادية وتأثيرات جائحة كورونا".
ودعا غوتيريش "إلى دعم دولي قوي لجميع المحتاجين في لبنان، وخاصة الفئات الأكثر ضعفاً". وقال إنّ "برنامج الغذاء العالمي يمدّ لبنان بالمواد الأساسية".
ولفت إلى أنه "من المهم تنفيذ الإصلاحات لتلبية احتياجات اللبنانيين على المدى الطويل".
وأشار إلى أنه "يجب إجراء تحقيق موثوق وشفّاف بشأن الانفجار في مرفأ بيروت، وتحقيق المساءلة التي يطالب بها الشعب اللبناني، ومن المهم تنفيذ الإصلاحات لتلبية احتياجات اللبنانيين على المدى الطويل".
ماكرون وعون
الى ذلك، أجرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اتصالاً أمس برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وجرى بحث في نتائج مؤتمر دعم بيروت والشعب اللبناني الذي عقد امس الاول افتراضيّاً في باريس. واتفق الرئيسان عون وماكرون على استمرار التواصل لمتابعة تنفيذ ما اتُفق عليه في مؤتمر باريس، وتنسيق مواقف الدول المشاركة.
إسرائيل
الى ذلك، قال الرئيس الاسرائيلي رؤوبين رفلين، انّ "وجهة بلاده ليست نحو الحرب مع لبنان، ولكن في ضوء التوترات على الحدود الشمالية فإنها جاهزة ومستعدة أتمّ الاستعداد لمواجهة جميع الاحتمالات".
بدوره، قال وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس إنّ "انفجار بيروت كان من الممكن أن يكون أقسى لو طالَ صواريخ إيرانية الصنع كانت هناك"، منوّهاً بأنه "شهدنا المأساة التي وقعت في بيروت، ودعونا نتخيّل لو أنّ الانفجار طال الصواريخ الموجودة في لبنان". وتابع: "هناك غرفة للضيوف وغرفة للصواريخ في نفس البيت".
ولفتَ غانتس، خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الى انّ "إسرائيل تعمل لمنع التمَوضع الإيراني في سوريا ودول أخرى في المنطقة"، مؤكداً أنّ "حسن نصر الله هو العدو اللدود لإسرائيل من الشمال". وقال: "اذا فرضت علينا معركة أخرى في لبنان فسنخوضها بدون أيّ مانع، ولكن مثل هذه المعركة ستكون لها توابع وانعكاسات خطيرة بالنسبة للبنان".