سياسةمحليات لبنانية
قالت الصحف:صورة ضبابية للمشهد الحكومي والانفراج النفطي
الحوار نيوز – خاص
رسمت الصحف اللبنانية الصادرة هذا الصباح صورة ضبابية للمشهد اللبناني ،سواء على صعيد تشكيل الحكومة أم على مستوى معالجة أزمة المحروقات ،فتراوحت معلوماتها بين التفاؤل الحذر والتشاؤم بإمكان الحلول في المدى المنظور.
-
وكتبت صحيفة النهار تقول: قد يبدو صعباً الجزم مسبقاً بما اذا كانت ستنجح المحاولة المتقدمة التي سيقوم بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اليوم بتقديم تشكيلته الوزارية الى رئيس الجمهورية ميشال عون ومحاولة الحصول على توافق نهائي معه لاعلان الولادة الحكومية. ومع ذلك فإن ما لا يصعب التكهن به ابداً هو ان مشهد لبنان أمس بالذات يكفي وحده للضغط الهائل لتأليف حكومة جديدة بمعايير مستقلة وموضوعية تضع حدا لمأساة ترك الناس عرضة لسلطة فاشلة وساقطة بهذا المستوى.
والواقع الذي برز خلال الساعات الـ48 الفاصلة بين اجتماع بعبدا عصر السبت الماضي الذي اقرت فيه آلية موقتة لرفع تسعيرة المحروقات على أساس دولار 8000 ليرة وصباح امس، تكشف عن تحويل البلاد بأسرها مسرحاً مخيفاً لفوضى طوابير السيارات التي ملأت بيروت والكثير من المدن والبلدات وتحول معها أيضاً مطلع الأسبوع الى المشهد الأسوأ اطلاقاً منذ بدء ازمة المحروقات، وكل ذلك بفضل “ابداعات” وزارة الطاقة والمياه التي أغرقت الشركات والمحطات والناس بتخبطها الهائل بقرارات ارتجالية أدت الى هذا الجحيم. وإذا كانت المعطيات التي أفضى اليها يوم فوضى الطوابير وقطع الطرق خصوصاً على امتداد الخط الساحلي من الشمال الى الدامور حملت مؤشرات لبدء الحلحلة من اليوم، فان هذا التخبط الذي طبع مطلع الأسبوع رسم مزيداً من التشاؤم حيال إمكان حلحلة فعلية لأزمة الطوابير التي باتت تهدد البلاد بفوضى اجتماعية وامنية لا تحمد عقباها.
على امتداد الطرق من الشمال الى الجنوب وصولا الى البقاع، شهدت محطات المحروقات طوابير سيارات إمتدت لمسافة كيلومترات على أمل الحصول على بعض الليترات من البنزين، لتخرج معلومات بعد ظهر أمس تتحدث عن إنفراج موعود للأزمة بدءا من اليوم. وأقفلت معظم محطات المحروقات أبوابها بعد نفاد مخزونها فيما أعلن بقرار وزارة الطاقة عن توقف اي عملية إستيراد للمحروقات او تفريغ حمولات بواخر قبل نفاد المخزون الموجود في السوق الذي تمّ استيراده على أساس 3900 ليرة للدولار ليتم الاستيراد والتفريغ على أساس التسعيرة الجديدة بعد نفاد المخزون، وعلى أن يقوم المراقبون والقوى الأمنية بالتأكّد من نفاد المخزون في محطات الوقود، ما استتبع إشتداد أزمة المحروقات. ومساء أمس، علم انه بناء على طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تواصل مع الشركات المستوردة للمحروقات، بدأت الشركات إفراغ حمولة ثلاث بواخر محملة بمادة البنزين بكميات تصل الى 48 الف طن قبل حصول الشركات على الاذونات المسبقة للتخفيف من حدة الازمة على ان تلحقها ايضا مزيد من الكميات تصل الى 40 الف طن إضافية. ويفترض ان تظهر بدايات الحلحلة من صباح غد الاربعاء على ان تستلم المحطات الكيمات المطلوبة لتفتح ابوابها من جديد.
إيران ونفطها
اما في الجانب “الإقليمي” من ازمة المحروقات المتصل بالتطور المتعلق باستقدام “حزب الله” المحروقات الإيرانية، فقد بدا لافتاً امس صدور الموقف الأول من طهران على هذا التطور من خلال تعليق على تصريحات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخيرة عن استقدام المحروقات. وقالت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها سعيد خطيب زادة: “لا نستطيع الاكتفاء بمشاهدة معاناة الشعب اللبناني.. هذا الشعب متمكن وثري، ومن الطبيعي إرسال الوقود لمَن يشتريه منا”. وأضاف “نحن مستعدّون لمساعدة لبنان بهذا الخصوص، إن طلبت الحكومة اللبنانية ذلك”. وكان نصرالله أكد الاحد أن “السفينة الثانية ستبحر بعد أيام، وستلحق السفينة الأولى التي صارت في عرض البحر”. وشدد على أن “النفط الذي نأتي به هو لكل اللبنانيين، وللمستشفيات والأفران، ونحن لسنا بديلا عن الدولة، ولسنا بديلا عن الشركات التي تستورد المحروقات، ولسنا في مجال التنافس مع أحد”. ولاحظت أوساط معنية ان الموقف الإيراني الرسمي من هذا الملف ترك انطباعات “تبريدية” للمناخ التصعيدي الذي عمل نصرالله على اشاعته من خلال التركيز على مناخ مواجهة. واذا كانت طهران في تعليقها تبنت مبدأ مساعدة لبنان فانها تعمدت الإشارة الى الجانب التجاري من خلال “بيع” الوقود لا وهبه، والإشارة الأخرى الى انها تساعد لبنان اذا طلبت حكومته ذلك. واعتبرت هذه الأوساط ان الموقف الإيراني يوحي بعدم الانخراط في مناخات مواجهة على خلفية ارسال باخرة او اكثر من الوقود الى لبنان .
تشكيلة حكومية
وسط هذه الأجواء المحمومة تترقب الأوساط السياسية الزيارة التي سيقوم بها اليوم الرئيس ميقاتي لقصر بعبدا بعد انقطاع أيام لاجتماعاته مع رئيس الجمهورية اذ تفيد المعلومات ان ميقاتي يزمع تقديم تشكيلة وزارية كاملة على أساس توزيعة الثلاث ثمانات. ومع ان الكثير من التسريبات تناول أسماء عدد من الأشخاص قيل انهم صاروا من المثبتين في التشكيلة، ذكرت معلومات أخرى ان لا صحة لمعظم ما أوردته مواقع إخبارية من “بالونات اختبار” . وأفادت ان ميقاتي تشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الماضية وان الأخير يؤيده ويشجعه على تقديم تشكيلته اليوم . وذكر ان ثمة استبعادا لان يحصل ميقاتي اليوم على جواب حاسم وفوري من الرئيس عون الذي سيطلب حتماً درس التشكيلة بدقة قبل ان يبدأ البحث فيها مع ميقاتي مع احتمالات تعديلها مع ان ثمة من يقول ان كثيرا من الأسماء التي ادرجها ميقاتي ضمن حصة رئيس الجمهورية هي لمرشحين سماهم عون ووافق عليهم ميقاتي وهم من رموز العلاقة الوثيقة السياسية والشخصية بعون “والتيار الوطني الحر”. وأفادت معلومات ان ميقاتي قد يكون حدد هذا الأسبوع مهلة حاسمة للتوصل مع عون الى توافق على التشكيلة والا فانه في نهاية الأسبوع قد يعلن اعتذاره .
وفي المواقف السياسية البارزة من التطورات توقف المكتب السياسي لحركة “أمل” “امام حالة التخبط العشوائي في أداء المؤسسات والمواقع الرسمية المختلفة في تصريف شؤون البلاد والعجز المتمادي في ايجاد الحلول واتخاذ القرارات غير المدروسة تحت عنوان الموقت”. واعتبر “إن كل تأخير ومماطلة وفرض شروط قديمة متجددة على طريق تشكيل الحكومة هو جريمة بحق كل اللبنانيين الذين يعانون من تراكم الازمات المعيشية والحياتية وهو فعل بحال استمراره يهدد ما تبقى من فرص للخروج من المأزق”.
في المقابل اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ” ان رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الطاقة يتحملون معاً مسؤولية استمرار ازمة المحروقات، ولا سيما ان الحل موجود ومتوافر ويعطي نتائج فورية ألا وهو تحرير السوق فورا”. أما في ما يتعلق “بباخرة السيد حسن الموعودة” فقال جعجع ان ” هذه لا تعدو كونها مزحة صغيرة وسمجة في خضم المأساة التي نعيشها، إذ لو أن استيراد المحروقات من إيران يحل مشكلة لكانت إيران حلت مشكلة سوريا منذ سنوات”. واقترح جعجع “على السيد حسن أن تعمد إيران إلى حل مشكلة سوريا بالمحروقات فتحل فورا نصف مشكلة لبنان. وأخيرا لا حل لأزمة المحروقات فعليا إلا بتحرير السوق، ولا حل لأزمة لبنان إلا بتحرير الدولة ممن هم في مواقع السلطة في الوقت الحاضر”.
-
وكتبت صحيفة “الأخبار” تقول: رغم كل ما يُشاع عن تقديم رئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي تشكيلة حكومية اليوم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لم تكن دوائر القصر قد تبلغت حتى مساء أمس أي طلب من ميقاتي لزيارة القصر الجمهوري. فعلياً، لا تقدّم يُذكر في مسألة التشكيل، بل ما زالت الأمور على ما كانت عليه قبيل أسبوع، أي عند الزيارة الأخيرة لميقاتي حيث “قدّم تصوّراً ينسف كل ما جرى الاتفاق عليه بينه وبين عون مما أعاد الأمور إلى النقطة الصفر”، على ما تقول مصادر مُطّلعة. فالأجواء الإيجابية التي رافقت اتفاق عون وميقاتي على توزيع الحقائب على الطوائف بانتظار إسقاط الأسماء عليها، تبدلت سريعاً الاثنين الفائت مع تقديم ميقاتي صيغة مخالفة تماماً، مما وضعته مصادر مقربة من القصر في إطار “أمر عمليات بوقف الحكومة”. ولغاية الآن، “لا مؤشرات على أن التدخل خارجي في حين أن واشنطن وباريس، والأخيرة بشكل خاص، تضغطان باتجاه تشكيل حكومة. ولا يمكن لميقاتي بأي حال من الأحوال مخالفة الرغبة الفرنسية”. أما التذرّع برفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سقف المواجهة مع الغرب بإعلانه استقدام سفن نفط إيرانية، فـ”ليس في محله”، على ما ترى المصادر، لأن “حزب الله لا يفجّر الحكومة وهو حريص على تشكيلها ولديه كل أدوات التسهيل”. بالتالي، لا يبقى في الميدان إلا تدخل رؤساء الحكومات السابقين على رأسهم سعد الحريري، ما يطرح سؤالاً أساسياً: “هل أصبح ميقاتي أسير وحش نادي رؤساء الحكومات الذي ساهم في نشأته؟”. وتخلص المصادر إلى أن “الرئيس عون ينتظر ما سيقدّمه ميقاتي الذي وعد بحلّ المشكلة التي نشأت نتيجة التغيير في الاتفاق… لكنه من يومها ذهب ولم يعد”!
تراوحت الافتراضات في شأن ولادة الحكومة بين الجزم بأن الاتفاق السياسي ــــ التقني يمضي قُدماً في تذليل آخر العقبات قبل الإفراج عنها في غضون أيام، وبين تكهنات بأن الإيجابية المفاجئة مجرّد مناورة. فيما نشطت، أمس، التسريبات مِن جانبَي الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، مُتحدثة عن ورقة جديدة، إما أن تُفضي مع نهاية الأسبوع إلى حكومة توفّر الحد الأدنى من مقومات إمرار هذه المرحلة الحساسة، وإما فرملة الاندفاعة مع إطلاق العنان لتوقعات حول تداعيات الفشل، الأكيد أن الاعتذار ليسَ بينها. إذ أن اتفاق الإطار الذي وضِع للحكومة، ووافق الرئيسان عليه، يعني أن شدّ الحبال يبقى “ضمن تحسين الشروط”، مِن دون أن يصِل إلى حد تهديد الركائز التي بُنيت عليها الخريطة الحكومية من “العدد إلى عدم المداورة في الحقائب السيادية، وعدم إعطاء الثلث المعطل لأي فريق”. لذا تضع دوائر سياسية التعثّر الذي أصاب مسار التأليف في إطار “محاولة تأمين المخارِج المُمكنة للاعتراضات التي وضعها كل من عون وميقاتي على بعض الأسماء المتبادلة”. وإذ لم تشأ هذه الدوائر كشف المخارج التي لجأ إليها الرئيسان، بدت مطمئنة إلى أن الحكومة تشقّ طريقها إلى الأمام.
في المبدأ، تُشير هذه الدوائر إلى تغييرات طرأت على الأسماء التي وضعها كل من عون وميقاتي. ففيما العقد حُصِرت أخيراً بين وزارات الطاقة والعدل والداخلية، أكدت مصادر مطلعة أن “رئيس الجمهورية وضع ثلاثة أسماء جديدة لوزارة الطاقة، بعدما اقترح سابقاً المستشار بيتر خوري ورفضه رئيس الحكومة المكلف”. أما بالنسبة إلى وزارة العدل “فبعد رفض ميقاتي اسم رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فواز التي اقترحها عون، جرى التداول بثلاثة أسماء جديدة؛ من بينها حبيب رزق الله وأنطون إقليموس، طرحها ميقاتي وردّها عون باقتراح اسم مالك صعيبي”، أما بالنسبة إلى الداخلية فالمنافسة لا تزال بين “مروان زين واللواء إبراهيم بصبوص”، ولا اسم محسوماً حتى الآن في الوزارات الثلاث.
أحدث المحاولات الحكومية لتسويق الأجواء الإيجابية سرعان ما عادت إلى حجمها الطبيعي بعيداً عن المبالغات، وذلك وفقاً للمعطيات الآتية:
ــــ أولاً لم تكُن الدوائر المعنية في بعبدا قد تبلّغت من جانب الرئيس المكلف أي طلب لعقد موعد اليوم، بعدما راجت معلومات بأن ميقاتي قد يقصد القصر الجمهوري حاملاً تشكيلة جديدة.
ــــ ثانياً، ترفض بعبدا خوض النقاش في غير الوزارات المعروف أن هناك خلافاً على الأسماء فيها، أي الطاقة والعدل والداخلية، وفي حال كانت التشكيلة التي يحملها ميقاتي تتضمن تغييرات إضافية فهي مرفوضة.
ــــ ثالثاً الاتفاق على عدم حصول أي طرف على الثلث المعطل، يبقي عقدة أساسية عالقة بشأن الوزراء الثلاثة المسحيين. فإلى جانب الوزراء الـ 7 من حصة عون، و2 من حصة تيار “المردة” تنتظر 3 أسماء مسيحية أخرى البت بها. صحيح أن هؤلاء الوزراء سيتولون وزارات “لايت”، لكن الحرب على الأسماء ترتبط بالتصويت في ما بعد داخل مجلس الوزراء. فاختيار الأسماء عملية دقيقة ولن يكون التوافق حولها سهلاً لأنها ستحسم الثلث المعطل بشكل مقنّع.
وبناء عليه، فإن النبرة التي تحدثت بها مصادر القوى السياسية المعنية بالتأليف لم تكُن بالتفاؤل نفسه الذي سارعَ البعض الى نشره، كما لو أن الحكومة اليوم. مصادر رئيس الجمهورية التي لفتت إلى أن “الرئيس عون ينتظر التشكيلة الموعودة”، أكدت أن “أبواب بعبدا مفتوحة إن وجدَ الرئيس ميقاتي إليها سبيلاً”. وفي وقت تتكتّم فيه مصادر ميقاتي على كل ما له علاقة بشأن التشكيلة أو الأسماء أو الموعد الذي سيزور فيه بعبدا، شددت على أن “لا اعتذار”. يبقى هذا الاحتمال الأكثر واقعية، وخاصة أن “الرئيس عون، خلال الاجتماعين الأخيرين، أكد أمام ميقاتي أنه يرفض فكرة الاعتذار”، وهو ما أبلغه ميقاتي بدوره إلى “المفتي عبد اللطيف دريان في لقاء معه، معبراً عن ارتياحه من تجاوب عون وتعاونه” بحسب معلومات “الأخبار”.
أين الحكومة إذاً؟ ما الذي يمنع تأليفها حتى الآن؟ إذا كانت مشكلة الرئيس سعد الحريري عدم قدرته على التأليف لأسباب خاصة به كانت تدفعه الى حمل صيغ مرفوضة مسبقاً، فما هي العوائق الموجودة عند ميقاتي؟ إزاء هذا الصعود والهبوط في بورصة تأليف الحكومة، تحدثت معلومات عن مستجدات تقلق ميقاتي وقد تدفعه الى “التأني”. فبحسب مصادر بارزة “يستشرف الرئيس المكلف منذ أيام مواقف عدد من القوى، بينها الرئيس عون حول عدد من القضايا، بشأن بواخر المحروقات الآتية من إيران، وضع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، سياسات الدعم والملفات الخاصة به الموجودة في عهدة القاضية غادة عون”. وقد تخوفت المصادر من تأنّي ميقاتي في عملية التأليف حالياً، من دون أن يذهب الى الاعتذار فـ”يترك هذه القنابل الموقوتة في وجه حكومة تصريف الأعمال إلى أن يتوافر النصاب السياسي بشأن المسار الذي ستسلكه هذه الملفات”!
-
وكتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لبنان يغلي حياتياً وشعبياً، والحلّ الترقيعي الذي قرره المجلس الوزاري المصغّر في بعبدا السبت، اصطدم بفشل سريع وذريع، وتفاقمت ازمة المحروقات أكثر، وامتدت طوابير الذل كيلومترات أمام محطات المحروقات مع ما يرافقها من إشكالات وحوادث خطيرة. وأبقت زيادة اسعار المشتقات النفطية الكلمة لمافيات السوق السوداء التي علناً، وعلى عينك يا تاجر، أوصَلت سعر صفيحة البنزين الى ما يفوق الـ750 الف ليرة ناهيك عن المازوت الذي قارَبَ سعر صفيحته الـ600 الف ليرة، وقارورة الغاز بـ350 الف ليرة، من دون ان تبادر اجهزة السلطة الى ردعها، هذا في وقت بدأت نُذر أزمة مياه خطيرة تطل برأسها، وهو ما حذرت منه منظمة اليونيسيف قبل ايام قليلة، وتوقعت تداعيات شديدة الخطورة جراء ذلك.
تمنيات ولا أفعال
امّا في الجانب الحكومي، فالصورة ملبّدة بتساؤلات حول سرّ التخبّط الذي أسَرَ ملف تأليف الحكومة وعَطّله منذ اللقاء الأخير بين عون وميقاتي، وبَدّد كل الايجابيات التي حكى عنها الرئيسان، وأشعرا اللبنانيين بأنّ ولادة الحكومة مسألة ساعات.
حتى الآن، لم يَبدر عن شريكي التأليف ما يَشي بأنّ الأمور مقفلة بينهما، بل على العكس، فرئيس الجمهورية أمِل امام زواره امس في أن تحمل الايام المقبلة تطورات ايجابية على صعيد تشكل الحكومة لإطلاق ورشة التعافي على كل المستويات، فيما أوساط الرئيس المكلف ما زالت تؤكد انه ماض في مهمته وصولاً الى تشكيل حكومة من فريق عمل بحجم المرحلة يضع الازمة على سكة المعالجة والانقاذ، ولكن من دون ان تلغي المصادر احتمال الاعتذار اذا ما شَعر الرئيس المكلف انه اصطدم بحائط مسدود.
كل هذا الكلام يبقى في إطار تمنيات بلا أفعال حتى الآن، الّا انّ مصادر موثوقة على صِلة بعملية التأليف كشفت لـ”الجمهورية” ان الايام القليلة المقبلة ستحمل إجابات واضحة حول الكَمّ الكبير من الاسئلة التي طرحت منذ اللقاء الاخير بين عون وميقاتي، وتحدثت في الوقت نفسه عن لقاء وشيك بينهما. مع الاشارة هنا الى كلام يتردد في مجالس سياسية عن ان عون وميقاتي يلقيان في مجالسهما مسؤولية تأخير الحكومة كلّ منهما على الآخر.
أسباب الجمود
وفيما لفتت المصادر الى انها لا تملك اي مُعطى يربط الجمود الحاصل على خط التأليف بسفينة “حزب الله”، كما لا تملك اي مَعطى يؤكد ما يتردد في اوساط سياسية مختلفة عن أنّ جهة خارجية ما رفعت البطاقة الحمراء في وجه الحكومة، وفَرمَلت اندفاعة احد الرؤساء نحو التشكيل. الا انّ المصادر نفسها اكدت امتلاكها معطيات تردّ جمود حركة التأليف الى ما يلي:
– عدم تَمكّن الرئيسين عون وميقاتي من الحسم النهائي لتوزيع الحقائب الوزارية.
– عدم الاتفاق على مجموعة من الأسماء المطروحة للتوزير، وخصوصاً الاسماء المشتركة بينهما.
– عدم القدرة على تجاوز الثلث المعطل. وتثبيت حصة رئيس الجمهورية على 8 وزراء.
– عدم حسم موقع الوزيرين المسيحيين، فحصة رئيس الجمهورية 6 وزراء مسيحيين يُضاف اليهم وزير سابع من حصة الطاشناق. فيما حصة تيار المردة وزيران، والحزب القومي وزير، ويبقى وزيران مسيحيان يشكلان العقدة الاساس لناحية من يسمَيهما، هل رئيس الحكومة المكلف وحده، وهنا رئيس الجمهورية لا يقبل بذلك؟ وهل رئيس الجمهورية وحده فمعنى ذلك انّ حصته زادت عن الثلث المعطل؟ وحتى لو شارك رئيس الجمهورية بتسميتهما مع رئيس الحكومة، فمعنى ذلك انه نال على ثلث معطل مُقَنّع. وهنا تكمن العقدة الاساس.
إيجابية عون!
الى ذلك، أبلغت أوساط قريبة من رئيس الجمهورية الى “الجمهورية” قولها انّ اتهامه بالمطالبة بالثلث الضامن هو اتهام باطل، وخصوصا ان رئيس الجمهورية صرّح على الملأ انه لا يطالب به ولم يطالب بذلك على الاطلاق.
وقالت الاوساط ان الرئيس عون، وخلال لقاءاته مع الرئيس المكلف، قدّم كل التسهيلات وكان في منتهى الايجابية في مقاربته لكل الامور، وما زال منفتحاً على كل ايجابية وصولاً الى تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن تُباشِر القيام بالورشة الانقاذية الواسعة.
ورداً على سؤال، قالت الاوساط ان اللقاء بين الرئيسين عون وميقاتي ممكن في اي لحظة، ولكنها لا تستطيع ان تحدد موعدا لذلك، وخلصت الى القول انّ رئيس الجمهورية ينتظر الرئيس المكلف لاستكمال البحث بينهما.
ميقاتي والشروط التعجيزية
في هذا الوقت، يعتصم الرئيس المكلف بالصمت حيال كل ما يقال، فيما اوساط قريبة منه ترفض الركون الى السيناريوهات والفَبركات التي تنسجها بعض الغرف بقصد التشويش على المهمة الصعبة التي قَبِل بها الرئيس ميقاتي.
ورداً على سؤال، قالت المصادر: من الاساس قال الرئيس ميقاتي ان مهلته التي حددها لتأليف الحكومة ليست مفتوحة، ومن الاساس قال انه قبل ان يكون فدائياً امامه هدف وحيد هو السعي لوضع لبنان على سكة المعالجة والتعافي التي يتوق إليها كل اللبنانيين، من خلال فريق عمل حكومي يخوض معه مغامرة الانقاذ.
ولفتت الاوساط الى أن الرئيس المكلف تعاطى بانفتاح كلّي وايجابية كلية مع رئيس الجمهورية تَوصّلاً الى الحكومة المنشودة التي تعبّر عن كل اللبنانيين، وتكون محل ثقة من قبلهم. واشارت الى ان ميقاتي، ومنذ البداية، اعتمد الواقعية والموضوعية في مقارباته وفي الصيغة الحكومية التي أعدّها، ولم يفرّط يوماً بالتفاؤل او بالتشاؤم، بل ترك الباب مفتوحا على النقاش التي يوصِل الى الخواتيم الايجابية.
وردا على سؤال، قالت الاوساط: الاعتذار احتمال وارد فيما لو بلغت الامور نقطة اللاعودة، والاصرار على شروط تعجيزية لا يمكن للرئيس ميقاتي ان يقبل بها.
لا إيجابيات
الى ذلك، كشف مرجع معني بحركة التأليف لـ”الجمهورية” انّ الاتصالات لم تتوقف سواء بين عون وميقاتي، او بين ميقاتي وسائر القوى السياسية المرشحة لأن تشارك في الحكومة بوزراء تُسمّيهم. وتتمحور هذه الاتصالات حول موضوع الاسماء التي برزت فيتوات عليها من اكثر من جهة.
واشار المرجع الى انّ هذه الاتصالات لم تحقق الغاية المرجوّة منها حتى الآن، وبالتالي تحتاج الى بعض الوقت لِبَتّها، كما الى محاولة التثبيت النهائي للحقائب الوزارية، وهو امر لم يتم حتى الآن.
وردا على سؤال قال المرجع: التأخير الحاصل لا يبشّر بخير، ومعناه الدوران في حلقة مفرغة، الذي اذا ما استمر سيؤدي الى التَرحّم على الحكومة، ووضع البلد على كفّ عفريت.
وعما اذا كان متفائلاً بولادة قريبة للحكومة، قال المرجع: لا مجال للتفاؤل على الاطلاق، فطالما انّ الحكومة لم تتشكل فمعنى ذلك اننا ما زلنا في البدايات، كما انّ اي لقاء يُعقد بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ولا يؤدي الى تشكيل حكومة هو لقاء فاشل حتى ولو زُيّن بإيجابيات من هنا وهناك. ولذلك، طالما لم نصل الى نتيجة بعد، فمعنى ذلك اننا ما زلنا في مدار السلبية التي أخشى ان يكون البعض يَتقصّدها لإطاحة تكليف الرئيس ميقاتي، وإبقاء الحال على ما هو عليه، والاستعاضة عن الحكومة بجلسات واجتماعات لمجلس الدفاع الاعلى والمجالس الوزارية المصغّرة، على غرار ما جرى السبت الماضي.
رواية متفائلة!
وفي رواية متفائلة لملف التأليف، فقد أثمرت الضغوط الدولية قفزة نوعية في الساعات الماضية، وتحديداً خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضية، فسقطت جملة من التحفظات والشروط المتقابلة. وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” انّ ميقاتي أبلغَ رؤساء الحكومات السابقين انه بات على استعداد لزيارة قصر بعبدا في الساعات المقبلة – وقد تكون الزيارة بعد ظهر اليوم او غداً على أبعد تقدير- لتقديم تشكيلة من 24 وزيراً وفقاً لمعادلة الـ “8×8×8″، التي لا يمكن خَرقها بأيّ شكل من الاشكال أيّاً كانت الظروف المتحكمة بعملية التأليف، ولو ادت الى اعتذاره قبل مرور مهلة الشهر على تسميته مُكلفاً لتشكيل الحكومة في 26 تموز الماضي.
وفي معلومات “الجمهورية” انه، الى جانب الضغوط الاميركية، بَقيَ عضوا فريق الازمة الفرنسية على خط الاتصالات باتريك دوريل وبرنارد ايمييه بإشراف مباشَر من الرئيس ايمانويل ماكرون، على تواصل مع عون وميقاتي ومَن تَمّت تسميتهم لمتابعة عملية التأليف التي كانت مهددة باعتذار ميقاتي في اي لحظة إن لم يعد الجميع الى تفاهمات سابقة، وأبرزها التخلّي عن الاسماء النافرة التي تشكل فريق الظل في قيادة التيار الوطني الحر ومستشاري رئيس الجمهورية.
وقالت المصادر انّ العُقَد الأخيرة انحصرت بـ4 حقائب، هي: العدلية والداخلية والطاقة والشؤون الاجتماعية، بعدما جرى التفاهم مع رئيس تيار المردة على حقيبة الاتصالات الذي سَمّى لها فريد الدويهي، وحقيبة الصناعة التي عليه توفير اسم أورثوذكيسي لها بعدما كان يصرّ على حقيبة مارونية ثانية.
ولفتت المصادر الى انّ بعض الاسماء للحقائب المتّفَق عليها باتت محصورة باسم واحد، كحال الداخلية التي يصرّ الرئيس ميقاتي على تسمية اللواء مروان الزين بعد سقوط اللائحة الثلاثية، ويسمّي الرئيس ميشال عون ريمون طربية للشؤون الاجتماعية، مع إصرار بري على اسم آخر باعتباره مستشاراً لرئيس التيار الوطني الحر ومقرّباً منه، وهو أمر ليس مُستبعداً ان يكون عون قد اختار بديلاً منه. وفي الطاقة يصرّ ميقاتي على تسمية السيدة كارول عياط، التي يرفضها عون خوفاً من ارتباطاتها السابقة بالشركات النفطية المختلفة ومنعاً لإمكان استغلال موقعها، فيما لم يُعرف الاسم الذي يقترحه عون بديلاً منها.
وفي هذه الاجواء، حُسِمت المالية ليوسف خليل بإصرارٍ غير مسبوق من بري، الذي لم يكن قد كشفَ عن الاسمين الآخرين الشيعيين المخصّصَين له لحقيبتي الثقافة والزراعة، بانتظار ان يكشف ايضاً عن اسمي “حزب الله” للاشغال العامة والعمل، اللذين باتا في عهدة الرئيسين عون وميقاتي بعيداً من الضجيج الذي رافقَ تسمية الآخرين، وسمّى العماد عون العميد موريس سليم وزيراً للدفاع من دون اي اشكال، وانتهت معضلة تسمية وزير الاقتصاد العائدة للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي سمّى ايمن الحداد، كما تم الاجماع على مروان منير ابو فاضل نائباً لرئيس الحكومة من دون حقيبة، وعبدالله ابو حبيب للخارجية، وحبيب افرام لوزارة الاعلام، مع إمكان طَرح اسم آخر كممثّل للاقليات الى جانب حقيبة الشباب والرياضة التي ستبقى في عهدة حزب الطاشناق.
ومن الوزراء السنّة، سَمّت التشكيلة المزعومة الدكتور ناصر ياسين لوزارة التنمية الادارية بعد الدكتور فراس ابيض لحقيبة الصحة، ولم يكشف عن اسم الوزيرة السنية مع الحقيبة الخامسة التي يمكن ان تُسمّى بالتفاهم بين عون وميقاتي.
سنوات صعبة
في موازاة هذه الصورة الحكومية المعطلة، تَتبدّى صورة قاتمة حول مستقبل الوضع في لبنان، رسمتها مصادر ديبلوماسية غربية، بقولها: وضع لبنان يبعث على التشاؤم.
وقالت المصادر لـ”الجمهورية”: لم نعد نملك ما نقوله، نحن نرى انهيار لبنان، ونحزن لشقاء اللبنانيين وحياتهم الصعبة، علماً أنه كان في إمكان القادة اللبنانيين ان يمنعوا هذا الانهيار، فلم يفعلوا مع الأسف، ونحن حذّرناهم مرات عديدة من دون أن نَلمس استجابة منهم.
وأضافت المصادر: نحن نسمع صراخ اللبنانيين، ونرى معاناتهم الكبيرة، وما زلنا نعتبر انّ العلاج السريع يكمن في المُسارعة الى تشكيل حكومة بعيداً عن الشروط والمطالب التي تعطّلها. فلبنان امام مرحلة صعبة، وعلاج أزمته يتطلّب فترة طويلة، وكل تأخير في تشكيل الحكومة سيضعه امام سنوات طويلة شديدة الصعوبة عليه.
الله يعين البَلد
وسألت “الجمهورية” مسؤولاً كبيراً عن رأيه في الصورة السوداء التي رسمتها المصادر الديبلوماسية الغربية، فأيّدها وقال: طَيّروا تكليف مصطفى اديب، وطيّروا تكليف سعد الحريري، وانا على يقين انهم يريدون تطيير تكليف نجيب ميقاتي، لسبب بسيط انهم لا يريدون حكومة. وطالما انّ هذه العقلية ستبقى متحكّمة بالسلطة والقرار، ومواظِبة على منحاها التدميري للبلد، ومحاولاتها المُستميتة لتطويع التأليف كما تشتهي، يجب ان نتوقّع كل شيء… الله يعين البلد.