إغترابرأي

حاجة الإغتراب اللبناني الى”دولة” في الوطن(زياد علوش)

 

د. زياد علوش* – الحوارنيوز خاص

 

الواقع مرآة للإسقاطات الثلاثة:الحضارة على الثقافة، والثقافة على السياسة، والسياسة على الواقع بحيث يصبح إنعكاساً لها.

وصف الفلاسفة نظام الدولة بأفضل ما توصل اليه العقل البشري ،والاغتراب اللبناني يصاب بالصدمة عندما يقارن بين واقع السلطة في لبنان وبين دول العدالة والانتاج حيث الانتشار. وتلح حاجة الاغتراب لبناء تلك الدولة في الوطن الأم كما هي حاجة المقيمين من دون ان يدرك اي منهما غايته المنشودة.

 

تتفاقم تعقيدات الواقع الاغترابي في علاقته مع الوطن الأم نتيجة الفساد والإفساد والطائفية والبيروقراطية الإدارية، وتعارض السياستين الدفاعية والخارجية ،كتعبير عن الانقسام السياسي الداخلي الحاد ،ويزيد في تداعياتها دبلوماسية خارجية مشلولة اسيرة الواقع اياه.

 

كل الأمل ان يتصاعد تأثير المغتربين اللبنانيين في استراليا والعالم في الحياة الوطنية اللبنانية لصالح تجربتهم الجديدة في الديمقراطية واحترام القانون والنظام العام.

ولطالما الشيء بالشيء يذكر وأبناؤنا المغتربون يحققون ذاتهم الإبداعية وعلى مختلف الصعد في استراليا، لا بد من التنويه بالمجتمع الاسترالي المتنوع وبالدولة الاسترالية العادلة والمنتجة ،وقد احتضنت أبناءنا وأتاحت لهم الفرص البديلة الممكنة ،فبادلوها الحب والعطاء والوفاء فأضحى اللبناني مواطنا لبنانيا واستراليا يحلق بجناحين خفاقين.

في هذا السياق ومن دون الدخول في الطبيعة التفصيلية للأزمة البنيوية اللبنانية المتمثلة داخلياً بالنظام الطائفي وخارجياً بالواقع الجيواستراتيجي، ومن دون الدخول أيضاً بتفاصيل الحلول «الحيادية» المقترحة في الانفتاح الاقليمي والدولي وتعزيز الديمقراطية وأنسنة الاقتصاد الليبرالي ودور الطبقة الوسطى ورسم تقاطع السياستين الدفاعية والخارجية وتنزيه القضاء.. وبهدف إطلاق حوار بنّاء يفضي لخارطة طريق معقولة حول جملة مفاهيم ومعطيات تتعلق بالاغتراب اللبناني عامة وفي أستراليا خاصة مع الوطن الأم لبنان، رأيت من واجبي كمواطن وباحث، و«بتصرّف»، أن أعرض للنقاش مضمون بعض من كلمتي في احتفال «المجلس اللبناني الاسترالي» في العاصمة بيروت بمناسبة «يوم الجندي الأسترالي» «Anzac Day» بتاريخ 25/4/2019، بحضور السفيرة الأسترالية في لبنان «السيدة ريبيكا غريندلاي – Ambassador Rebekah Grindlay» ونخب اغترابية وممثلين عن الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية المعنيين أولاً برسم السياسة الاغترابية.

الحكومة السادسة في عهد الرئيس بشارة الخوري، والتي شكّلها الرئيس رياض الصلح في 14 كانون الأوّل من العام 1946، أضافت كلمة المغتربين إلى اسم وزارة الخارجيّة، حيث أصبح اسمها «وزارة الخارجيّة والمغتربين».

وفي 31 تشرين الأوّل عام 1992، تمّ إنشاء أوّل وزارة خاصّة بالمغتربين، أُطلق عليها اسم «وزارة المغتربين» لكن سرعان ما أُلغيت هذه الوزارة في 26 تشرين الأوّل من العام 2000، حيث تمّ تحويلها إلى مديريّة وإتباعها إلى وزارة الخارجيّة، واستقلّت وأصبحت تُعرف بـ «المديريّة العامّة للمغتربين».

الاغتراب اللبناني في أستراليا كما في كل دول العالم ثروة وطنية كبرى وجب التفاعل معها على الصعيد الوطني بكل السبل الممكنة، التي من شأنها تعزيز دور الاغتراب وجعله في خدمة القضايا المشتركة لا سيما التنموية منها.

لذلك فإن التعريف بنشاطات اللبنانيين في بلاد الاغتراب والتعرّف على إمكاناتهم ومساهماتهم وإبداعاتهم من شأنه المساهمة في دفع عجلة تطوّر ذلك الدور، بما يصبّ في تعزيز العلاقة المشتركة بين الوطن الأم لبنان ودول الاغتراب.

تهدف المؤسسات الاغترابية الى تشجيع روح التعاون والتضامن بين اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، وتعمل على تعزيز العلاقات اللبنانية – الأسترالية على مختلف الصعد، لا سيما العلمية والثقافية والاقتصادية والتجارية والإعلامية ونشر التراث اللبناني وتشجيع الفنون وإبقاء المغترب على تواصل دائم وفعّال مع وطنه الأم، والتمسّك بالعادات والتقاليد التي نشأ عليها في بلده، إضافة إلى إحياء المناسبات على اختلافها، سواء الوطنيّة منها أو الدينيّة، فضلاً عن الحفاظ على اللغة العربية وتعليمها للأبناء والأحفاد، وتولي اهتماماً خاصاً بالشباب.

إن عملية اندماج المهاجرين أو الذين هم من أصول مهاجرة، عملية معقّدة تستدعي تضافر جهود كل الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والإعلامي والتعليمي، وكذا مختلف مكوّنات المجتمع المدني، من أجل نشر وتعميق وتطبيق مبادئ التسامح والاعتراف بحق اختلاف المهاجرين والأقليات المتواجدة في بلد واحد وقبول هذا الاختلاف والتعايش معه.

الواضح أنّ الخبرة والمهارة السياسية التي يراكمها الشخص المعني في وطنه الأصلي تساعده على أن يتحوّل بسهولة أكثر إلى ناشط سياسي في مجتمعه الجديد أستراليا. يظهر ذلك جلياً في عدّة أوجه للعمل السياسي في أستراليا: فهو أوّلاً يتجسّد في فئة الوسطاء الذين يتولّون مهمّة «تجسير» العلاقة بين السياسيين الأستراليين وأبناء الجالية التي ينتمي إليها الوسيط. ويظهر أيضاً وسط أبناء الجالية العربيّة الذين يلتحقون بالأحزاب الأستراليّة الرئيسيّة والنقابات. وقد حصل نتيجة ذلك فوز العديد من المهاجرين في مواقع تمثيلية مهمة لا سيما في المجالس النيابية و البلدية.

إنّ «تعيين العلاقة بين التعدّديّة الثقافيّة والتمثيل السياسي قضيّة بالغة التعقيد. إلاّ أنّ أي تصوّرا للتعدّديّة الثقافيّة لا يجوز أن يتخلّى في الحدّ الأدنى عن الإعتقاد بضرورة عدم تسييس الفروقات الثقافيّة، خصوصاً في عصر العولمة، أي عصر الكسر المتزايد للحواجز القوميّة…».

 

* كاتب صحفي.مدير مكتب «المجلس اللبناني الاسترالي» في بيروت.المدير التنفيذي “للاكاديمية الدبلوماسية الدولية”

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى