قالت الصحف:حرب صلاحيات بين بعبدا وعين التينة..والحوار صعب المنال
الحوار نيوز – خاص
ركزت الصحف الصادرة اليوم على حرب الصلاحيات التي اندلعت بين بعبدا وعين التينة ،في وقت بدت دعوة رئيس الجمهورية الى الحوار صعبة المنال بسبب المقاطعة التي يبديها معظم الفريق السني.
- وكتبت صحيفة الاخبار تقول: مجدداً، اندلعت حرب الصلاحيات والتفسيرات الدستورية بين رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب لترسو هذه المرة على المادة 33 من الدستور. يتصرف الرئيس نبيه بري كمن استفزه توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على المرسوم 8662 (تاريخ 6/1/2022) الداعي إلى دعوة مجلس النواب إلى فتح عقد استثنائي بتاريخ 10 من الشهر الجاري لغاية تاريخ 21 من شهر آذار المقبل، وتحديده برنامج المجلس مسبقاً بتعداد قوانين ومشاريع محددة من قبله. سارع بري لإصدار بيان للرد على عون، رافضاً القبول بنص العقد الاستثنائي وضمنه البرنامج المحدد من رئيس الجمهورية، بالإشارة إلى أن «المجلس سيّد نفسه، ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الاقتراحات التي يقرر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حق الرد بعد صدورها عن الهيئة العامة إلى المجلس»، مؤكداً أن «هذا حكم الدستور وما استقر عليه الاجتهاد».
لكن خلافاً لردّ بري، تؤكد مصادر القصر الجمهوري أن المادة 33 من الدستور شديدة الوضوح ولا تحتمل التأويل أو الاجتهاد، بل تنص بشكل جليّ على أن «لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه».
من هذا المنطلق تستغرب مصادر القصر الجمهوري أن «يثير مرسوم وصل إلى القصر يحمل إمضاء رئيس الحكومة ثم مُهر بإمضاء رئيس الجمهورية، غيظ رئيس مجلس النواب إلا إذا كان الغرض من وراء ذلك فرض حصرية الصلاحية لنفسه وهو ما كان يجري منذ الطائف حتى استلام الرئيس عون». وتؤكد المصادر أن «عون يبحث في زوايا الدستور عما تبقى من صلاحيات للرئيس ليستخدمها بالكامل، لكنه هذه المرة استخدم صلاحياته لتسهيل عمل المجلس النيابي والحكومة وحتى يتمكن المجلس من مواكبة الحكومة بالتشريعات اللازمة لإعداد خطة تعاف مالي. فالنية لم تكن العرقلة أو التعدّي على الصلاحيات بل ذكر المرسوم في أوله عبارة القوانين والمشاريع التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس». وتعتبر المصادر أن «الردّ بابتداع عُرف ناشئ خلافاً للنص الصريح لا يستقيم لا بالدستور أو بغيره»، سائلة عن «علاقة ما سبق بإجابة بري أن المجلس سيد نفسه»؟. لتختم: «نربأ ببري وهو رئيس السلطة الاشتراعية أن يتجاهل نصّاً بهذا الوضوح ولن نُحمّله سوء نية بالاعتبار أنه يقوم بقضم إضافي لصلاحيات رئيس الجمهورية».
وبينما ربَط أكثر من مصدر تجدّد الأزمة بالاتصالات التي تمّت لتأمين صدور مرسوم الدعوة إلى فتح دورة استثنائية والتي ظهرت كمحاولات متبادلة بينَ بري وعون لكسر بعضهما البعض، إذ «أتى توقيع عون الذي جرى التوافق عليه خلال زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لبعبدا وانضم إليها بري عبر الهاتف»، قالت مصادر مطلعة إن «التوقيع حصل بعد الكلام الذي نقله ميقاتي إلى عون بأن برّي يسعى إلى محاصرته بعريضة نيابية وأنه يؤمّن في جيبه حوالي 68 توقيعاً، بالتالي فمن الأفضل أن تخرج الموافقة من بعبدا بدلاً من أن تظهر بأن حصلت من دون موافقتك».
هذا الكلام يكرره مقربون من برّي بأن «الدورة الاستثنائية كانت مضمونة وهذا ما دفع عون إلى توقيعها»، لذا «حاول أن يردّ بفرض جدول الأعمال، لكنه استخدم الصلاحيات المكرسة له في الدستور بشكل مخالف للقانون في محاولة تندرج في سياق التحدي ضد رئيس المجلس». ويعتبر خصوم عون أن ما قام به الأخير «يُستدّل منه نية لمقارعة رئيس المجلس من داخل المجلس»، مشيرين إلى أن «السلطة الإجرائية تحدّد للبرلمان البرنامج، لكن عمل الهيئة العامة لا يكون محصوراً بهذا البرنامج فقط، لأن هيئة مكتب المجلس تستطيع أن تضيف أي اقتراح أو مشروع قانون تريده لأن المجلس سيد نفسه». وبينما دافعت مصادر نيابية عن المرسوم باعتبار أن «تحديده للقوانين جاء من باب التذكير لا من باب الإلغاء»، لم يجد خصوم عون تبريراً سوى أن «ما فعله الأخير هو التفاف على فكرة الصلاحيات وبأنه لا يوجد قانون يتحدث عن وجود صلاحيات خارج إطار الصلاحيات المطلقة للمجلس».
من جهته، يسترجع أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري في الجامعة اليسوعية وسام اللحام، محاضر جلسات مجلس النواب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ليشير إلى أن «هذه المحاضر تُسجل اعتراض النواب خلال الجلسات على التباحث في ما يطرح من خارج مرسوم الدعوة، مما كان يقودهم إلى إيقاف النقاش. حتى أنه تم تكريس هذا الأمر في نظام مجلس النواب القديم بأن يناقش المجلس فقط البنود المحددة في مرسوم الدعوة إلى فتح عقد استثنائي». ويشرح اللحام أنه قبيل العام 1926 أي قبل تحوّل المجلس التمثيلي إلى مجلس نواب، كان تنظيم أعمال المجلس يتم عبر قرار يصدره المفوض السامي. وينص هذا القرار على أن المجلس ينعقد في دورات عادية واستثنائية يدعو إليها حاكم دولة لبنان الكبير الذي هو بمثابة رئيس جمهورية؛ على أنه لا يجوز للمجلس مناقشة أي بنود إضافية سوى تلك المدرجة في المرسوم الصادر عن الحاكم عند الدعوة إلى دورة استثنائية. بعد ذلك، كان رئيس الجمهورية يعمد إلى تعديل مرسوم جدول أعمال المجلس النيابي وإصدار مرسوم آخر عند طلب مجلس النواب إضافة بعض البنود. حتى أن الدستور نفسه يشير إلى أن الدورات الاستثنائية تختلف عن الدورات العادية، فخلال الدورة العادية يحق لمجلس النواب تعديل الدستور، ولكنه يمنع المجلس من القيام بالأمر نفسه خلال الدورة الاستثنائية إلا بموجب مرسوم من الحكومة. بموازاة ذلك، فإن مقارنة بعض مستشاري بري بين الدستورين الفرنسي واللبناني بالإشارة إلى أنه يمكن للمجلس الفرنسي مناقشة ما يشاء من دون العودة إلى أحد، لا تنطبق على الوضع القائم. ويقول اللحام إن النص الفرنسي مختلف عن اللبناني ولا تجوز المقارنة بينهما: «الفرنسيون الذين وضعوا دستورنا عمدوا إلى تقوية السلطة التنفيذية فأضافوا صلاحية وضع برنامج الدورة وجدول الأعمال على النص». أما في ما خصّ عبارة «السيد مجلس نفسه»، فيعلّق اللحام أن هذه البدعة بدأت على أيام رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الذي كان يعتبر أن مجلس الوزراء يقيّد صلاحيات البرلمان. وفي كل الأحوال، «إن كان ثمة خلاف حول هذه النقطة، لا يمكن أن يحسمها مجلس النواب لأنها تؤدي إلى إخلال في مبدأ توازن السلطات وخرق للدستور، بالتالي الفاصل في هذا النزاع هو المجلس الدستوري. فالمجلس ليس سيداً على الدستور وعلى سائر مؤسسات الدولة بل فقط على نظامه الداخلي الذي يُفترض إدراجه تحت رقابة المجلس الدستوري أيضاً. فضلاً عن أن قرار الالتزام بجدول أعمال مرسوم الدورة الاستثنائية أو الخروج عنه لا يفترض أن يحدد من قبل رئيس مجلس النواب بل من مجلس النواب».
أدرج رئيس الجمهورية في المرسوم 8662 بالتوافق مع رئيس مجلس الوزراء سلسلة بنود يراها ملحة وأبرزها مشاريع أو اقتراحات القوانين الطارئة المتعلقة بالإصلاحات أو بخطة التعافي المالي أو بالأوضاع المعيشية الملحة التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس، لا سيما اقتراح القانون الرامي إلى تمديد العمل بالقانون رقم 200/2020 القاضي برفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان، اقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية (كابيتال كونترول)، اقتراح قانون استعادة الأموال المحولة إلى الخارج ومشروعيّ قانونيّ الموازنة العامة للعامين 2021 و2022. كذلك أدرج عون على جدول الأعمال عقد جلسة لمساءلة الحكومة ومشاريع أو اقتراحات قوانين ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية.
- وكتبت صحيفة “النهار” تقول:
لم يكن أدل على تخبط “الاجندات” وتداخل الأولويات والملفات وتشابكها في حالة الفوضى التي تطبع واقع السلطة مع بدايات السنة، من “اقتحام” عنوان الحوار فجأة لمشروع تسوية لم تكتمل حول انهاء شلل مجلس الوزراء، بالتزامن مع فتح دورة استثنائية لمجلس النواب. كل هذا فيما تقدمت معالم جولة جديدة من نزاع الرئاستين الأولى والثانية حول دعوة الى دورة تشريعية اكتسبت بدورها طابع تفسيرات دستورية “مطاطة”!
ذلك انه قبل ان يتبين ما اذا كان الاتجاه نحو دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد لدرس مشروع الموزانة وإقراره صار اتجاها محسوما لدى رئيس الوزراء #نجيب ميقاتي، برز تطور اول تمثل في توتر متجدد بين بعبدا وعين التينة عقب صدور مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب “بنبرة زاجرة” واستتئثارية عونية كأنها رد على خطوة إطلاق تواقيع العريضة النيابية للي ذراع رئيس الجمهورية، ومن ثم اخترق التطور الثاني المشهد المأزوم من خلال انكشاف بدايات جس النبض من جانب بعبدا لتنظيم طاولة حوار بين القيادات السياسية ورؤساء الكتل النيابية في اتصالات فردية أولا مع هذه القيادات. والحال ان التطور الثاني اكتسب طابع مفاجئا لان كشفه جاء على يد زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري المبتعد عن المسرح السياسي المباشر منذ اشهر، فيما تترقب الأوساط الداخلية موعد عودته الى بيروت لبت مسألة ترشحه من عدمها للانتخابات النيابية وتشكيله للوائح “المستقبل”.
وكانت المفاجأة ان الحريري كان اول الزعماء السياسيين الذين ابلغوا رئيس الجمهورية #ميشال عون مباشرة اعتذاره عن عدم المشاركة في الحوار قبل اجراء الانتخابات النيابية في موقف يرجح ان يضع فكرة اجتماع الطاولة، في مهب الريح، علما انه سبق لـ “القوات اللبنانية” ان رفضت أيضا هذه الدعوة في ظل السلطة الحالية، كما ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط طالب بتقديم انعقاد جلسات مجلس الوزراء ومعالجة الأوضاع الانهيارية على الحوار.
وعلم ان الرئيس عون اجرى سلسلة اتصالات شملت الرئيسين #نبيه بري ونجيب ميقاتي الذي زاره بعد الظهر . كما اتصل برؤساء الكتل النيابية الذين دعاهم الى لقاءات فردية ابتداء من الاسبوع المقبل لاستمزاج ارائهم بالموضوع. وسوف يستكمل اتصالاته الهاتفية اليوم على ان تحدد مواعيد اللقاءات الفردية ابتداء من الاسبوع المقبل.
ووفق مصادر بعبدا يرغب الرئيس عون بمشاركة الجميع لأن المواضيع المطروحة اساسية ومرتبطة بالصالح العام وسبق ان حددها في رسالته الاخيرة الى اللبنانيين.
وقالت المصادر إن المسألة ليست شخصية بل وطنية والكل مدعو الى المشاركة الا من يريد ان يغيّب نفسه عن مؤتمر يفترض ان يضع اسس انقاذية للاوضاع الصعبة غير المسبوقة التي تمر بها البلاد. ويتوقع ان تتبلور المواقف خلال اللقاءات الثنائية التي سيعقدها عون والتي بدأها مع الرئيس ميقاتي.
ميقاتي
وبعد زيارته لبعبدا عصرا،اكتفى ميقاتي بالقول: “في إطار دعوة رئيس الجمهورية للحوار طلب مني الاجتماع وأدليت برأيي ووضعته عنده وهناك استكمال للحديث”.
وعلمت “النهار” أن إتصالاً جرى بين الرئيسين ميقاتي والحريري، حيث تباحثا في موضوع الحوار الذي يعتزم الرئيس عون الدعوة اليه. وكان الحريري وضع ميقاتي في أجواء ما دار بينه وبين عون في الموضوع. وفهم ان ميقاتي لا يريد أن يكون معرقلاً لأي حوار لكنه في المقابل لا يريد أن يكون الحوار من دون نتيجة كي لا يولّد مزيداً من الإحباط لدى اللبنانيين.
وفي موضوع انعقاد مجلس الوزراء أكّد الرئيس ميقاتي امام قبل زوّاره امس انه سيدعو الى جلسة خلال أيام قليلة لاقرار الموازنة لانه عندما يتعلّق الموضوع بالموازنة كاستحقاق دستوريّ وإجرائيّ للانتقال إلى التشريع، فإنّه مضطر إلى دعوة مجلس الوزراء. وعندما تصل الموازنة الموعودة قريباً من وزير المال، سيدعو للبحث في هذا البند كمسألة ضرورية ومسؤولية دستورية. وباتت الدعوة إلى جلسة وزارية مؤكّدة من أجل درس الموازنة. ولا يريد ميقاتي أن يتحدى أحداً مع إصراره على كامل المكوّنات. ويراهن على أنّ المكوّن الشيعي سيكون متمثلاً في الحكومة من أجل تمرير موضوع الموازنة “المهمّ للغاية”، وهو لم يجرِ أي اتصال مع رئيس مجلس النواب نبيه بري للتشاور في موضوع عقد جلسة وزارية حتى الآن.
بين بعبدا وعين التينة
في غضون ذلك تحول صدور مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الى مسبب لجولة توتر جديدة بين رئاستي الجمهورية والمجلس، اذ اصدر رئيس المجلس نبيه بري امس تعقيباً على نص العقد الاستثنائي بيانا قال فيه “المجلس سيد نفسه ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حق الرد بعد صدورها عن الهيئة العامة الى المجلس. هذا حكم الدستور وما استقر عليه الاجتهاد. اقتضى التصويب”.
وردت مصادر قريبة من قصر بعبدا بقولها أن مجلس النواب سيكون ملزما بمناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المحددة بمرسوم فتح الدورة الاستثنائية مع ترك الباب مفتوحا أمام ما يمكن أن يقره مكتب المجلس ضمن الاطار المحدد في المرسوم. وأشارت الى ان برنامج أعمال الدورة الاستثنائية يعطي الاولوية لمواضيع مهمة وضرورية تحتاجها المرحلة الدقيقة لاسيما مشروع قانون الموازنة، واخرى تتناول الانتخابات النيابية والتدقيق المالي لجهة تمديد العمل بالقانون الخاص بتعليق العمل بالسرية المصرفية.
وكان المرسوم صدر بصياغة لافتة تلزم المجلس بمواضيع معظمها محدد ومحصور بأولويات سبق لبعبدا ان كررت تمسكها بها بما أضفى على المرسوم طابع “وصاية ” بعبدا على جدول الاعمال المحدد. ومن هذه المشاريع والبنود:
- مشاريع او اقتراحات قوانين ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية.
- مشاريع او اقتراحات القوانين الطارئة والمستعجلة والضرورية المتعلقة بالاصلاحات اللازمة والضرورية او بخطة التعافي المالي او بالأوضاع المعيشية الملحة التي يقرر مكتب المجلس طرحها على المجلس لا سيما القوانين الاتية:
اقتراح القانون الرامي الى تمديد العمل بالقانون رقم 200/2020.
اقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية.
اقتراح قانون استعادة الأموال المحولة الى الخارج.
−مشروعي قانوني الموازنة العامة للعامين 2021 و2022.
− عقد جلسة مساءلة الحكومة والرد على الأسئلة او الاستجوابات الموجهة الى الحكومة.
- وكتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
على الرغم من فتح الدورة الإستثنائيّة لمجلس النوّاب، لا تبدو في الأفق السياسي أي مؤشرات لعودة مجلس الوزراء المعطّل منذ 12 تشرين الاول من العام الماضي، الى استئناف جلساته في المدى المنظور. هذا في وقت ينحى المسار المالي الى مزيد من الانهيار، مع تحكّم لصوص السوق السوداء بلعبة الدولار ودفعه الى سقوف عالية، مع ما يترتب على ذلك من إرهاق للمواطنين وجعلهم وقوداً لحريق الغلاء وارتفاع الاسعار، بالتوازي مع الخطر الأكبر المتمثل بالتفشي المريع لفيروس “كورونا” الذي سجّل في الأيام الأخيرة آلاف الإصابات وقارب بالأمس الـ 8 آلاف اصابة (7974 اصابة و19 حالة وفاة). وتتخوف المصادر الصحية من ارتفاع الإصابات الى أرقام مرعبة.
خلافاً لما قيل إنّ مرسوم فتح الدورة الإستثنائية للمجلس النيابي الصادر بالتوافق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قد فتح نافذة على تبريد العلاقة الساخنة بين الرئاستين الأولى والثانية، وكذلك على حلول مرتبطة ة بإعادة إحياء جلسات الحكومة، فإنّ هذا المرسوم جاء بنتائج عكسية سريعة، سخّنت العلاقة اكثر بين بعبدا وعين التينة، تبدّت في المضمون الفضفاض لمرسوم فتح الدورة الذي يقيّد المجلس بجدول اعمال تشريعي ببنود محدّدة ومختارة من قِبل رئاسة الجمهورية، وصفته مصادر مجلسية بأنّه مرسوم معدّ في ميرنا الشالوحي وليس في القصر الجمهوري، لاشتماله على مجموعة من الامور التي يطالب بها “التيار الوطني الحر”. وهو الأمر الذي اعتبرته الرئاسة الثانية تجاوزاً للمجلس النيابي وقفزاً فوق صلاحية هيئة مكتب المجلس النيابي، التي لها وحدها حق تحديد جدول اعمال الهيئة العامة للمجلس. وهو ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى المسارعة الى إصدار بيان اكّد فيه “ان المجلس سيّد نفسه”.
المرسوم
وقد نصّ مرسوم فتح الدورة الاستثنائية على بدء سريانها اعتباراً من يوم الاثنين المقبل في 10 كانون الثاني الجاري، ويستمر الى بداية العقد العادي الأول للمجلس في آذار المقبل. وورد في مضمونه ما يلي:
المادة الأولى: يدعى مجلس النواب الى عقد استثنائي يُفتتح بتاريخ 10/01/2022 ويُختتم بتاريخ 21/03/2022 ضمناً.
المادة الثانية: يُحدّد برنامج اعمال هذا العقد الاستثنائي بما يلي:
– القوانين المصدّقة والتي قد يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيها.
– مشاريع او اقتراحات قوانين ملحّة تتعلق بالانتخابات النيابية.
– مشاريع القوانين التي ستُحال الى مجلس النواب.
– مشاريع او اقتراحات القوانين الطارئة والمستعجلة والضرورية المتعلقة بالإصلاحات اللازمة والضرورية او بخطة التعافي المالي او بالأوضاع المعيشية الملحّة التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس، لا سيما القوانين الآتية:
– إقتراح القانون الرامي الى تمديد العمل بالقانون رقم 200 /2020.
– إقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية.
– إقتراح قانون استعادة الأموال المحوّلة الى الخارج.
– مشروعا قانوني الموازنة العامة للعامين 2021 و 2022.
– عقد جلسة مساءلة الحكومة والردّ على الأسئلة او الاستجوابات الموجّهة الى الحكومة.
رد برّي
ومع إعلان توقيع مرسوم فتح الدورة بالمضمون الذي صدر فيه، سارع الرئيس بري الى إصدار بيان امس، عقّب فيه على نص العقد الاستثنائي بما يلي: “المجلس سيّد نفسه، ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرّر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حق الردّ بعد صدورها عن الهيئة العامة الى المجلس.هذا حكم الدستور وما أستقرّ عليه الاجتهاد”.
توضيحات رئاسية
الى ذلك، اكّدت مصادر قريبة من القصر الجمهوري لـ”الجمهورية”، ما اعتبرتها “صوابية مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، ومضمونه لا يتضمن أي تجاوز لهيئة مكتب مجلس النواب، حيث جاء استناداً الى نص المادة 33 من الدستور، وبالتالي هو غير قابل لا للتفسير او الاجتهاد، والمجلس النيابي ملزم بإنفاذ البرنامج المحدّد فيه”.
ولفتت المصادر، الى انّ الافكار المطروحة في جدول اعمال الدورة الاستثنائية يمكن توسيعها، لشرح معطيات رافقت موقف الرئاسة من توقيع مرسوم الدورة. وسجّلت المصادر بعضاً من هذه الملاحظات:
– إنّ ولادة المرسوم أظهرت معطيات عدة، منها ممارسة رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية لجهة فتح دورة استثنائية ببرنامج محدّد، يتضمن قوانين سبق للرئيس عون ان طالب بإقرارها، لاسيما تلك التي تتعلق بالإصلاحات اللازمة والضرورية او بخطة التعافي المالي وغيرها من المشاريع المتصلة بالأوضاع المعيشية الملّحة ، فضلاً عن اقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية (الكابيتال كونترول)، وقانون استعادة الاموال المحوّلة الى الخارج .
– التأكيد على انّ صلاحية فتح دورة استثنائية محدّدة بالدستور (المادة 33) أي بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهما يضعان توقيت الدورة وبرنامجها، وهذا ما تمّ بالفعل، وهو أمر لم يكن يراع في الماضي.
– انّ مجلس النواب سيكون ملزماً بمناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المحدّدة في مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، مع ترك الباب مفتوحاً امام ما يمكن ان يقرّه مكتب المجلس في الإطار المحدّد في المرسوم.
– انّ الصلاحيات المكرّسة لرئيس الجمهورية في الدستور تمّت ممارستها وفقاً للأصول، ما ينفي ما قيل عن انّ الرئيس عون يرفض توقيع المرسوم، في محاولة تندرج في سياق الحملات المنظّمة التي تستهدف الرئيس لمنعه من ممارسة صلاحياته الدستورية بالكامل.
– انّ برنامج اعمال الدورة الاستثنائية يعطي الاولوية لمواضيع مهمّة وضرورية تحتاجها المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها البلاد اقتصادياً ومعيشياً ومالياً، لاسيما مشروع قانون الموازنة، واخرى تتناول الانتخابات النيابية والتدقيق المالي، لجهة تمديد العمل بالقانون الخاص بتعليق العمل بالسرّية المصرفية (القانون رقم 200/2020) وغيرها.
وقالت المصادر عينها: “إنّ من شأن انعقاد الدورة وإقرار القوانين المحدّدة في مرسوم فتح الدورة، ان يخلق اجواء سياسية هادئة، تساعد على تبريد مواقف الأطراف السياسيين لمقاربة الملفات العالقة، ومنها ما يتصل بجلسات مجلس الوزراء والمواضيع الاخرى”. وخلصت الى القول، “انّ ما يهمّ الرئيس هو إقرار الموازنة لانتظام مالية الدولة، والقوانين الاخرى الملحّة الواردة في جدول الاعمال المحدّد بالمرسوم”.
ردّ مجلسي
في المقابل، اكّدت مصادر مجلسية لـ”الجمهورية”، رفضها ما سمّتها “محاولة تكريس اعراف جديدة تمسّ بصلاحيّات مجلس النواب، وهذا ما لن يُسمح به على الإطلاق”.
ولفتت المصادر من جهة ثانية، الى انّها لم تتفاجأ بصدور مرسوم فتح الدورة، إذ أنّه كان سيصدر في مطلق الأحوال، سواء عن رئيسي الجمهورية والحكومة، او بناءً على العريضة النيابية التي كانت تُعدّ طلباً لفتح الدورة الاستثنائية، وفق الحق الذي يمنحه الدستور للنواب في المادة 33 منه.
ولفتت المصادر، الى انّ ما جرت إشاعته حول وجود تسوية او تفاهمات مخفية أفضت الى فتح الدورة الاستثنائية، هو مجافٍ للحقيقة، حيث انّ العريضة النيابيّة كانت قد شارفت على الإنجاز الكامل، وتتضمن تواقيع تزيد عن الـ65 نائباً، أي عن الاكثرية المطلقة التي تحتاجها لفتح الدورة، والتي تلزم المادة الدستورية المذكورة (المادة 33 – دستور) رئيس الجمهورية بفتح الدورة. وما صدور مرسوم الدورة عن رئيس الجمهورية سوى محاولة استباقية بفتح الدورة الاستثنائية طوعاً، حتى لا يجد نفسه ملزماً بفتح الدورة بناءً على العريضة النيابية. علماً انّ العريضة النيابية، كانت قد جمعت 62 توقيعاً نيابياً يوم الجمعة الماضي، وجرى تجميدها ربطاً بنتائج لقاء الرئيسين عون وميقاتي، الذي تخلّله اتصال بينهما وبين الرئيس بري، والذي اعلن رئيس الحكومة بعد اللقاء عن الاتفاق على فتح الدورة.
وكشفت المصادر، عن انّ رئيس المجلس سيدعو في وقت قريب جداً لعقد جلسة تشريعية، لمناقشة عدد من مشاريع واقتراحات القوانين، وخصوصاً تلك التي أنجزتها اللجان النيابية.
لا مجلس وزراء
واما على الصعيد الحكومي، فإنّ فتح الدورة منعزل تماماً عن الملف الحكومي، وعلى ما تؤكّد مصادر موثوقة لـ”الجمهورية”: “لا رابط بين مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، وبين محاولة ابتداع حلول ومخارج لإعادة إحياء جلسات الحكومة”.
وقالت: “انّ الأجواء السياسية المحيطة بتعطّل جلسات مجلس الوزراء، تشي بأنّ الشلل الحكومي سيبقى قائماً إلى أجل غير مسمّى، ذلك انّ الامور ما زالت عالقة في مربّع التعقيد على نحو ما كانت عليه قبل صدور مرسوم فتح الدورة، أكان حيال الملف الحكومي وتعطّل جلسات مجلس الوزراء، او حيال ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وخصوصاً أنّ الاسباب المانعة لهذا الانعقاد ما زالت معقّدة وعالقة عند مسألة الصلاحيّات”.
وبحسب المصادر، فإنّ لا تبدّل حتى الآن في موقف ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله” لناحية عدم مشاركة وزرائهما في جلسات مجلس الوزراء، بل انّ مشاركتهما مرتبطة بالتزام المحقق العدلي القاضي البيطار الاصول الدستورية، وعدم المسّ بصلاحيات المجلس النيابي وكذلك صلاحيات المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وبالتالي، فإنّ موقف الثنائي ما زال يشدّد على الفصل بين التحقيق العدلي وصلاحيته في ما يتعلّق بالموظّفين حصراً، وبين صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في محاكمة الوزراء السابقين الذين ادّعى عليهم القاضي البيطار وأصدر بحق بعضهم مذكرات توقيف غيابية.
مخرج جرى تعطيله
وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، أنّ الايام الأخيرة شهدت اتصالات مكثفة على مسار حكومي – قضائي، لبلورة ما سُمّي بـ “مخرج ملائم” للأزمة الحكومية والقضائية في آن معاً، وقد سلكت هذه الاتصالات مساراً وصف بالإيجابي، خصوصا أنّ وعوداً وصفت بالجدّية قطعتها مراجع قضائية لمراجع حكومية ببت الهيئة العامة لمحكمة التمييز الفصل بين صلاحية المحقق العدلي وتأكيد حق المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استناداً الى سابقة مشابهة في هذا المجال مرتبطة بمحرقة برج حمود في بداية عهد الرئيس اميل لحود، حيث جرى الإدّعاء على وزير الدولة للشؤون المالية آنذاك فؤاد السنيورة في ملف المحرقة، حيث اكّدت محكمة التمييز على انّ صلاحية محاكمة الوزراء مناطة دستورياً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وتلفت مصادر المعلومات، الى انّ الجهات الحكومية كانت حتى الأمس القريب تعبّر عن تفاؤل حيال انفراج قريب لهذه الأزمة، الّا انّ هذا التفاؤل قد ذاب بشكل كامل، وخصوصاً بعدما لاحظت الجهات الحكومية ما وصفته “تهرّباً من الوعود التي قُطعت”، ومحاولة تعطيل متعمّد لهذا المخرج، عبر قطع الطريق امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، تارة عبر ادّعاءات مرضية، وتارة تحت عنوان “مخالطة مصابين بكورونا”، وتارة اخرى تحت عنوان “حَجر إلزامي نتيجة اصابة البعض بالوباء”، بما بدا وكأنّ هذه الادّعاءات تلعب على عامل الوقت، الى حين فقدان نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز عبر إحالة أحد كبار القضاة على التقاعد.
لا موازنة
في جانب حكومي آخر، وفيما اكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العزم على توجيه دعوة لانعقاد مجلس الوزراء، حينما يتسلّم مشروع الموازنة العامة للعام 2022، لإقرارها في مجلس الوزراء وإحالتها الى المجلس النيابي، أبلغت مصادر وزارية معنية بملف الموازنة الى “الجمهورية” قولها: “انّ مشروع الموازنة العامة لم يُنجز بعد، وما زال قيد الإعداد في وزارة المال، ويحتاج الى بعض الوقت”.
وتبعاً لذلك، اكّدت المصادر انّ رئيس الحكومة المتحمّس لإعادة إحياء حكومته، لن يبادر الى دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد قريباً، ذلك انّ هذه الدعوة ما زالت محكومة بالشرط الذي اكّد عليه ميقاتي، وهو بلوغ توافق قبل أي دعوة، حتى لا تأتي هذه الدعوة مستفزة لأي طرف.
حوار عون
في هذه الأجواء، يبدو انّ دعوة رئيس الجمهورية الى الحوار، تسير في حقل من الأشواك السياسية، وانّ الحراك التمهيدي للحوار الذي بدأته الرئاسة الأولى لم يؤتِ ثماره المرجوة، حيث عكست اجواء الأطراف السياسية انقساماً واضحاً حيال هذه الدعوة، وبالتالي لا إجماع على تلبيتها، ما يهدّد بالإطاحة بها.
وإذا كان رئيس المجلس النيابي قد اطلق في الايام الاخيرة موافقة على المشاركة بالحوار بقوله: “لا يمكن ان أُدعى الى حوار وأُقاطع. لكن العبرة دائماً تبقى في نتائج اي حوار”، برزت موافقة “كتلة الوفاء للمقاومة” واستعدادها للمشاركة، فيما قوبلت الدعوة برفض “القوات اللبنانية”، وكذلك برفض تيار “المستقبل” المشاركة، وقد جاء هذا الرفض في اتصال هاتفي أجراه الرئيس سعد الحريري برئيس الجمهورية امس، إثر اتصال أُجري من القصر الجمهوري ببيت الوسط، بشأن اقتراح الرئيس عون بالدعوة الى مؤتمر حوار وطني، حيث أبلغ الحريري رئيس الجمهورية اعتذاره عن عدم المشاركة، لأنّ أي حوار على هذا المستوى يجب ان يحصل بعد الانتخابات النيابية.
ولفتت في السياق، زيارة قام بها الرئيس ميقاتي الى القصر الجمهوري في بعبدا أمس، حيث اكتفى ميقاتي بالقول بعد لقائه عون، انّه “في إطار دعوة رئيس الجمهورية للحوار طلب مني الاجتماع وأدليت برأيي ووضعته عنده وهناك استكمال للحديث”. وبحسب مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، فإنّ موقف رئيس الحكومة، خلاصته انّه مع كلّ ما يمكن ان يقرّب بين اللبنانيين ويحقق مصلحة لبنان”.
اتصالات
وأفادت معلومات بأنّ عون اجرى سلسلة اتصالات مع الرئيسين بري وميقاتي قبل ان يلتقي الثاني بعد ظهر امس. كما شملت الاتصالات رؤساء الكتل النيابية مستمزجاً رأيهم بالموضوع، على ان يستكمل اتصالاته الهاتفية اليوم السبت، وتحدّد مواعيد اللقاءات الفردية ابتداء من الاسبوع المقبل .
ولفتت المصادر عبر “الجمهورية”، انّ الرئيس يرغب بمشاركة الجميع، لأنّ المواضيع المطروحة اساسية مرتبطة بالصالح العام وسبق ان حدّدها في رسالته الاخيرة الى اللبنانيين. وانّ المسألة ليست شخصية بل هي وطنية، والكل مدعو الى المشاركة، الّا من يريد ان يغيّب نفسه عن المشاركة في مؤتمر يفترض ان يضع أسس إنقاذية للاوضاع الصعبة غير المسبوقة التي تمرّ فيها البلاد.