قالت الصحف:بين خطاب الاستقلال وعملية الفرار من سجن بعبدا ..انتقادات للعهد والتعاطي الرسمي
الحوار نيوز – خاص
وسط الجمود الحكومي الذي أمضى شهره الأول من دون أن تظهر أي بوادر لتشكيل الحكومة،ركزت افتتاحيات الصحف اليوم على خطاب الاستقلال لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعملية الفرار الكبرى من سجن بعبدا ،وكانت السمة الغالبة الانتقاد للعهد والتعاطي الرسمي مع الأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان .
• كتبت صحيفة النهار تقول: لعل أغرب ما رافق المواقف التي أطلقت عشية الذكرى الـ77 للاستقلال وسط أسوأ أزمات لبنان اطلاقاً منذ نيله هذا الاستقلال في 22 تشرين الثاني عام 1943 هو أن تتماهى مواقف رئيس الدولة مع مواقف زعيم معارض الى درجة تثير التساؤلات عما إذا كان ذلك نتيجة الانهيارات المتفاقمة أم نتاج الازدواجية التي تظلل الدولة.
ذلك أنّه من الطبيعي، بل يحق لرئيس حزب الكتائب النائب المستقيل سامي الجميل، أن يطلق نيران مواقفه النارية في اتجاه المنظومة الحاكمة الفاسدة. ولكن كيف يمكن تفسير الحملة النارية الأشد التي شنّها رئيس الجمهورية العماد ميشال #عون على المنظومة الفاسدة السياسية والمالية أيضاً وهو رئيس البلاد منذ أربع سنوات وشهر؟
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أثر النكسة التي اعترف بها الرئيس عون جرّاء انسحاب شركة #التدقيق الجنائي "ألفاريز ومارسال" من مهمتها قبل إتمامها، إذ تركت تداعياتها بصمات قوية على موقفه من هذا الملف الساخن، وأكد تبعاً لذلك في رسالته لمناسبة ذكرى الاستقلال أنّه "لن يتراجع أو يحيد عن معركته ضد الفساد المتجذر في مؤسساتنا، وأنّه لن يتراجع في موضوع التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسوف يتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة اطلاق مساره المالي".
وإذ اعتبر أنّ "وطننا اليوم أسير منظومة فساد سياسي مالي إداري مغطّى بشتى أنواع الدروع المقوننة تمنع المحاسبة بالتكافل والتضامن وتؤمن ما يلزم من الذرائع والابتكارات لتخطي القوانين وأسير قضاء مكبل بالسياسة وبهيمنة النافذين، شدّد على أنّ "تحطيم كل هذه القيود التي تكبّل ليس بالمستحيل إذا أردنا فعلاً بناء الوطن وتحقيق التحرر والاستقلال الفعلي". وأمّا في الملف الحكومي، فتساءل عون أيضاً، ومن موقع المنتقد المبطن للرئيس المكلّف من دون أن يسميه: "أولم يحن بعد في ظل كل تلك الأوضاع الضاغطة لتحرير عملية تأليف الحكومة العتيدة من التجاذبات ومن الاستقواء والتستر بالمبادرات الانقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع كي يستقيم انشاء السلطة الإجرائية وعملها؟".
والحال أنّ الموقف المعارض الأبرز الذي سُجّل عشية ذكرى الاستقلال تمثّل في الخطاب الناري الذي ألقاه رئيس حزب الكتائب سامي #الجميّل لمناسبة الذكرى الـ84 لتأسيس الحزب والذكرى الـ14 لاستشهاد النائب والوزير بيار أمين الجميل. وقد أحيا الحزب المناسبتين بلقاء رقمي هو الأول من نوعه يقيمه حزب لبناني، وألقى خلاله الجمّيل كلمة اتّسمت بالهجوم الأعنف الذي شنّه على "#حزب الله" والمنظومة الحاكمة.
واعتبر الجميل، في كلمته التي حدد فيها ثوابت الحزب، أنّ أخطر ما بلغته التساؤلات بعد الانهيارات هو السؤال هل نستسلم؟ وأجاب: "نحن هنا لن نستسلم وهذا بلدنا ولن نتركه لاحد وندعو الجميع للدفاع عنه معنا"، واعتبر "أنّنا نصطدم بحاجزين كبيرين للتغيير الأول هو السلاح والثاني هي المنظومة الفاسدة الحاكمة في لبنان"، ولذا توجه أوّلاً إلى قيادة "حزب الله " قائلاً: "بكل وضوح انتم تدخلون لبنان في صراعات خارجية وتعزلونه وأنتم تمنعون التغيير وتحييون منظومة الفساد أنّ سلاحكم هو ضد السيادة ويقيّد الاستقرار وأنّ سلاحكم هو تقسيمي واللبنانيون من كل الطوائف لن يقبلوا التعايش مع سلاحكم. لن تخيفونا برفع الإصبع والأكبر منكم لم يخفنا وإرادة اللبنانيين بالحياة أكبر منكم". ثم توجه إلى "المنظومة وأحزابها" قائلاً: "إنّ كراسيكم من كرتون وقراركم في مكان آخر وقد دمرتم الاقتصاد وجررتم البلد إلى الانهيار وحوّلتم الدولة والإدارة إلى بؤر فساد"، وأعلن "أنّنا لن نستسلم وسننقل المواجهة إلى مرحلة جديدة وحان الوقت لكي نتوحد مع جميع التغييرين".
في غضون ذلك، كان تداعيات وأصداء انسحاب شركة "الفاريز ومارسال" من الاتفاق مع وزارة المال حول التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان تتوالى تاركة أجواء بالغة السلبية حول هذا الملف الذي وضع العهد كل ثقله لإنجاحه ثم اصطدم بهذا التطور السلبي. ولوحظ أنّ معظم ردود الفعل المندِّدة بتوقف عملية التدقيق الجنائي وانسحاب الشركة جاءت من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، فيما لم ترصد مواقف بارزة أخرى من قوى أخرى باستثناء إشارة من نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم.
إلى ذلك، خيّمت خيمت عملية الفرار الكبير للسجناء من سجن قصر العدل في بعبدا، صباح أمس، على معظم التطورات الداخلية، إذ شكّلت صدمة امنية بالغة السلبية ورسمت علامات شكوك وخيبة واسعة حيال الأداء الأمني الملتبس الذي واكب الفرار الخطير لعشرات السجناء، الأمر الذي سيترك تداعيات واسعة ومساءلات لا بدّ منها حول المسؤوليات الأمنية المتعددة حول هذه الفضيحة الصادمة. ذلك أنّ فرار 69 سجيناً من سجن بعبدا لا يعدّ حادثاً عادياً وقد أمكن لاحقاً إعادة توقيف 25 سجيناً منهم، فيما لقي خمسة آخرون حتفهم خلال حادث اصطدام سيارة أجرة سرقتها مجموعة من السجناء الفارين على مقربة من مبنى المجلس الدستوري، وظلّ 39 سجيناً فارين قيد الملاحقات والتعقبات الأمنية. وأدّى هذا الحادث الصادم أيضاً إلى إعادة إحياء ملف قانون العفو بقوّة من خلال بعض تحركات أهالي السجناء، في حين فتح تحقيق قضائي في ملابسات الفرار.
• وكتبت صحيفة الأنباء تقول: ما حصل أمس ليس بمشهد في أحد أفلام هوليوود، إنما عملية حقيقية لفرار 69 سجيناً من نظارة قصر العدل في بعبدا، جاءت لتؤكد حجم المصائب التي تضرب بنيان الدولة في كل مفاصلها ومؤسساتها وإداراتها، وشاءت الصدف أن تقع هذه الحادثة الفضيحة ليلة ذكرى الاستقلال الذي يبدو أن الطريق إليه فعلياً لا تزال بعيدة المنال.
عملية الفرار تلك، وما ترمز اليه من عمق الترهل في مؤسسات الدولة، أغفلها رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته إلى اللبنانيين، وهو ما طرح بشكل متكرر أكثر من علامة استفهام حول واقع السجون في لبنان والاكتظاظ الذي تشهده في ظل تأخير المحاكمات وفشل مجلس النواب بإقرار قانون العفو العام.
وتداولت المعلومات الصحافية أكثر من سيناريو حول تفاصيل عملية الفرار، بانتظار ان تخلص التحقيقات الى نتيجة يُصارَح بها الرأي العام على خلاف ما يحصل في كل الأحداث التي يشهدها هذا البلد، وما انفجار المرفأ سوى خير دليل على ذلك حيث لا إعلان عن اي نتيجة بعد في التحقيقات.
تزامناً، علّقت مصادر مراقبة عبر جريدة الأنباء الإلكترونية على كلمة عون بالقول: "ان كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أكبر"، مستبعدة ألا يكون عون على دراية بكل ما أشار إليه "بعد مشاركته في الحكم من العام 2005 وحجزه للوزارات الدسمة في كل حكومة شارك فيها قبل وبعد الرئاسة هو وتياره السياسي، كالاتصالات والعدل والطاقة والخارجية والاقتصاد وغيرها من الوزارات، حتى وصلت حصته في إحدى الحكومات السابقة الى 10 حقائب، وهذا وحده يكفي لإظهار التناقض مع كل ما حملته كلمته من عناوين حاول عبرها التنصل من مسؤوليته وتياره السياسي عما بلغه واقع الدولة".
وسألت المصادر: "عن أي قضاء تحدث عون والتشكيلات القضائية خير دليل على نهج حكمه في التعاطي مع القضاء؟"، مذكرة كذلك "بحملة التوقيفات التي لا تتوقف وتطال أشخاص فقط لأنهم يعبّرون عن رأيهم". كما سألت: "عن أي اقتصاد ريعي يتحدث والسلع المدعومة يجري تهريبها عبر الحدود وقسم منها يُعرض في تركيا والكويت، فيما الحدود على فلتانها ومن دون أي ضوابط، وحتى الاخبارات المقدمة ضد التهريب بقيت رهينة الادراج؟".
وفي هذه الأثناء، لا يزال الحراك الحكومي مفرملاً، وقد اعتبرت مصادر مطلعة عبر جريدة "الأنباء" الالكترونية أن "كلام عون حول التأليف كافٍ للتعبير عن حجم التباعد والاختلاف في وجهات النظر بينه وبين الرئيس سعد الحريري الذي اتهمه بالاستقواء والتستّر بالمبادرة الانقاذية والخروج عن المعايير الواحدة، ما يعني ان لا تشكيل حكومة في المدى المنظور".
إلا أن مصادر عين التينة حاولت في حديثها لجريدة "الأنباء" الالكترونية التلميح الى ما قالت انها "جوانب ايجابية" في كلمة عون عبر دعوته لاطلاق حوار وطني لبحث ما يتطلبه البلد في كل القطاعات السياسية والأمنية والدفاعية، مؤكدة ان "رئيس مجلس النواب نبيه بري من أشد المتحمسين لهذا الحوار وكل ما يقرّب اللبنانيين من بعضهم البعض".
ورأت مصادر عين التينة أن "تشكيل الحكومة بات أولوية ملحة لأن هناك استحقاقات داهمة ويجب العمل عليها في وقت ليس ببعيد وليس بوضع العصي أمام التأليف وان مجلس النواب جاهز للتشريع وليست لديه مشكلة في هذا الموضوع". وتوقفت المصادر عند فرار المساجين، قائلة: "لو تمكن المجلس النيابي من التصديق على العفو لما وصلت الأمور الى هذا المنحى الخطير".
من جهته، عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار لفت في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية الى ان "ما كنا نسمعه في الاعلام عن وجود تباين في موضوع تشكيل الحكومة بين عون والحريري تأكد بالمباشر في كلمة رئيس الجمهورية"، مستذكرا "ما قاله المبعوث الفرنسي باتريك دوريل من أن فرنسا تريد حكومة اختصاصيين لا حزبيين ثم عادت الرئاسة الفرنسية وأكدت على هذا الموضوع، وهذا أفضل رد على ما جاء في كلمة عون، وهو لا يتناسب بالطبع مع ما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون".
الحجار رأى أن "المبادرة الفرنسية هي طوق النجاة الوحيد المتوفر للبنان لوضعه على سكة الانقاذ، وتنقذه بعض الشيء وتمكنه من الذهاب نحو الاصلاح الحقيقي وهيكلة حقيقية للدولة".
بدوره، عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله رأى في حديث مع جريدة "الأنباء" الالكترونية ان "فرار المساجين بالمعنى الأمني والقانوني مرفوض ولا يجب ان يتكرر، ولكن بالمعنى الاجتماعي والانساني هو نتيجة تلكؤ السلطة السياسية والأمنية عن معالجة مشكلة الاكتظاظ في السجون وعدم تسهيل المشاريع المتعددة لجهة تحديد المهل والنظر بأوضاع هؤلاء السجناء للأسف لاعتبارات لها علاقة بتركيبة لبنان الطائفية ولاعتبارات سياسية لم نتمكن كنواب من اقرار قانون العفو العام لازالة الظلامة عن العديد من الموقوفين".
وقال عبدالله: "بكل الصيغ التي طُرحت كنا دائما نستثني من العفو المحكومين بتهم الاعتداء على الجيش وعلى امن الدولة"، مطالبا بتسهيل العفو عن المظلومين.
على الصعيد الصحي، وفي ظل استمرار اجراءات الاقفال العام، أفادت مصادر وزارة الصحة جريدة "الأنباء" الالكترونية عن تمكنها من زيادة عدد الأسرّة في أقسام العناية الفائقة لكورونا في المستشفيات الحكومية 256 سريراً، وفي المستشفيات الخاصة الى 252 سرير.
المصادر كشفت ان الدفعة الأولى من لقاح كورونا ستصل الى لبنان مطلع السنة المقبلة وأن الجرعات الاولى ستعطى للأطباء والممرضين وكبار السن ومرضى الأمراض المزمنة، وأما الدفعة الثانية فستعطى لكل المواطنين فوق الستين سنة.
• وكتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: دعا الرئيس اللبناني ميشال عون إلى "تحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات"، وحذر مما سماه "الاستقواء والتستر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها".
وإذ رأى الرئيس عون في رسالة وجهها إلى اللبنانيين مساء أمس في الذكرى الـ77 لاستقلال لبنان، أن قيام الدولة بأبسط مقوماته "يحتاج إلى وجود حكومة فاعلة وفعالة"، قال إن "المتغيرات الإقليمية والدولية سيكون لها انعكاسات مهمة على لبنان، ولا يقع على عاتق أي مسؤول أو أي حكومة أن يقرر منفردا السياسات التي يجب اعتمادها إزاء الواقع الجديد".
ولم يُسجل أي خرق على المراوحة التي تحيط بملف تشكيل الحكومة، وسط دعوات للنهوض بالبلاد وإزالة العوائق أمام تشكيلها بما يتيح تحقيق انفراجات في الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية. وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب: "لا يكتمل الاستقلال إلا بإصلاح يوقف الفساد ويسمح بقيام الدولة القوية"، فيما ألقى رئيس حزب "الكتائب" النائب المستقيل سامي الجميل باللوم فيما وصل إليه لبنان من انهيار على المنظومة الحاكمة وسلاح "حزب الله".
من ناحية ثانية, فرّ عشرات السجناء من سجن بعبدا في جبل لبنان أمس، قبل أن تتمكن قوى الأمن الداخلي من إلقاء القبض على عدد منهم، وتعميم صور آخرين، وسط إجراءات أمنية مشددة لملاحقة الفارين وتوقيفهم.
وقال مصدر أمني لـ"الشرق الأوسط" إنه أثناء فتح عامل التنظيفات باب الزنزانة بهدف تنظيفها فجر أمس، قام 69 سجيناً في نظارة مخفر قصر عدل بعبدا بمهاجمته ومهاجمة عدد من عناصر قوى الأمن، وتمكنوا من الهروب، موضحاً أن الفارين معظمهم من الجنسية اللبنانية، فضلاً عن آخرين من الجنسيتين السورية والعراقية. واستقل خمسة سجناء فارين سيارة أجرة بعد رمي سائقها منها، وأثناء هروبهم، اصطدمت السيارة بشجرة ما أدى إلى مقتل السجناء الخمسة.
• وكتبت صحيفة العربي الجديد تقول: يستيقظ اللبنانيون اليوم الأحد في عيد استقلال بلادهم الـ77، وهم في أسوأ مرحلة تاريخية يعيشها لبنان. الوضع الاقتصادي بات على شفير الهاوية. لا إصلاحات في الأفق. التدقيق الجنائي سقط منذ يومين. والأمل الوحيد في إحداث ثغرة في الجدار المطبق على اللبنانيين، يكمن في تشكيل حكومة إنقاذ. لكنها بدورها تحوّلت "ترفاً" لا يمكن الحصول عليه بسهولة. فقد مرّ شهرٌ على تكليف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، برئاسة الحكومة اللبنانية، من دون أن يتمكّن من تشكيلها بعد. مع العلم أنه يفترض على الحكومة العتيدة أن تحمل مهمة "الإنقاذ" وتضمّ وزراء اختصاصيين مستقلّين، وتعمل لفترة ستة أشهر، من أجل إنعاش لبنان المنهار اقتصادياً. ومن المفترض أن يتمّ هذا الأمر في إطار برنامج إصلاحي يعيد تحريك الدعم الدولي من بوابة المبادرة الفرنسية، المهدّدة بالسقوط قريباً، خصوصاً بعد جولة غير مثمرة للوفد الرئاسي الفرنسي بقيادة باتريك دوريل على القادة السياسيين، وتزايد الغموض بشأن زيارة ثالثة ينتظر أن يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، بعد زيارتيه السابقتين في 6 أغسطس/آب، وفي 1 و2 سبتمبر/أيلول الماضيين.
وفي ظلّ إصرار الحريري على مواصلة مهمته ورفض فكرة الاعتذار، يرتفع منسوب الخلاف على شكل الحكومة والمعايير المتخذة لاختيار الوزراء وكيفية توزيع المقاعد الوزارية، خصوصاً السيادية، مثل وزارتي الخارجية والطاقة. ويرفض الرئيس المكلف منحهما لرئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل أو حلفائه. ويهدف الحريري بذلك إلى استئناف العلاقات المقطوعة مع دول عربية عدة، الخليجية خصوصاً، إذ كان لافتاً غياب السفير السعودي وليد البخاري عن لبنان لفترة، وانتقال السفير الإماراتي حمد الشامسي إلى مصر، وسط حديث عن خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي للبلدين. وبالنسبة إلى وزارة الطاقة، فإن الحريري يعتبر أنها غارقة بالفساد والعجز، فضلاً عن أن من الشروط الفرنسية والدولية لمساعدة لبنان، هو أن تكون هذه الوزارة في كنف وزير اختصاصي مستقل. ودفعت مواقف الحريري باسيل إلى رفع سقف مطالبه لجهة الوزارات الأساسية التي يريدها تعويضاً عن خسارته هاتين الوزارتين، في ظلّ تفاقم صراع الرجلين المرفق باتهامات متبادلة بالتعطيل.
وسبق لباسيل أن ردّد مراراً أنه "في حال لم يتم اعتماد معايير واضحة وموحّدة، فإن التشكيل الحكومي سيتأخر، ومن يؤخّرها هو من يضع معايير استنسابية، ويخفيها بوعود متناقضة بهدف واحد هو تكبير حصته فقط"، غامزاً من قناة منح الحريري وزارة المال لـ"حركة أمل"، بقيادة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وحقها في تسمية وزرائها من الطائفة الشيعية، كما يفعل هو في تسمية وزراء الطائفة السنية. وترتكز أوساط "التيار" على هذه المفاهيم، لتسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة المقبلة، علماً أن باسيل يصرّ أيضاً على عدم الجمع بين وزارتين في حكومة تضمّ أكثر من 20 وزيراً، في مقابل تمسك الحريري بحكومة من 18 وزيراً.
من جهته، يقول مصدر قيادي في "حزب الله" لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن للحريري أن يستثني أحداً من مشاوراته، لا سيما أن الكتل النيابية هي التي تمنح حكومته الثقة. ويضيف أن الحريري يحاول فرض بعض الأسماء التي تعتبر مستفزّة، في ظلّ خشيته من العقوبات الأميركية، التي طاولت باسيل أخيراً (بموجب قانون ماغنيتسكي). بالتالي بدأت تتواتر الأنباء عن احتمال كونه هو أو فريقه السياسي على لائحة العقوبات التي تصدر قريباً. ويشير المصدر إلى أن هذا نوع من الضغط الأميركي الذي يُمَارَس على الحريري، يهدف لإقصاء حزب الله عن الحكومة. وهو ما بدا واضحاً في حديث السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، عند قولها إن الإدارة الأميركية لم تقدم مساعدات مباشرة إلى وزارة الصحة في أزمة كورونا بسبب قرب الوزير (حمد حسن) من حزب الله، وحتى أن واشنطن سترصد شكل الحكومة العتيدة لتبني موقفها.
رداً على هذا الكلام، يلفت نائب رئيس "تيار المستقبل" مصطفى علوش، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أننا نحاول جلب المساعدات إلى لبنان، وهذه من مهمة الحكومة الجديدة، وإلا فالبلاد ذاهبة نحو المجهول. ومن الطبيعي أن يتحاشى الحريري الدخول في أسماء معيّنة تمنع الخير للبلد. ويرى علوش أن الطريقة الوحيدة لكسر الجمود الحكومي، تتمثل في أن يقتنع الرئيس ميشال عون بأن حكومة الحريري، هي حكومة مهمة لا مكان للمحاصصة فيها، ولا يمكن أن تضمّ شخصيات مستفزّة أو على خلاف مع دول داعمة يعتمد لبنان عليها للنهوض اقتصادياً. ويؤكد علوش أن على الحريري أن يرمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ويضعه أمام مسؤولياته، من خلال تقديم تشكيلته الوزارية، ليظهر للرأي العام الطرف المعطّل، ويبقى على مجلس النواب أن يمنح الثقة أو يحجبها في حال وقّع عليها الرئيس عون.
أما الكلام عن وعود قدّمها رئيس الوزراء المكلف لبعض الأحزاب، فيضعه علوش في خانة "الافتراضي" الذي يهدف إلى التسويق لتحقيق التيار الذي لم يسمِّ أصلاً الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة مطالبه الوزارية. بالتالي يبقى على الحريري، أن يشكّل حكومة قادرة على التفاهم مع مختلف الدول وكسب ثقة المجتمع الدولي لتلقي المساعدات، أو تشكيل حكومة كالتي تُفرَض عليه، تدخل البلاد في عزلة شاملة محاطة بالعقوبات.
من جهته، يعتبر رئيس جهاز التواصل والإعلام في "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، شارل جبّور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الحريري أمام خيار من اثنين، إما أن يؤيد حكومة وفق إرادة وأجندة "حركة أمل" و"حزب الله" والعهد، أي استنساخ حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة بحلّةٍ أخرى، علماً أن أي حكومة من هذا النوع ستكون حدودها السراي الحكومي ولن تتمكن من القيام بالإصلاحات المطلوبة وانتزاع المساعدات اللازمة. أما الخيار الثاني، فهو الاعتذار، لكن الحريري لا يريد ذلك بتصميمه على مواصلة جهوده.
ويشير جبّور إلى وجود صعوبات كثيرة تحول دون تشكيل الحكومة، أبرزها أنّ العهد يعتبر أن الحكومة العتيدة ستكون الأخيرة قبل انتهائها مع نهاية ولاية عون في عام 2022. بالتالي يريد أن يمسك بكل مفاصلها، تحديداً بالثلث المعطل حكومياً والحقائب الوزارية الأساسية. بدوره يعتبر حزب الله، أن هذه الحكومة مهمّة، لأنها تأتي في مرحلة من التحوّلات الدولية، وعليه يرغب بدوره بالإمساك بمفاصلها. ويرى أن العقوبات الأخيرة، خصوصاً على باسيل، عززت تشبث حزب الله بالملف الحكومي، مانحاً مفاتيح التشكيل لباسيل بمثابة تعويض.
ويسأل جبّور: "من يقول إنه في حال تألفت الحكومة وتمّت تسمية الوزراء من قبل الكتل السياسية، لن يُصار إلى مقاطعتها دولياً أو إشهار العقوبات في وجهها، على خلفية أن من سمّاهم مشمولٌ بالعقوبات، وأي تسمية من قبلهم ستنسحب العقوبات على الوزراء؟". ويلفت إلى أنّ هناك أيضاً من ينتظر دخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، علّه تتضح الصورة بشكل كبير. ويرى بأن الحكومة لن تولد قريباً، ومن الصعب تحقيق أي اختراق، لأنه لو حدث حتى فلن تصمد الحكومة ولن تتمكن من القيام بأي شيء في ظل الذهنية السائدة. ولا يجب الاستهانة بانسحاب السعودية ودول خليجية تكتيكياً، وهي خطوة تعبّر عن موقف سياسي بشكل أو بآخر.