سياسةمحليات لبنانية
قالت الصحف:الشلل السياسي يواكب القضايا العالقة ..وموضوع القاضية عون يفجر الوضع القضائي
الحوار نيوز – خاص
افتتاحيات الصحف الصادرة صباح اليوم تنوعت بتنوع القضايا العالقة التي تترجم الشلل السياسي الذي يضرب لبنان منذ فترة طويلة ،من تعثر تشكيل الحكومة الى زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية الى موضوع القاضية غادة عون التي شغلت مختلف الأوساط أمس وفجرت الوضع القضائي.
-
كتبت “النهار” تقول: غادر وكيل وزارة الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل بيروت، كما عاد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى بيروت من زيارته لموسكو… وماذا بعد ؟
عادت البلاد الى الخواء السياسي الداخلي ودوامة انتظار تحرك ما في شأن تشكيل الحكومة الجديدة وسط تضخم المخاوف الى ذروتها من اقتراب الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية من ذاك الانهيار الكبير الذي يخشاه الجميع ويتوقعونه، بل وبدأوا العد العكسي لتلقي موجاته الأولى في تسونامي مخيف فيما يبدو الجميع كانهم سلموا بالاستسلام امام مؤامرة التعطيل المتعمد للوسيلة الانقاذية الوحيدة التي قد تمنعه وهي الحكومة الجديدة. لقد بات في حكم المؤكد ان العد العكسي لمرحلة انفجار تداعيات الفراغ الحكومي الذي لا تملأه اطلاقا حكومة تصريف الاعمال يقترب بسرعة مخيفة من استحقاقات داهمة لن يكون ممكناً تجاوزها والقفز فوقها او تخدير البلاد على وقع تداعياتها من مثل مسألة رفع الدعم او إبقائه او تقنينه كما في مسالة الموازنة والصرف على القاعدة الاثنتي عشرية او ناهيك عن التموجات الصادمة للدولار والليرة في السوق السوداء وما ترتبه الإجراءات المتخبطة للجسم المصرفي من انعكاسات سلبية على استيراد المواد والسلع الاستراتيجية على نحو لم يعرف لبنان مثيلا لها في الحرب. كل هذه الملفات والاولويات المخيفة المتزاحمة باتت استحقاقاتها تقاس بالأسابيع وليس بالأشهر فيما لا تلحظ اجندات السلطة الحاكمة والقوى الداخلية أي محطات او مواعيد او برامج تختص بالمسارعة الى إزالة حقل الألغام الذي يحول دون تشكيل الحكومة رغم كل التحركات الكثيفة في الشكل التي تدور حول هذا الاستحقاق المشلول. قد يكون اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في التاسع عشر من نيسان الحالي في بروكسيل محطة جديدة يطرح فيها، من جملة البنود المطروحة على جدول اعمال الاجتماع الأوروبي، موضوع الإجراءات الضاغطة التي قد تقررها دول الاتحاد ومن ابرزها إقرار عقوبات على جهات وشخصيات لبنانية لعرقلتها تشكيل الحكومة الجديدة. لكن أي معطيات دقيقة وجازمة لم تتوافر بعد في هذا الصدد ولو ان الفرنسيين يكررون ان ثمة استعدادات جارية في هذا الاتجاه. اما على الصعيد الداخلي، فان جدار الانسداد آخذ في الارتفاع في ظل التعنت الذي يطبع الازمة خصوصا مع تداخل سلوكيات سياسية وشخصية يغلب عليها طابع تصفية الحسابات على غرار الحملات التي تغزو وسائل التواصل الاجتماعي مستهدفة مراجع سياسية او دينية او مالية. وفي اطار المزاعم الدعائية التي تعكس توزيع الأدوار بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله ” جرى تسريب معلومات عن اجتماعين عقدا في الأسبوعين الماضيين بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا ورئيس “التيار الوطنيّ الحرّ” جبران باسيل وان “الاجتماعين لم يفضيا إلى نتيجة في ملف تشكيل الحكومة”.
وقد اختتم الرئيس سعد الحريري بعد ظهر امس زيارة العمل التي قام بها الى روسيا بلقاء مع وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقر وزارة الخارجية في موسكو جرى خلاله مناقشة تطورات الأوضاع في لبنان بشكل تفصيلي ولا سيما العقبات التي تواجه تشكيل الحكومة والازمة الاقتصادية. واكد وزير الخارجية الروسي دعم روسيا لجهود الرئيس الحريري في تأليف حكومة برئاسته بأسرع وقت، تكون قادرة على معالجة الازمة والحصول على الدعم العربي والدولي.
في الملف المعيشي الذي بدأت تداعياته تتخذ ابعاداً بالغة الخطورة، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر” قائلا “في انتظار اتفاق الاقطاب الكبار في الجو والبحر والبر لتركيب حكومة الانقاذ، فإنّ الدعم العشوائي وغير المدروس والذي يستفيد منه كبار التجار والمافيات المحيطة سيطيح بالاحتياطي الالزامي وبالمقومات الاساسية للوجود. أمّا الثروات البحرية فقد تصبح مشاعا يستباح من إسرائيل ومن سوريا”.
ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة أن “حزب الله” يقوم باستعدادات تحسباً لانهيار تام للبلد، عبر إصدار بطاقات حصص غذائية واستيراد أدوية وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود من إيران.
تمرد واقتحام
الى ذلك برز تطور قضائي لافت امس تمثل في تمرد القاضية غادة عون على قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات . فبعد اجتماع مجلس القضاء الاعلى الاخير، الذي اكدّ خلاله الحق المطلق وسلطة النائب العام التمييزي وهيئة التفتيش القضائي بضرورة اتخاذ ما يرونه من اجراءات اناطها بهما القانون بحق القاضية غادة عون اصدر النائب العام التمييزي قرارا قضى بتعديل قرار توزيع الاعمال لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بحصرها بثلاثة محامين عامين فقط، من دون ان يلحظ القرار اسم النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، وقاضيين آخرين سبق للمجلس التأديبي للقضاة ان كفّ يدهما. ويعتبر قرار عويدات بمثابة اجراء تأديبي مسلكي بحق عون لعدم التزامها بتعهداتها امام مجلس القضاء الاعلى لناحية احترام القوانين والاصول التي تنظم عمل القضاة بشكل عام كما ومخالفتها للتعاميم الصادرة عن النائب العام التمييزي وقضايا مسلكية اخرى عالقة امام التفتيش القضائي. ولكن القاضية عون رفضت تبلغ هذا القرار مخالفةً قرار مدعي عام التمييز وحضرت ظهر امس إلى مكاتب شركة مكتف للصيرفة في عوكر لإكمال التحقيق بحماية عناصر من أمن الدولة، ومؤازرة ناشطين مقرّبين منها، تحت اسم “متّحدون”، رغم صدور قرار كف يدها عن هذه الملفات .
وحين واجهها محامو شركة الصيرفة بأنّ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كف يدها عن الملف وطلب نقله الى قاض آخر رفضت عون كلام المحامين، وطلبت من عناصر أمن الدولة إجبار الموظفين على تسليمها الداتا في الكمبيوترات. لكنّ مرجعاً قضائياً كبيراً طلب من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا سحب العناصر باعتبار عون بلا صلاحيات في الملفّ. وهكذا كان. فبقيت عون هي ومرافقَيها، وبضعة ناشطين رافضة الخروج من المكاتب وأصرّت على البقاء حتى ساعات الليل حيث غادرت المكاتب بمؤازرة عناصر عسكرية . وعلم ان مجلس القضاء الأعلى سينظر في جلسته الثلثاء المقبل في تمرد القاضية عون على قرار النائب العام التمييزي ويتخذ الاجراء المناسب. وفي وقت لاحق ليلا دعت وزيرة العدل ماري كلود نجم رئيسي مجلس للقضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي الى اجتماع طارئ اليوم “نظرا الى ما آلت اليه الأوضاع القضائية في الآونة الأخيرة التي أدت الى ضرب صورة القضاء وسمعته للامر المرفوض لاي سبب كان ” .
-
وكتبت “الجمهورية” تقول: لم تبق لغة على وجه الأرض إلّا وقاربت الملف اللبناني المعقد بالنصيحة، وكلّها سعت الى محاولة إقناع اطراف الصراع الداخلي بنزع الصواعق المهددة للاستقرار الداخلي، وإطفاء فتائل التعطيل المانعة تشكيل حكومة، وبالتالي التفاهم على صيغة حكومية تنقل البلد من مسار الانفجار الى مسار الانفراج. وكل هذا التزخيم من الخارج، أُحبط واصطدم بالتعطيل والتطنيش في الداخل.
فالحراك الدولي الاخير الذي تكثّف في الآونة الاخيرة بشكل ملحوظ في اتجاه بلورة حل للأزمة الحكومية في لبنان، عكس تحذيراً بأنّ الوقت يضيع على لبنان، ووقت الحلول ينفد ولا يوجد متّسع منه. كذلك عكس توجّه المجتمع الدولي الى مدّ اليد للبنان، والنأي به عن كلّ النقاط المتوترة او المتفجرة في المنطقة. هذا ما اكد عليه العرب مع الحضور المصري مع جامعة الدول العربية، كما قُرىء في خلفية الحضور الأميركي، وهو الأول في ظل ادارة جو بادين، الذي يتّسِم بزخم ورسائل واضحة ومباشرة الى معطّلي الحياة السياسية والحكومية في لبنان، تدعو الى “كسر الشر” والتفاهم على حكومة. ويَتوازى مع ذلك الحضور الروسي الذي يمكن وصفه بـ”النوعي”، كذلك الحضور الالماني من الباب الاقتصادي والاستثماري وعرض اعادة اعمار مرفأ بيروت.
كل ذلك، يُضاف الى الحراك الفرنسي المتواصل مع أهل السياسة والقرار منذ إطلاق مبادرتهم الانقاذية في آب من العام الماضي، اصطدم بعمق الهوة الفاصلة بين المعطّلين القابضين على الحل في لبنان، وبخشية جدية من ان ينضم هذا الحراك الى ما سبق من محاولات فاشلة أخفقت حتى الآن في سحب هؤلاء المتصارعين من حلبة الحقد والكراهية الشخصية والسياسية المتبادلة بين مَن يدّعون انّهم أمناء على البلد، فيما هم في الحقيقة قد قرروا سلفاً ان يبيعوه لقاء وزير من هنا، أو حقيبة وزارية من هناك، ويتاجروا به عند أي مفترق شعبوي أو محطّة استثمارية على السياسة وغير السياسة.
واشنطن
المشهد الداخلي العام بعد هذه الزحمة الدولية، يمكن وصفه بالأقل سواداً مما كان عليه قبل ايام قليلة، الّا انه في قمة الارباك، فكل الداخل منهمك في قراءة أبعاد وخلفيات زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد هيل وما تؤسّس له في الحاضر والمستقبل.
وعلى ما تقول مصادر سياسية وثيقة الصلة بالاميركيين لـ”الجمهورية”: يجب التعمّق ملياً في زيارة هيل أولاً. وخلافاً لكل ما قيل من قبل البعض في لبنان ان هذه الزيارة هي زيارة وداعية يقوم بها هيل لقرب مغادرته منصبه مع الادارة الاميركية الجديدة، فإنّ الاميركيين مع هذه الزيارة أعطوا اشارة لكل الاطراف في لبنان خلاصتها: “نحن هنا، ولن نترك لبنان”، وهم بذلك لم يؤسّسوا فقط لعودة فاعلة تجاه لبنان، بل لاندفاعة اكثر فعالية في مقاربة ملفاته، وهو ما اكد عليه هيل خلال مروحة اللقاءات الواسعة التي أجراها في بيروت.
واللافت في هذا السياق، هو التساؤلات التي أحيط بها الحضور الاميركي عبر هيل، والتي بحثت عما اذا كان حضور الولايات المتحدة الاميركية بصورة فاعلة في الملف اللبناني، بعد فترة طويلة من الانكفاء، مُزاحماً للمبادرة الفرنسية او حاجباً لها او مكمّلاً او رافداً.
المصادر الوثيقة الصلة بالأميركيين وقفوا في الاساس مع المبادرة الفرنسية، وثمة رغبة مشتركة بين واشنطن وباريس لبلورة حل في لبنان. الا أنّ تحرّكهم الحالي في اتجاه لبنان يندرج في سياق برنامج اميركي لحل سياسي يقود الى حكومة متوازنة في لبنان تلبي طموحات وتطلعات الشعب اللبناني، وتجري اصلاحات بنيوية وتكافح الفساد وتحاسب الفاسدين، وتعيد بناء الثقة بلبنان وتفتح باب المساعدات الدولية. وبالتالي، كل هذا الحراك الخارجي يتقاطع عند هذا الهدف، سواء أكان عبر المبادرة الفرنسية، التي لا شك انها لم تعد بالزخم الذي كانت عليه في السابق، او عبر الحراك الاميركي الاخير الذي له بالتأكيد ما يكمله.
ورداً على سؤال، حول توقيت زيارة هيل في هذا الوقت بالذات، قالت المصادر نفسها: لنكن صريحين، الزيارة من الاساس جاءت بحسب التوقيت الاميركي، ويجب ان يفهم مغزى هذا الحضور جيداً الذي ارادت ادارة جو بايدن ان تقول من خلاله انها معنيّة بلبنان واستقراره، وهذا يَتأمّن عبر تشكيل حكومة، ولا تضع الادارة الاميركية اي شروط
سياسية او غير سياسية امام هذه الحكومة سوى ان تعبّر هذه الحكومة عن تطلعات اللبنانيين، وتتمتع بالارادة الجدية في العمل واتخاذ الاجراءات الاصلاحية المطلوبة. والأهم، وقبل كل ذلك هو ان يتوفر الشريك اللبناني الصادق والجدي في السير بحكومة كهذه، تشكل المعبر الى خلاص لبنان، والى اصلاحات تفتح الباب على تدفق المساعدات اليه.
حراك داخلي مكثف
واذا كانت زيارة هيل وما رافقها من رسائل اميركية اضافة الى الرسائل السياسية والاقتصادية التي عكستها زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى موسكو، قد حرّكت المشهد السياسي وفرضت حالاً من الترقب الداخلي للنتائج وما اذا كان منسوب الايجابيات سيطغى على السلبيات الآسِر للملف الحكومي منذ ما يزيد عن أشهر، فإنّ مصادر سياسية موثوقة على صلة مباشرة بالملف الحكومي، أبلغت الى “الجمهورية” قولها: يبدو انّ المياه الحكومية ستتحرّك، فالملف الحكومي ومع زخم الاتصالات، يبدو انه امام فرصة ثمينة واخيرة. ولكن في ظل الخلاف العميق بين عون والحريري لا يمكن المجازفة بتوقع ايجابيات ملموسة.
مبادرة بري أولاً
وبحسب المصادر، ان الحراك الدولي الاخير فتح الباب مجددا على حركة مشاورات مكثفة على الخط الحكومي. والساعات المقبلة ستكون زاخرة باتصالات على اكثر من خط، خصوصاً ان كل الخارج اكد على الحاجة الى تشكيل حكومة في لبنان في اسرع وقت ممكن، فضلاً عن ان هذا الحراك الخارجي تجاه لبنان، حشر المعطّلين في الزاوية، وحصرهم في “مكان واحد”، خصوصاً ان كل العناوين التي تم طرحها على حافة ملف التأليف، من التدقيق الجنائي، الى ملف ترسيم الحدود وغيرها، قد اصطدمت كلها بحائط مسدود، وبمعنى ادق بحائط الفشل على تمريرها، وبحائط الحاجة الى تشكيل حكومة تقوم بهذه الامور، الى جانب ما هو منتظر منها على صعيد المهمة الأم التي ستشكّل على اساسها الحكومة، وهي الشروع في إجراء اصلاحات واتخاذ الخطوات المطلوبة لأخذ الوضع اللبناني الى واحة الانتعاش من جديد.
وتوقعت المصادر ان يكون الحراك الداخلي المتجدد بوتيرة اكثر كثافة، وذلك بالاستفادة من الظروف التي خلقها الحضور الخارجي، والاميركي تحديداً، لتشكيل حكومة اصلاحية متوازنة. واكدت ان وتيرة الاتصالات هذه ستشهد الزخم الواضح مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت.
على ان الأرضية التي سيتركز عليها الحراك الجديد، كما تشير المصادر، هي مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، التي تحظى بدعم خارجي عام، سواء من الفرنسيين او من الاميركيين الذين اكدوا على هذا الأمر خلال زيارة هيل، كونها وحدها تشكّل النافذة التي يمكن ان يعبر منها الحل الى حكومة متوازنة من اختصاصيين لا سياسيين، ولا ثلث معطلاً فيها لأيّ طرف. وبحسب المصادر، فإن طريق المبادرة ربما هي الآن أسهل مما كانت عليه قبل الزيارات الخارجية والاميركية الى بيروت، والتي أعادت تحديد خريطة الطريق الدولية الى الحل في لبنان عبر حكومة اصلاحات، وهو ما تؤكد عليه مبادرة بري. فضلاً عن ان هذه المبادرة قد قطعت اكثر من ثلاثة ارباع المسافة الى الحل، وما يبقى منها (ما يتصل بوزارة العدل وبالوزيرين المسيحيين من خارج الحصة الرئاسية) ليس من النوع الصعب على الحل، بل هو قابل للحل سريعاً اذا ما توفّرت النية بتغليب تسهيل الحكومة على تعطيلها، وكذلك توفرت الرغبة والارادة الجدية والصادقة في تشكيل حكومة البلد في أمَسّ الحاجة اليها.
ورداً على سؤال اكدت المصادر ان هامام القوى السياسية حائط، وثمة من حاول المراوغة بطرح امور مستحيلة، وثبت للجميع ان من يسلكون طريق الهرب من تشكيل الحكومة لا يملكون ان يتابعوا هذا الهرب، وصاروا وحدهم معزولين امام العالم كله، ولا يستطيعون اقناع احد بحججهم، ولذلك هناك حائط مسدود، ومبادرة الرئيس بري تتلمّس في هذا الحائط ثغرة للنفاذ منها، ودفع القوى السياسية الى التفاهم، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف. فمهما كان قرارهما او قرار اي منهما بعدم التفاهم والتعايش مع الآخر، فهما تِبعاً لواقع الحال اللبناني محكومان بأن يتفاهما في نهاية الامر ولو رغماً عنهما. ومبادرة بري موجودة، وليوفّرا على البلد هذا الانتظار.
واشارت المصادر الى ان التعويل حالياً هو على حراك التأليف، حيث اذا ما امكن تحقيق خطوات الى الامام، فساعتئذ يمكن اعتبار الاسبوع المقبل حاسماً على الصعيد الحكومي.
لا شيء في الأفق
الّا ان مصادر سياسية معنية بملف التأليف لا ترى في الافق ما يؤشر الى امكان توافق حكومي لا الآن ولا في المدى المنظور. وحقيقة المواقف تلخّصها حقيقة المشاعر الحاكمة للعلاقة بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي والرئيس المكلف وفريقه السياسي. فضلاً عن ان ايّاً من الطرفين لم يبد اي تجاوب حتى الآن في الانفتاح على الآخر او التجاوب معه.
وقالت المصادر لـ”الجمهورية”: الواضح من كل الحراك الذي حصل وقد يحصل انه يهدف الى حشر رئيس الجمهورية وحمله على تليين موقفه من تشكيل الحكومة.
ولفتت المصادر الى انها لا تعوّل على اي حراك سابق ولاحق، كما لا تعوّل على اي اتصالات داخلية قد تحصل، فكل ذلك لن يُبدّل في واقع الحال اللبناني، فقد سبق ان جُرِّب وفشل، وذلك لسبب اساسي هو ان كل ذاك الحراك أكان اتخذ شكل اتصالات او زيارات او نصائح او تمنيات، لم يقترن بما يجب ان تقترن به، اي الضغوط الجدية التي تحمل الاطراف المعنيين بتعطيل الحكومة على التراجع والتنازل والتفاهم على تشكيل حكومة بمعزل عن الشروط التعجيزية التي تطرح.
الحريري وموسكو
وكان الحريري قد تلقى امس جرعة دعم روسية جديدة لتشكيل حكومة اختصاصيين لا سياسيين برئاسته، وجاء ذلك في نهاية زيارة العمل التي قام بها الحريري الى روسيا، والتي اختتمها بلقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقر وزارة الخارجية في موسكو في حضور الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ونائب رئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية السفير اندريه بانوف والمبعوث الخاص للرئيس الحريري الى روسيا جورج شعبان والمستشار باسم الشاب، جرى خلاله مناقشة تطورات الأوضاع في لبنان بشكل تفصيلي ولا سيما العقبات التي تواجه تشكيل الحكومة والازمة الاقتصادية. كما تناول البحث موضوع اللاجئين السوريين وإمكانية تزويد روسيا لبنان باللقاحات لمواجهة جائحة كورونا. واكد وزير الخارجية الروسي دعم روسيا لجهود الرئيس الحريري في تأليف حكومة برئاسته بأسرع وقت، تكون قادرة على معالجة الازمة والحصول على الدعم العربي والدولي. وبعد الظهر اختتم الرئيس الحريري زيارته الى روسيا وغادر مطار موسكو.
واعلنت وزارة الخارجية الروسية أنّ “الوزير لافروف التقى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري اثناء تواجده في موسكو للقيام بزيارة عمل تلبية لدعوة رئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين”. وأوضحت الخارجية الروسية، في بيان، أنه “جرى خلال الاجتماع تبادل معمّق للآراء حول الوضع الراهن في لبنان مع التشديد على ضرورة الاسراع في تجاوز الازمة الاقتصادية – الاجتماعية عبر تشكيل حكومة مهمة تكنوقراط مقتدرة، تحظى بتأييد قوى سياسية اساسية وطائفية في البلاد”. وأكد الجانب الروسي موقف روسيا الثابت في صون سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه، كذلك شدد على ضرورة حل القضايا الحادة الملحّة في الأجندة الوطنية على قاعدة تفاهم القوى السياسية الاساسية في لبنان ومن دون تدخلات اجنبية. وقال البيان إن البحث تطرّق الى الوضع الإقليمي بما فيه العمل على عودة اللاجئين السوريين المتواجدين في لبنان الى ديارهم. كما تناول الطرفان واقع وآفاق تفعيل التعاون الروسي – اللبناني ذي النفع المتبادل، بما في ذلك تقديم مساعدات إضافية الى لبنان في محاربته انتشار فيروس كورونا.
هيل
في هذه الاثناء، اختتم مساعد وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، زيارته بيروت بلقاء مع رئيس “حركة الاستقلال” النائب المستقيل ميشال معوض في دارته في بعبدا، الذي استقبله والسفيرة الأميركية دوروثي شيا والوفد المرافق. وجرى البحث خلال اللقاء، بحسب بيان صادر عن معوض، “في الأوضاع اللبنانية في ظل الأزمات المتتالية وعجز الطبقة السياسية، مع التشديد على ضرورة تحقيق التغيير المنشود، بالإضافة إلى دور الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الضرورية للشعب اللبناني”. واستبقى معوض الوفد إلى مأدبة عشاء، في حضور الوزيرة السابقة نايلة معوض وعدد قليل من الأصدقاء.
“حزب الله”
من جهة ثانية، برز تقرير أعدّته وكالة “رويترز” اشارت فيه الى ان “حزب الله” يقوم باستعدادات تحسباً لانهيار تام للبلد، عبر إصدار بطاقات حصص غذائية واستيراد أدوية وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود من إيران”.
واعتبرت انّ هذه الخطوة التي تعدّ استجابة لأزمة اقتصادية خطيرة، ستمثّل توسعاً في الخدمات التي يقدمها الحزب إلى قاعدة دعمه الشيعية الكبيرة، بشبكة تشمل جمعيات خيرية وشركة بناء ونظام تعويضات.
وقالت: انّ هذه الخطوات تلقي الضوء على المخاوف المتزايدة من انهيار الدولة اللبنانية، وهو الوضع الذي تصبح السلطات فيه غير قادرة على استيراد الغذاء أو الوقود من أجل تفادي الظلام. كما تبرز الدور المتنامي لـ”حزب الله” في التعامل مع الأزمة بخدمات يوفرها عادة ما تكون من اختصاصات الحكومة. كما تعكس هذه الخطة المخاوف في لبنان من أن يدفع الانهيار الناس إلى الاعتماد على الأحزاب السياسية للحصول على الغذاء والأمن، كما كان الحال مع الميليشيات خلال الحرب الأهلية.
ونقلت رويترز عمّا سمّتها مصادر مؤيدة لـ”حزب الله”، طلبت عدم نشر أسمائها، “أنّ الخطة التي من شأنها التحضير للسيناريو الأسوأ المحتمل تسارعت مع اقتراب رفع الدعم في الأشهر المقبلة، ما يثير أشباح الجوع والاضطرابات”.
وقال مسؤول كبير لـ”رويترز”: “الاستعدادات بدأت للمرحلة المقبلة. إنها بالفعل خطة معركة اقتصادية”.
وقالت المصادر إنّ بطاقة “حزب الله” التموينية الجديدة، تساعد بالفعل مئات الأشخاص على شراء السلع الأساسية بالليرة اللبنانية، وهي عبارة عن مواد إيرانية ولبنانية وسورية بسعر أرخص إلى حد كبير وبخصم يصل إلى 40 في المئة بدعم من الحزب. ويمكن استخدام البطاقة، في تعاونيات بعضها جديد في ضواحي بيروت الجنوبية وأجزاء من جنوب لبنان حيث نفوذ “حزب الله”. ولم تتطرق المصادر إلى تفاصيل الميزانية أو المستفيدين.
وقال مصدر شيعي إن “حزب الله” ملأ المستودعات ووزع البطاقات لتقديم الخدمات إلى عائلات لا تنتمي إلى الحزب، كما سدّ الثغرات في السوق اللبنانية، وهذه البضائع مدعومة من “حزب الله” أو تستوردها شركات حليفة له، أو تأتي من دون رسوم جمركية عبر الحدود مع سوريا.
وذكر مصدران لـ”رويترز” أنّ الخطة تشمل تخزين الوقود من إيران، فيما تحذّر وزارة الطاقة اللبنانية من احتمال انقطاع التيار الكهربائي. وقال المسؤول الكبير إنّ “حزب الله” يسعى لإيجاد أماكن تخزين الوقود في سوريا المجاورة، مضيفاً: “عندما نصل إلى مرحلة العتمة والجوع، ستجدون أنّ (“حزب الله”) اتّجه نحو الخيار الثاني، وهذا قرار خطير. عندها الحزب سيقوم مقام الدولة”. وتابع: “إذا وصلنا إلى ذلك الوقت يكون الحزب قد اتخذ احتياطاته لمنع الفراغ”.
-
وكتبت “الأخبار” عن السرية المصرفية تقول: السرية المصرفية ورقة توت يتمسّك بها السياسيون وشركاؤهم من أصحاب الثروات. يحاربون من أجل بقائها بحجج واهية، تؤدي جميعها إلى طريق واحد: ممنوع كشف حسابات الموظفين والعاملين في الشأن العام كي لا يُفتضح أمر فسادهم. حتى لو كان المطروح هو وضع بعض الاستثناءات على السرّية المصرفية لا إلغاءها برمّتها، فإن الشعارات الفارغة تتدافع لإظهار عظمة هذه السرّية المرادفة لوجود لبنان! يتناسى هؤلاء أن تلك السرّية سقطت عملياً بالنسبة إلى كل الدول المتعاملة مع لبنان، لكنهم يصارعون لسحب حق القضاء في رفع السرّية المصرفية عن الموظفين المشكوك بهم! سنة مرّت على القانون المسخ الذي أقرّه مجلس النواب. وسنة مرّت على ردّه من قِبل رئيس الجمهورية. لكن بين القانون الذي أسقط حق القضاء بطلب رفع السرّية وبين ملاحظات الرئاسة التي تطلب إعادة هذا الحق، تضيع حقيقة أن السرّية المصرفية باقية. وهذا كفيل بحماية الفاسدين.
لا يفيد الصراع بشأن حق القضاء طلب رفع السرية المصرفية بشيء، سوى في إبعاد كأس إلغاء السرية المصرفية من أساسها. المدافعون عن هذه السرية، يستعملون مصطلحات كان يمكن أن تسعفهم في القرن الماضي. لكن طرحها في هذه الأيام لا يوحي سوى أن لدى هؤلاء ما يخفونه. النقاش نفسه يتكرر كل فترة. بعد كل ما حصل ويحصل من انهيارات مالية، يغرق النواب في الصراع على هوية الجهات التي يحقّ لها طلب رفع السرية المصرفية. يتجنّب هؤلاء النقاش الفعلي، أي النقاش في مبرّر وجود السرية المصرفية التي لم يبقَ لها من وظيفة سوى حماية المتهربين من الضريبة ومنع كشف الفاسدين الذين يودعون أموالهم في المصارف. أيّ جدوى إصلاحية من التعديل المقترح لقانون السرية المصرفية أُسقط عملياً منذ نحو عام. تحديداً منذ عبثت اللجان النيابية المشتركة بالنص الذي كانت اللجنة الفرعية المنبثقة عنها قد أقرّته. في ذلك الحين، وافقت اللجنة على النص الذي أعدّته لجنة تقنية تضم ممثلين عن وزارة العدل ونقابة المحامين وبرنامج الأمم المتحدة الإقليمي لمكافحة الفساد والنائب السابق غسان مخيبر. ودمجت ثلاثة اقتراحات قوانين مقدمة من التيار الوطني الحر والنائبين بولا يعقوبيان وسامي الجميل والنائب ميشال ضاهر (أضيف إليها لاحقاً اقتراح مقدّم من النائب جميل السيد، ثم مشروع قانون من الحكومة). الاقتراح الأبعد مدى كان إلغاء السرية بالمطلق، لكنه لم يصمد في وجه حزب المصرف الذي لا يزال يكرر خرافة أن “السرية المصرفية هي لبنان”.
بعد سقوط اقتراح إلغاء السرية المصرفية بشكل كامل المقدم من ضاهر، انتقلت اللجنة إلى البحث عن صيغة دامجة للاقتراحات المقدمة. وبالفعل، توصلت إلى صيغة مجتزأة، لكنها وصفت بالخطوة المتقدمة، تنص على إلغاء السرية المصرفية عن أي شخص يؤدي وظيفة عامة أو خدمة عامة، سواء كان منتخباً أم معيناً، بما في ذلك أي منصب من مناصب السلطات الدستورية أو أي منصب تشريعي أو قضائي أو تنفيذي أو إداري أو عسكري أو مالي أو أمني أو استشاري، إضافة إلى رؤساء الأحزاب وأصحاب وسائل الإعلام.
وبخلاف ما تم تسويقه عن أن رفع السرية المصرفية يؤدي إلى استغلال البعض لهذه السرية في سياق أعمال غير مشروعة مثل الابتزاز والانتقام… فقد كان الاقتراح واضحاً في المحافظة على السرية المهنية، من خلال فرض عقوبات قاسية على المصارف أو المؤسسات المالية ومديريها وكل من له صفة تقريرية فيها في حال أعطوا أي معلومات مالية تتعلق بالأشخاص المرفوعة عنهم السرية، إلا بناء لطلب الجهات المخوّلة، أي: القضاء في إطار استقصاء أو ملاحقة أو تحقيق أو محاكمة، هيئة التحقيق الخاصة في إطار مكافحة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في إطار الصلاحيات المحددة في قانون إنشائها، وزارة المالية في إطار إجراءات التدقيق والتحقق الضريبية، هيئة الإشراف على الانتخابات في إطار مراقبتها الإنفاق الانتخابي، المجلس الأعلى للجمارك ومدير الجمارك في إطار إجراءات مكافحة التهرب الجمركي.
هذا النص عندما وصل إلى اللجان المشتركة، سريعاً أُفرغ من مضمونه. أولاً تم إلغاء عبارة “تلغى أحكام السرية المصرفية” لأي شخص يؤدي خدمة عامة مهما كانت صفته، واستُعيض عنها بنصّ يكرس مبدأ السرية المصرفية ويضع الاستثناء عليها: يجوز للجهات المحددة في الفقرة الثالثة من هذا القانون الاستحصال على المعلومات المصرفية المشمولة بالسرية المصرفية عن الموظفين العموميين ورؤساء الأحزاب التي تتعاطى نشاطاً سياسياً. لكن الأهم أنه بدلاً من ? جهات كان يحق لها طلب رفع السرية بحسب الصيغة الدامجة، وصل الاقتراح النهائي إلى الهيئة العامة، مقتصراً على ثلاث جهات: هيئة التحقيق الخاصة (يحق لها حالياً رفع السرية) وهيئة مكافحة الفساد (لم تشكّل بعد، لكن ينص قانونها على حقها في طلب رفع السرية المصرفية)، والقضاء الذي يمكنه حالياً، لكن بشكل محدود، طلب رفع السرية المصرفية على حسابات معينة، على أن تبتّ هيئة التحقيق الخاصة بالطلب. للتذكير، كان المدعي العام التمييزي غسان عويدات قد طلب من هيئة التحقيق الخاصة، التي يرأسها حاكم مصرف لبنان، لائحة بأسماء الذين حوّلوا أموالهم بعد ?? تشرين ????، لكن طلبه رُفض.
تُظهر هذه الصيغة المجتزأة أن اللجان المشتركة “قامت بالواجب”، لناحية إفراغ الاقتراح من مضمونه. لكن مع ذلك لم تكتفِ الهيئة العامة بذلك، فعمدت إلى القضاء عليه نهائياً من خلال التصويت على إلغاء حق القضاء بطلب رفع السرية، ما يُبقي عملياً هذا الحق محصوراً بيد هيئة التحقيق الخاصة (في ظل عدم تشكيل هيئة مكافحة الفساد). “المستقبل” و”الاشتراكي” و”أمل” تولّوا حينها المعركة لإبعاد القضاء، تحت ذريعة الخوف من الكيدية وضرورة إقرار قانون استقلالية القضاء قبل هذا القانون. وكان أبرز المدافعين عن هذا التوجّه النواب وائل أبو فاعور وهادي حبيش وأنور الخليل.
رفض رئيس الجمهورية هذا التعديل. وفي ?? حزيران ????، ردّ القانون الذي أُقرّ في ?? أيار ???? إلى المجلس، معتبراً أنه لا يجوز استبعاد القضاء عن حق طلب المعلومات المصرفية، انطلاقاً من أنه السلطة الضامنة للمتقاضين وحقوقهم وحرياتهم، كما حقوق المجتمع عليهم. ولذلك، رأى في كتاب الرد أنه لا بد من إعطاء النيابات العامة صلاحية طلب المعلومات المالية المتعلقة بمختلف أنواع الجرائم، لا سيما أن ثمة جرائم لا تدخل في اختصاص هيئتي مكافحة الفساد والتحقيق الخاصة، خاصة أن القانون نفسه ألزم المصارف تقديم المعلومات المالية المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية للهيئتين المذكورتين من دون أن يكون لهما صلاحية في ذلك.
نام الطلب في أدراج المجلس ما يقارب السنة، لأسباب عديدة منها المماطلة وانفجار المرفأ والإغلاق العام… والأسبوع الماضي طُرح القانون على لجنة المال. نقاش طويل شهدته الجلسة. حزب المصارف أعاد التصويب على القضاء من بوابة فساده وتبعيته. الجوقة نفسها كررت موقفها. حبيش يتحسّس من نموذج القاضية غادة عون، التي رفعت عليه دعوى لاعتدائه عليها في مكتبها، لكنه يرحّب بنموذج المحكمة العسكرية التي أصدرت حكماًَ مخزياً بحق زوجة أخيه التي لفّقت تهمة التعامل للفنان زياد عيتاني.
المسألة لم تُحسم في الجلسة تلك. لجنة فرعية جديدة شُكّلت من النواب جورج عقيص وهادي حبيش وسليم عون، مهمتها إعادة صياغة النص. رئيس اللجنة ابراهيم كنعان طمأن إلى أن تشكيل اللجنة سبقه تأكيد من النواب على عدم إلغاء دور القضاء، مشيراً، في هذا السياق، إلى “نقاش جدي وعلمي وغير مسيّس”. أضاف: اللجنة ستعود إلينا خلال أسبوع لبتّه نهائياً، بما يؤكّد رفع السرية المصرفية ودور القضاء من دون أي تشابك بالآراء أو أي تسييس، بشفافية مطلقة في ضوء سعي العالم إلى أكبر قدر من الشفافية”.
بعد عام من الانتظار، أقسى ما يمكن تحقيقه هو إعطاء الحق للقضاء لطلب رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام. هذا “إنجاز” لن يغيّر في المشهد الذي لا يزال يعتبر أن “إلغاء السرية المصرفية هو إساءة لمصلحة البلد العليا الاقتصادية والمالية والنقدية”. الأكيد أن من ينادي بذلك ليس ساذجاً ولا يعيش على أمجاد إنجازات السرية المصرفية، بل هو يتمسك بها لأنها لا تزال تحمي طبقة السارقين.
عندما أقر قانون السرية المصرفية في 3 أيلول 1956، فُتحت خزائن المصارف أمام الأموال والرساميل الهاربة من بلدانها، فكان أن تكوّنت سيولة ضخمة، أُضيفت إليها تحويلات اللبنانيين وغيرهم مدفوعين بالفوائد العالية التي تقدمها المصارف.
اليوم، تغيرت الأمور تماماً. عنصر الجذب تعطّل. النظام الضريبي العالمي الذي انضم لبنان إليه أفرغ هذه الميزة من مضمونها. الثروات الأجنبية المخبأة في المصارف، صارت مكشوفة بحكم دخول لبنان في مجموعة من المعاهدات التي فرضت عليه إقرار قانون تبادل المعلومات الضريبية. هذا أدى إلى الواقع التالي: لا يمانع لبنان الرسمي إلغاء السرية المصرفية أمام الإدارات الضريبية الأجنبية، وعلى رأسها الأميركية، لكنه يقاتل لحمايتها عندما يتصل الأمر بالإدارة الضريبية اللبنانية أو حتى بالقضاء! لماذا؟ ألا يعني ذلك أن ثمة ما تريد السلطة إخفاءه؟
للتذكير، فإن القانون، إن كان في نسخته الأولى أو الأخيرة لا يطال كل الناس ولا يؤثّر على المودعين الخارجيين، كما يحاول البعض الإشارة في معرض اعتباره أن القانون سيجعل هؤلاء يحجمون عن إيداع أموالهم في لبنان. القانون يطال بأحكامه الموظفين العموميين أو المتعاملين مع الدولة، إضافة إلى الشخصيات المعرضة سياسياً، أي المستفيدون من المال العام.
حائط الصدّ الذي وُضع في وجه القانون هو نفسه الذي وُضع أمام التدقيق الجنائي. اللاعبون هم أنفسهم. يخافون من التدقيق الجنائي ويتمسّكون بالسرية المصرفية، ثم يوحون بأنهم يحاربون الفساد وينكبّون على إقرار القوانين الإصلاحية!