محليات لبنانية
قالت الصحف:أزمة تكليف بعد الاعتذار ..والبحث عن بديل قبل الاستشارات
الحوار نيوز – خاص
عكست الصحف اللبنانية الصادرة اليوم إرباكا في الوسط السياسي ناجما عن أزمة تكليف رئيس جديد للحكومة بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري،حيث بدأت اتصالات في الكواليس للتفاهم على البديل قبل الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة.
-
وكتبت صحيفة “النهار” تقول: لعلّها من المرات النادرة التي تكون فيها ردود الفعل الدولية على نكسة حكومية كتلك التي نشأت عن اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة اكثر كثافة وسرعة واشدّ تعبيراً عن القلق التي ينتاب المجتمع الدولي على لبنان في ظل الوجه الجديد للأزمة من ردود الفعل الداخلية التي بدت كأنها أصيبت بالتهيب والارتباك الى حدود التزام معظم القوى الأساسية جانب الترقب والصمت في انتظار انقشاع الرؤية الشديدة الغموض.
وأياً تكن الشكوك المشروعة في التساؤل عما ستؤدي اليه ردود الفعل الدولية المسارعة الى إبداء القلق على الاستقرار في لبنان، فإن ذلك لا يحجب الأهمية التي تكتسبها هذه الردود والتي تنطوي ضمناً على إدانة واضحة لم تعد تخفى معالمها للعهد وفريقه وحليفه”حزب الله” في مسار تعطيل تشكيل الحكومة وإفقاد البلاد الفرصة التي قد تكون الأخيرة للجم الانهيار الكبير في وقت لم يعد بعيداً اطلاقاً. فما تسبب به الفريق الماضي في التعطيل بعد اقفال منافذ التسويات بدأ يرتسم بقوة تصاعدية يومياً مع الارتفاع المطرد المخيف لسعر الدولار في السوق السوداء ، كما مع ازدياد معالم التفلت الأمني كلما ضاقت سبل العيش بالناس والخشية من اشتعال واسع في الشارع كما برز في اليومين الأخيرين خصوصاً في جبل محسن حيث أصيب عشرات المحتجين وعشرات الجنود في مواجهات حادة أمس على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والتعرض لوحدات الجيش بالعنف المستشري. واما تفاقم الأزمات الحياتية فحدث ولا حرج، بدليل عودة ازمة المحروقات الى أسوأ مما كانت عليه، كما ازمة انقطاع الكهرباء بفعل التقنين الصارم وافتقاد المولدات الى المازوت، كما ازمة انقطاع عشرات الأصناف من الادوية وعودة الصيدليات امس الى الاضراب وسط الصراع المنفجر بين وزارة الصحة ومصرف لبنان.
في صلب المشهد السياسي، فإن الوقائع التي برزت غداة اعلان الرئيس الحريري اعتذاره وتحديده مواقفه من هذا التطور ومن علاقته بمعظم القوى السياسية في المقابلة التلفزيونية مساء الخميس، ابرزت بما لا يقبل جدلاً ان البلاد ذاهبة الى ازمة تكليف مفتوحة مهما حاول العهد وفريقه الزعم أانهما يملكان القدرة على “ابتداع ” رئيس مكلف بسرعة وسهولة، فيما العهد سقط واقعياً في شباك ما ارتكبه من خلال إطاحته بفرصة كانت سترتد عليه أولا بالإيجابيات التي يحتاج الى الحد الأدنى منها بعدما شارفت البلاد على نهاية دراماتيكية تاريخية تحت ظل عهده.
وتشير كل الوقائع الى ان تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تشكيل الحكومة لن يكون بالسهولة المزعومة التي يبديها العهد وفريقه لان ما تسببت به عوامل دفع الحريري الى الاعتذار أثارت تداعيات لن يكون أقلها #أزمة تكليف مفتوحة لن يتقدم فيها أي طرف او أي شخصية للترشح للتكليف خشية الاحتراق ونزع الغطاء السني عنه تماماً. وهو الامر الذي يعني ان العهد سيغدو محاصراً نفسه بنفسه وستبدأ مرحلة طرح الخيارات التي لن تبعد عن إيجاد شخصية بلا أي وزن سياسي تمثيلي، وهنا سيكون الأفضل الإبقاء على ستاتيكو حكومة تصريف الاعمال لئلا يختلف أي تكليف او تغيير حكومي في حال التمكن منهما عن استبدال حكومة بنسخة طبق الأصل عنها.
ومع ان أي جديد لم يبرز بعد في الساعات الأخيرة فان الحركة الناشطة في بيت الوسط التي عكست إدارة الرئيس الحريري لمحركات المشاورات الكثيفة أولا داخل فريقه، وكذلك مع رؤساء الحكومات السابقين توحي بانطلاق الاستعدادات لاتخاذ الموقف من التكليف والتشكيل والمرحلة المقبلة بمجملها. وعلمت “النهار” ان رؤساء الحكومات السابقين في اجتماعهم امس في بيت الوسط لم يتخذوا أي موقف بعد وأنهم باشروا المشاورات ولكنهم ينتظرون الخطوة المقبلة لرئاسة الجمهورية وهم ليسوا في وارد تسمية أي شخصية للتكليف بطبيعة الحال ولكنهم ليسوا متجهين الى تصعيد فيما البلاد تشهد اخطر الظروف. وإذ بات مستبعدا اكثر فاكثر ان يقبل الرئيس نجيب ميقاتي طرح اسمه للتكليف كما تردد على نطاق واسع من خلال محاولات معه، فان رؤساء الحكومات الأربعة يتريثون في اعلان الموقف ريثما يحدد العهد خطوته التالية وريثما تكتمل صورة المواقف الداخلية والخارجية من الازمة.
الاصداء الدولية
في غضون ذلك بدت لافتة كثافة ردود الفعل الدولية بما يعكس تراكم المعطيات المقلقة لدى الدول المعنية بلبنان حيال المرحلة الطالعة . وفي هذا السياق، أبدت وزارة الخارجية الأميركية “قلقها من استقالة سعد الحريري كرئيس وزراء مكلف” وقالت “تحتاج الطبقة السياسية اللبنانية إلى تنحية الخلافات الحزبية الصغيرة جانبًا بدلاً من إلقاء اللوم على بعضهم البعض، من أجل تشكيل حكومة قادرة على معالجة الحالة المقلقة في البلاد”. وكان وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن قال ان “اعتذار الحريري عن عدم تشكيل حكومة تطور آخر مؤسف لشعب لبنان”. ولفت بلينكن الى ان من الأهمية بمكان أن يتم تشكيل حكومة لبنانية قادرة على تنفيذ الإصلاحات ذات الأولوية. واعتبر ان الطبقة السياسية في لبنان أهدرت الشهور التسعة الماضية والاقتصاد اللبناني في حالة سقوط حر.
كما ان الخارجية الفرنسية وصفت قرارالحريري بالتخلي عن تشكيل الحكومة بانه “يؤكد ان الأداء السياسي الذي يعتمده القادة اللبنانيون أعاق البلاد لأشهر، وجعله يغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة”. أضافت: “هناك الآن ضرورة ملحة للخروج من هذا المأزق المنظم وغير المقبول، وإمكانية تشكيل حكومة في لبنان، وهذا يتطلب الشروع الفوري في المشاورات البرلمانية بهدف تعيين رئيس وزراء جديد في أقرب وقت ممكن”.وذكرت بان فرنسا تنظم مؤتمرا دوليا جديدا لدعم الشعب اللبناني في 4 آب بمبادرة من رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون وبدعم من الأمم المتحدة .
ودعا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “جميع القوى السياسية اللبنانية إلى دعم التشكيل العاجل للحكومة. وينبغي أن تبدأ الاستشارات النيابية لهذا الغرض دون تأخير.”
كما دعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا الى “التحرك سريعاً لضمان تكليف رئيس وزراء جديد، بما يتماشى مع الاستحقاقات الدستورية، والى تأليف حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي قبيل إجراء الانتخابات في العام 2022 التي يجب أن تتسم بالحرية والنزاهة”.
جبل محسن والشارع
وسط هذه الأجواء وبالتزامن مع ارتفاعات جديدة في سعر الدولار، استعاد الشارع حرارته المتفجرة بدءاً من طرابلس مع أعمال قطع الطرق احتجاجاً على الغلاء الفاحش وارتفاع سعر صرف الدولار. ثم دارت مواجهات عنيفة في جبل محسن بين مجموعات من المحتجين والجيش أدت الى سقوط عشرات الجرحى بين الفريقين. وعادت الاحتجاجات إلى الشوارع وعمليات قطع الطرق في مختلف المناطق حيث قطع عدد من المحتجين اوتوستراد الناعمة بالاتجاهين، ومستديرة وجسر الكولا بمستوعبات النفايات، وتقاطع عبد الناصر كورنيش المزرعة وتمّ قطع دوار العبدة، وطريق المحمرة، اوتوستراد المنية، ديرعمار. وقام عدد من المحتجين بقطع عدد من الطرق الرئيسية والفرعية في صيدا .
-
وكتبت “الأخبار” تقول: دخل لبنان مرحلة مواجهة جديدة بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ولا سيما مع انسحاب المرشح الأبرز لخلافته النائب نجيب ميقاتي من المشهد وإبلاغه الأوساط المعنية عدم رغبته في تولّي منصب رئاسة الحكومة لتعذّر “نزوله تحت سقف الحريري”
في اليوم التالي لاعتذار رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، بدأت القوى السياسية بالتشاور حول البديل، وسط ضغط أميركي وفرنسي بالإسراع في إجراء الاستشارات وتأليف حكومة. ومن المرجح، كما أشارت مصادر بعبدا، أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيُعلن موعد بدء الاستشارات النيابية يوم الاثنين المقبل، على أن يكون تاريخها بعد انقضاء عيد الأضحى. ذلك لن يحول دون بدء المشاورات، على أن أولويات عون هي لرئيس حكومة يحظى بإجماع من القوى السياسية الرئيسية، وبقبول في طائفته. وفيما يصرّ الفرنسيون على تأليف حكومة قبيل ذكرى 4 آب، تلقّى رئيس الجمهورية رسالة أميركية ــــ فرنسية بضرورة الدعوة الى استشارات سريعة لتأليف حكومة تطبق برنامج إصلاح واضحاً، مهما كانت الأسماء المشاركة فيها واسم رئيسها. تزامن ذلك مع إصدار الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بياناً في السياق نفسه ينقل فيه دعوة الاتحاد كل القوى السياسية إلى “دعم التأليف العاجل للحكومة”. وأضاف إن “لبنان يحتاج الى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الرئيسية الاقتصادية والخاصة بالحوكمة والتحضير لانتخابات عام 2022، ويبقى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضرورياً لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي”.
الضغوط الأوروبية والأميركية للإسراع بتأليف حكومة، تُقابل باستمرار الحرب الباردة بين كل من عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري من جهة أخرى. إذ تقول مصادر 8 آذار إن “باسيل بدأ يشاور مرشحين كالنائبين فيصل كرامي وفؤاد مخزومي، لكن بري يعارض هذا التوجه تحت حجة الحدّ من التوتر في الشارع السني وضرورة حصول أي مرشح على موافقة سعد الحريري”. فبري، بحسب المصادر، “يعتبر أنه خسر جولة أمام عون وباسيل ولن يسمح بزيادة أرباحهما”. وتشير مصادر عين التينة الى “انزعاج كبير جداً لدى بري من التغيير الذي أضفاه الحريري على التشكيلة الحكومية التي قدّمها لعون بما يضرب مبادرته وعلى عكس ما تمّ الاتفاق عليه. فطلب بري كان عدم الاعتذار، بل الاستمرار بحال الأخذ والردّ مع الرئيس”. من ناحية أخرى، تشير المصادر الى انزعاج آخر في عين التينة من “المقابلة التي أجراها الحريري (مع قناة “الجديد”)، في الشكل والمضمون”.
في موازاة ما سبق، وفيما كانت أسهم النائب نجيب ميقاتي الأكثر ارتفاعاً لخلافة سعد الحريري مع فرضه شروطاً مسبقة للقبول بالتكليف، أبلغ ميقاتي كلاً من الحريري وبري “عدم رغبته في تولي هذا المنصب لعدم تمكنه من التنازل تحت السقف الذي وضعه الحريري، وخصوصاً عند سؤاله عن مصير الوزيرين المسيحيين ومن يسمّيهما”. ذلك رغم إشارة مصادر مقربة من الحريري إلى أن “ميقاتي كان مرشحه الأول والوحيد كما مرشح بري”. وفي ظل اعتذار ميقاتي عن عدم تولّي المهمة، ليس للرجلين أي مرشح آخر، ولن يكونا مسهّلين لأيّ مرشح. على أن الطرح الجدي الوحيد اليوم هو فيصل كرامي الذي لا يعارضه عون ولا حزب الله، لكنه سيكون، إن تم التوافق عليه، مشروع “حسان دياب آخر وستجري تسميته من فريق واحد دون الآخر”.
في سياق آخر، أكد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين أن “وجود حكومة لبنانية كاملة الصلاحيات الدستورية شرط ضروري وأساسي لبداية أي تفاوض مع صندوق النقد الدولي بخصوص برنامج للتعاون”. وقال في مقابلة مع وكالة “أنباء الشرق الأوسط” إنه “لا يمكن لصندوق النقد الدولي أن يعقد برنامجاً مع حكومة لا تملك صلاحيات دستورية كاملة ولا مع حكومة مؤقتة أو حكومة تصريف أعمال”
-
وكتبت “الجمهورية” تقول: عندما تظهر الفضيحة بكلّ تجلياتها، لا ينفع أيّ تبرير من أيّ من أطرافها لإعلان براءته منها، كما لا تنفع أيّ محاضرات بالعفّة في حجب أدوار كلّ من شارك فيها، فهي من صناعة وإعداد وإخراج من يفترض أنّه شريك في تأليف حكومة يجمع العالم بأسره على أنها باب الدخول إلى حلول وإصلاحات تخرج لبنان من جحيم الأزمة التي تعصف به.
هي الفضيحة بعينها التي تُعَنْوِن الواقع اللبناني، وقميصها الوسخ يلبسه من أرادوا تفصيل الحكومة التي ماتت، على مقاس مصالحهم الرخيصة وحساباتهم وحزبيّاتهم البغيضة، والأنكى من ذلك هو أنّ هؤلاء ينكرون ما صنعت أيديهم، ويمعنون في تقديم أسوأ نموذج في الوقاحة ومحاولة استغباء الناس. أمّا المواطن اللبناني المنكوب بهؤلاء، فوحده من يدفع الثمن الذي أصبح فوق كلّ قدرة واحتمال. وحجم التداعيات التي تلاحقت في الساعات الأخيرة ينذر بالشؤم، وبما هو أمرّ ممّا عاناه اللبنانيون منذ بدء الأزمة. ولا صوت يعلو فوق صوت الدولار الذي صار بلا سقف وينذر بحرمان المواطن اللبناني القدرة حتى على شراء رغيف خبز أو “شربة ميّ”! إنّه السقوط الحرّ في جهنّم التي وعدوا بها، والحقيقة المفجعة هي أنّ لبنان فقد أمانه بالكامل.
الرئيس سعد الحريري اعتذر وقال كلمته ومشى، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقارب “أزمة الإعتذار” ببرودة أعصاب، ويقول انّ لبنان سيتمكن من تجاوز الظروف الصعبة التي يمرّ بها حالياً على مختلف المستويات، ويعد ببذل “كل الجهود للخروج من الازمات المتلاحقة التي يعانيها اللبنانيون”، علماً أنّ مثل هذا الكلام هو نفسه تكرّر مع تضييع 11 شهراً منذ استقالة حكومة حسان دياب، بينها 9 أشهر من تكليف الحريري، في دوامة الإعدام المنظّم لفرص التأليف تحت عنوان الحقوق وشعارات ومعايير ممجوجة.
مشاورات رئاسية
على انّ السؤال الذي يفرض نفسه بعد اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، ماذا بعد؟
الأمر البديهي في حالات كهذه أن يبادر رئيس الجمهورية الى الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لتكليف بديل من الحريري، لكن الرئيس كما يبدو يتريّث في هذه الدعوة لسبب جوهري، وهو أنه حتى الآن، لا وجود لشخصيّة سنيّة في نادي المرشحين لتولّي هذه المهمّة بعد الحريري، وهو ما أكدته لـ”الجمهورية” مصادر واسعة الاطلاع.
وكشفت المصادر معلومات تفيد بأنّ الفريق الرئاسي يعتبر ان تكليف الحريري صفحة وطويت، وتبعاً لذلك بدأ حركة مشاورات لبلورة صورة البديل في أسرع وقت ممكن، ذلك انّ الاولوية الرئاسية في هذه المرحلة هي ملء “فراغ التكليف”، وإطلاق الاستشارات الملزمة في غضون أيام قليلة، لا تتجاوز أول يوم عمل بعد عيد الأضحى أي يوم الجمعة المقبل. إلّا إذا طرأت ملامح توافقات مسبقة على شخصية في الساعات المقبلة، فرضت التعجيل بتحديد موعد الاستشارات والتكليف قبل العيد.
أيّ حكومة؟
وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّه بالتوازي مع المشاورات التي بدأها الفريق الرئاسي، تحرّكت على أكثر من خطّ سياسي لتقييم مرحلة ما بعد اعتذار الحريري، خصوصاً أنّ هذا الاعتذار بعثَر كلّ الاوراق، وفرض واقعاً جديداً، ومقاربات جديدة للملف الحكومي، وقدّم على السطح السياسي مجموعة من الاسئلة حول الطبخة الحكومية الجديدة، وأي أسس ستقوم عليها، وأي شكل لهذه الحكومة: هل هي من اختصاصيين لا سياسيين، ام تكنوسياسية مطعّمة بسياسيين، ام سياسية مطعّمة ببعض الاختصاصيين؟ وهل ما زالت المبادرة الفرنسية تشكل القاعدة الصالحة لقيام حكومة جديدة؟.
المؤكد أنّ مواصفات الحكومة الجديدة تتطلب نقاشاً بين الاطراف المعنية بهذا الملف، الّا انّ الاساس الآخر الذي يفترض ان تقوم عليه هذه الحكومة يتمثل بالشخصية، او “الفدائي” كما سمّاه مرجع مسؤول، الذي سيتقدّم ليحل بديلاً للحريري، الذي لا يشكّل استفزازاً له، ولبيئته السياسية وللبيئة السنيّة بشكل عام.
واذا كان الحريري قد حسم خياره لناحية عدم تسمية أي بديل، فإنّ الطاقم السياسي لا يقف على موقف واحد من اختيار البديل، فثمة انقسام جدي في الرأي، لأنّ هناك من يعتبر أنه طالما أنّ الحريري قرّر الإنكفاء وعدم تسمية شخصية سنية لتولي رئاسة الحكومة، فهذا يحرّر الجميع من اي إحراج في اختيار أي شخصية بديلة عنه سواء أكانت ترضيه أو لا، اذ لا يجوز أن يُعلّق مصير التكليف على مزاجيّة شخص. وثمّة من يعتبر في المقابل أنّ حساسية الوضع الداخلي توجب مراعاة الواقع السنّي الذي يحتضن بغالبيته الحريري، وبالتالي لا يجوز تجاوز هذا الواقع بتسمية شخصية مستفزّة له، بل انّ الضرورة توجِب تسمية شخصية بديلة منه يختارها شخصيّاً، وإنْ تعذّر فبالإتفاق معه، وإن تعذّر أيضاً فبتسمية شخصيّة ترضيه. ذلك انّ اختيار شخصية خارج اطار الحضانة السنيّة لها سيفتح الباب على مشكلة كبيرة وعواقب لا تحمد عقباها.
النادي فارغ
ووفق مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” فإنّه حتى الآن لا وجود في نادي المرشّحين لأيّ شخصيّة يمكن أن تحظى بالمقبولية من كلّ الأطراف. خلافاً للترويجات المتتالية التي دأبت منذ ما قبل اعتذار الحريري على طرح أسماء شخصيّات تارة تقدّم اسماً على إسم، ثم تعود لتقدم اسماً آخر. وهذا يؤشر من جهة إلى إرباك، وفي احسن الحالات الى محاولة جس نبض وقياس ردود الفعل حيال بعض الاسماء. وهذا يؤشّر بدوره الى ان العثور على الشخصية البديلة لن يكون سهلاً.
واللافت في هذا السياق هو انّ تلك الترويجات رَمت اسماء فيصل كرامي، فؤاد مخزومي، محمد الصفدي وغيرهم، فقط لمجرّد الرّمي، وكذلك اسم الرئيس تمام سلام، رغم أنّ للرئيس سلام موقفاً حاسماً واضحاً سبق له أن أعلنه، وهو أنه لا يتشرّف بأن يترأس حكومة في عهد ميشال عون وجبران باسيل.
ميقاتي
على أنّ تلك الترويجات قدّمت اسم الرئيس نجيب ميقاتي على سائر الأسماء ورجّحت أنه الأكثر ملاءمة لأن يتولى رئاسة الحكومة بعد الحريري، حيث لا يشكل استفزازاً له على الاطلاق.
الا أنّ للرئيس ميقاتي رأياً آخر، فعلى ما يقول العارفون بموقفه يؤكدون أنّه يرفض الإنجرار الى لعبة سياسية “خبيثة”، أو الدخول في محرقة سياسيّة وترؤس حكومة قائمة على انقاض بلد، ولن تكون قادرة على أن تنجز شيئاً.
وعلى ما تؤكّد معلومات موثوقة فإنّ موقف ميقاتي أبلغ إلى كلّ من يعنيهم الأمر بما مفاده انّ تجربة تكليف السفير مصطفى أديب، وكذلك تجربة تكليف الرئيس سعد الحريري، لا تشجّع على أن يكرّر ميقاتي تجربة ثالثة، خصوصاً أنّ ما لم يقدّمه عون وجبران باسيل للحريري، لن يقدماه هدية لا لنجيب ميقاتي او غيره. وذلك في ظلّ ما صار جلياً بأنها محاولة واضحة للانقضاض على اتفاق الطائف وصلاحيات مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وتبعاً لذلك فإنّ ميقاتي ليس مستعداً لأن يكون جزءاً من مؤامرة تستهدف الصيغة والوفاق الوطني والسلم الأهلي.
مصير المبادرة
اللافت في ما استجَد، هو مسارعة باريس الى التأكيد على أنّ المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وبالتالي لا بد من التعجيل في تشكيل حكومة وفق مندرجاتها. فيما يبدو في المقابل انّ مبادرة الرئيس نبيه بري قد انكسر عمودها الاساس باعتذار الرئيس سعد الحريري. مع الإشارة في هذا السياق إلى اجواء امتعاض في عين التينة مما انتهى مصير تكليف الحريري. إلّا أن ذلك لا يعني، على ما يؤكّد العارفون، أنّ الرئيس بري سيحيد عمّا درج عليه لناحية التأكيد على أنّ الاولوية هي إلقاء نظرة على ما أصاب الناس وتشكيل حكومة انقاذية واصلاحية بلا ثلث معطّل فيها لأيّ طرف، وفق المبادرة الفرنسية، بعيداً عن المناكفات والشروط والمكايدات.
وعندما يسأل هؤلاء العارفون عمّن سيسمّي الرئيس بري، يكتفون بالقول: “كلّ اوان لا يستحي من أوانه”.
بعبدا تنتقد وترتاح
اعربت مصادر مطلعة على موقف قصر بعبدا، عن املها في ان تلبّي الحكومة التي ستُشكّل بعد الاستشارات النيابية الملزمة، مستلزمات الإنقاذ الذي يتوق اليه اللبنانيون، والذي يعمل له رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع جميع المخلصين من المتعاطين بالشأن العام من دون استثناء احد، لاسيما وانّ الاساس هو وقف الانهيار وإجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية، والعمل على اعادة الودائع الى اصحابها، وتطوير النظام السياسي.
وسجّلت المصادر بإيجابية موقف الرئيس الحريري، بأنّه لن يقاطع الاستشارات النيابية المقبلة، لأنّ في ذلك احساساً بالمسؤولية واحتراماً للنظام الديموقراطي الذي ينظّم الخلاف او التنافس السياسي، علماً انّ الخروج الطوعي من التكليف ليس خروجاً من الحياة السياسية، ولا بدّ من التعاون، كل في موقعه، من اجل الخير العام.
وفيما اعتبرت هذه المصادر، انّ اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري عن تأليف الحكومة بعد تسعة اشهر تقريباً من تكليفه، امر مؤسف ولا يجوز ان يشكّل انتصاراً لأحد، اكّدت انّها ليست في وارد الدخول في سجال حول ما يثار بالنسبة الى مسألة الاعتذار، وما يُنسب الى الرئيس عون من اتهامات بخرق الدستور، لأنّ مواقف الرئيس عون استندت دائماً الى نصوص الدستور والى مندرجات وثيقة الوفاق الوطني، والى تمسّكه بمبدأ المشاركة في صناعة القرارات الوطنية في الاستحقاقات الدستورية الكبرى.
تحركات ومواقف
الى ذلك، وبالتوازي مع الرصد السياسي لمرحلة ما بعد اعتذار الرئيس الحريري، ومصير التكليف المقبل والشخصية التي ستتولاه، توزعت المتابعات الداخلية على مجموعة محاور: الاول، محور التصاعد الداخلي للأزمة والاشتعال الكبير في سعر الدولار الذي قفز عن سقف الـ22 الف ليرة ويُنذر بتجاوزه الى سقوف أعلى.
والثاني، محور التحركات الاحتجاجية التي بدأت تظهر في الشارع بعد اعتذار الحريري، والتي جرى التعبير عنها في قطع بعض الطرقات في بيروت وصيدا وصولاً الى الشمال حيث حصلت مواجهات كبيرة بين محتجين وعناصر من الجيش اللبناني في منطقة جبل محسن ما ادى الى اصابات عديدة رشقاً بالحجارة في صفوف العسكريين. هذا في وقت كان قائد الجيش العماد جوزف عون يعلن من بعلبك أنّ “الامن في المنطقة للجميع من دون استثناء ولن نسمح لأحد بزَعزعته، ولا عودة الى الماضي. اما المحور الثالث فهو المواقف الدولية التي أجمعت على وصف الوضع في لبنان بالمقلق جداً.
واشنطن
في هذا السياق، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن “القلق من استقالة سعد الحريري كرئيس وزراء مكلف”، مضيفة: “تحتاج الطبقة السياسية اللبنانية إلى تنحية الخلافات الحزبية الصغيرة جانباً بدلاً من إلقاء اللوم على بعضهم البعض، من أجل تشكيل حكومة قادرة على معالجة الحالة المقلقة في البلاد”.
وسبق بيان الخارجية، موقف للوزير انتوني بينكن قال انّ “اعتذار الحريري عن عدم تشكيل حكومة هو تطور آخر مؤسف لشعب لبنان”. ولفت بلينكن الى انه من الأهمية بمكان أن يتم تشكيل حكومة لبنانية قادرة على تنفيذ الإصلاحات ذات الأولوية، واعتبر انّ الطبقة السياسية في لبنان أهدرت الشهور التسعة الماضية والاقتصاد اللبناني في حالة سقوط حر. وشدد على انّ على القادة اللبنانيين أن ينحّوا جانباً خلافاتهم الحزبية ويشكلوا حكومة تخدم الشعب اللبناني.
باريس
بدوره، أعلن الناطق باسم الخارجية الفرنسية انّ “فرنسا أحيطت علماً بقرار رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بالتخلي عن تشكيل الحكومة. وهذا التطور يؤكد انّ الأداء السياسي الذي يعتمده القادة اللبنانيون أعاق البلاد لأشهر، وجعلها تغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة”.
أضاف: “هناك الآن ضرورة ملحة للخروج من هذا المأزق المنظم وغير المقبول، وإمكانية تشكيل حكومة في لبنان، وهذا يتطلب الشروع الفوري في المشاورات البرلمانية بهدف تعيين رئيس وزراء جديد في أقرب وقت ممكن”.
وتابع: “يجب أن تكون هذه الحكومة قادرة على إطلاق الإصلاحات ذات الأولوية التي يتطلبها الوضع. كما يجب أيضاً البدء في التحضير للانتخابات النيابية المقبلة في العام 2022، والتي يجب أن تتم بطريقة شفافة وحيادية، ووفقاً للجدول الزمني المحدد”. وختم: “كذلك، تدعو فرنسا لتلبية احتياجات اللبنانيين الذين تتدهور أوضاعهم يوماً بعد يوم، وهي تنظم مؤتمرا دوليا جديدا لدعم الشعب اللبناني في 4 آب بمبادرة من رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون وبدعم من الأمم المتحدة”.
الاتحاد الاوروبي
وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان: “يأخذ الاتحاد الأوروبي علماً باعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، ويأسف بشدة لاستمرار الجمود السياسي في البلاد، فضلاً عن عدم إحراز تقدم في تنفيذ الإصلاحات العاجلة”.
اضاف: “لقد مضى عام تقريباً على عدم وجود حكومة ذات صلاحيات كاملة في لبنان، ما أدى إلى أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة لا يزال الشعب اللبناني يواجه عواقبها المأساوية. وتقع على عاتق القادة اللبنانيين مسؤولية حل الأزمة الحالية الذاتية الصنع. وثمّة حاجة إلى الوحدة والمسؤولية لمواجهة التحديات المتعددة للبلاد وتلبية التطلعات المشروعة للشعب اللبناني”.
وقال: “انّ الاتحاد الأوروبي يدعو مرة أخرى جميع القوى السياسية اللبنانية إلى دعم التشكيل العاجل للحكومة. وينبغي أن تبدأ الاستشارات النيابية لهذا الغرض من دون تأخير. ويحتاج لبنان إلى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الرئيسية الاقتصادية والخاصة بالحوكمة والتحضير لانتخابات عام 2022، والتي يجب إجراؤها في موعدها المحدد. ويبقى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضرورياً لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي. ويعتبر استقرار لبنان وازدهاره أساسيين للمنطقة ككل ولأوروبا. ويجدد الاتحاد الأوروبي دعمه القوي المستمر للبنان وشعبه، ولاستقراره وأمنه وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي”.
الامم المتحدة
وأعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا عن أسفها الشديد لعدم قدرة قادة لبنان على التوصل إلى اتفاق حول تأليف حكومة جديدة تعدّ مطلوبة بشكل عاجل لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهها البلاد.
وفي ظل تعرّض عملية تأليف الحكومة الى انتكاسة، دعت المنسقة الخاصة الى التحرك سريعاً لضمان تكليف رئيس جديد للوزراء، بما يتماشى مع الاستحقاقات الدستورية، والى تأليف حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي قبَيل إجراء الانتخابات في العام 2022 التي يجب أن تتسِم بالحرية والنزاهة.
إلى أسوأ
امّا جامعة الدول العربية، فأعلنت أنّ امينها العام احمد أبو الغيط والامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس توافقا، خلال لقاء في نيويورك، على أنّ الوضع في لبنان يتجه من “سيئ إلى أسوأ”. وأعربَ ابو الغيط عن أمله في أن يتمكن المجتمع الدولي من مساعدة اللبنانيين على عبور الأزمة التي تعد الأخطر منذ نهاية الحرب الأهلية.