ماري ناصيف الدبس – الحوارنيوز
كلنا يعرف مدى المأساة التي حلّت بالبشرية يوم وصل هتلر إلى الحكم في ألمانيا، مدعوما من الرأسمالية العالمية التي دفعت به، آنذاك، إلى الواجهة من أجل الاطاحة بالاتحاد السوفياتي وبالمكتسبات التي حققتها نضالات الطبقة العاملة العالمية بدعم منه.
عشرات ملايين البشر سقطوا ضحية هتلر وموسوليني وفرانكو وغيرهم من مصاصي الدماء، ولا ننسى الدمار الذي لحق بالعالم كله من جرّاء تلك الحرب، ولا، كذلك، الجرحى والمعوّقين…
وإذا كانت كتب التاريخ والأفلام الوثائقية، المنشورة، قد أرّخت لتلك الحرب من جوانبها كلها، تقريبا، وإذا كانت الذاكرة الجماعية المنتقلة إلى الأجيال التي لم تشهد تلك الحرب قد ركّزت على يوم استسلام من تبقّى من مجرمي “الرايخ الثالث” وعلى المحاكمات التي تلته والتي أتخذت من مدينة نورمبرغ مقرّا لها، غير أن مصير بعض هؤلاء بقي طي الكتمان، بعد تخفيف العقوبات عنهم وخروجهم من السجن الذي كان يجب أن يبقوا فيه حتى الممات لما ارتكبته أيديهم من جرائم فظيعة ضد البشرية.
هذا السؤال عن مصير بعض من أحاطوا بهتلر ونفّذوا أوامره بحذافيرها، أو تجاوزوا رغبات عقله المريض، موجود في كتاب صدر منذ عامين تحت اسم “حكاية الملعونين” للمؤرخ والصحافي إريك برانكا .
هذا الكتاب يتناول أدق التفاصيل تقريبا عن مجموعة من هؤلاء، نذكر من بينهم “أدولف هاوزينغر” رئيس أركان الجيش النازي إبان الحرب العالمية الثانية والذي ارتبط اسمه بالجبهة الشرقية وبمعركة ستالينغراد بالتحديد، في العام 1942، إضافة إلى المجزرة التي نفذت في العام نفسه في بيلوروسيا، والتي ذهب ضحيتها أربعين ألف شخص، وإلى معركة مدينة كورسك في العام 1943 وما تبعه من مجازر في أوكرانيا التي عادت، اليوم، إلى دائرة الضوء عبر الحرب التي تسبب بها حلف الناتو في المعركة الجديدة التي يخوضها ضد روسيا ومن أجل الابقاء على السيطرة الآحادية للامبريالية الأميركية على العالم.
“من عرين الذئب إلى قيادة حلف الناتو”.
تحت هذا العنوان، يتحدّث الكاتب عن الحياة المهنية الاستثنائية لهاوزينغر بعد العام 1945، فيقول: “لم ينفّذ أية عقوبة، خلافا لأغلبية الذين نفّذوا أوامره، ومنهم من دخل السجن أو نفّذت به عقوبة الشنق كمجرم حرب. وهذا الأمر يبقى لغزا من الألغاز الكبيرة لمرحلة ما بعد الحرب، وبالنسبة للسوفيات هدية غير متوقعة برّرت دعايتهم طوال فترة الحرب الباردة بأن واشنطن أقامت العسكرتاريا الألمانية من بين الأموات بهدف التحضير للحرب ضد الاتحاد السوفياتي”… وهكذا، لم يكن على هاوزينغر أن يعرف عذاب السجن أو حتى أن يخضع للاستجواب أمام محكمة نورمبرغ، بل على العكس من ذلك، فقد تم تنصيبه كوجه الجيش الألماني الجديد ورئيسا لأركانه، ومن ثم كالرجل الأول في حلف الناتو. كيف لا، وهو الذي قدّم للأميركيين هدية قيّمة في أيار 1945، هي كناية عن الملف الذي أعدته الاستخبارات الألمانية عن الجيش السوفياتي.
هاوزينغر كان الأبرز من بين “الملعونين”، غير أنه لم يكن الوحيد كما سبق وقلنا. فهنالك العشرات من الذين أعيد تأهيلهمن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر غيهلن رئيس المخابرات في المانيا الاتحادية وكورت كيزنغر الذي تسلم منصب المستشار الاتحادي من العام 1966 وإلى العام 1969. ومنهم، خاصة، أوتو سكورزيني الذي كان أحد المرتزقة الأساسيين لدى المخابرات المركزية الأميركية (سي. أي. إي) ومن ثم لدى الموساد الصهيوني الذي يتبع أساليب النازية نفسها في الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها، ولا يزال، ضد الشعب الفلسطيني المناضل من أجل استعادة أرضه ووطنه.
*باحثة أكاديمية وعضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني