في مثل هذا اليوم رحل “الشيخ إمام” الصوت الذي لا يموت.. وبقيت “مصر يمّا يا بهية”
الحوار نيوز -خاص
في مثل هذا اليوم من العام 1995،توفي المغني والملحن المصري الثائر “الشيخ إمام” الذي ملأت شهرته الآفاق من حيث نوعية الأغاني الثورية والوطنية والشعبية اللاذعة التي كتبها الشاعر أحم فؤاد نجم ،وكان أبرزها “مصر يمّا يا بهية ” التي يرددها المصريون والعرب جيلا بعد جيل.
هو “الصوت الذي لا يموت”، إمام محمد أحمد عيسى المولود في الثاني من تموز عام 1918 في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت.
في السنة الأولى من عمره أصيب بالرمد الحبيبي ،وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينيه، فقضى إمام طفولته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية بأبى النمرس وكانت له ذاكرة قوية.
كان والده يحلم أن يكون ابنه شيخاً كبيراً، لكنه كان قاسياً في معاملته، أما والدته فكانت النبع الذي ارتوى منه إمام بالحنان في طفولته وعوضه فقد بصره، وكانت معايرة الأطفال لابنها بالعمى تدفعها للبكاء.
كان إمام يندس في مواسم الأفراح والحج، وسط الحريم ليسمع غناءهن وأهازيجهن فنشأ صاحب أذن موسيقيه.ولازم إمام حب الاستماع للشيخ محمد رفعت قارئ القرآن الشهير في مصر، وكان الاستماع للإذاعة من ممنوعات الجمعية الشرعية لكونه بدعة، مع أنه كان يستمع للقرآن. إلا أن الجمعية قررت فصله بالإجماع. وعندما سمع أبوه بما حدث لأبنه من فصل من الجمعية بحث عنه فوجده يقضى نهاره في الحسين وليله في الأزهر حيث كان ينام، فأهانه وضربه وحذره من العودة لقريته مرة أخرى “نظراً للجريمة التي اقترفها بتسببه في فصله من الجمعية”، وبعدها مباشرة توفيت أمه التي كانت أعز ما لديه في الدنيا، ولم يتمكن من تشييعها ، ولم يعد إلى قريته إلا حين مات أبوه.
احتراف الموسيقى
فى إحدى زياراته لحي الغورية قابل إمام مجموعة من أهالي قريته فأقام معهم وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريري بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى.
اصطحب الشيخ الحريري تلميذه في جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ في التحسن.
وفى منتصف الثلاثينيات كان الشيخ إمام قد تعرف على الملحن الكبير الشيخ زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري، فلزمه واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد ملولا لا يحب الحفظ ،فاستمر معه إمام طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفاخر بهذا.
حتى أن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، مثل «أهل الهوى» و«أنا في انتظارك» و«آه من لقاك في أول يوم» و«الأولة في الغرام»، فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام.
كان لهذه الواقعة أثر في تحويل دفة حياة الشيخ إمام مرة أخرى عندما قرر تعلم العزف على العود، فتعلم على يد كامل الحمصاني، وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول إلى مغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.
اللقاء بين إمام ونجم
فى عام 1962 م، التقى الشيخ إمام الشاعر أحمد فؤاد نجم ، وتم التعارف بينهما عن طريق زميل لابن عم نجم .وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن أجابه الشيخ إمام أنه لا يجد كلاما يشجعه، وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة. ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حِراك الشارع العربي هو بفضل عبقرية الشيخ إمام. وفي رأي أحمد فؤاد نجم كان الشيخ إمام مثل عبد الوهاب مغنيًا عظيمًا ومتفردًا.
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون خاصة بعد أغنية: «أنا أتوب عن حبك أنا؟»، ثم «عشق الصبايا»، و«ساعة العصاري»، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء، ساهم فيها العديد ولم تقتصر على أشعار نجم فغنت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحى، وفرغلى العربي، وغيرهم.
التحول النوعى..والمعتقلات
كغيره من المصريين، زلزلت هزيمة حرب حزيران/ يونيو 1967 إمام ،وسادت نغمة السخرية والانهزامية بعض أغانيها مثل: «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا – يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار»، و«يعيش أهل بلدى وبينهم مفيش – تعارف يخلى التحالف يعيش»، و«وقعت م الجوع ومن الراحة – البقرة السمرا النطاحة»، وسرعان ما اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية وحلت مكانها نغمة أخرى مليئة بالصحوة والاعتزاز بمصر مثل «مصر يمّا يا بهية – يا ام طرحة وجلابية».
انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين. في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون.لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برأت المسئولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969 ،لكن القاضي أطلق سراحهما،إلا أن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهم حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلان من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر، وكان يغني وهو ذاهب إلى المعتقلات اغنيته المشهورة “شيد قصورك” ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
في منتصف الثمانينيات تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فلاقت حفلاته إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وبدأ جولة في الدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة، وللأسف بدأت الخلافات في هذه الفترة تدب بين ثلاثى الفرقة الشيخ إمام ونجم ومحمد على عازف الإيقاع ولم تنته إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة.
ناصر الشيخ إمام القضية الفلسطينية وغنى لها العديد من الأناشيد منها «يا فلسطينية» و«فلسطين دولة بناها الكفاح» وغيرها.
وهذه أغنية “أناديكم” الموجهة للفدائيين:
النهاية
وفى منتصف التسعينات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية، ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتى توفي في هدوء في 7حزيران/يونيو 1995 تاركاً وراءه أعمالاً فنية نادرة.
أشهر أغانيه
- يا خواجه يا ويكا.
- يا فلسطينياعلى يوتيوب.
- اناديكم.
- مصر يمّا يا بهية .
- جيفارا مات.
- يا بلح أبريم.
- بقرة حاحا.
- الحمد لله خبطنا تحت بططنا.
- انا رحت القلعة وشفت ياسين.
- شرفت يا نيكسون بابا.
- شيد قصورك.
- إحنا مين وهما مين
- واه يا عبد الودود(نستمع إليها)