في مثل هذا اليوم:رحل الكاتب الكبير محمد الماغوط.. المبدع السوري الذي صنعه الفقر والسجون والمآسي
الحوار نيوز – خاص
في مثل هذا اليوم، 3 نيسان 2006 ،فقدت سوريا والعالم العربي أحد كبار المبدعين العرب،برحيل الكاتب المسرحي والصحافي والأديب والشاعر محمد الماغوط عن عمر يناهز 73 عاماً بعد تعرضه لجلطة دماغية في منزله بمدينة دمشق.
هو محمد أحمد عيسى الماغوط المولود في “سلمية” بمحافظة حماة في 12 كانون الأول عام 1934،وهو من أبرز شعراء قصيدة النثر أو القصيدة الحرة في الوطن العربي. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، وكانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين، كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة. احترف الأدب السياسي الساخر وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية التي يعتبر واحدًا من روادها، وله دواوين عديدة.
نشأ الماغوط في عائلة شديدة الفقر، وكان أبوه فلاحاً بسيطاً عمل أجيرًا في أراضي الآخرين طوال حياته. درس بادئ الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، لكنه لم يكمل دراسته في الثانوية وعاد إلى سلمية.
دخل الماغوط بعد عودته إلى السلمية الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، وكان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وهو يذكر أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فدخل إليه وانضم إلى صفوفه. لم يدم انتماؤه الحزبي طويلاً ،وقد سحب عضويته في الستينات بعد أن سجن ولوحق بسبب انتمائه.
في هذه الفترة عمل الماغوط فلاحاً وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان “غادة يافا” في مجلة الآداب البيروتية. بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة “لاجئة بين الرمال” التي نُشِرَت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1 أيار 1951، وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية.
كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط ،حيث اتُهِمَ الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحُبس الماغوط في سجن المزة. وخلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، فتعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب ب”أدونيس” الذي كان في الزنزانة المجاورة.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخل لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، وهناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة “شعر” حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة شعر بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة.
في بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة، فكان السياب صديق التسكّع على أرصفة بيروت. وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح التي غدت في ما بعد زوجته، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة النهار لأحسن قصيدة نثر.
عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الأولى “حزن في ضوء القمر ” عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية “غرفة بملايين الجدران” (1960)، وتوطدت العلاقة بين الماغوط وسنية صالح بعد قدومها إلى دمشق لاكمال دراستها الجامعية. وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية وأمضى ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، وتزوج الماغوط من سنية عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه شام وسلافة.
في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان “الورقة الأخيرة”، وفي تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرى للتعبير عن أشكال كتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية “ضيعة تشرين” و”غربة“، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد، وهو واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة تشرين السورية في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب “أليس في بلاد العجائب” في مجلة المستقبل الأسبوعية، وكان لمشاركاته دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
خلال الثمانينيات سافر الماغوط إلى دولة الإمارات وإلى إمارة الشارقة بالتحديد ،وعمل في جريدة “الخليج” وأسس مع يوسف عيدابي القسم الثقافي في الجريدة وعمل معه في القسم لاحقا الكاتب السوري نواف يونس.
كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى ثم وفاة والده ، وكانت أصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل مع السرطان، وهو نفس المرض الذي أودى بحياة والدتها وبنفس العمر ،وكانت نفقة العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بحياتها، ثم كانت وفاة أمه ناهدة عام 1987 بنزيف حاد في المخ.تزوجت ابنته شام اواسط التسعينات من طبيب سوري مقيم في أمريكا، وكذلك ابنته الثانية سلافة المقيمة مع زوجها في بريطانيا، وقد تركت هذه المآسي المتلاحقة الأثر الشديد على نفسه وأعماله وكتاباته.
ويعدّ محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الخاطرة، والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية وبميله إلى الحزن.
الأعمال المسرحية
- ضيعة تشرين– مسرحية (لم تطبع – مُثلت على المسرح 1973-1974)
- شقائق النعمان– مسرحية
- غربة– مسرحية (لم تُطبع – مُثلت على المسرح 1976)
- كاسك يا وطن– مسرحية (لم تطبع – مُثلت على المسرح 1979)
- خارج السرب– مسرحية (دار المدى – دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد- ومثلتها فرقة كور الزهور في سلمية مسقط رأس الماغوط ومن اخراج الفنان صدر الدين ديب)
- العصفور الأحدب– مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
- المهرج – مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى – دمشق)
في الشعر
- حزن في ضوء القمر – شعر (دار مجلة شعر – بيروت 1959)
- غرفة بملايين الجدران – شعر (دار مجلة شعر – بيروت 1960)
- الفرح ليس مهنتي – شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق 1970
في السينما
- الحدود– فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
- التقرير– فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
مؤلفات
- الأرجوحة – رواية 1974 (نشرت عام 1974 – 1991 عن دار رياض الريس للنشر وأعادت دار المدى طباعتها عام 2007)
- سأخون وطني – مجموعة مقالات (1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001)
- سياف الزهور – نصوص (دار المدى بدمشق 2001)….
- شرق عدن غرب الله (دار المدى بدمشق 2005)
- البدوي الأحمر (دار المدى بدمشق 2006)
- اغتصاب كان وأخواتها
كتب عنه شقيقه “عيسى الماغوط” كتاب بعنوان “محمد الماغوط رسائل الجوع والخوف”، يروي فيه حكايات كثيرة عن شقيقه تؤكد الصورة الشائعة عنه، أن يكون منحازًا على الدوام إلى صفوف الحرية والأحرار. يرفق الكتاب بصور فوتوغرافية للماغوط وأفراد أسرته. الكتاب بوجه عام عبارة عن مستند بالغ الفائدة لكاتب مسرحي وشاعر يعتبره الكثيرون من أبرز شعراء وأدباء سوريا في النصف الثاني من القرن العشرين.
من أقواله وأشعاره
مقتطفات من أشعار الماغوط
- أيها الوطن.. أنا لا أنكر أنني نمت في أحضانك
وركبت على ظهرك وجرانك في طفولتي
واحتميت بجدرانك في شيخوختي
ولكن أن تركب على ظهري طوال العمر مقابل ذلك
ومشترطا أن يلامس جبيني سطح الأرض فلن أقبل :
فوقه بقليل ممكن
فأنا أيضا عندي كرامة .
- ها أنا أمدّ جسدي بصعوبه
لأدفن أسناني اللبنية في شقوق الجدران
أنا شيخ
ها ظهري ينحني
والمارة يأخذون بيدي
أنا أمير
ها سيفي يتدلّى
وجوادي يصهل على التلال
أنا متسّول
ها أنا أشحذ أسناني على الأرصفة
وألحقُ المارةَ من شارع إلى شارع
أنا بطل … أين شعبي؟
أنا خائن … أين مشنقتي؟
أنا حذاء … اين طريقي ؟[7]
- فليذهب القادة إلى الحروب
والعشاق إلى الغابات
والعلماء إلى المختبرات
أما أنا
فسأبحث عن مسبحةٍ وكرسيٍ عتيق …
لأعود كما كنت،
حاجبا ً قديما ً على باب الحزن
ما دامت كلّ الكتب والدساتير والأديان
تؤكد أنني لن أموت
إلا جائعا ً أو سجينا
- لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية
أعطونا العطر والخوات وأخذوا الحب
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان
أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة… [9]
من أقوال الماغوط
- “لو كانت الحرية ثـلجاً لنمت في العراء”
- “عمرها ماكانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع اللي يعتبرون نفسهم بعد الله” من مسرحية شقائق النعمان
- “بدأت وحيداً، وانتهيت وحيداً كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار أو مدرسة”
- “لماذا خلقني ؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني ؟”
- “إنني أعد ملفا ضخما عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله فور توقيعه بشفاه الجياع وأهداب المنتظرين، ولكن يا أيها التعساء في كل مكان جُلَّ ما أخشاه أن يكون الله أميّا”
- “أنا نبي لا ينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء “
- “حبك كالإهانة لا ينسى”
- “لم أستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام فكيف بتدريبه على الثورة”[10]
جوائز نالها
الجوائز التي نالها الماغوط خلال حياته:
- جائزة “احتضار” عام 1958.
- جائزة جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر عن ديوانه الأول “حزن في ضوء القمر” عام 1961.
- جائزة سعيد عقل.
- صدور مرسوم بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة من الرئيس بشار الأسد
- جائزة سلطان بن علي العويس الثقافيةللشعر عام 2005.