في مثل هذا اليوم:إنطلاق شرارة الحرب الأهلية اللبنانية من “بوسطة عين الرمانة”
الحوار نيوز – خاص
في مثل هذا اليوم ،13 نيسان 1975،كان يوما مشؤوما في تاريخ لبنان ،شكل بداية الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما وحصدت نحو 150 ألف قتيل ،فضلا عن الدمار الهائل الذي لحق بالعاصمة بيروت والمناطق اللبنانية،وانتهت باتفاق الطائف والتفاهم على دستور جديد للبلاد.
يتفق اللبنانيون على أن الحرب الأهلية بدأت في ذلك اليوم بما اصطلح عليه بمجزرة عين الرمانة (أو بوسطة عين الرمانة )،التي كانت الشرارة المباشرة لهذه الحرب ،لكن هذه الحرب كانت لها مقدمات سياسية واقتصادية وأمنية مهدت الطريق لاندلاعها واستمرارها على نحو عنيف إلى أن تم الاتفاق على دستور جديد للبلاد في مدينة الطائف السعودية ،وإقصاء رئيس الحكومة العسكرية في ذلك الحين العماد ميشال عون عن السلطة.
الشرارة الأولى
في 13 نيسان/أبريل 1975 تعرض رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل وأنصاره إلى إطلاق نار عند خروجهم من كنيسة في ضاحية عين الرمانة. اتهم الجميل الفلسطينيين بالوقوف وراء العملية. في نفس اليوم وفي المنطقة ذاتها تعرض مسلحون ينتمون لحزب الكتائب لحافلة متوجهة إلى مخيم تل الزعتر تحمل فلسطينيين كانوا في طريقهم الى تل الزعتر،وأطلقوا النار على ركابها ما أدى إلى وقوع 27 قتيلا بينهم. اندلعت معارك في نفس الليلة بين الفلسطينيين واليمين المسيحي. لم تنجح محاولات التهدئة والمحادثات السياسية إلى لجم الوضع، فيما حمّلت الحركة الوطنية اللبنانية التي بزعامة كمال جنبلاط حزب الكتائب مسؤولية الحادثة وما لبثت أن انضمت للفلسطينيين. توسع القتال ليشمل مناطق أخرى من لبنان، لتدخل البلاد في دوامة صراعات وأزمات دامت خمسة عشر عاما.
رواية الكتائب
يروي عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب جوزف أبو خليل في كتابه “قصة الموارنة في لبنان” وقائع حادثة عين الرمانة على النحو الآتي:
عند الساعة الحادية عشر من قبل الظهر كان مقرراً أن يبدأ احتفال تدشين كنيسة سيدة الخلاص للروم الكاثوليك في شارع مار مارون المتفرع من شارع بيار الجميل بحضور الشيخ بيار الجميل. وكانت طلبت قوة للمحافظة على السير فعاونتهم مفرزة السيّار المحلية على ذلك. وفي الوقت ذاته كان الفدائيون الفلسطينيون يحتفلون بمهرجان تأبيني أقيم في مخيم صبرا لشهداء الثورة الفلسطينية اشتركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية.
نحو الساعة العاشرة تقريباً وصلت إلى مكان الاحتفال سيارة فولكسفاغن يقودها لبناني يدعى منتصر أحمد ناصر، وهو من مقاتلي جبهة التحرير العربية ،وهي الجناح الفلسطيني من حزب البعث العراقي. كانت لوحتها مكشوفة ومعروفة بأنها تابعة للكفاح المسلح الفلسطيني.
حاول رجال السير منعه من المرور فتجاوزهم فاصطدم بجوزف أبو عاصي مرافق الشيخ بيار الجميل وعدد من الشبان الذين حاولوا أيضاً منعه من إكمال طريقه من أمام موقع الاحتفال ،فلم يأبه وتابع طريقه مسرعاً فأطلق الرصاص على السيارة. توقف الرجل ونزل من السيارة بسرعة وسقط على الأرض بعد أن أصيب بجرح في كفه ،وعلى الفور نقل إلى مستشفى القدس الذي تشرف عليه المقاومة الفلسطينية.
بعد ثلثي الساعة تقريباً وصلت سيارة فيات حمراء غطيت لوحتها بأوراق تحمل شعارات فلسطينية وبداخلها أربعة مسلحين، فتجاوزت حاجز الدرك الذي أقيم إثر عملية إطلاق النار السابقة وأخذ المسلحون يطلقون الرصاص عشوائياً على الأهالي المتجمعين عند مدخل الكنيسة، فسقط قتيلاً كل من جوزف أبو عاصي وأنطوان ميشال الحسيني وديب يوسف عساف وإبراهيم حنا أبو خاطر وأصيب سبعة أشخاص بجروح مختلفة.
رد الأهالي بالرصاص على السيارة وهي تحاول الفرار فقتل فدائي وأصيب اثنان نقلتهما قوى الأمن إلى مستشفى القدس، فيما نقل القتلى والجرحى من أهالي عين الرمانة إلى مستشفى الحياة. على صوت الرصاص هبّ شباب عين الرمانة من منازلهم وأسرعوا إلى أسلحتهم وفي اعتقادهم أن هجوماً تتعرض له منطقتهم وراحت الأخبار تنتشر عن تعرض الشيخ بيار الجميل لمحاولة اغتيال، وما زاد من حدة الإشاعات أن الشيخ بيار كان غادر المحلة قبل فترة دون أن يشاهده معظم الأهالي فاعتقدوا أن مكروهاً أصابه.
في هذه الأجواء المشحونة والمتوترة جداً وفيما الأهالي مذهولين مما جرى ويحاولون لملمة آثار ما حدث ودماء أحد عشر شاباً تغطي الأرض والشبان المسلحون يقفون على أعصابهم خوفاً من الساعات القادمة، فجأة اقتحمت الشارع “بوسطة” مزدحمة بالمسلحين الفلسطينيين كانوا متوجهين إلى مخيم تل الزعتر وبنادقهم وأعلامهم وثيابهم المرقطة ظاهرة من النوافذ وهم ينشدون الأناشيد الحماسية، فاعتقد الأهالي أن هجوماً مفاجئاً تتعرض له عين الرمانة إستكمالاً لما جرى.
لحظات وانهمر الرصاص على “البوسطة” التي لم ينج من ركابها سوى السائق واثنان من رجال المقاومة. هذا تفصيلياً ما جرى في عين الرمانة قبل ظهر الأحد 13 نيسان 1975 فكيف تكون حادثة البوسطة هي الشرارة التي أدت لاندلاع الحرب اللبنانية. فأي مراقب محايد عندما يقرأ تسلسل الأحداث التي جرت يومها في عين الرمانة يدرك حتماً أن شرارة اندلاع الحرب كانت محاولة اغتيال الشيخ بيار الجميل وما تعرض له الأهالي من قبل ركاب سيارتي الفولكس فاغن والفيات الحمراء وأن ما حدث مع ركاب “البوسطة” كان رد فعل من قبل الأهالي المذعورين الذين كانوا لا يزالون يلملمون جراحهم وفجأة رأوا الموكب الفلسطيني فراحوا “يطلقون النار بشكل لا يعبر عن شجاعة بقدر ما يعبر عن ذعر”.
الرواية الفلسطينية اللبنانية
إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية تعطيان الحادثة بعدا آخر ليس مرتبطا فقط باللحظة التي حصلت فيها،بل هو أبعد من ذلك.
يرى الفلسطينيون ومعهم أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية أن هذا الحادث المأساوي هو نتاج تخطيط داخلي وإقليمي ودولي. فالعامل الأول هو رغبة رئيس الجمهورية اللبنانية في ذلك الحين سليمان فرنجية ، التخلص من إتفاق القاهرة الذي عقد إبان حكم سلفه الرئيس شارل حلو مع ياسر عرفات وبإشراف الرئيس جمال عبد الناصر، والذي عرف فيما بعد باتفاق القاهرة. وفي هذا الإتفاق ضمنت منظمة التحرير الفلسطينية رفع يد المكتب الثاني للمخابرات اللبنانية وأدوات السلطة عن العبث بالمخيمات الفلسطينية ورفع القمع عن هذه المخيمات، وذلك بتشكيل الكفاح المسلح الفلسطيني الذي يتولى الأمن داخل هذه المخيمات بالتنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية.والأمر الثاني هو ضمان المقاومة منطلقاً لها من جنوب لبنان في منطقة تدعى العرقوب لممارسة نشاطها ضد العدو الصهيوني .
ومنذ مجيء الرئيس سليمان فرنجية، حاول إنهاء إتفاق القاهرة عن طريق الجيش اللبناني في العام 1973، وذلك بالهجوم على المخيمات الفلسطينية ومحاولة اعتقال قادة المقاومة. لكن الخطوة فشلت، ولم يتمكن الجيش اللبناني من دخول المخيمات الفلسطينية بل حصل انشقاق داخله، حيث قام أحد ضباط الجيش اللبناني أحمد الخطيب بالانشقاق عن الجيش وتشكيل ما سمي ب”جيش لبنان العربي”.
الأمر الثالث هو أن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي، كان يهدف من وراء خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية الى إنهاء وجود م.ت.ف الرقم الأصعب في حل معادلة القضية الفلسطينية وإنهاء الهوية الفلسطينية التي هي نقيض الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.
الأمر الرابع هو تهيئة الأجواء لدخول الجيش السوري الى لبنان بموافقة أميركية.
في الخلاصة اندلعت الحرب في لبنان واشتعلت الجبهات على أكثر من منطقة ،وجرت معارك طاحنة في بيروت دمرت الأسواق التجارية ،ورسمت خطوط تماس في العاصمة امتدت من مرفأ بيروت شمالا حتى منطقة الشويفات جنوبا ،مرورا بطريق الشام والضاحية الجنوبية بين الشياح وعين الرمانة.
في المرحلة الأولة استمرت الحرب عامي 1975 و1976 ،وتوقفت بدخول الجيش السوري الى لبنان كقوات ردع عربية ،لكن الجبهات عادت واشتعلت من جديد،واستمرت الحرب 15 عاما تخللها اجتياحان إسرائيليان عامي 1978 و1982 حيث احتلت القوات الإسرائيلية العاصمة اللبنانية وفرضت ترحيل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية عن لبنان.ورغم ذلك لم تتوقف الحرب ،فانعقدت مؤتمرات بين اللبنانيين في جنيف ولوزان في سويسرا عامي 1983 و1984 ،إلى أن انعقد مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية عام 1989 وأقر النواب اللبنانيون وثيقة الطائف التي صارت في العام 1990 دستورا جديدا للبلاد ،وتوقفت الحرب في 13 تشرين الأول عام 1990 حيث تولى الجيش اللبناني بقيادة العماد إميل لحود والقوات السورية إقصاء العماد ميشال عون عن السلطة وترحيله الى فرنسا.