د. حيان حيدر – الحوارنيوز خاص
لازمة مكرّرة
إشارة مؤلمة إلى أنّني، كما جلّ اللبنانيين، لست مقتنعًا بأنّ البحث والدراسة والتحليل وبالتالي الإقتراحات ستفيد بشيء في درء خطر إنهيار، تجاوز خطّ العودة، الدولة، التي لم تكتمل يومًا. لن يفيد شيء مع هؤلاء، الناخب والمُنْتَخب والنُخبة معًا. لن يفيد الآن. وللسائل لماذا “تاعب حالك” إذن في هذه المحاولات العبثية أجيب: لقد بات واجب عليّ أن أضع عصارة قناعاتي وتصوري من متابعاتي للأمور وخبرتي، مهما كانت، والتي كلفتني كما وكلّفت دولتي ما كلفته، بات واجبًا عليّ أن أضع خلاصاتها بتصرّف أجيال لا بدّ آتية لإستلام زمام أمورها… ولو بعد حين.
تمهيد
لقد تعمّد كاتب هذه السطور تأخير هذا الإقتراح حتى ما بعد تشكيل الحكومة الأخيرة ونيلها الثقة وذلك تجنّبًا للتأويلات التي كثر ما تُعكّر مضمون المبتغى، مع الملاحظة أن لا يكون تشكيل الحكومة والإنفراج “الدستوري” المرافِق مبَرِّرًا لعدم الإهتمام بالمقترح الذي سيبقى من أهمّ معوّقات العمل السياسي في لبنان… سيما بعد العودة الأخيرة إلى “إنسداد” سير العمل الحكومي “الطبيعي”.
بعض المقترحات للمسؤولين*
– الإلتزام التام بوضع النظام الداخلي لمجلس الوزراء، المنصوص عنه في الدستور منذ العام 2000، واحترامه والعمل به.
– توضيح، بما لا يُبْقي أيّ لبس، وبالتالي تحديد مهلة (المادة 53 دستور) لجهة الدعوة إلى إستشارات نيابية مُلْزِمة من قبل رئيس الجمهورية.
– توضيح “مفهوم” كيفية إعتبار أو إحتساب أصوات النواب (ولِمَنْ) في الإستشارات النيابية المُلزِمَة حسمًا للجدل أللانهاية له عند كلّ عملية تكليف.
– تحديد مدّة قصوى لتأليف الحكومة (30 إلى 45 يومًا) يسقط حكمًا التكليف بعدها. هذا الأمر بات مهمًّا جدًّا جدًّا بعدما تعطّل العمل الحكومي بواقع أكثر من نصف مدة السنوات العشر الماضية، ولا يمكن تبرير ما حصل من ضرر وجودي للجميع، بلادًا وعِبادًأ، عَرِفَت معناه البلاد مؤخّرًا، وما زال يحصل بذريعة “عدم جواز المسّ بصلاحيات …” طائفة رئيسية ما” وما شابه من “مبرّرات”، وكأنّ باقي الطوائف هي من الملحقات بالمواطَنة ناهيكم عن الشعب/سائر المواطنين الذين ليسوا معنيّين بالطوائف سياسيًّا.
– حسم موضوع “المَعْنى الضيّق” لعمل الحكومة المستقيلة، خاصّة وأنّه لا يصدر مرسوم قبول إستقالتها قبل التاليف الأمر الذي قد يطول إنتظاره (وهو في الوقت نفسه متناقض الفعل إذ يعتبر الحكومة مستقيلة ولا يصدر فورًا مرسومًا يؤكّد قبول إستقالتها). وللتذكير، لقد سبق وامتدّت مدّة التأليف 320 يومًا، فهل يمكن لهذه الحكومة إتّخاذ قرارات وإصدارها وإلزام الجهات المعنية بتطبيقها؟ وما هي نوعها؟ وفي حال الجواب سلبًا على بعض القرارات، نسأل: من يدير أزمات البلاد الطبيعية والمُفتعلة وحياة الناس اليومية، والأمثال الكارثية ما زالت شاخصة أمامنا وتتوالى منذ أكثر من عام وهي تتفاقم إلى أعظم كلّ يوم؟ أمّا الحلّ الناجع موجود فيما يأتي من إقتراح.
– ومن “وحي” (كلمة غير موفّقة هنا) ما يجري الآن منذ ما أن “رَوْكَبَت” الحكومة الحالية في عملها وتُنْذِر بالتحوّل إلى “كرْبجة”، حسم موضوع عدم إلتئام الحكومة للعمل والحلّ يكون بإعتبارها مستقيلة حتمًا وعفوًا عن تأدية مهامها، ما يدعو إلى إجراء إستشارات ملزمة جديدة إلخ… لتشكيل حكومة جديدة (وهكذا دواليك) وإلّا يكون الجميع ضالع في تعطيل عمل الدولة… وعمدًا، ولا من حساب!
– في تشكيل الحكومة: إنّ مسار الإستقالة والدعوة إلى الإستشارات (مواعيدها ومجرياتها وموجباتها) ثمّ التكليف والإستشارات غير الملزمة للتأليف ومن ثمّ التأليف وإعداد البيان الوزاري ونيل الثقة فإلى العمل… يجب أن تكون كلّها عملية واحدة مترابطة، على غرار سلسلة الكتل (Blockchain)، ولا فصل لحلقة من حلقاتها عن بعضها الآخر. وبالتالي، تبقى برأينا، وتطبيقًا لنظرية إستمرار المرفق العام، تبقى الحكومة المستقيلة حكومة بكامل الصلاحيات والوظائف وخاصّة المسؤوليات التي يجب أن تُحاسب على إهمالها، حتى حلول حكومة بديلة لها تعمل فعليًّا، إذ لا يجوز تعمّد إحداث فراغ، وقد حصل وتكرّر وتعدّدت فُنونُه، في تسيير شؤون البلاد ومصالح المواطنين تحت أيّ ذريعة كانت. وهذا مبدأ يُعْمَل به في الدول المتقدّمة في هذا المجال.
– علينا توضيح أمر الفرق بين الحكومة ومجلس الوزراء، وبالتالي توضيح الأمر ذاته في تحديد ما إذا كان دستورنا يريد رئيسًا لمجلس الوزراء (مع مفهوم الميثاقية) أو وزير أول (Prime Minister) بين وزراء الحكومة، لأنّ هناك فارق فيما بين الصلاحيات المناطة بالإثنين وقد برز الفارق بتناقض خاص على ضوء تفسير دستور الطائف الذي جعل فيه البعض كلّ وزير “سيّد نفسه”.
– إلزام الحكومة تقديم الموازنة مصحوبة حكمًا بقطع حساب العام في أوقاتها الدستورية تحت طائلة المحاسبة واعتبار الحكومة مستقيلة ومُحالة عفوًا على المُساءلة.
– ما إستجدّ مؤخّرًا حول دستورية حضور أو مثول حكومة تصريف أعمال، أو رئيسها أو الرئيس المكلّف، جلسة إقرار الموازنة أمام المجلس النيابي قبل نيلها ثقة المجلس. وهذا يتطلّب حلًا أيضًا.
هذا البعض الأهمّ من الفيض الأصمّ لأنّه يبدو للحديث صلة.
(*) من مجموعة مقترحات تصدر، بشكل مستمر، تحت عنوان “أوراق في الإصلاح” على التوالي مع تطور العُقَد والتعقيدات.
جاء في المقدمة
كان المشترع منذ يوم لبنان الكبير وحتى أيام الطائف، يقترح مبادئ للدستور ويكتب القانون وهو لم يخطر بباله، كما ببال أسلافه من الأساتذة المشرّعين العالميين، بأنّ كلّ كلمة وجملة وفقرة ونصّ وفكرة وصلاحية إلخ… ممّا سيكتب سيكون موضع سوء فهم وتدبير فحوار وجدال وتنكيد وتفقّه وتفسير فتبرير إلى ما لا نهاية من تخريب العمل البرلماني الديمقراطي ومعه العمل العام السياسي والحكومي والإداري وبكلّ بساطة العمل في سبيل تأمين حياة طبيعية للناس.
لقد نشأت مؤخّرًا في لبنان أزمات دستورية وتكرّرت، وهي لا تتوقّف عن التفاقم، من جرّاء غموض (غير بنّاء) لبعض ممّا جاء في الدستور بحيث ذهبت كلّ جهة، سياسية كانت أو غيرها، إلى تفسير ما يناسبها من مضمونه في اتجاه (ما كانت تظنّ أنّه) يخدم مصلحتها، والأفضح ما تسمّيه “حقوقها”، في ظرف سياسي أو زمني معيّن.
والوضع “المُكَرْبَج” للبلاد يحتّم الدعوة إلى إجراء تعديلات، “البسيطة” منها وغير البسيطة، بغية إزالة ما يمكن إزالته من إلتباس، كثر ما يكون متعمّدًا، وبالتالي “تحرير” أكبر (ولا نقول كلّ) عدد ممكن من مواد الدستور من اللبس الحاصل في التعامل معها ومعه وإلغاء كمّ كبير من مواد النكد السياسي المتكرّر والمتعاظم والذي يعطّل حياة الدولة والناس على السواء.
وبهذه الروحية نقترح:
مبادىء ونصوص بات من الضروري تعديلها أو توضيحها في الدستور اللبناني من سلسلة “أوراق في الإصلاح”
لقد أصبح من الملحّ، بل المُلِحّ جدًّا، توضيح الأمور لوضع حدّ للإنهيارات الدستورية المتعاقبة والتي تتفاقم بوتيرة تكاد تكون يومية.
ولأنّي من أصحاب الرأي من خارج “بيئة” القانون، بمعنى الإختصاص والمهنة، سأكتفي بمجرّد الإشارة الى المواضيع/المواد التي أقترح معالجتها على أن يتولّى أهل الشأن هذه المهمّة بوضعها باللغة المناسبة وتوزيعها فيما بين نص في الدستور أو قانون، وذلك دون محاباة لميولهم الخاصّة، وبعد التنبيه بأن يدركوا أنّه، في النهاية، فكلّ وجميع المراكز والمناصب والصلاحيات الدستورية وغيرها، في المنطق والقانون وفي غيرها من الإعتبارات، ستكون خاضعة لا محال وحتمًا وحكمًا، للمداورة فيما بينها، مهما علا شأنها، وهو الحلّ الأنسب لتأمين مبدأ فصل السلطات وتوازنها كما جاء في الدستور نصًّا وروحًا.