منوعات
في المولد النبوي:ما بين النبي وأحمد شوقي وأم كلثوم(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
ثمة علاقة فنية راقية ربطت الرسول الكريم محمد بن عبد الله بأمير الشعراء أحمد شوقي وسيدة الغناء العربي أم كلثوم.فقد نظم شوقي ثلاث قصائد في النبي غنتها أم كلثوم ولحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي.وأعتقد شخصيا أن هذه القصائد ،نظما وغناء ولحنا،يمكن أن تغني عن كتب عدة، في فهم الإسلام ورسالته السمحاء وحامل هذه الرسالة.
وفي ذكرى المولد النبوي الشريف تبدو الإضاءة على هذه القصائد ،مبعثا خالصا لنوع من الحبور الروحي في زمن ندرت فيه السعادة وقلّ فيه الحبور.
-
ولد الهدى
في قصيدته “ولد الهدى” يذهب أحمد شوقي إلى عمق الفهم الإنساني لرسالة الإسلام التي حملها النبي للبشرية، بعيدا عن الطقوس المعروفة ،فيسلط الضوء على ثلاثة عناصر أساسية تقوم عليها هذه الرسالة ،وهي التوحيد والمساواة والكفاية.
وفي هذه العناصر يقول شوقي:
بك يا ابن عبدالله قامت سمحة
بالحق من ملل الهدى غراء
بنيت على التوحيد وهو حقيقة
نادى بها سقراط والقدماءُ
ومشى على وجه الزمان بنورها
كُهّان وادي النيل والعُرفاءُ
الله فوق الخلق فيها وحده
والناس تحت لوائها أكفاءُ
والدين يُسر والخلافة بيعة
والأمر شورى والحقوق قضاءُ
الاشتراكيون أنت إمامُهم
لولا دعاوى القوم والغلواء
والبرُ عندك ذمة وفريضة
لا مِنة ممنونة وجباءُ
جاءت فوحدت الزكاة سبيلَه
حتى التقى الكرماء والبخلاء
أنصفت أهلَ الفقر من أهل الغنى
فالكل في حق الحياة سواءُ
..يظهر جليا في هذه الأبيات عظمة الإسلام من خلال هذه العناصر الثلاثة(التوحيد والمساواة الإنسانية والكفاية).
والعنصر الأول أقرت به الأمم والشرائع منذ الأزل ،ويبرز في قناعة المسلمين بوحدانية الخالق أولا،وثانيا في ممارساتهم الدينية والمعتقدية .
أما المساواة الإنسانية فقد برزت في أقوال النبي وأفعاله.وكان النموذج الأسمى في قوله “لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى” وكذلك لا لأبيض على أسود ،وقد وضع النبي عمليا ،زعيم قريش أبا سفيان والعبد الحبشي بلال بن رباح، في مرتبة إنسانية واحدة.
والعنصر الثالث هو مجتمع الكفاية من خلال الزكاة التي توفر لبيت المسلمين عائدات مجزية تمنع عليهم وجود فقراء ومحتاجين في ما بينهم.ولذلك يقول شوقي (الاشتراكيون أنت إمامهم) ،فهل ثمة اشتراكية أعظم وأرقى من نظام الزكاة ،حيث يسعف الأغنياء الفقراء ،ويصير الكل في حق الحياة(العيش الكريم ) سواء .
يبقى أن أم كلثوم أبدعت في إيصال رسالة شوقي عن النبي والإسلام الى أوسع جمهور ،من دون أن ننسى ذلك الموسيقار الفذ رياض السنباطي الذي لامس بلحنه أفئدة الناس وجوارحهم.
-
سلوا قلبي
في قصيدة “سلوا قلبي” يذهب شوقي الى معاني الجهاد في رسالة النبي،وهو العنصر الذي وفر لعصبة من المؤمنين الأوائل في مكة أن يمتد نفوذهم الى أقصى جنبات الأرض.
وفي هذا المعنى يقول شوقي:
نبي الخير بيّنه سبيلا
وسنّ خلاله وهدى الشِعابا
وكان بيانه للهدي سُبلا
وكانت خيله للحق غابا
وعلمنا بناء المجد حتى
اخذنا أُمرة الأرض اغتصابا
وما نيلُ المطالب بالتمنى
ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
وما استصعى على قوم منال
إذا الأقدام كان لهم ركابا
..ويُروى أن الفضل الأكبر في انتشار هذه القصيدة يعود للسيدة أم كلثوم.ففي منتصف الأربعينات كان الغليان الشعبي في الديار المصرية قد بلغ مداه نتيجة ممارسات الاستعمار الإنكليزي،فأخذت كوكب الشرق تفتش عن كلام لأغنية تسهم من خلالها في تحريك الجمهور المصري ،فوقعت على قصيدة “سلوا قلبي” لشوقي في مدح الرسول ،وفيها الأبيات الآنفة الذكر،خاصة “وما نيل المطالب بالتمني..ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”،فوضعتها في عهدة رياض السنباطي الذي أبدع أيضا في تلحين هذه القصيدة وغنتها عام 1946.وقد فعلت هذه الأغنية فعلها في تهيئة المصريين لثورة 23 يوليو عام 1952 ،والتي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه “الضباط الأحرار”.
-
نهج البُردة