في البحث عن تنامي النزعات العنصرية: من باريس الى ستوكهولم.. وبالعكس(طلال الإمام)
طلال الامام – ستوكهولم – الحوارنيوز خاص
وقع في الايام القليلة الماضية حدثان هزا العالم:
الحدث الاول قيام متطرف عنصري وبشكل استفزازي بحرق نسخة من القرآن في أول ايام عيد الاضحى في ستوكهولم بموافقة الحكومة السويدية وبحماية الشرطة. فورا جرت محاولات من أكثر من جهة لتجيير هذا الحدث الاستفزازي لحرية الرأي والديموقراطية . لكن وبعد حملات الاستنكار والادانة الدولية من حكومات وهيئات مدنية، دينية اسلامية ومسيحية وشعبية اضطرت الحكومة السويدية الى اصدار بيان يدين هذا الفعل.
يبقى السؤال لماذا أعطت الحكومة/البوليس تصريحا بالموافقة على هذا الفعل؟ اذا كانت تدرك منذ البداية عواقبه ورغم ذلك أعطت موافقتها، فهذا الموقف يفتح اسئلة عدة اهمها عدم ادراك الحكومة التام لعواقب هذا الفعل على السلم الاهلي، وعلى سمعة السويد وعلى زيادة الاحتقان في المجتمع الذي قد يشهد ردود افعال خطيرة ويغذي تربة العنصرية لدى المؤيد والرافض لحرق القرآن؟ ثم من المستفيد من هكذا افعال استفزازية غير القوى النازية واليمينية المتطرفة والعنصرية في المجتمع ولدى اكثر من طرف؟
اذا لم تكن الحكومة تدرك خطورة هذه الخطوة فانه يعني انها حكومة غير مؤهلة لقيادة البلاد ويجب محاسبتها من أجل السويد ومستقبلها؟
بعض المحللين يشيرون الى انها حكومة مغلوب على أمرها وتنفذ اجندات مفروضة عليها من خلف المحيط. الامر الذي يثير التعجب ايضا ان بلدانا مجاورة للسويد مثل الدانمارك والنرويج رفضت اعطاء تصريح لهكذا افعال …والسويد منحت اكثر من مرة تصاريح لمتطرفين.. فلماذا؟
الحدث الثاني قيام الشرطة الفرنسية بقتل نائل .م، الشاب الفرنسي من اصول جزائرية، ويعيش في احد ضواحي باريس المكتظة بالاجانب. هذه الجريمة ايقظت مشاعر غضب واسعة ضد تنامي النزعات العنصرية في أوروبا وفرنسا من ضمنها . تلك النزعات التي تستند الى سلوك بعض الاجانب في رفض الاندماج بالمجتمع مع دعوات دينية متطرفة.
شهدت العديد من المدن الفرنسية أعمال شغب وتخريب لمنشآت حكومية واهلية مع قطع شوارع واضرام النار في سيارات عدة .
واجهت الحكومة الفرنسية هذه الافعال باجراءات زجرية.. اعتقال المئات وانزال قوات البوليس باعداد كبيرة الى الشوارع كما فرضت منع التجوال في بعض المناطق.
نعتقد ان عواقب هذه الجريمة التي لم تكن الاولى ،ستلحق ضرراً بالغاً بالسلم الاهلي وزيادة الاحتقان في فرنسا (احتجاجات السترات الصفر ) مع انقسام المجتمع وبشكل خطير بين مواطن واجنبي .
يرتبط قتل الشاب الجزائري ( رغم الادانة الرسمية لهذه الجريمة) بتصاعد النزعات العنصرية واليمين المتطرف في اوروبا كما في فرنسا .نشير الى ان تنامي العنصرية والتطرف ليس بسبب سلوك بعض الاجانب وسلوكهم المرفوض الذي يؤمن تربة خصبة للعنصرية .المسألة اكبر وابعد … تتصاعد النزعات العنصرية واليمين المتطرف حتى في البلدان الاوروبية التي لا تعاني من زيادة اعداد اللاجئين ،تماما كما صعدت النازية في المانيا الهتلرية ولم يكن هناك وجود او حديث لأجانب او لاجئين .
نعتقد ان السبب الاساسي لتصاعد النزعات العنصرية، النازية والتطرف اليميني يعود الى ان النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وحقق انجازات لشعوب العديد من البلدان الاوربية ، فقد مبرر وجوده .
الليبرالية الجديدة وما خلفته من تضخم ، بطالة ، ازدياد الجريمة واشعال حروب ونزاعات في اكثر من منطقة في العالم لم يعد كافيا لاطالة عمره ….النظام الامبريالي الاوروبي الحالي يعاني من ازمة بنيوية خانقة ولم يعد بامكانه اطالة عمره بتصدير ازماته للخارج .
من باريس الى ستوكهولم ومرورا بالعديد من البلدان الاوربية العنصرية ترفع رأسها وتتجول بحرية في العديد من مكاتب الحكومات …
لقد صارت محاولات الاختباء وراء يافطة ان احداث ستوكهولم وباريس سببها سلوك وممارسات بعض الاجانب فقط او تطبيقا لمبادىء حرية الرأي والديموقراطية .هذه المحاولات صارت ممجوجة ولا تنطلي على مطلع .
الايام المقبلة حبلى بمختلف الاحتمالات …نتمنى ان يعلو صوت العقلاء لتجنيب البشرية مأس هي بغنى عنها.