بقلم علي هاشم
أقفل المجتمعون في فيينا عائدين إلى بلدانهم، انتهت ما يمكن وصفها بالجولة الأولى من محادثات استعادة المبادرة للاتفاق النووي وبحسب ما نقلت مصادر دبلوماسية غربية لـ “جاده إيران” فإن الأجواء إيجابية ويمكن لها إن استمرت أن تضمن اختراقا جديا بين الولايات المتحدة وإيران، بشرط “التفكير ببعض القرارات الجذرية لضمان بقاء الاتفاق.”
اتفق المجتمعون على جولة ثانية تنطلق الثلاثاء المقبل، لم يحن بعد الوقت لحضور وزراء الخارجية، والمرجح أن يكون الجانب العملي مسيطرا بشكل أكبر على المحادثات التي ستكون بشكل أساسي بين مجموعتي العمل حول رفع المفاوضات وعودة إيران إلى التزاماتها ضمن الاتفاق النووي.
وكما كشفت جاده إيران قبل أيام فإن ما حدث كان نتيجة قناة خلفية رتبت لعملية كسر الجليد في فيينا، وجهد الإيرانيون قبل التوجه إلى النمسا للقاء شركائهم في الاتفاق النووي، فالتقوا بالأوروبيين في مدينة فرانكفورت الألمانية والصينيين والروس في موسكو، بهدف التمهيد لما هو قادم وتوضيح الموقف الإيراني الذي يقوم على رفض كل أنواع التسويف والتأجيل والالتفاف وربط الولايات المتحدة القضية بالتزامن بالتنفيذ.
وبحسب ما نقلت وكالة “كيودو” اليابانية عن مسؤول إيراني رفيع فإن إيران هدفت من خلال هذه الاجتماعات لبناء إجماع حول “مخطط نهاية اللعبة” المقترحة خلال المحادثات النووية في فيينا، مع التأكيد على أن لعبة الوقت قد تحد من الفرص لتضييق الفجوات.
وغرّد وزير الخارجية الإيراني بعد اختتام جولة التفاوض عارضا أن تعمد الولايات المتحدة “التي تسببت بهذه الأزمة، إلى الامتثال الكامل أولاً وبعدها تقوم إيران بتطبيق ما عليها بعد حصول عملية تحقق سريعة”. وأضاف ظريف “كل العقوبات التي فرضها ترامب كانت ضد خطة العمل الشاملة المشتركة ويجب إزالتها، بدون تمييز حول ما إذا كانت العقوبات اعتباطية أم لا”.
الولايات المتحدة في المقابل تبدي استعدادا لرفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق لكنها بسبب غياب التواصل المباشر بين البلدين تشكك في أن تكون طهران ستكتفي برفع العقوبات المذكورة.
مصدر سياسي إيراني أشار في حديث لـ”جاده إيران” إلى أن التحقق من تطبيق الولايات المتحدة لتعهداتها لا ينفي واقع وجود عوائق قد تمنع اكتمال العملية بأسرها، ألا وهي ضمانات التزام أميركا بتعهداتها وعدم قيامها لاحقا بفرض عقوبات جديدة.
في المبدأ، قد يكون الطلب الإيراني منطقيا، لكن في ظل فجوة الاختلاف العميقة بين الطرفين، لا يبدو أن في قاموس أميركا كلمة ضمانات، لأن الضمان الوحيد لعدم فرض عقوبات جديدة على إيران هو أن تكون الأخيرة تحت سقف الولايات المتحدة سياسيا، وهذا ما ليس ممكناً على الأقل في ظل الظروف الحالية.
يقول المصدر الإيراني “إيران تفاوض لأنها جدية في الوصول إلى ما كان عليه الوضع في كانون ثاني/ يناير ٢٠١٧، أي عشية تسلم دونالد ترامب للحكم في واشنطن، لكن ذلك سيتطلب قرارا أميركيا برفع جميع العقوبات التي فرضت”.
بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، رفع العقوبات بشكل فوري سيجر العديد من الانتقادات حتى من داخل الحزب الديموقراطي حيث يرى البعض أن ذلك سيعني تشريع الباب أم طموحات إيران دون ثمن حقيقي. وهذا بدوره أيضا سيدفع الحلفاء الإقليميين لأميركا لتسجيل اعتراضات كبيرة وربما القيام بخطوات قد تقلب الطاولة على الجميع.
تنظر واشنطن إلى اللقاءات في فيينا على أنها خطوة على الطريق سمحت للجانبين بتبادل الأفكار من خلال الوسطاء حول آليات رفع العقوبات وعودة طهران للالتزام.
وعلّق على ذلك مراسل ول ستريت جورنال على حسابه على تويتر بالقول إنه جرى استعراض القضايا الصعبة والأخرى السهلة في عملية التفاوض. وأشار لورنس نورمان إلى أن من ضمن المواضيع الأكثر صعوبة ستكون قضية الأبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزية وكيفية التعاطي معها.
يقول نورمان: الانطباع السائد أنه بالإمكان تحقيق تقدم سريع على مستوى الخطوات النووية، لكن إيران لن تسمح بأن يكون هذا على حساب رفع العقوبات.
وبالتزامن مع اليوم الأخير من لقاءات فيينا برز الإعلان الإيراني عن اطلاق ناقلة النفط الكورية الجنوبية وطاقمها وكشف رئيس الحكومة الكورية نيته زيارة طهران بداية الأسبوع الجديد.
لم يكن صعبا اقتفاء أثر علاقة بين الخطوة وبين ما يجري في فيينا، خاصة مع الكشف خلال الأيام الماضية عن عرض أميركي لإيران بالسماح بتحرير مليار دولار من الأموال المحتجزة في كوريا أو العراق مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ووقف العمل بأجهزة طرد مركزية متقدمة، وهو ما لم توافق عليه طهران.
صحيح أن التفاؤل الحذر يبدو مسيطراً على المشهد، لكن الواقع أن مسار بناء الثقة وتراكمها الذي حظيت به اتفاقية 2015، يقابله اليوم تراكم لعدم الثقة والتوجس. بالنسبة لطهران لم يكن دونالد ترامب وحده من أسس لهذا المسار، بل تخلف ادارة باراك أوباما التي قامت بخطوات ملتبسة لرفع العقوبات وإيجاد أسباب لإبقائها بطريقة التفافية. أما أميركا، فهي وإن كانت إدارتها الحالية معترفة بالمسار الهدام الذي انتهجته الإدارة السابقة (إدارة ترامب)، إلا أنها تتوجس خيفة من جموح إيراني في مجالات لا يغطيها سقف الاتفاق، النفوذ الإقليمي الذي لا يبدو أنه يمكن احتواؤه حتى وإن أصيب بكدمات اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، أو البرنامج الصاروخي الذي تطور خلال السنوات التي تلت الاتفاق الأول بشكل غير مسبوق.
*عن موقع جاده إيران
زر الذهاب إلى الأعلى