رأي

فوز اوردغان خسارة لأمريكا.. وانتصار لروسيا وايران )جواد الهنداوي)

 

د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز – خاص

الاحد المقبل ٢٠٢٣/٥/١٤، سيكون موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتركيا. تحظى هذه الانتخابات بأهميّة استثنائية، ليس بسبب عديد الناخبين ،والذي يتجاوز خمسة وستين مليون ناخب، خمسة ملايين منهم سيّصوتون لاول مرّة، ولا لاحتدام المنافسة بين الاحزاب المتحالفة وغير المتحالفة ، و إنمّا بسبب الظروف الداخلية التي تعيشها تركيا ، والظروف الاقليمية والدولية ، التي بينها وبين تركيا تأثير متبادل و كبير .

 الانتخابات ستكون حاسمة لصراعيّن: صراع عقائدي على المستوى الداخلي بين الاستمرار في النهج الاوردغاني الاسلامي او التحّول نحو الاتاتوركي العلماني ،والمتمثل بالمعارضة. وصراع آخر على المستوى الخارجي بين الغرب ،الذي يأمل نهاية لعهد اوردغان ، وروسيا والصين و ايران ،الذين يأملون استمرار اوردوغان في السلطة .

الرئيس اوردغان قطع شوطاً طويلاً في مسار تمرّده على نهج الاملاءات الامريكية والغربية ، بل واصبح مصدر ازعاج لهما ، و هبط مقياس الثقة بين اوردوغان والغرب الى درجة الصفر . وهو ( واقصد الرئيس اوردغان ) أمعنَ في درجة استدارته نحو روسيا وايران . ويرى الامريكان والغربيون بأنَّ سلوك وسياسة اوردوغان تجاههما شجّعت دولا في المنطقة على اعادة اعتبار لسياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية على ضوء معيار مصالحها الوطنية وليس على ضوء معيار” رضا امريكا “.

لذا ، نلاحظ اليوم ، انحياز الاعلام الغربي المرئي و المسموع و الصحف ،وعلى اعلى المستويات ، الى جبهة المعارضة . كافة الصحف البريطانية والامريكية  والفرنسية ، وبدون استثناء ،وظّفت اقلامها وآراءها لتشجيع الناخب التركي للتصويت للمعارضة وليس لحلف حزب العدالة والتمنية ، ولا للرئيس اوردغان. مَنْ يطّلعْ على الصحف الغربية والامريكية الصادرة في الامس واليوم  ويتابع فضائية فرنس 24  ( على سبيل المثال ) يتصّور و كأن الانتخابات اوروبية وليست تركيّة .

اعتقدُ بأنَّ هذه الحملة الامريكية الغربية المناهضة للرئيس اوردغان ستصّبُ في صالحهِ ،وستوّدي الى عكس النتائج المرجوّة ، وستحفّز المشاعر الوطنية للناخبين الترك ، و ستوّلد شعورا لديهم بأنَّ الرئيس اوردغان هو الخيار الوطني ، والآخرون هم الخيار الامريكي و الغربي .

 شراسة الحملة الدعائية الغربية لصالح منافسي الرئيس اوردغان في الانتخابات تدّلُ على أنَّ الغرب لم يعُدْ يهمّه ما سيخسره عند فوز الرئيس اوردغان ، اي انه ( الغرب ) خسرَ تقريباً كل شئ مع الرئيس اوردغان ،قبل الانتخابات .

فوز الرئيس اوردغان ، و هو ما سيحصل ، سيكون فوزاً للمحور الاسيوي الثلاثي ( روسيا ،الصين ، ايران ) ، وسيمضي الرئيس اوردغان بخطوات اسرع في تعزيز علاقاته مع الدول المذكورة ومع حلفاء الدول المذكورة .

استخلصَ الرئيس اوردغان ، ومن تجربة حكم طويلة ، بأنَّ علاقاته مع الامريكان هي علاقة مشاكل ، وعلاقاته مع روسيا ومع الصين هي علاقة حلول .  واستخلص ايضاً بأنَّ الامريكيين وضعوا العصي في عجلات الاقتصاد التركي ،متمثلة ،بالدرجة الاولى ، بالدولار وتأثيره على قوة العملة الوطنية .

لا اشكُ ابداً بفوز الرئيس اوردغان ، بل واعتقد بإطمئنان الروس والايرانيين لذلك. ويكفي القول ، ودون الدخول في التفاصيل ،بأنَّ فوز او خسارة اوردغان لا يعني فوز او خسارة كرسي رئاسة ، وانما الامر ابعد بكثير من ذلك : الامر يعني فوز او خسارة عقيدة الحقبة الاوردغانية ( حركة اخوان المسلمين ، حزب العدالة والتمنية ، الحركة الاسلامية ) ، و الامر يعني ايضاً فوز او خسارة الاستقلال الوطني و التحرّر من التبعية الامريكية .

ليس بوسِعْ اوردغان و اتباعه و مؤيديه التضيحة بهذه الاهداف الاستراتيجية .فوز اوردغان سيساهم في تقليص النفوذ الامريكي و الغربي في المنطقة ، وهذا ما يفسّر توظيف اعلامهم ضّدَ الرئيس اوردغان ، وفوزه سيكون في صالح أمن و استقرار المنطقة ،وخاصة في الاسراع في حّل الازمة في سوريا .

العدوان الاسرائيلي الشرس على الفلسطينيين ، والمستمر منذ ثلاثة ايام ، وعدد الشهداء و الجرحى ، والتأييد الامريكي المطلق لاسرائيل ،هو ظرفٌ تزامن مع الانتخابات التركية ،وسيجعل الناخب التركي اكثر أشمئزازاً من امريكا  وابعد بكثير من المرشّح الذي تدعمه امريكا .

اعتقد بأنَّ عصر اوردغان القادم سيكون عصر تصفير المشاكل في المنطقة ، عصر التعاون بين تركيا و دول المنطقة وخاصة سوريّة و العراق و ايران و المملكة العربية السعودية ، وهذا ما تخشاه و تخافه امريكا ، وستعاني اسرائيل تداعياته . وهذا ايضاً ما يفسّرُ قلق امريكا و الغرب من فوز للرئيس اوردغان.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى