فلسطين: مِنْ الفشل في الانتماء العربي.. الى الامل في الانتماء الإسلامي والدولي
د. جواد الهنداوي .*
و أستثني من الانتماء الدولي الإدارة الامريكية و بعض الدول الغربية والاخرى والتي تمتثلُ في قرارها ومواقفها لإملاءات الإدارة الامريكية ،ادارة تمتهن البلطجة وتمارس الارهاب الدولي و الابتزاز و تتجاوز القوانين والشرائع و الاتفاقيات الدولية ، ولا صلة لها بالأخلاق والدبلوماسية ( بخصوص ما نكتبه عن الإدارة الامريكية و للاستزادة ،اقرأ مقال في واشنطن بوست ليوم ٢٠٢٠/٩/٢٢ ، وبعنوان "فشلْ ترامب في الدبلوماسية ادى الى نبذ الولايات المتحدة الامريكية و ليس ايران" ) ،مختصر عن المقال منشور في جريدة "رأي اليوم" الاكترونية ،في ٢٠٢٠/٩/٢٣ .
أدركتْ ،اليوم ،الشعوب العربية والقيادات الفلسطينية أنَّ عروبة فلسطين لمْ تحررها ، و إنما ادّتْ الى طمس القضية في وحل الاحتلال ومياهه الآسنة .
أدركت ايضاً عبث و مضّرة اتفاقيات أوسلو ، ووهم قرارات الشرعية الدولية . ضَيّعت السلطة الفلسطينية في اوهام وخُدعة السلام مع اسرائيل اكثر من ثلاث عقود من الزمن ، وضيّعت اراضي و حَمتْ أمن اسرائيل وأضّرت في أمن و بنيّة المقاومة .
الحلول السياسية ليست حلولاً لفلسطين وانماّ هي حلول و مزايا و منافع لاسرائيل ووسائل لترسيخ وجودها وبسط هيمنتها .المفاوضات مع عدو ومع محتل دون مقاومة ميدانية هو استسلام ، ولنا في التجربة بين حركة طالبان و امريكا في أفغانستان خير مثال .
ليس مجدياً أنْ تكتفي السلطة الفلسطينية برفض ترؤسها للدورة الحالية للجامعة العربية ، والمفروض تعليق عضويتها احتجاجاً على تواطؤ الجامعة مع العدو و مع مشاريع التطبيع ، على السلطة الفلسطينية الخروج بكرامة و بعزّة من إملاءات الجامعة العربية ،والتي ستزداد وستتكثف يوماً بعد يوم ، و أنَّ ترمي بثقلها السياسي صوب التجمع الإسلامي ، ايّ صوب منظمة التعاون الإسلامي .
بعض الدول العربية تتنافس الآن في خدمة اسرائيل ،تحت شعار السلام مع اسرائيل ،في حين أنَّ فلسطين والفلسطينين هم بحاجة الى سلام ،الى حقوق ،الى ارض .
على القيادات الفلسطينية ان تدور سياسياً نحو دول تمتلك السيادة و القرار وعظمى ،اي نحو روسيا و الصين ،و أن تعّول ميدانياً على محور المقاومة وعلى ايران وعلى تركيا ، و عليهما اسلامياً وكذلك على باكستان وإندونيسيا و ماليزيا .
الجغرافية العربية لفلسطين ،باستثناء سوريا ولبنان ، أصبحت عبئاً و طوقاً على فلسطين ، وعلى الفلسطينيين ان يهتموا بدول إقليمية ( ايران ،تركيا ) ، دول ما بعد الطوق العربي ، دول بثقلها السياسي والاقتصادي و العسكري تهيمّن على المنطقة ، و تؤثر على مُجريات الامور في دول المنطقة .
ثمّة فرق بين حالة ايران و حالة تركيا بخصوص القضية الفلسطينية : حقائق و وقائع تجسّدُ هذا الفرق .
لتركيا علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ، وهي ليست على استعداد للتضحية او التخلي عن تلك العلاقات المحكومة في أُطرْ تاريخية وسياسية و ناتويّة وأمريكية .
تركيا تتعامل وستتعامل مع القيادات الفلسطينية و تجاه القضية ،آخذة بعين اعتبار هذه الاطُر .
الرئيس اوردغان يتعامل مع القضية و مع القيادات الفلسطينية لاعتبار إسلامي ولاعتبار شعبي وليس لاعتبار سياسي او لاعتبار مقاومة ضد احتلال .
لم ولن يُقدمْ الرئيس اوردغان او غيرهِ على تعزيز المقاومة الفلسطينية بسلاح .
في جعبة اسرائيل أوراق ضغط و مساومة على ومع الرئيس اوردغان ، وتضعه في موقف ضعف أزاءها ( ازاء اسرائيل ) ؛ تركيا هي ايضاً الآن تحتل ٥ بالمائة من الأراضي السورية ، وتساعد جماعات مسلحة وارهابية اقترفت جرائم حرب و جرائم تطهير عرقي في سوريا ( وفقاً للتقرير الأممي الذي وضعته لجنة تقصي الحقائق في سوريا ، والتي عرضته في اجتماع مجلس حقوق الانسان في جنيف بتاريخ ٢٠٢٠/٩/٢٣ ) ، ولها وجود عسكري غير مشروع في العراق ( احتلال ) ، ولها سجل و قيود مع الجماعات المسلحة والإرهابية ،ولها حضور و قواعد عسكرية ( إنَّ لم نقلْ اطماعا ) في دول عربية و أفريقية .
على الفلسطينيين أن يعلموا ، من الآن ، بأنَّ يد تركيا ممدودة نحوهم ولكنها محدودة بعطائها ومقتصرة على البعد الإسلامي والإنساني .
يُحسب لقيادة السلطة الفلسطينية خطوة الإقدام نحو تركيا ، مع علمها بأنَّ هذه الخطوة تُغيظ مصر والامارات و المملكة العربية السعودية . والخطوة دالة على أنَّ السلطة الفلسطينية ( الرئيس ابو مازن ) قد غسلتْ يداها من الأمة العربية ومن الجامعة العربية .
ومثلما طبّعت الامارات والبحرين مع اسرائيل و باركت مصر الخطوة وأيدت علناً او بالصمت دول عربية اخرى ، و كذلك الجامعة العربية ، استدار و بقوة رئيس السلطة الفلسطينية نحو تركيا .
السؤال هو : هل سيطّبع الرئيس ابو مازن علاقاته مع أيران؟
هل لا يزال يخشى، في ذلك ، لومَة امريكا وبعض الأشقاء العرب ؟ وهل سيتوجّه الى ايران بعد الحلقة الثانية للتطبيع؟
ما سيقرره الرئيس ابو مازن تجاه ايران ،باعتبار ايران دولة إقليمية فاعلة و باعتبارها دولة إسلامية ، سيكون امراً حاسماً في أختيار طريق المقاومة او في الاستمرار في المساومة.
إيران ليست، في موقف ضبابي تجاه القضية الفلسطينية، ليست كموقف تركيا. بين ايران وقضية فلسطين علاقة عقائدية وشرعية وميدانية، علاقة تضحية و دماء وشهداء .بين ايران واسرائيل وحلفاء اسرائيل لا علاقات دبلوماسية وسياسية سرّية او علنيّة ،و إنما علاقات عداء واعتداء و عقوبات واغتيالات .
صَبرتْ السلطة الفلسطينية ، لأكثر من عقديّن من الزمن على الانفتاح على ايران ،مراعاة ومحاباة لمَنْ وعدوها بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
اليوم قد كُشِف الغطاء عن المراوغة والكذب والخداع وتبيّن الحق مِنْ الباطل، و لا خيار للسلطة الفلسطينية غير طريق الانفتاح على إيران وباكستان والاعتماد عليهما وعلى تركيا سياسياً واسلامياً ومقاومة.
*سفير سابق لجمهورية العراق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل