فلسطين على موعد مع اجراس العدل الدولية(جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
فلسطين شهداء وشعباً ومقاومة وسلطة وتاريخ ، جميعهم ينتظرون أجراس محكمة العدل الدولية في لاهاي، لإنصافهم من سياسات الولايات المتحدة الأميركية واحتلال ومجازر اسرائيل وجرائمها ، ولابداء رأيها بالاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني ، وبضّم الاراضي الفلسطينية .
ستنظرُ محكمة العدل الدولية في قرار اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة (وهي اللجنة المختصة بالشؤون السياسية و انهاء الاستعمار) ، فما هو هذا القرار ؟
وافقت اللجنة المذكورة على طلب السلطة الفلسطينية القاضي، بعرض احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية واستمرارها بضم الاراضي الفلسطينية وفقاً لسياسة الامر الواقع ، على محكمة العدل الدولية في لاهاي لابداء الرأي بخصوص شرعيّة الاحتلال وضّمْ الاراضي الفلسطينية ، وتّمَ عرض طلب السلطة الفلسطينية المشفوع بموافقة اللجنة الرابعة للجمعية العامة للامم المتحدة على التصويت من قبل الدول الاعضاء في الامم المتحدة.
نال الطلب وبالتصويت موافقة الدول الاعضاء في الامم المتحدة بواقع ٩٨ صوتا ، ومن بين الدول التي صوّتت للقرار بلجيكا واوكرانيا ، فيما صوتت١٧ دولة ضد التوجّه الى محكمة العدل الدولية، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية وكندا والمانيا وايطاليا ، وأمتنعت ٥٢ دولة عن التصويت.
مُقدمات او مُمهدات قانونية و اجرائية وسياسية دولية سبقت القرار الاممي وساهمت في اتخاذهِ ،فما هي ؟
مثلما صرّحَ السيد وزير الخارجية الفلسطيني بقوله أنّ القرار هو انتصار وانجاز دبلوماسي وقانوني فلسطيني ودولي ويجسّدُ عملاً تراكمياً للدبلوماسية الفلسطينية ،بقيادة الرئيس محمود عباس. ومن ابرز المحطات التي مرّت بها هذه الجهود الدبلوماسية والقانونية هي اولاً دعوة الرئيس محمود عباس الى عقد مؤتمر دولي للسلام واعلانه التوجّه الى محكمة العدل الدولية ، وذلك في كلمة مُسّجلة القاها في مداولات الدورة السادسة و السبعين امام الجمعية العامة للامم المتحدة ،بتاريخ ٢٠٢١/٩/٢٤ . وكانت كلمة الرئيس عباس سرد تاريخي وواقعي و موثّق بالاحداث و بالتواريخ عن الاحتلال الاسرائيلي و جرائمه و منذ عام ١٩٤٨ ، وكانت ايضاً ( واقصد الكلمة التي القاها ) اساساً و مرجعاً لجهود الدبلوماسية الفلسطنية و للجهود الدولية و الاممية القانونية و السياسيّة . أختَتَمَ كلمته سائلاً المجتمع الدولي والامم المتحدة و دول العالم ” ما الذي يمنع الدول التي تعترف باسرائيل ان تعترف بدولة فلسطين ، ما دامت تعترف بحل الدولتيّن ” ؟ ستستطيع الدول الممتنعة عن الاعتراف بفلسطين من الاجابة عندما تتحرر من الهيمنة الصهيونية على قراراتها السياديّة ، ومن تبنيها مبدأ ازدواج المعايير وسياسة النفاق .
محطّة اخرى ساهمت ايضاً في صيرورة قرار الجمعية العامة للامم المتحدة ، والقاضي بإحالة طلب السلطة الفلسطينية الى محكمة العدل الدولية ،وهذه المحطة هي ادانة لجنة خبراء في اعلى هيئة لحقوق الانسان في الامم المتحدة ،بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢١ ، احتلال اسرائيل للاراضي التي يسعى الفلسطينيون لاقامة دولتهم قائلين ” ان الاحتلال مخالف للقانون الدولي و يتأصل بشكل متزايد “. وفي بيان هولاء الخبراء وفي تقريرهم المرفوع الى الامم المتحدة ،يطالبون محكمة العدل الدولية بإبداء الرأي في قضية الاحتلال الاسرائيلي ، و خلصَ التقرير الى ” وجود اسباب معقولة تدعو للاستنتاج ان الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينة بات غير قانوني بموجب القانون الدولي نظراً لاستمراره وسياسات الحكومة الاسرائيلية للضم بحكم الامر الواقع ” .
مِنْ ضمن المقدمات السياسية التي ساعدت ، بشكل او بأخر ، في اتخاذ القرار هي الحرب في اوكرانيا ، والتي فضحت مواقف الدول التي تتبنى ازدواج المعايير ، والتي تصف الدفاع عن اوكرانيا مقاومة لاحتلال و تصف مقاومة الفلسطينين ارهاب . لم يعُدْ الرأي العام غافلاً عن نفاق بعض الدول وعن حقائق الواقع ، حيث يدين الاحتلال في اوكرانيا ويدعم الاحتلال في فلسطين.
ما المطلوب وما هو المتوقعْ من محكمة العدل الدولية ؟
المطلوب هو ان تنظر المحكمة في:
– الاثار القانونية لانتهاك اسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير .
– احتلالها طويل الامد للاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ ، واستيطانها وضمها لها ؛
كيف تؤثر سياسات اسرائيل و ممارساتها … على الوضع القانوني للاحتلال؟
الاثار المترتبة لهذا الوضع القانوني للاحتلال ،والذي سوف تعرّفه المحكمة ، بالنسبة لجميع الدول و الامم المتحدة ؟
كما يطلب القرار من الامين العام للامم المتحدة ان يقدّم للجمعية العامة في دورتها ٧٨ ، تقريراً عن تنفيذ القرار ،بما فيه تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الارض الفلسطينية المحتلة ،بما فيها القدس والاراضي العربية المحتلة .
ويطلب القرار ايضاً ان تقدم محكمة العدل الدولية استشارتها وفقاً للمادة ٩٦ من ميثاق الامم المتحدة ، و عملاً بالمادة ٦٥ من النظام الاساسي للمحكمة ، مع مراعاة قواعد ومبادئ القانون الدولي ، والقانون الانساني الدولي ، والقانون الدولي لحقوق الانسان ، وقرارات مجلس الامن والجمعية العامة ومجلس حقوق الانسان ذات الصلة ، وفتوى محكمة العدل الدولية في ٩ تموز ٢٠٠٤ .
قرار الجمعية العامة للامم المتحدة أصبحَ بمثابة مرافعة قانونية امام محكمة العدل الدولية ؛ مرافعة تتضمن عناصر واقعة وحقيقة الاحتلال وضّمْ الاراضي وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ، وتتضمن ايضاً مقاربة لعناصر واقعة الاحتلال و ضّمْ الاراضي و الانتهاكات مع مبادئ القوانين الدولية والانسانية وقرارات مجلس الامن الدولي والجمعية العامة ،والتي توصي بحّل الدولتيّن .
لا يمكن لمحكمة العدل الدولية أنْ تجازف وتجامل وتبدي رأياً و تفتي بما لا يتطابق مع الحقائق والوقائع وما تنصُّ عليه القرارات الدولية والشرائع الدولية الانسانية .
سيكون رأي المحكمة تعزيزاً للحق الفلسطيني ووصفاً قانونياً لاحتلال مخالف لمبادئ القانون الدولي و الانساني و مخالف لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة .
واهم من هذا ومن ذاك هو رأي المحكمة بشأن مواقف الدول تجاه الاحتلال الاسرائيلي و اثاره القانونية ! كيف سيكون موقف الدول التي تواصل دعمها السياسي و الاقتصادي و العسكرى لاسرائيل ، وهي تعلم بأنها تدعم كيان محتل للاراضي الفلسطينية و منتهك لحقوق الفلسطينيين ومخالف للقوانين الدولية ، وبموجب الرأي القضائي الذي ستصدره محكمة العدل الدولية .
صحيح ان رأي محكمة العدل الدولية غير مُلزمْ التطبيق قانونياً ، ولكن له اثره ونتائجه المهمة جداً على الصعيد السياسي والمعنوي و الاعلامي على الدول و على الرأي العام الدولي .
سيكون رأي محكمة العدل الدولية رافعة قانونية وقضائية وسياسية مهمة في مسار اعتراف الدول في الدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني . لن تستطعْ اسرائيل من فعل شئ الآن ،بعدما وصل امر الشأن الفلسطيني الى ابواب محكمة العدل الدولية ، وهي ( اسرائيل ) تدرك انها خاسرة و امام مواجهة تأريخية فاصلة و حاسمة . ادركت اسرائيل الآن انها هي بين فكيّ الفم الفلسطيني فّكْ المقاومة بالسلاح وعلى الارض وفّكْ المقاومة بالقانون وفي اروقة الامم المتحدة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل