سياسةمحليات لبنانية

فشل محاولة ابتلاع القرار السنّي: معراب على خط الفراغ السياسي (أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

جاءت جلسة مجلس النواب الأخيرة لتكشف ما حاولت “القوات اللبنانية” إخفاءه طويلًا: أنّها لا ترى في حلفائها من الطائفة السنيّة شركاء سياسيين، بل أدوات يمكن توظيفها ظرفيًا لتحقيق مكاسب شخصية لسمير جعجع. هذا المشهد فجّر اعتراضًا صريحًا لدى النواب السنّة الذين شعروا بأن معراب تحاول فرض وصاية عليهم وكأنّ قرارهم مُلحق بها لا مستقلًا عنها.

ولم يكن هذا الاعتراض معزولًا عن واقع تعيشه الساحة السنيّة منذ سنوات؛ فغياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد ترك فراغًا كبيرًا في القيادة السنّية، فتح الباب أمام محاولات استغلالية من أطراف متعددة:

من جهة، من يحاول السطو على الإرث السياسي للحريري الأب والابن؛

ومن جهة أخرى، برزت محاولات فردية لدى بعض النواب السنة للارتقاء الشخصي عبر تقديم الولاء لسمير جعجع طمعًا في مكاسب مستقبلية، كالحلم برئاسة الحكومة، كما فعل أشرف ريفي وفؤاد مخزومي وآخرون ممن ظنوا أن الاصطفاف خلف معراب سيمنحهم شرعية مفقودة أو دعماً خارجيًا.

هذا الطموح الفردي سمح لجعجع بأن يتعامل مع بعض النواب السنّة وكأنهم موظفون لديه لا ممثلون لطائفتهم، وأن يضعهم في إطار أداة ضغط وتفاوض بدل أن يكونوا شركاء في القرار السياسي. لذلك كانت الجلسة فرصة لكسر هذا التصور: فيصل كرامي ذكّر أن النواب لا يُقاسون بمعيار معراب، نبيل بدر أكد استقلاليته، ووليد البعريني شدد أن القرار السنّي ليس في جيبة أحد.

ردّ القوات جاء استعلائيًا، تجسده تصريحات غسان حاصباني، فردّ عليه النواب السنّة بحزم، مؤكدين أن صناديق الاقتراع لن تكون ملكًا لمعابر سياسية بل لإرادة الناس. ومع الفشل في تعطيل المجلس أو جمع موقف مسيحي موحد، ومع محدودية الدعم السعودي لخيارات جعجع، كشف الواقع أنّ القوات لا تمتلك القدرة ولا النفوذ لتعطيل المسار السياسي كما كانت تتوهّم.

إذن، ما جرى لم يكن اختلافًا تقنيًا داخل مجلس النواب، بل مواجهة بين مشروعين:

مشروع يحاول استخدام الفراغ السنّي وقودًا لأجندة شخصية،

ومشروع يحاول حماية استقلال القرار السنّي من الاستغلال والتبعية.

وهنا نصل إلى السؤال الجوهري الذي يتهرب منه كثيرون:

ماذا لو تبدّلت التحالفات الإقليمية؟

ماذا لو عادت العلاقات الإيجابية بين حزب الله والمملكة العربية السعودية؟

في هذه الحالة، أين يقف أولئك الذين بنوا حضورهم السياسي على الاستثمار في القطيعة؟

هل سيجدون لأنفسهم حيوية سياسية كما يتمتعون بها اليوم؟

أم أنهم سيكتشفون أنهم مجرد أدوات ظرفية، وأن دورهم يتلاشى بمجرد تبدّل الرياح الإقليمية؟

الحقيقة أن كثيرين ممن أرادوا تقديم أنفسهم “جسرًا” بين معراب والرياض سيجدون أنفسهم خارج اللعبة، وربما خارج المشهد، لأن مشاريعهم لم تُبنَ على قاعدة شعبية أو مشروع وطني، بل على رهانات شخصية وتكتيكات مؤقتة.

وعندها…

لن يكون أمامهم سوى التقاعد السياسي أو البحث عن خطاب جديد يبرر انتقالهم وفق اتجاه الرياح.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى