فرص الحريري لرئاسة الحكومة
لم تكن استقالة حكومة الرئيس دياب (أو إقالتها) أمراً مفاجئاً ،فلطالما كانت تشوب مسيرتها الكثير من العوائق المفتعلة والطبيعية ما جعلها دائمة التعثّر بطيئة الحركة، وما قلة إنجازاتها لمدة تزيد عن الستة أشهر وتفاقم الأزمات المختلفة دون القدرة على المواجهة المنتجة إلا دليلاً على عدم قدرتها على الاستمرار.
ولا شك أن استقالة الحكومة يزيد الوضع اللبناني تأزّماً لصعوبة اختيار البديل في فترة يُراد منها أن تكون قياسية، لأن الأوضاع لا تتحمّل أي إهدار وقت للفراغ في الحكومة ومؤسساتها. وحيث إن الرئيس الفرنسي ماكرون أعطى الفرقاء السياسيين مهلة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أسابيع، أي حتى الأول من أيلول حين عودته إلى لبنان، فإن السعي سيكون حثيثاً لعدم إضاعة الوقت في اختيار الشخصية السُنية المناسبة لترؤس الحكومة وتشكيلها، ثم البدء ولو نظرياً بالإصلاحات المطلوبة عربياً ودولياً لمساعدة لبنان في مآزقه.
ومن الطبيعي أن تتجه الأنظار للرئيس سعد الحريري للأسباب المعروفة، خصوصاً وأن الثنائي الشيعي يباركانه، ولن يعارض التيار الوطني الحر ولو مع شيء من التحفظ. إلا أن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: هل يقبل الحريري بهذه المهمة؟
سر هذا السؤال يعود بنا إلى ما يلي:
أولاً: لقد استقال الحريري في المرة الماضية بسبب أجواء مشحونة في السياسة وحركة الانتفاضة في الشارع، بل أنه زعم أنه استقال تلبية لمطالب الناس. والأجواء الراهنة أكثر تلبّداً وشحناً في السياسة والاقتصاد والصحة والبيئة وحركة الانتفاضة.
ثانياً: العلاقة التي تربطه بالمملكة العربية السعودية لا يزال يحكمها الكثير من الجفاء، فالمملكة لا تعتبره رجلها المرحلي في لبنان، ولن يقبل الحريري تلبية المهمة دون مباركة المملكة.
ثالثاً: لقد وضع الحريري قبل تسلم الرئيس دياب شروطاً قياسية للقبول، منها أن تكون الحكومة تكنوقراط بعيداً عن مشاركة الأحزاب وتدخّلها، وهذا ما لم يرض به الطرف الآخر، ولا يوجد اليوم أي جديد موضوعي أو ذاتي طرأ على الساحة السياسية ليرضى بها الطرف الآخر في هذا الوقت المعقّد بالذات.
رابعاً: لو افترضنا قبول الحريري بحكومة الوحدة الوطنية، فهل يرضى الشارع المنتفض؟ وهل سيكون بمقدوره مواجهته أو التعامل معه؟
لكن قد يقال في المقابل إن المرحلة الراهنة تختلف عن سابقتها، فإن العزلة التي كان لبنان يعيشها قد تبدّلت كلياً بعد الرابع من آب وتداعياته، وقد كانت الزيارات المكوكية من مختلف دول العالم لدعم لبنان في أزمته، خصوصاً الرئيس الفرنسي ماكرون الذي تعهّد بمساعدة لبنان لبلوغ الخلاص بعد طول معاناة، ولا يمكن للرئيس الفرنسي أن يتفرّد في هذه المهمة دون مشاركة الأميركي ومباركته. وبذلك لن يجد الحريري اعتراضاً من السعودية فيما لو كان عرابا الحل الجديد هما الأميركي والفرنسي. وعندما يكون الحل مستورداً من الغربي البعيد فإنه سوف يلقى استحساناً عند أغلب الفرقاء، والشارع من ضمنهم.
إن عقدة المسألة تكمن في أنه لا بديل مناسباً للرئيس الحريري في هذه الفترة بالغة الحساسية، لأن من يعيّنه الحريري بديلاً لن يكون سوى وكيل لن يكون بوسعه التصرف دون إشارة ممن عيّنه، أما الأسماء المطروحة كنواف سلام أو محمد بعاصيري فلن يرضى الطرف المقابل بأي منهما، أما اختيار شخصية غير تقليدية لرئاسة الحكومة فسوف نكون في إعادة لتاريخ الرئيس المستقيل حسان دياب، وهي تجربة لن يعيدها أحد من كل الأطراف في هذه الآونة بالذات.
لا شك أن المرحلة خطيرة أمام تراكم الأزمات المتعددة، والوقت كالسيف فوق رقبة الأمن والاقتصاد والأوضاع كافة، وإن كان من حل جذري كمؤتمر تأسيسي أو عقد سياسي جديد أو تعديل اتفاق الطائف أو ما شابه، فبالإمكان تأجيله حتى تستتبّ الأمور ويستعيد لبنان حياته الطبيعية في مختلف الصّعد، وعندها يجب السعي لحلول جذرية يستطيع اللبنانيون من خلالها أن يعيشوا الاستقرار في كل مجاري حياتهم بلا حروب دائمة وفتن مستجدّة وخلافات طائفية ومذهبية ومناطقية.