حسن حدرج – الحوارنيوز خاص
لا يغيب عن مشهد الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان ، معضلة قطاع الكهرباء الذي يعتبر من القطاعات الأسوأ والأكثر تعثراً و فساداً بين المرافق /القطاعات العامّة.
وعود تعاقب على إطلاقها العديد من وزراء الطاقة دون جدوى ،وربما ابرزها كان وعد العام ٢٠١٢ عن لسان وزير الطاقة آنذاك “جبران باسيل” بكهرباء ٢٤/٢٤.
لم يتحقّق أي من الوعود، لا بل زاد الوضع تأزماً، وبلغت كلفة الكهرباء مبلغاً هو الأعلى والأشد وطأة على المالية العامّة للدولة، حيث تؤكد التقارير بأن الدين العام في لبنان والبالغ نحو ٩٠ مليار دولار، قد استهلكت منه مؤسسة كهرباء لبنان ما بين ٤٠ الى ٤٥ مليار دولار بين أصل وفوائد.
القطاع ازداد سوءاً و شللاً بعد فشل الإصلاحات والانهيار المالي للدولة وباتت البواخر المستأجرة تشكّل ضغطاً إضافياً على عجز الدولة المالي.
قدّر للكهرباء العودة إلى الواجهة بسبب أزمات الدولار و التمويل وقرار المجلس الدستوري بوقف تنفيذ قانون سلفة الخزينة التي أقرّها مجلس النواب لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة ٢٠٠ مليون دولار.
هل حكم على لبنان بالظلمة؟
توجهت “الحوار نيوز” بهذا السؤال الى المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة و المياه غسّان بيضون الذي فصّل لنا واقع الكهرباء والبدائل الممكنة لخيار البواخر.
اختصر بيضون جوابه على السؤال حول وجود البدائل بنعم و لا ، فالموضوع يرتبط بقدرة الدولة على تأمين تمويل للمحروقات اللّازمة لتصبح مؤسّسة كهرباء لبنان قادرة بمعاملها دون البواخر أن تؤمّن الحدّ الأدنى من التّغذية (١٢ ساعة)، فنكون بذلك قد كسرنا حدّة المشكلة الأساسيّة ووفرنا معالجة جزئية لها.
وهل كان خيار البواخر صائباً أم أنّه ألحق ضرراً زائداً؟
يجيب بيضون :” خَيار البواخر لم يكن مقنعاً ولا اقتصاديا، إنّما بررته الظّروف التي أملت ارتقاب إيقاف معملَيْ الجيّة و الزّوق لإعادة تأهيلهما فتجاوز مجلس الوزراء القانون، حيث أنّ استئجار البواخر لم يكن قانونيّاً لأنّ قانون إنشاء مؤسّسة كهرباء لبنان و في المادّة الرّابعة منه، حَصَرَ الحقّ بإنتاج الكهرباء بالمؤسّسة فقط، ونظام استثمار المؤسّسة يحدّد مصادر توزيع الطّاقة أيضاً وهي المعامل التي تملكها المؤسّسة أو التي تحوّلها لها الدّولة، إضافةً إلى المعامل الحاصلة على امتياز، والبواخر ليست من بينها”.
ويضيف بيضون:” كلفة البواخر في السّنة ١٤٠ مليون دولار دون احتساب تكاليف الفيول لتشغيلها. وقد أضيفت إلى أعباء المؤسسة وأضيفت معها تكلفة مقدّمي الخدمات التي تبلغ ٨٧٥ مليون دولار على ٣ سنوات، أي مليار و ١٢٠ مليون دولار أدّت إلى زيادة العجز المالي للمؤسسة والمطالبة بمساعدات تكبّدتها خزينة الدّولة بالنتيجة، دون تأمين الكهرباء الجيدة للمواطن لفترة كافية يومياً، لا بل أن الخدمة تراجعت وازداد الهدر وتراجع تحصيل فواتير المؤسسة وجبايتها” .
إذاً الحال على ما نحن عليه، فما هي البدائل؟
يرى بيضون أن “البدائل عن البواخر متاحة و متوفّرة وهي المجموعات والمعامل التي لم تكن تشغّلها المؤسسة، لعدم القدرة على تأمين كامل كميات الفيول اللازمة، مثل معملَيْ صور وبعلبك لعملهما على الديزل الذي يعتبر أغلى من الفيول ويتسبب نقله بالصهاريج إلى كلفة إضافية” .
إذاً، المشكلة الأساسيّة أياً كانت البدائل هي في تأمين تمويل شراء الفيول و المحروقات اللازمة لتأمين الحد الأدنى من الإنتاج.
ويعتبر بيضون” أن الطعن بقانون السّلفة غير منطقي وغير مبرّر، بأكثر من معنى، لا سيّما أنّه يؤدّي إلى شلل البلد بشكل كلّي و بكافّة قطاعاته، و الطعن شكلي وكان حظه بالنجاح قليل، لأنّ القانون الذي أقرّ السلفة حدّدها بقيمة ٣٠٠ مليار ليرة لبنانيّة و لم تُحَدّد بالدولار، أما المسألة التنفيذية فهي لاحقة وتقع ضمن مسؤولية وزير المال و الحكومة ومصرف لبنان فقط، وليس هناك ما يضمن تحويلها إلى الدولار بالسعر الرسمي أو حتى بسعر المنصّة”.
ويعتبر بيضون أن ” الحلّ هذه المرّة أتى ربّانيّاً، فقانون السلفة المطعون به في المجلس الدّستوري لن يُبَتّ به لوفاة عضو من أعضائه و فقدان النصاب القانوني لانعقاده، ولن يتمكّنوا من تعيين عضو جديد لأنّ مهلة البتّ به انتهت في ٢٨ أيّار فيصبح القانون نافذاً حُكماً وتعطى السّلفة”.
وعن الحلّ النهائي لملفّ الكهرباء يعرب بيضون عن اعتقاده بأن لا حلّ في الوقت الحاضر في ظلّ الأوضاع الصعبة من ارتفاع الدولار و عجز الدّولة و غلاء النّفط عالميّاً، لكنّ الحل الأفضل في هذه الظروف يكمن في اتّخاذ تدابير مؤقّتة تستند على فكرتين:
أ . التعجيل بتحصيل المتأخّرات لصالح كهرباء لبنان والتي تبلغ حوالي الألف مليار ليرة.
ب . رفع التّعرفة بشكل عادل و بطريقة تراعي شرائح المجتمع كافّة. وقد سبق لمجلس الوزراء أن وافق على رفع التعرفة منذ العام ٢٠١٧. وبحسبة صغيرة كزيادة ١ سنت تؤمّن ١٠٠ مليار تقريباً على الدولار القديم أي سعر صرف ١٥٠٠ ليرة للدولار الواحد.
و تشمل الحلول أيضاً خفض النّفقات بالدّولار على العقود مع مقدّمي الخدمات وصيانة وتشغيل المعامل القديمة، والاعتماد أكثر على مهندسي ومستخدمي مؤسّسة كهرباء لبنان.
الحل القانوني التقني:
بموجب القانون ١٢٩/٢٠١٩ تم تمديد القانون ٢٨٨/٢٠١٤ الذي يسمح لمجلس الوزراء بإعطاء تراخيص إنتاج الكهرباء بناءً على اقتراح وزيري المال و الطّاقة. هذا القانون ساري المفعول حتّى نيسان ٢٠٢٢. وبالتالي فإن الدّولة تستطيع من خلاله تشجيع تراخيص إنتاج الطّاقة الشّمسيّة عبر منح إعفاءات وتسهيلات ضريبية مثل الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية أو إعطاء قروض ميسّرة، وبهذا تساهم في تغطية جزء من الطلب على الكهرباء الذي تعجز المؤسسة عن تأمينه، وتقلّل كمّيّة الإنتاج المطلوبة منها و تكلفتها”.
قطاع الكهرباء كبّد خزينة الدّولة حتّى يومنا هذا مبالغ طائلة تتجاوز الأربعين مليار دولار، أنفقت على دعم الفيول فقط، أضف إليها تكلفة إنشاء معامل وتأهيل الشبكات والتي تقدّر بمليارين و 650 مليون دولار، إضافةً إلى الاستملاكات وحصتها من فوائد الدّين وأعباء الاستشاريين والمستشارين ودعاوى التحكيم وغيرها ….، لتصل تقريباً إلى الخمسين مليار دولار.
من كان يتصوّر أن إنفاق خمسين مليار دولار لم يكن كافياً للنهوض بقطاع الكهرباء في لبنان، جرّاء العمولة السمسرات والهدر والفساد، بينما استثمار الكهرباء و المياه في دبي مثلاً كلّف فقط ٢٣ مليار دولار وقد نهض القطاع وتوفرت الخدمة للمواطن والمقيم على مستوىّ أكثر من جيّد.
“إنها جريمة وطنية كبرى”، يختم بيضون!