*عيناكِ… وشتاتي… ومثلث الأحزان*
لجميلةٍ
يكاد يشبهها ضوع الليمونِ
في نيسان
لظفائرها التي تنسدل كخيوط الشمسِ
فوق الهضاب المحيطةِ
والطرق المبعثرة الوحيدةِ
وسط سكون الظهيرةِ
على سفوحٍ وسهولٍ
فوق قممٍ
وفي أخمص وديان…
لبهيةٍ
يكاد يرادف إطلالتها
خيطٌ عذبٌ ما بين وجد الربيعِ
وعبق أحلام الصيفِ
في حزيران
لغيداء يكتسي البحر رداءها
فأبيضٌ هو زبد الموجِ
وزرقاءُ هي الألوان
لعذبةٍ إن ابتسمت
رأيت التماع اللؤلؤِ
بعيداً عن الشطآن
لعينيها إن رمقتك لبرهةٍ
كان فيك انبعاث هيامٍ
ولظى حممٍ
من بركان…
مذ كانت عيناكِ جميلتي
وعيناكِ ما كانتا سوى ساعاتٍ
دقائقَ
وبعض ثوان
ثوانٍ تقبض دورة المجرةِ
تتجمد فوقها الشمسُ
ويتوقف الزمان…
وحيث كانت عيناكِ
صار ازدحام بوصلةٍ
ارتطام أقطابٍ
تداخل مداراتٍ
تآخي خطوطٍ
توقيتٌ موحدٌ
يُقرأ بأحرف إطلالتكِ
إحداثيات الكون حيث تقفين تُحدّدُ
فيكون عندها
تعريف المكان
وإلى حيث يلتفت محياكِ
تمتنع الأرض خجلاً
تحت قدميكِ
عن الرقصِ
أو الدوران…
مذ كانت عيناك فاتنتي
أدمنت أحلام يقظتي
حسرتي
شوقي
هيامي
كل مفردات الجوى
وأبجدية الوجدان
صرت في كل أوقاتي غريباً
عن ماضيَّ السحيقِ
عن مستقبلي الدان
عن مراتع العمر الغابرةِ
عن موضعٍ به قد أُلقى
وحيث أكون الآن…
مذ كانت عيناك معللتي
صرت بك سقيماً
تقتل الناسَ متلازمةٌ واحدةٌ
فكيف من كانت بهِ
متلازمتان اثنتان؟
أولاها همساتٌ لا زال لها صدىً في جوارحي
وثانيها وجهٌ صبوحٌ مليحٌ
تدنوه ابتسامةٌ قاتلةٌ
وتعلوهُ
تلك العينان…
مذ كانت عيناكِ معذبتي
كان تيهٌ في خضمهِ
على أم وجهي أهيمُ
لا شيء عنهما يشغلني
لا نوارس الموانئ
لا شوارع المدن الباردة البعيدةِ
لا عابروها الصاخبونَ
لا ألواحٌ أطوف بها الفيافي
جهات البوصلةِ
وبعيد البلدان…
وحيداً أجوب أطوار البسيطةِ
بلا أعمدةٍ من منٍّ
ولا سلوان
لا أحد سواي يدرك مقولة مخطئٍ
حدَّث يوماً بقرب مصر
إلى واحات كنعان…!
تيهٌ ألقاني بصحراء قاحلةٍ
بلا نخيلٍ هرمٍ
بلا كثبان
بلا سرابٍ أحسبه ماءً
وأنا في عطشي ملقىً
نازفاً ظمآن…
بلا انقطاع أتخبطُّ
في لجج دوامات
في تتالي متاهات
ومركبي مترهلٌ
عالقٌ في وسط المحيطِ
لا ريح تدفعني
لا موج يرفعني
تحرقني الشمس ببطءٍ
أتلظَّى بصمت
وأنا فوق الماء عائمٌ
ليست ملوحته مرديتي
بل ما يعتريني من قلقٍ
آثامٍ
وغثيان…
مذ كانت عيناكِ قاتلتي
كل النواميس والكتابات
كل الكتب والدواوين والنظريات
صارت ضروب حشرجات
أصناف تخرصات
لا يستوطن صفحاتها سوى
ما كان للضياع مفردات
وما كان عدةً للشتات…!
أهكذا تعاقب عيناكِ
من يدير عنها الطرفَ
فتحيله نحيلاً هزيلاً
شبحاً ترديه النازعات
تتقاذفه العناصرُ
وتذروه العاديات
أستميح ذكراكِ راجياً
أتوسل بكل الأسماء واللغات
أن اعتقيني
مما حل بي من لعنات
فلترحل عيناكِ
فلتتركني ألملم بعض أشلائي
عساني أعود خيالاً عابراً
أو ذكرى إنسان
فلتدعني لذاتي
أسكن منفىً منسياً
في هامش تضاريس آوي إليها
حيث الارض ليست كأي أرضٍ
حيث المكان ليس كأي مكان
ذريني منكباً على أكداس هرمي
أناغيها… أناجيها
تعاتبني… وأعاتبها
ها هنا
في مثلث الأحزان…