عيد “النوروز” أول الربيع: تاريخ وعادات وتقاليد
يحتفل مئات الملايين حول العالم اليوم بعيد “نوروز” (اليوم الجديد) الذي يُعرف برأس السنة الفارسية، ويصادف في 21 مارس/آذار من كل عام. إلا أن هذا العيد ليس فقط رأس السنة الفارسية، بل يجمع الشعوب الآرية التي كانت تعيش منذ آلاف السنين في البقعة الجغرافية التي سميت بعد انتهاء عصر الامبراطوريات، ببلاد فارس ثم تغير إلى إيران.
ويعتبر “نوروز” العيد الوحيد الذي يُحتفل به من قبل قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات وبمظاهر احتفالية ضخمة وباذخة أحياناً. وهو عطلة رسمية في الكثير من البلدان مثل إيران والعراق و قرغيزستان وأذربيجان وغيرها من الدول التي تعترف حكوماتها بهذا العيد.
ويصل عدد المحتفلين الذين يجتمعون في ديار بكر بتركيا إلى المليون في ساحة واحدة، عدا عن المدن الكبيرة الأخرى مثل اسطنبول.والاحتفال بهذا العيد، لا يقتصر على الشعوب الإيرانية (الفرس والكرد والآذريين والبشتون وغيرهم)، بل يشمل قوميات وبلدانا عديدة مثل تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وكوجارات وشمال غرب الصين وغيرها من الأقوام في غربي آسيا.
أصل الكلمة
كلمة “نوروز” مؤلفة من قسمين : “نو” وتعني بالفارسية “جديد”،و”روز” تعني “اليوم”، فتأتي نوروز مجتمعة بمعنى اليوم الجديد. وقد عربت قديما وظهرت في المعاجم التراثية مثل لسان العرب باسم “النيروز” .
ويجمع نوروزعلى عيد النواريز. والفعل «نَوْرَزَ» بمعنى دخل في النوروز او احتفل بعيد النوروز. كما استعمل النوروز بصيغته الفارسية حيث قال البحتري في وصف الربيع:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحُسن حتى كاد ان يتكلما
وقد نبَـه النوروز في غلس الدُجى
أوائل ورد كـُن بالأمس نوَما
ويروى أن الملك الفارسي جمشيد، وكان يدعى جم، كان يسير في العالم، وحين وصل إلى أذربيجان أمر بنصب عرش، وحين جلس عليه أشرقت الشمس وسطع نورها على تاج وعرش الملك فابتهج الناس، وقالوا: هذا يوم جديد. ولأنّ الشعاع يقال له في البهلويّة “شيد” أضيفت الكلمة إلى اسم الملك فأصبح جمشيد، وقيل بأن هذا أصل الاحتفال بهذا اليوم.
وتحكي النقوش الأثرية والأدب الإيراني عامة عن احتفال الساسانيين، وهم من حكموا بلاد فارس قبل الإسلام، بيوم النوروز، حيث كان قد وضع تقويمها على أساس الحسابات التي أجراها الكهنة البابليّون والمجوس الإيرانيّون المقيمون في بابل عن طريق رصد النجوم، غير أن يوم النوروز لم يكن ثابتا في ذلك الزمان حيث لم يراع أصول الكبيسة وحدوث الاختلاطات.
ولم يحظ الاحتفال بالنوروز بعناية في عصر صدر الإسلام، لكن بدأ الخلفاء الأمويّون يوزعون الهدايا على الفرس في أيّام النوروز ،وقيل إن الحجاج بن يوسف الثقفي هو أول من قدم هدايا النوروز في الإسلام، وقيل أن عمر بن عبد العزيز ألغى هذه المراسم. لكن تقديم الهدايا للفرس استمر في زمن الدولة العباسية، التي قامت على أكتاف الأعاجم. فعلى سبيل المثال أهدى أحمد بن يوسف الكاتب للخليفة للمأمون سفطا من الذهب. ولم يكن يوم النوروز ثابتا في ذلك الزمان، وكانت السنة الفارسية الشمسية تكبس على غرار ما يحصل في التقويم النصراني، لكن عطّل هذا النظام لما جاء الإسلام خوفا من الوقوع في النسئ والذي حذر منه النبي.
ويقرر حمزة الأصفهاني أن النيروز في أول سنة للهجرة وافق 18 حزيران، ولكنه أخطأ إذ عده اليوم الأول من ذي القعدة. وكان الخراج يجمع في يوم النوروز. وفي زمن الخليفة المتوكل تقدم موعد جمع الخراج شهرين، وفي سنة 245 هـ حدد موعد النيروز يوم 17 حزيران كما كان عليه في الماضي. وقد روى الصفدي هذا التعديل في “الوافي بالوفيات” فقال :
جاء زمن هشام فاجتمع الدهاقنة إلى خالد بن عبد الله القسري فشرحوا له وسألوه أن يؤخر النيروز شهرا ،فكتب إلى هشام بن عبد الملك وهو خليفة فقال هشام أخاف أن يكون هذا من قول الله تعالى «إنما النسيء زيادة في الكفر» ا. فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى يحيى بن خالد البرمكي وسألوه أن يؤخر النيروز نحو شهر، فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه فقالوا هو يتعصب للمجوسية فاضرب عنقه، فبقي على ذلك إلى اليوم فاحضر المتوكل إبراهيم بن العباس وأمره أن يكتب كتابا في تأخير النيروز بعد أن يحسبوا الأيام فوقع العزم على تأخيره.
وبقي هذا التعديل حتى أخّر الخليفة المعتضد النوروز بستين يوما ،ووافق وقوعه يوم 11 حزيران. وجاء في تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة 282 هـ:
فيها أمر المعتضد بالكتابة إلى الأعمال كلها جميعها بترك افتتاح الخراج في النيروز العجمي، وتأخير ذلك إلى الحادي عشر من حزيران، وسماه النيروز المعتضدي، وأنشئت الكتب بذلك من الموصل، والمعتضد بها، وأراد بذلك الترفيه عن الناس، والرفق بهم.
وقد كان الاحتفال بالنوروز قائما في الدول الإسلامية الفارسية كالدولة السامانية التي قامت في بلاد فارس في القرن الرابع الهجري. كما احتفل بها آل بويه في بغداد ، وفيه تقفل الأسواق ويبقى أكثر الناس في بيوتهم. وقد وافق في سنة 584 هـ يوم الثلاثاء 14رجب ليوم النيروز القبطي وهو مستهل السنة القبطية – الأول من شهر توت – ويصف محمد أحمد دهمان عادات الاحتفال وظهور «أمير النيروز» فيقول:
“وفيه ظهرت المنكرات والفواحش صريحة في الشوارع، وقد ركب فيه أمير النيروز وتسلط على البيوت بطلب رسم فرضه على دور الأكابر وجمع المال والهبات. وكان يجتمع المخنثون والفاسقات في هذا العيد تحت قصر اللؤلؤة بالقاهرة ليشاهدهم الخليفة وبأيديهم أسباب اللهو كالخمور، وكان الناس يتراشقون بالماء والخمور والأقذار، وإذا غلط رجل مستور وخرج من بيته فضحوه أو يفدي نفسه بمال.“.
وبقي يوم النيروز يتغير بسبب عدم مراعاة أصول الكبيسة وحدوث اختلاطات، وكان يتّجه إلى الخريف إلى أن حلّت هذه المشكلة على يد الشاعر والرياضيّ عمر الخيام في القرن السادس الهجري، بعد أن طلب ملك شاه السلجوقي احداث تصليحات على التقويم الإيراني، وصنف الخيام كتاب سماه «نوروز نامه»، واختير التقويم «الجلاليّ» تقويماً شمسيّاً للبلاد.
وبقيت الاحتفالات بالنوروز مستمرة في الدول الفارسية اللاحقة مثل الدولة الصفوية. ويروى أن الشاه عباس، بعد أن حول عاصمة الدولة إلى أصفهان، أحيى النوروز في ساحة نقش جهان وكان ذلك سنة 1006 هـ الموافق 1597 م.
وعدا إيران وأفغانستان، يحتفل بالنوروز عند كثير من شعوب آسيا الغربيّة حتّى التي لم تكن منها تحت السيطرة الإيرانيّة، وتختلف عادات الاحتفال من بلد لآخر. ومن هذا الشعوب شعوب القفقاس ودول بحر قزوين والشعب الباكستانيّ والشعب التركيّ. واحتفل الصيادون والفلاحون في ساحل شرق أفريقيا بالنوروز، ويدعى في السواحيلية بـ «النيروزى.
كما يحتفل الأكراد بهذا العيد، ويعدّونه عيداً قوميّاً، ويروون أنه اليوم الذي انتفض فيه الأكراد تحت راية كاوه الحدّاد ضدّ الملك الضحّاك. ويضيف الأكراد اليوم بعض المظاهر السياسية للنوروز للتأكيد على هويتهم الذاتية وتسليط الضوء على تاريخهم.
وحسب اليونسكو، يحتفل اليوم ما يقرب من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالنوروز. ومن مراسم النوروز تجهيز مائدة خاصة تسمى “سفره هفت سين“ أي سفرة السينات السبع، التي تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين. ومن العادات الاخرى ظهور الحاج فيروز في الشوارع، ويرتدي في العادة لباسا أحمر ويصبغ وجهه بلون أسود، وبعدها يقوم بإنشاد قصائد شعبية.
وفي جلسة في شباط 2010 م، قررت اليونسكو إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 آذار بوصفه “يوم نوروز الدولي.”