غير مصنف

عون ولعنة اللغة والمواقف الملغومة: أربع ملاحظات!(حسن علوش)

 

حسن علوش – الحوارنيوز

 

يجهد مستشارو رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في صياغة ألأفكار الرسمية للرئيس والتي تتضمنها مواقفه أو خطاباته وآخرها كلمته في القمة العربية غير العادية.

يبذلون جهدا استثنائيا في نحت اللغة وتلوينها، ورغم ذلك تفضح هذه اللغة مطلقها وهذا من جمال لغتنا العربية ومفاتيحها.

 

لعناية مركزة قال فخامته في الكلمة أن لبنان علمه أوّلًا، “أنّ فلسطينَ قضيّةُ حقٍّ. وأنّ الحقَّ يحتاجُ دوماً إلى القوّةِ. وأنّ القوّةَ في نضالاتِ الشّعوبِ، هي قوّةُ المنطقِ، قوّةُ الموقفِ، قوّةُ إقناعِ العالمِ، وقوّةُ حشدِ تأييدِ الرّأيِ العامِّ، وقوّةُ موازينِ القوى الشّاملةِ… وهي أيضاً عند الحاجةِ والضّرورةِ المشروعةِ، والفُرصةِ والظروف اللازمة لتحقيق النصر قوّةُ القوّةِ، للدّفاعِ عن الحقِّ”.

وعلّمه ثانياً، “أنّ فلسطينَ قضيّةٌ ثالوثٌ: فهي حقٌّ فلسطينيٌّ وطنيٌّ، وحقٌّ عربيٌّ قوميٌّ، وحقٌّ إنسانيٌّ عالميٌّ. وأنّنا كلّما نجحنا في إظهارِ هذه الأبعادِ السّاميةِ لفلسطينَ القضيّةِ، كلّما نَصَرْناها وانتصرنا معها. وبالمقابلِ، كلّما حَجَّمْناها وقَزَّمْناها، إلى حدودِ قضيّةِ فئةٍ أو جهةٍ أو جماعةٍ أو محورٍ… وكلّما تركنا فلسطينَ تُزَجُّ في أزقّةِ صراعاتٍ سُلطويّةٍ هنا، أو نزاعاتِ نفوذٍ هناك… كلّما خسرناها وخسرنا معها”.

لم يذكر فخامته ما تعلمه من أن للعدو الاسرائيلي أطماعا وأهدافا تاريخية في لبنان أتت عليها وثائقه ومواقف قادته منذ تأسيس الكيان حتى تاريخه!

لم يذكر ما تعلمه من أن العدو قد ارتكب مجازر بحق اللبنانيين بدءا من العام 1948 ولتاريخه، وأن هذا العدو لديه مخطط يسير عليه مذاك التاريخ ولا تنفع وما نفعت معه كلاسيكيات جامعة الدول العربية ولا حتى قرارات مجلس الأمن الدولي…

ولا ينتظر العدو سبباً لإجتياحاته، ولا عذرا لإغتيالاته في لبنان والتي امتدت منذ اربعينيات القرن الماضي وصولا الى اللحظة التي كان يلقي فيها كلمته…

وفي هذا السياق لم نفهم عبارة فخامته من أن “حروب الآخرينَ في لبنانَ” علمته، “أنّ البُعدَ العربيَّ لقضيّةِ فلسطينَ، يَفرضُ أن نكونَ كلُّنا أقوياءَ، لتكونَ فلسطينُ قويّةً. فحينَ تُحتلُّ بيروتُ، أو تُدمَّرُ دمشقُ، أو تُهدَّدُ عمّانُ، أو تَئِنُّ بغدادُ، أو تَسقُطُ صنعاءُ… يستحيلُ لأيٍّ كانَ أن يَدَّعيَ، أنّ هذا لِنُصرةِ فلسطينَ. أن تكونَ بلدانُنا العربيّةُ قويّةً، باستقرارِها وازدهارِها، بسَلامِها وانفتاحِها، بتطوّرِها ونموِّها، برسالتِها النموذجيّة… إنّه الطّريقُ الأفضلُ لنُصرةِ فلسطينَ”. بدا في عبارته هذه كمن يحمّل القوى الوطنية والقومية العربية الرافضة للمشروع العدواني الاسرائيلي،  مسؤولية احتلال بيروت وتدمير دمشق وتهديد عمان ومعاناة بغداد وسقوط صنعاء” (فأل في غير موضعه)…

ويبرر للعدو والدول الراعية لمشروعه ما يرتكب من فظائع ومجازر.

انها لعنة اللغة ومحاولات قول الشيئ ونقيضه!

ثم متى كان لبنان خارج منظومة جامعة الدول العربية، متى كان لبنان غير عربي، حتى نبالغ بالقول أن لبنان عاد الى العرب؟

لبنان أكثر إلتزاما بالعروبة وقضاياها من كثير من الأنظمة العربية.

ولبنان ما حاد عن الشرعية الدولية التي فشلت في تثبيت مرجعيتها وفرض تنفيذ قراراتها وهو الأمر التذي سهى عنه فخامتكم.

لقد عانى لبنان من ضعف المرجعية الدولية وعدم تنفيذ القرارات الدولية ومنها القرار 1701، الأمر الذي ابقى جرحنا الجنوبي ينزف حتى جاهرت دولة الاحتلال برفض القرار وطالبت عبرما يعرف بالوسيط الأميركي بتعديله… وهي اليوم تفعل ذلك دون رادع دولي أو عربي… فضلا عن الخجل اللبناني في مواجهته!

إن الاشارة المتقدمة في كلمة فخامة الرئيس وقوله ” بَلدي، تمامًا كما في فلسطينَ، ما زالت هناك أرضٌ مُحتلّةٌ مِن قِبَلِ إسرائيلَ واسرى لبنانيون في سجونها ونحن لا نتخلى عن ارضنا ولا ننسى اسرانا ولا نتركهم. وما زال هناك عُدوانٌ يَوميٌّ، وما زال هناك أبرياءُ مِن شَعبي يَسقُطونَ كلَّ يومٍ، بينَ شَهادةٍ وجِراحٍ، بينَ دَمارٍ ودِماءٍ ودُموعٍ. أَنحني أمامَ تضحياتهم، وأرفعُ رأسي أنّني مِن بِلادِهم. فلا سلامَ مِن دونِ تحريرِ آخرِ شِبرٍ مِن حُدودِ أرضِنا، المُعتَرَفِ بها دُوليًّا، والمُوثَّقةِ والمُثبَتةِ والمُرسَّمةِ أُمَمِيًّا. ولا سلامَ مِن دونِ دولةِ فلسطينَ. ولا سلامَ مِن دونِ استِعادةِ الحُقوقِ المَشروعةِ والكامِلةِ للفلسطينيّينَ. وهو ما تَعَهَّدنا به كدُوَلٍ عربيّةٍ، مُنذ مُبادرةِ بيروتَ للسّلامِ سنةَ 2002، حتّى إعلانِ الرّياضِ في تشرينَ الثّاني الماضي. هذا ليس موقفا عقائدياً ولا اصطفافاً سياسيا، هذا توصيف لواقع حياتي يعرفه ويعيشه في وجدانه ويومياته كل انسان في لبناننا ومجتمعاتنا”.

هذه الاشارة تستحق التنويه، وكانت لتستحق أكثر لو جاء في الكلمة تحية لثلة من شعبنا قاومت العدوان بالنيابة عن كل لبنان وكل العرب واستشهد منها ابناء أعزاء.

فالأكثرية ليست دائما على حق. وكلمة الحق مكلفة، ومن ينطق بها هو فدائي في زمن البحث عن مظلات لحماية الأنظمة التي فشلت بدورها من القيام بفعل حقيقي خارج الكلام الممجوج والملتبس الذي يحاول التبرؤ من مسؤولياته التاريخية وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية حروب الابادة والتهجير القسري وهو مجتمع متواطئ!!

هي لعنة اللغة.. أم لغة اللعنة؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى