كتب حلمي موسى من غزة:
عادت الحياة إلى مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة. وبسبب تكرار عودة الحياة إليها مرة بعد مرة، يبدو أن أحدا لا يجازف بالتأكيد أنها هذه المرة ستقف على قدميها وتسير نحو اتفاق قريب.
ورغم ذلك، وبالنظر إلى عدة إشارات سياسية وعسكرية يمكن المراهنة على أن المفاوضات تتقدم وباتجاه ليس ما تريده وتتمناه إسرئيل. وأول هذه الإشارات ازدياد قناعة الإسرائيليين بأن الضغط العسكري، ورغم كل الدمار الذي أحدثه والقتل الذي أوقعه في القطاع كان غير مجد تحديدا في تحرير الأسرى الإسرائيليين. والثاني أن الإدارة الأمريكية، ولاعتبارات مختلفة، ظلت تضغط طوال الوقت من أجل التوصل إلى اتفاق. وثالث هذه الإشارات أن أحدا في العالم تقريبا لم يوافق إسرائيل على ما كانت تريد فعله في القطاع في “اليوم التالي”، وأكبر برهان هو بحث وزير الحرب يؤآف غالانت مسألة مشاركة قوات عربية في ضبط الأمن في القطاع.
في كل حال ورغم كل شيء قررت إسرائيل استئناف الاتصالات بشأن صفقة التبادل وباتت وفودها في الطريق إلى قطر ومصر. وأعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن وفدا برئاسة رئيس الشاباك اتجه إلى القاهرة، ووفدا آخر برئاسة رئيس الموساد اتجه إلى قطر. وفي ذلك أكثر من إيحاء من حكومة نتنياهو بأنها جادة هذه المرة في التوصل لاتفاق بعد تزايد الاتهامات لها بأنها تنفذ “إجراء هانيبعل” على الأسرى. ومعروف أن التقديرات في إسرائيل صارت تتحدث عن مقتل حوالي نصف عديد الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وأنه لا أمل في الإفراج عن أي من الباقين أحياء عبر عمليات عسكرية.
وكانت الصحف الإسرائيلية قد نشرت تسريبات من نقاشات سياسية وأمنية جرت في كابينت الحرب حول حدود وهوامش التفويض الذي يتيح التوصل لاتفاق. وبدا واضحا من هذه التسريبات أنه من دون تحريك الموقف الإسرائيلي من نقطتين لا أمل في التوصل لاتفاق. وتتركز النقطتان حول محور “نيتساريم” الذي تريده إسرائيل فاصلا دائما بين الشمال والجنوب يحول دون عودة النازحين إلى الشمال والفيتو الإسرائيلي على تحرير أسرى فلسطينيين محددين. وقد أصرت حماس على أنه لا اتفاق من دون السماح بعودة نازحي الشمال إلى بيوتهم، ولا اتفاق من دون تحرير أسرى معينين تختارهم هي.
وكانت الخلافات داخل كابينت الحرب والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدور حول حدود التفويض، حيث كان نتنياهو يرفض أي نقاش في عودة النازحين من دون رقابة ويرفض غياب الفيتو. ويمكن القول إن تشدد حماس في النقطتين المركزيتين أثمر تراجعا إسرائيليا واضحا، خصوصا أنها لم تخضع لما جرى تسويقه وكأنه حل وسط أمريكي. وإصرار حماس على عودة النازحين يتضمن انسحابات إسرائيلية عميقة حتى في المرحلة الأولى، كما أن الإصرار على تحرير أسرى معينين يثبت مبدأ من يضحك أخيرا. وبين هذا وذاك كان تشديد من حماس على الربط بين الهدنة ووقف إطلاق النار الشامل والنهائي. كما شددت حماس على وجوب توسيع المساعدات الإنسانية وبدء مشروع إعادة إعمار القطاع من خلال عرض ضمانات دولية لذلك.
وبحسب الطريقة الإسرائيلية في غسل الكلمات أعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن نتنياهو تحدث مع ديفيد بارنيع ورونان بار ووافق على سفر وفديهما إلى القاهرة والدوحة لمواصلة المفاوضات بشأن صفقة التبادل. وترددت أنباء عن أنه في اجتماع المجلس الوزاري السياسي الأمني، أعرب معظم وزراء الليكود عن دعمهم لابداء مرونة في المفاوضات، خصوصا بشأن مسألة عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة. ورغم ذلك حاول نتنياهو الإشارة إلى أنه لا يزال يقيد تفويض الوفد، وأن مهمته هي استنفاذ التفويض الأصلي. وهذا لعب عى الكلمات يراد به القول إن التفويض الإصلي ليس عائقا أمام التوصل إلى اتفاق.
وتعتبر زيارة رئيس الشاباك إلى القاهرة تعبيرا عن تكثيف الاتصالات، خصوصا أنه كان في القاهرة يوم الأربعاء الفائت بحث في شؤون وقف النار وتبادل الأسرى، وأيضا المخاوف المصرية من عملية عسكرية إسرائيلية في رفح. وكان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية قد ركز يوم الثلاثاء الفائت على أن موقف حماس في المفاوضات “يثبت بوضوح أنها غير مهتمة باستمرارها وهو شهادة مؤسفة على الضرر الذي أحدثه قرار مجلس الأمن “. وأضاف أن “حماس رفضت مرة أخرى أي تسوية أميركية وكررت مطالبها المتطرفة: الوقف الفوري للحرب، والانسحاب، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، والبقاء في السلطة حتى يتمكن من تكرار مذبحة 7 أكتوبر مرارا وتكرارا، كما وعد أن يفعل. ورفضت حماس أي اقتراح تسوية أميركي، ورحبت أيضاً بقرار مجلس الأمن.
وخلصت رئاسة الحكومة الإسرائيلية في بيانها إلى أن “إسرائيل لن تخضع لمطالب حماس الوهمية، وستواصل العمل لتحقيق جميع أهداف الحرب: إطلاق سراح جميع المختطفين، وتدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وضمان عدم بقاء غزة في وضع يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة، وتهديد أمن إسرائيل”.
وكان معلق الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، جاكي حوجي قد كتب في “معاريف” مقالة تحت عنوان “ينبغي أن نقول بصراحة: الضغط العسكري لم يعد المختطفين حتى الآن”. وأشار إلى تباهي الجيش الإسرائيلي بقتل القائد القسامي مروان عيسى وإعلان نتنياهو أن إسرائيل قتلت “هامان” ،لكن مر تحت الأنظار من دون كثير صخب إعلان حماس في الوقت ذاته رفضها للخطوط العريضة للصفقة المعروضة فانهارت المفاوضات. وكتب أن “الضغط العسكري، الذي يهدف إلى إقناع السنوار بإظهار المرونة، قد تمت تجربته بشكل جيد لمدة ستة أشهر ولم يسفر عن نتائج. في الواقع، يقول السنوار لنفسه ولنا أنه كلما قتلناهم أكثر، قل الدافع لتحرير الرهائن. بعد كل شيء، المختطفون هم بطاقة النجاة بالنسبة له، فلماذا يمنحهم بثمن بخس أو بدون مقابل. كما أثبت الواقع أن الوقت يعمل ضد الرهائن. والحقيقة هي أن جيش الدفاع الإسرائيلي قتل من الرهائن أكثر مما أطلق سراحهم”.
وحسب حوجي فإن يوآف غالانت خلال زيارته لواشنطن هذا الأسبوع اعترف بأن توقع أن يؤدي الضغط العسكري إلى إطلاق سراح المختطفين ليس هو الفرضية الوحيدة التي تتلاشى. يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع، ظهر الرئيس يتسحاق هرتسوغ في مؤتمر في القدس حيث قال في كلمته : كل شيء يبدأ وينتهي عند السنوار، هو من قرر المجزرة، وهو الذي ” يعمل على بذل كل ما في وسعه لتدمير الحياة المشتركة هنا”. واعتبر حوجي أن قتل السنوار لن يحل المشكلة حيث سيدفع من تبقى من قادة حماس إلى مزيد من التشدد.
وبعد أن يستعيد ذكرى ومصير رون أرد يكتب: “من المحتمل أنه لو كان لدى الجيش الإسرائيلي وقت غير محدود، وتمت حماية المختطفين وحراستهم، لكان من الممكن البناء على الضغوط العسكرية التي قد تؤدي إلى إطلاق سراحهم. ولكن كل قنبلة يتم إسقاطها على غزة اليوم قد تسقط أيضاً على رأس مختطف إسرائيلي، وكل قريب فلسطيني يُقتل يمكنه إحضار أحد الأسرى الإسرائيليين وتصفية الحساب معه.