رأيصحف

عن «المشروع الإيراني» ونهايته: أسئلة وإشكالات (قاسم قصير)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب د.قاسم قصير في صحيفة الأخبار:

يتحدّث كثيرون اليوم، من محلّلين وكتّاب وسياسيين، عن نهاية المشروع الإيراني في المنطقة، ويدعون إلى ملء الفراغ وإلى إسقاط النظام الإيراني. فهل صحيح أن المشروع الإيراني انتهى؟ وما هو هذا المشروع الإيراني الخطير؟ وما هو البديل عنه حالياً؟

ما هو «المشروع الإيراني»؟

المشروع الإيراني، والبعض يسمّيه المشروع الصفوي أو الشيعي أو الفارسي أو المجوسي وغير ذلك، هو مشروع الثورة الإسلامية في إيران الذي دعا إليه الإمام الخميني بعد انتصار الثورة عام 1979 وإسقاط حكم الشاه البهلوي حليف أميركا وإسرائيل والذي كان يُسمّى شاه المنطقة كلّها.

وطبعاً ليس صحيحاً أن هذا المشروع هو مشروع مجوسي؛ لأن المجوس لم يعودوا موجودين في إيران منذ أن دخل إليها الإسلام أيام عمر بن الخطاب، ولم يعد هناك سوى عدد قليل منهم إذا كانوا موجودين. وفي إيران اليوم أتباع لكل الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية، ويمكن الصابئة والزرادشتية، وهناك أقوام من عرب وفرس وبلوش وأكراد وأتراك وآذريون. وهذا المشروع ليس مشروعاً صفوياً؛ لأن الحكم الصفوي انتهى في إيران منذ ثلاثمئة سنة تقريباً وأتى بعده القاجاريون ومن ثم سلالة الشاه البهلوي ولم يعد هناك مشروع صفوي حالياً.

وهذا المشروع ليس مشروعاً مذهبياً شيعياً؛ لأنه مشروع إسلامي يدعو إلى الإسلام والوحدة الإسلامية. ومع أنه تمّ اعتماد المذهب الجعفري في إيران، لكنّ الدستور الإيراني يحترم أتباع كل المذاهب، وهناك ملايين من السنّة في إيران، وإيران على علاقة جيّدة مع حركتَي حماس والجهاد الإسلامي السنّيّتين. كما أن علاقات قوية تربط القيادات الإيرانية بقيادات «الإخوان المسلمين» وغيرهم من علماء السنّة.

هذا المشروع لا يريد الصدام مع العرب والأتراك، والدولة الإيرانية على علاقة جيّدة مع الدولة التركية، ومع معظم الدول العربية والإسلامية، رغم بروز خلافات وصراعات سابقة. ولم تعد الجمهورية الإسلامية تطرح مشروع تصدير الثورة، بل تدعو إلى التعاون مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم وحماية أمن الخليج والمنطقة بعيداً عن الصراع.

وهذا المشروع الإسلامي الإيراني يدعم المقاومة والقضية الفلسطينية، والإمام الخميني، بعد انتصاره، أقفل سفارة الكيان الإسرائيلي وفتح سفارة فلسطين وقدّم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني واللبناني لمقاومة الاحتلال وكذلك لشعوب المنطقة.
وطبعاً هذا المشروع ليس مشروعاً فارسياً قومياً، رغم أن الفرس يشكّلون غالبية في إيران لكنّ هناك قوميات أخرى أشرت إليها، واليوم تعتمد إيران على البعد الإسلامي وليس البعد القومي، مع أهمية وجود كل القوميات في إيران، واللغة الفارسية تنتشر في العديد من الدول غير إيران مثل أفغانستان وباكستان وآذربيجان.

كما لا بد من الإشارة إلى أن إيران كانت مهداً لبروز العديد من العلماء المسلمين والمحدّثين والمفكّرين والشعراء واللغويين الذين أغنوا الحضارة العربية والإسلامية. كما أنّ فيها تقدّماً علمياً كبيراً، وكذلك إنجازات على الصعد الثقافية والموسيقى والسينما والطب ومختلف الفنون الجميلة، وهناك تداخل كبير بين الحضارة الإيرانية والعربية في إطار الحضارة الإسلامية، إضافة إلى أنّ بقية أتباع الأديان الأخرى لهم أدوار كبيرة على الصعد الثقافية والفنّية والاجتماعية، وهناك كتبٌ كثيرة حول ذلك. وطبعاً هناك شعراء إيرانيون كبار لهم بصمات كبيرة مثل عمر الخيام وسعدي الشيرازي وغيرهما.
إذاً، المشروع الإيراني هو مشروع إسلامي وحضاري وعلمي ووحدوي وداعم للقضية الفلسطينية والشعوب المستضعفة.

أسئلة وإشكالات

هناك عدّة نقاط أو إشكالات أساسية تؤخذ على النظام الإيراني الإسلامي الحالي، أو المشروع الإيراني، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران إلى اليوم، سأركّز عليها، وهي:
أولاً: إنّ النظام الإيراني الحالي هو المسؤول عن كل الخلافات المذهبية والطائفية في العالم العربي والإسلامي وإن انتصار الثورة الإسلامية أدّى إلى انتشار الخلافات المذهبية.
ثانياً: إنّ النظام الإيراني الحالي، أو المشروع الإيراني، هو سبب مشاكل العديد من الدول العربية والإسلامية، وإنّ تدخّل إيران كان وراء كل الحروب والصراعات في هذه الدول، وإنه في أي بلد تتدخّل فيه إيران يؤدّي ذلك إلى خراب هذا البلد.

ثالثاً: إنّ إيران هي وراء الحروب والصراعات مع العدو الصهيوني، وإنها ورّطت قوى المقاومة في هذه الصراعات لكي تحقّق نفوذاً إقليمياً أو دولياً، وإنه لولا ذلك لعاشت المنطقة في سلام وطمأنينة، وإنّ العرب وإسرائيل اتفقا على كل القضايا وانتشر السلام.
طبعاً هناك نقاط أخرى تثار حول المشروع الإيراني ودعمه لبعض الدول في مرحلة معينة، وأنّ إيران منعت انتشار الحرّية والعدالة في العالم العربي، وأنها مسؤولة عن موت الملايين من أهل السنّة وتوريط الشيعة في صراعات ومشاكل، وهذه قضايا تتطلّب أيضاً مناقشات هادئة.

أولاً: هل صحيح أنّ إيران الثورة الإسلامية وراء انتشار الطائفية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي ولولاهما لكانت المنطقة في أمان؟ الجواب البسيط؛ أن المشاكل الطائفية والمذهبية موجودة في العالم العربي والإسلامي منذ 1444 سنة تقريباً، منذ وفاة الرسول محمد (ص)، وبرزت آلاف الفرق والمذاهب وحصلت صراعات طائفية ومذهبية. وانتصار الثورة الإسلامية أعاد تسليط الضوء على هذه المشكلة، لكنّ القيادات الإيرانية، منذ حوالي مئة عام، كانت من دعاة الوحدة الإسلامية، وشاركت في مؤسسات التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر ولبنان والعراق والخليج، وكانت هناك علاقات كبيرة بين القيادات الإيرانية الثورية وكل قيادات العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً أيام جمال عبد الناصر، وكذلك حضور نواب صفوي إلى مصر وسوريا، وعلاقات إيران مع الحركات الإسلامية. ومشروع إيران، دوماً، هو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية والوطنية.

نحن أمام فرصة جديدة لإجراء مراجعة شاملة وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة كلّها والعودة إلى مشروع التكامل الإقليمي

ثانياً: هل صحيح أن إيران هي وراء مشاكل الدول العربية والإسلامية؟ الكل يعلم أنّ هذه المشاكل بدأت منذ سقوط الخلافة العثمانية وتحالف بعض العرب مع فرنسا وإنكلترا ضد السلطنة العثمانية، وأنّ ذلك أدّى إلى سقوط هذه السلطنة وحصول سايكس-بيكو ووعد بلفور. ومنذ بداية القرن العشرين كانت الدول العربية والإسلامية تعاني من التدخّلات الخارجية وهناك صراعات داخل كل دولة وبين بعض هذه الدول، ومشاكل اليمن منذ الصراع السعودي المصري، وبسبب تدخل أميركا وإنكلترا وإسرائيل، وهناك مشاكل في السودان وليبيا، وبين المغرب والجزائر، وفي لبنان المشاكل منذ أن تأسّس، وكذلك الصراعات في سوريا والعراق. وإيران تدخّلت في العراق ضد «داعش» وهي لها علاقات مع كل الأطراف العراقية وليس مع جهة واحدة. وطبعاً الوضع في سوريا يحتاج إلى بحث مفصّل. وصدام حسين هو من شنّ الحرب على إيران والكويت، وهو من سبّب حضور الدول الأجنبية إلى المنطقة.

ثالثاً: حول الموقف من القضية الفلسطينية ودعم قوى المقاومة، فالموقف الإيراني مبدئي وكان قبل انتصار الثورة، وكانت هناك علاقات قوية بين القيادات الإيرانية وقيادات الثورة الفلسطينية، وإيران دفعت ثمناً كبيراً بسبب مواقفها، وإلا فأيام الشاه كانت تدعم العدو الإسرائيلي وبدأت إقامة المشروع النووي ولولا الموقف المعادي لأميركا وإسرائيل لكانت أخذت القنبلة النووية وكان لها دور إقليمي كبير في المنطقة، ولم يزدد الدور الإيراني في لبنان وفلسطين إلا بسبب الاحتلال الإسرائيلي. واحتلال إسرائيل لفلسطين والدول العربية بدأ منذ عشرات السنين، ورغم كل الاتفاقيات فإن العدو الإسرائيلي مستمر في جرائمه في فلسطين ولبنان وسوريا والمنطقة كلها.
هذه بعض الملاحظات المركزية، طبعاً هناك أخطاء عند المسؤولين الإيرانيين بسبب بعض مواقفهم، وهناك أخطاء في الأداء، لكن ذلك لا يعني أن المشروع الإيراني هو المسؤول عن كل مشاكل العالم العربي والإسلامي. وزيادة الدور الإيراني كان بسبب أخطاء هذه الدول وليست إيران وحدها الدولة الوحيدة المؤثّرة في المنطقة.

هل انتهى المشروع؟

علينا أن نعترف بداية أنّ المشروع الإيراني، القائم على مواجهة المشروع الإسرائيلي الأميركي، والذي يدعم قوى المقاومة، تلقّى خلال السنوات الأخيرة ضربات قاسية، منذ اغتيال اللواء قاسم سليماني وصولاً إلى الحرب على غزة والحرب على لبنان وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد. ولكن، رغم ذلك، فهذا المشروع لم ينته، والدليل أن قوى المقاومة في المنطقة لا تزال حاضرة وقوية. وأنه، رغم سقوط الأسد، فهذا لا يعني أن سوريا ستتحوّل إلى دولة معادية، بل قد تكون هناك فرصة جديدة للتعاون مع تركيا وسوريا الجديدة لمواجهة المشروع الإسرائيلي الأميركي. وكذلك فإن علاقات إيران بدول المنطقة قد تحسّنت كثيراً بعد التعاون السعودي الإيراني، وفي ظل الموقف الأميركي الجديد برئاسة ترامب والداعي لتهجير أهالي غزة، ودعوة نتنياهو لقيام دولة فلسطينية في السعودية، والحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن ولبنان وسوريا ودول أخرى.

إذا كان حقاً أن المشروع الإيراني قد ارتكب بعض الأخطاء أو تعرّض لضربات قاسية، إلا أن ذلك لا يعني أن المشروع انتهى، والدليل أن النظام في إيران لا يزال قوياً، وحلفاء إيران في المنطقة لا يزالون أقوياء، وقد يكون هناك حلفاء جدد لإيران في المنطقة بعد تراجع الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية.
نحن أمام فرصة جديدة لإجراء مراجعة شاملة وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة كلها والعودة إلى مشروع التكامل الإقليمي بين إيران وتركيا والعالم العربي ومعالجة القضية الكردية وإعادة تصويب البوصلة باتجاه الخطر الأساسي وهو المشروع الإسرائيلي الأميركي، والذي يستهدف كل دول المنطقة، وفي ظل زوال كل الأوهام عن وجود خطر إيراني على المنطقة.

هناك تحديات عديدة أمام المشروع الإيراني، وهو يحتاج إلى خطاب جديد وأداء جديد وإعادة قراءة التطورات والمتغيّرات الدولية والإقليمية، وعدم العودة إلى الوراء والغرق في صراعات مذهبية وطائفية، وخصوصاً في سوريا، والتعاون مع تركيا والدول العربية مهم جداً. والأهم الابتعاد عن الخطاب المذهبي وعدم العودة إلى التاريخ والوراء، والتعاون لقيام دول وطنية قوية، وكذلك تكامل إقليمي ودولي. وقد يكون للعراق دور مهم في المرحلة المقبلة، وكذلك التعاون مع سوريا وتركيا، وهكذا تنقلب أيّ خسارة إلى ربح جديد، وتتغيّر كل المعادلات في المنطقة والعالم.

* كاتب

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى