بقلم كارلوس فوينتس*
ترجمة لينا الحسيني
شعرت أنّ العمر قد هزم أبي حين صار يمشي ببطءٍ كما لو أنّه محاطٌ بالضّباب، وحين خذلته يدُه التي لطالما أمسكت بيدي عندما كنت صغيرًا.
أبي الذي كان حازمًا لا يُقهر، صار يتنفس عميقًا قبل أن ينهض بصعوبةٍ من مكانه، ليبحث عن الباب أو النّافذة.. كلّ الممرّات الآن باتت بعيدة.
أبي الذي كان يعمل بلا كللٍ، لم يعد يقوى على ارتداء ملابسه وصار ينسى تناول أدويته.
أبي الذي كنت أعتمدُ عليه، صرت اليوم مسؤولاً عن حياته؛ تلك الحياة التي أنجبتني، تعتمد اليوم على حياتي لترحل بسلام.
كلّ ابن هو والد أبيه.
إنّها فرصتي الأخيرة لأعبّر عن امتناني له على رعايته ومحبته لعقود.
مثلما قمت بتكييف منزلي لرعاية أطفالي، غيّرت توزيع الأثاث حتى يتلاءم مع احتياجات أبي العمرية. ندمت على وجود الأرائك والتّماثيل والسّلّم الحلزوني في بيتي. ندمت على كل العقبات والسّجاد…
كيف لمْ أتوقع أن يمرض أبي ويحتاجني؟!
محظوظٌ هو الابن الذي يصير رفيق والده قبل رحيله، ومسكينٌ ذاك الذي لم يودّع أباه يوميًا وهو على قيد الحياة.
رافقت والدي حتّى الدقائق الأخيرة من حياته. في المستشفى، كانت الممرّضة تحاول نقله من السّرير إلى كرسيٍّ نقّال لتغيير الملاءات، عندما صرخت من مقعدي: «دعيني أساعدك».
جمعت قواي وحضنته لأوّل مرة. جعلت وجه أبي المصاب بالسّرطان على صدري.
تأملت بألمٍ كتفيه الهزيلتين، المجعدَتين، المرتعشَتين. حضنته وقتًا يعادل طفولتي ومراهقتي، وقتًا طويلاً لا نهاية له. داعبت شعره وطمأنته بصوتي الخفيض: «لا تخف. أنا هنا، أنا هنا يا أبي!» وهذا كلّ ما يتمنى الأبُ أن يسمعه في مشوار حياته الأخير.
*روائي مكسيكي
زر الذهاب إلى الأعلى