عندما يسقط “غصن الزيتون” من أيدي الفلسطينيين!(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
ليس أبلغ من التوصيف الذي خلص إليه اللواء عباس إبراهيم في تعليقه على ما يجري في غلاف غزة منذ صباح الأمس حيث قال إن “طوفان الأقصى هو ثمرة إسقاط غصن الزيتون من أيدي الفلسطينيين”.
يعود بنا هذا الكلام نصف قرن من الزمان ،وتحديدا في الثّالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1974، حين وقف الزّعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بزيّه العسكري وكوفيّته البيضاء والسوداء ،والتي سُرعان ما تحوّلت إلى هويّة ورمز لمقاومي الاحتلال،وقف أمام منبر الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ليلقي خطبة حفظ التّاريخ مقامها وما قيل فيها، حيثُ افتتحها وقال:” … جئتكم يا سيادة الرئيس وبندقيّة الثّائر في يدي، وفي يدي الأخرى غصن الزّيتون، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تُسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي،…”
خمسون عاما مضت على هذا الكلام ،والفلسطينيون يحملون بندقية الثائر بيد ،وغصن الزيتون بيد أخرى،ولكن صار واضحا أن لا مكان لغصن الزيتون في الثقافة الإسرائيلية.أكثر من ذلك أسقطت إسرائيل حلم الفلسطينيين بدولة مستقلة(ولو هجينة)،وأمعنت في الاحتلال والقمع والقتل والتدمير ،وتواصل زج الآلاف من الفلسطينيين في السجون والزنازين،وسط عجز العالم العربي عن أي فعل يبدّل من هذا الواقع ،وتغاضي العالم الحر عن هذه الممارسات، ودعم الغرب الأميركي والأوروبي للسياسة الصهيونية.
“رضي القتيل ولم يرض القاتل”..
تلك هي الخلاصة التي يعيشها الفلسطينيون منذ خمسين عاما.حتى أن بعض العقلاء في الكيان الصهيوني نفذ صبرهم من تصرفات حكوماتهم المتعاقبة وإجراءاتها بحق الفلسطينيين ،فرفعوا الصوت محذرين من “يوم أسود” لا بد آت على هذا الكيان..وقد أتى بالأمس حين نفذ صبر المقاومة الفلسطينية فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في “غلاف غزة” في خطوة تشبه الخيال،فكان ما كان وما يزال.
يصف الكاتب الصحافي الإسرائيلي في صحيفة “يديعوت أحرونوت ناحوم بارنياع يوم السبت في 7 أكتوبر 2023 بأنه “أسوأ يوم أستطيع أن أتذكره من الناحية العسكرية في تاريخ إسرائيل، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم حرب كيبور(تشرين)، التي كانت فظيعة”.
طوال خمسين عاما لم ينصت الساسة الإسرائيليون للتحذيرات المتعاقبة، حتى من بني جلدتهم اليهود في الداخل والخارج،من مثقفين وخبراء ورجال دين وصحافيين،بل أمعنوا في غيّهم ،حتى تحكّمت بإسرائيل طغمة من المجانين المتطرفين على شاكلة ايتمار بن غفير،يقودهم فاسد مطلوب للمحاكمة،لم يتركوا للشعب الفلسطيني “سترا مغطى”،فأسقطوا كل المقدسات ،بما فيها حرمة الأقصى الذي لم يفهم الصهاينة بعد ماذا يعني للمسلمين “أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”.
في أيار عام 2021 نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية مقالاً للكاتب الصهيوني الشهير (آري شبيط) تحت عنوان “اسرائيل تلفظ انفاسها الأخيرة” يقول فيه : يبدو أننا إجتزنا نقطة اللا عودة، ويمكن أنه لم يعد بإمكان “اسرائيل” إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويبدو أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم الناس في هذه الدولة .
وأضاف:إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في “هآرتس”، ولا طعم لقراءة “هآرتس”. يجب فعل ما اقترحه (روغل ألفر) قبل عامين، وهو مغادرة البلاد(…) من هناك، من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أو بلاد القومية المتطرفة الأميركية الجديدة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة “دولة إسرائيل” وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. يجب أن نخطو ثلاث خطوات إلى الوراء، لنشاهد الدولة اليهودية الديمقراطية وهي تغرق، يمكن أن تكون المسألة لم توضع بعد .إن “الإسرائيليين” منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ.
قال شبيط الكثير في هذا المقال(يُنصح بالعودة إليه)،لكنه خلص إلى القول: “يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال” .
في الخلاصة هل بدأت إسرائيل تلفظ أنفاسها كما توقع آري شبيط ؟
لعله من المبكر الجزم بذلك قبل أن ينجلي غبار الحرب الدائرة ،لكن بالتأكيد لن تكون مرحلة طوفان الأقصى كما قبلها. فالحرب كما يقول القائد البريطاني الشهير برنارد مونتغمري هي فصل من فصول المفاوضات السياسية،ولكن بالحديد والنار ،وغالبا ما يفرض المنتصر شروطه.