عندما تعاقب الأم أبناءها…
د.علي كويس
منذ أسابيع استيقظ العالم فجأة على واقع أليم وغاية في الخطورة لم تشهد البشرية مثيل له في تاريخها الحديث ، وذلك إثر تفشي وباء الكورونا في الصين اولا وثم في كافة ارجاء المعمورة.
حين هز الوباء واربك التنين الاصفر كانت بقية الشعوب تلعب دور المتفرج الخائف عن بعد، كمن يشاهد فيلما خياليا يخيفك ولكن لا يصيبك بسوء.
وبين ليلة وضحاها أصبح العالم المتفرج عن بعد في قلب لعبة الخوف والموت ،وبدأت الارتدادات الكارثية تهدد اكبر اقتصادات العالم ، وحلت بورصة عدد الإصابات اليومية مكان بورصات العالم المتهاوية ..
وفجأة اكتشف العالم المتباهي بقوته وجبروته وتقنياته عجزه وقلة حيلته امام أصغر المخلوقات وأكثرها فتكا ببني البشر وحدهم من دون غيرهم من المخلوقات ، وكأن أمّنا الارض ضاقت ذرعأ بنا وتعبت من جهلنا واجرامنا ونهمنا واستغلالنا غير المحدود لما قدمته لنا منذ فجر البشرية ، فلوثنا وشوهنا ارضها وبحارها وسماءها ونخرنا جسدها ولم نوفر حتى احشاءها حاضنة رفاة ابائنا واجدادنا …
ضاقت أمنا الأرض بنا ذرعأ بعد أن نفذ صبرها ولم تعد تحتمل جراح وظلم أبنائها، فاحترقت غاباتها وجفت انهارها واختفت غاباتها ، فأرادت أن تعاقبنا على طريقتها، فأظهرت ضعفنا وقلة حيلتنا بعد أن تباهينا بفائض قوتنا .حتى ادياننا لم تسعفنا فأغلقت المساجد والكنائس أبوابها …
لم تكن الأرض يومأ بحاجة لنا ، نحن من كنا دوما بحاجة لها من محيانا حتى مماتنا …
أرادت أن تلقننا درسا صغيرا لتأخذ قسطا من الراحة من أبنائها الاشقياء ، فها هي السماء ترتاح من طائراتنا ومداخن مصانعنا، وها هي مدننا وقرانا تنعم ببعض الراحة والهواء النقي ، والطيور عادت إلى أحيائها بعد أن هجرتها ..
سامحينا أيتها الأم المعطاء ، فلم نعرف يومأ قيمة ارضك وسمائك وعطر زهورك ونقاء هواك ورغد العيش فيك..
سامحينا أيتها الأم الضحية المضحّية ذات القلب الكبير ، سامحي أبناء ضلوا الطريق حتى كادوا يدمرونك ويدمرون أنفسهم بعد ان اعماهم الجهل والجشع ..
حماك الله من كل مكروه ومن شر ابنائك وكل عام وانت بخير .