عمليّة إسرائيليّة لتفكيك لبنان
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
لا تخفى على أحد علاقة شبكة الـ CNN بأجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، ما يجعلنا نعتقد أن كلامها، ونقلاً عن مسؤولين أميركيين، حول عملية برية ضد لبنان، يستند الى تقرير استخباراتي، بعدما كانت مصادر ديبلوماسية أوروبية قد حذرت من أن الاستعدادات العسكرية الاسرائيلية على جبهة الشمال لا يمكن أن تكون دفاعية، خصوصاً بعد تفريغ المستوطنات من قاطنيها، وهذا ما ينزع الورقة الذهبية من يد “حزب الله” الذي كان يخطط، بحسب تلك المصادر، لنقل المعركة الى الجليل.
مجزرة الخميس، بإطلاق سيل من القنابل على أهالي غزة الذين احتشدوا للحصول على اعانات للبقاء على قيد الحياة، تشير أن القيادة الاسرائيلية ماضية، في سياساتها الهيستيرية، ما يقتضي التعامل بمنتهى الجدية مع التهديدات التي صدرت عن قيادات سياسية، وعسكرية، بعدما قال لنا وزير معني “لم نتلقّ حتى اللحظة أي تطمين أميركي حاسم حول الحؤول دون حكومة بنيامين نتنياهو وشن عملية عسكرية ضد لبنان”.
لطالما شكّل لبنان هاجساً توراتياً للإسرائيليين الذين يبدو أنهم يزمعون، هذه المرة، ليس بناء الهيكل بخشب الأرز، وانما بعظام اللبنانيين. لاحظنا في رسائل دافيد بن غوريون وموشي شاريت رغبة أركان الدولة العبرية في استيعاب لبنان الذي كانوا، وما زالوا، يعتبرونه دولة هجينة، وغير قابلة للبقاء. لنكرر إذا كان هنري كيسنجر قد وصف لبنان بـ “الفائض الجغرافي”، الذي يستعمل في تسوية بعض أزمات المنطقة، رأى فيه آرييل شارون “الخطأ التاريخي” الذي ينبغي تصحيحه.
كلام كثير في الظل حول سيناريو ما لإحلال لبنان محل الأردن ـ وهو الوديعة الانكليزية ـ كوطن بديل للفلسطينيين (وكاد ياسر عرفات ينفذ ذلك على الأرض)، بعد ترحيل الشيعة. ولكن ألا يعاني لبنان من الاختناق الديموغرافي الذي يجعل من المستحيل اعتماده كوطن بديل الا لعرب الجليل الذين، في رأي الجنرال شاوول موفاز، لا يشكلون شوكة بل سكيناً في الخاصرة الاسرائيلية.
لنقرأ عشرات الأبحاث التي صدرت عن معاهد اسرائيلية متخصصة. لبنان مهيأ، كلياً، لتطبيق الخطة الاسرائيلية. كيف يمكن سقوط الوضع المالي، والى حد كارثي، بعيداً عن أي دفع خارجي (ثمة شواهد كثيرة على ذلك)؟ وكيف يمكن أن تصل الدولة الى حالة التحلل الكامل، وبما تعنيه الكلمة، بمنأى عن رؤية ما لإحداث تغيير بنيوي في الصيغة، أو في الخارطة اللبنانية؟ وهل يمكن أن يتداخل الفراغ في قصر بعبدا مع الفراغ في السراي الحكومي (في حدود تصريف الأعمال)، باعتبار ذلك مسألة روتينية في مسلسل الأزمات اللبنانية، حين يكون الوضع الدولي، وكذلك الوضع الاقليمي، على ذلك المستوى من الضبابية التي تشرّع الأبواب على كل الاحتمالات؟
بإمكاننا التأكيد أن هناك قيادات حزبية وضعت كادراتها في حالة من الاستنفار القصوى للتعامل مع المرحلة المقبلة التي يمكن أن تكون من أكثر المراحل حساسية على مدى المائة عام المنصرمة، بعدما كنا قد لاحظنا الاجراءات المتلاحقة لإحكام الحصار على سوريا، ليبقى مصيرها، ومصير لبنان، على صفيح ساخن.
حديث في الظل عن تزامن أي عملية عسكرية ضد لبنان بإقفال كل المعابر بين سوريا والعراق، بالاتفاق مع أطراف سورية محلية تؤازرها، وتتولى ادارتها، قوى خارجية.
كل هذا يتزامن مع اصرار أميركي على ابقاء نحو مليوني نازح سوري على الأرض اللبنانية، وفي توزيع جغرافي يثير المخاوف فعلاً. أخذاً بالاعتبار (اسألوا وزير الداخلية) النشاطات المشبوهة لآلاف المنظمات غير الحكومية NGO في صفوف النازحين، وقد باتوا ـ شئنا أم أبينا ـ جزءاً لا يتجزأ من الحالة اللبنانية. قريباً… من النسيج اللبناني.
رهان اسرائيلي على تشابك أي عملية عسكرية ضد “حزب الله” مع اعلان قيادات حزبية، وطائفية، “مناطقها” مناطق مقفلة، بانتظار انشاء كانتونات، أو دويلات، لطالما وصفها “حكماء الجمهورية” بأنها ستكون كمقابر للطوائف أن لم تكن مقبرة للبنان.
هل يدري هؤلاء ما هي “اسرائيل”، بتلك الايديولوجيا العمياء، للرهان عليها في عملية عسكرية لآ يمكن لأي كان أن يتكهن بتداعياتها على لبنان، بل وعلى المنطقة؟
مثلما ترى في الفلسطينيين “حيوانات بشرية “، ترى في اللبنانيين أيضاً. المصير اما الاجتثاث أو التدجين. من فضلكم أبدلوا مصطلح “التطبيع” بمصطلح “التدجين” وانتظروا ما هو أشد سوءاً…