رأي

على من تقرأ مزاميرك يا داود ؟(أسامة مشيمش)

 

بقلم د. أسامة توفيق مشيمش – الحوارنيوز

 

في لبنان، تتكرر العناوين وتتشابه النهايات، ويبقى الثابت الوحيد هو أن من يملك الكلمة الفصل ما يزال يتمترس خلف مفرادات السيادة والمقاو.مة، فيما البلد يتخبط في أزماته، وكأن الزمن عاد بنا إلى ما قبل نقطة الصفر، إلى ما تحتها تحديداً.

 

حين يتحدث الرئيس نبيه بري عن السيد حسن نصر الله قائلاً: “أخي ورفيق دربي”، وحين يصف سلاح “حز.ب الله” بأنه “عزنا وفخرنا”، ويرفض أي مشروع اقتصادي أو إنمائي يطال القرى الأمامية – تلك التي صارت تُسمّى الآن ” قرى الحافة الأمامية” – فإن هذا الكلام لا يمكن أن يُقرأ إلا في سياق تثبيت موقع ودور “الثنائي الشيعي” كقوة ضامنة وحاسمة، ليس فقط في المعادلات العسكرية، بل أيضاً في أي مشروع سياسي أو اقتصادي مستقبلي.

 

هذا الكلام لا يحتاج إلى كثير من التأويل. هو إعلان واضح بأن لا تسوية تمرّ من دون رضا هذا الفريق، ولا حلول تُفرض من الخارج أو حتى من الداخل إذا لم تأتِ عبر بوابة الحوار الذي يقوده الثنائي، لا سيما أن الدعوة إلى الحوار باتت هي العملة السياسية الوحيدة المتداولة في بلد أفلست كل أوراقه الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

 

في هذا السياق، جاءت تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء ، طارق متري، حين قال إن “ورقة الإملاءات الأميركية قد سقطت”. هذا التصريح لا يقل دلالة عن تصريحات دولة الرئيس نبيه بري، إذ يعكس فهماً متقدماً بأن الضغوط الدولية، مهما كانت مكثفة، لم تعد قادرة على إحداث الخرق المطلوب في جدار الأزمة اللبنانية.

 

لكن هل يعني كل ما سبق أن لبنان في طريقه إلى الإنقاذ؟ أم أننا نعيش تكراراً مأساوياً لمشهد لطالما حفظناه عن ظهر قلب: دولة لا تحكم، وشعب لا يحاسب، والمقاو.مة تحمي الدولة، وحوار لا يولد إلا تسويات هشة لا تلبث أن تتبخر؟

 

الواقع يقول إن المنتصر في هذه الجولة ليس من يفرض الشروط أو يضع الفيتوات، بل من يملك الشجاعة ليدعو إلى حوار صادق، وهمّه الأول والأخير هو لبنان، هذا الكيان الذي ارتضى به الشيعة وطناً نهائياً لهم ولكل مكوناته، ودفعوا في سبيله الدم والدمع والغالي والنفيس.

 

لكن المؤلم، هو أننا وصلنا إلى مرحلة بتنا فيها نشعر بالحرج عند ذكر التضحيات، لا لأنهم ينكرونها ويتنمرون كما قال دولة الرئيس نبيه بري، بل لأننا نعلم جيداً أن من نُخاطبهم بهذه اللغة لم يعودوا يسمعون، وكأن لسان حالهم يقول: “على من تقرأ مزاميرك يا داود؟”.

 

فالذين لم يفهموا حتى اليوم أن لبنان لا يُحكم إلا بالتوافق، لا بالحسم ولا بالعناد، هم أنفسهم من يتحدثون عن السيادة بينما يُقيدون الدولة من الداخل وعن الاقتصاد بينما يرفضون أي مبادرة خارج حدود اصطفافاتهم المصلحية.

 

أما انتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية، والذي تم كما يُعرف للجميع برضا الثنائي، فهو الدليل الأوضح على أن الكلمة الأخيرة ما تزال في يد هذا المحور، وأن كل الطرق لا تؤدي إلى روما، بل إلى حارة حريك وعين التينة، حيث تُرسم الخطوط الحمر وتُحدد السقوف والخيارات.

 

ربما لم نعد بحاجة إلى شعارات جديدة، بل إلى إعادة تعريف الوطنية في هذا البلد، لأن الخلاف لم يعد على الصيغة ولا حتى على السلاح، بل على من يحق له أن يُعرّف من هو اللبناني الصالح، ومن هو المتهم بالتبعية.

 

لقد تعب اللبنانيون، جميع اللبنانيين، من لغة الحسابات الطائفية والمصالح الفئوية، من التوازنات الهشة والاتفاقات الليلية التي تُخيط بها التسويات، ومن تحوّل الحوار إلى أداة لتمييع الوقت لا لحل النزاعات.

 

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى من يملك شجاعة قول الحقيقة، لا إلى من يكرر مزامير نعرفها ولا تجد من يصغي إليها.

 

نحتاج إلى رجال دولة لا زعماء طوائف. إلى مشروع وطني لا محور إقليمي. إلى دولة تفرض سلطتها على كل الأراضي ، لا إلى دويلات تسكن في ظلها.

 

وبينما تزداد الأمور تعقيداً، يبقى السؤال معلقاً في الهواء: هل ما زال في لبنان من يسمع المزامير؟ أم أن على داود أن يصمت… فقد سئم الجميع من تلاوة لا يسمعها أحد !

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى