على ضفاف الدستور:عشرون مادة يلزمها التفسير والتوضيح وليس المادة 95 فقط!
طرحت رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب بشأن تفسير المادة الخامسة والتسعين من الدستور جدلا فقهيا واسعا في البد ،وهو سيظل قائما الى حين انعقاد مجلس النواب في السابع عشر من تشرين الأول المقبل بناء على دعوة رئيس المجلس نبيه بري.
والواقع أن عشرين مادة في الدستور اللبناني (دستور الطائف ) إن لم يكن أكثر،يلزمها التفسير والتوضيح وبينها المادة 95.وكنا قد كتبنا في هذا الموضوع تقريرا مفصلا في السابع من أيار عام 2007 ،ونشر في جريدة "السفير" في حينه ،لكنه لم يلق أذانا صاغية في ذلك الحين.
وتعميما للفائدة نرى ضرورة إعادة نشر هذا التقرير كما ورد في حينه معنونا ب:
عشرون مادة يكتنفها اللبس والغموض والتأويل وتستدعي التوضيح والتفسير والتعديل
حتـى لا يظـل بـاب الاجتهـاد مفتوحـاً فـي الدستـور اللبنانـي!
كتب واصف عواضة:
كشفت الأزمة السياسية التي يشهدها لبنان منذ استقالة الوزراء الستة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، مدى الغموض الذي يكتنف الدستور اللبناني في العديد من مواده، ما أفسح المجال أمام التأويل والاجتهاد، في غياب هيئة قانونية تفصل في الخلاف القائم، مع العلم أن هذه المهمة منوطة بمجلس النواب مجتمعاً، وهو لا يجتمع في ظل الأزمة الراهنة.
ولأن الدساتير من صنع الإنسان ولم تكن يوماً نصوصاً مقدسة او جامدة، فقد أفسح المشترع في كل الدساتير مجالاً للتعديل وبت الخلافات وأناط بالهيئات الناظمة على اختلافها مهمة التعديل أو البتّ في الخلافات. وأناط بعض الدساتير المهمة الأخيرة بهيئات قضائية مختصة كثيراً ما يعبر عنها بـ«المحاكم الدستورية» أو «المحاكم العليا». وكان آخر مثال على ذلك ما شهدته تركيا حيث قررت المحكمة الدستورية العليا إلغاء الجلسة الأولى للبرلمان التي خصّصت لانتخاب رئيس الدولة، باعتبار أن نسبة الثلثين لم تكن متوفرة في هذه الجلسة، وهو ما سيواجهه لبنان في الاستحقاق الرئاسي المقبل، وسط خلاف سياسي وفقهي حول هذا الموضوع، في غياب هيئة قضائية تحسم الخلاف من جهة، وفي غياب أكثرية نيابية مطلوبة لبتّ هذا الموضوع من جهة ثانية.
ويبدو واضحاً من خلال مراجعة دقيقة لمواد الدستور اللبناني، حجم الغموض في عدد كبير من هذه المواد، ما يستدعي التوقف أمامها عند أول فرصة يلتئم فيها مجلس النواب بأكثرية الثلثين، وذلك من أجل إزالة هذا الغموض بنصوص واضحة لا تحتمل اللبس والـتأويل، وإجراء تعديلات تلحظ قيام محكمة دستورية أو إناطة هذه المهمة بالمجلس الدستوري الذي تكاد تنحصر صلاحياته الآن في دستورية القوانين والبت في الطعون الانتخابية على اختلافها.
وهنا مراجعة لمواد الدستور اللبناني التي ينبغي التوقف عندها لإزالة اللبس والغموض منها، استناداً إلى الخلاف القائم حولها:
÷ في مقدمة الدستور:
ـ الفقرة ج: «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية…».
ـ تعقيب: ينبغي بت اللبس القائم حول مفهوم الديموقراطية في لبنان. فالديموقراطية هي حكم الأكثرية، وهو ما يتنافى مع مفهوم «التوافقية» التي ابتدعها اتفاق الطائف. فلا توافق مع الديموقراطية، وإلا وجب القول بأن «لبنان جمهورية برلمانية توافقية».
ـ الفقرة ي: «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
ـ تعقيب: لم يحدد الدستور ماهية ميثاق العيش المشترك وإن كان اللبنانيون متفقين على أنه «التمثيل العادل للطوائف في السلطات». وهنا يصح السؤال عن شرعية الحكومة، أي حكومة، يخرج منها ممثلو طائفة بكاملها وتستمر في ممارسة مهامها، كما هو حاصل اليوم في حكومة الرئيس السنيورة. ويصح السؤال في المقابل هل كلما خرجت طائفة من حكومة ما تفقد هذه الحكومة شرعيتها؟ وماذا لو استقال وزير الأقليات من هذه الحكومة؟ ومن هي الهيئة التي يفترض بها أن تحسم الجدل القائم في هذا المضمار ما دام ميثاق العيش المشترك موضع جدل في هذا المجال؟
÷ المادة 1: تنص هذه المادة في مجال ترسيم الحدود اللبنانية على:
ـ جنوباً: حدود قضاءي صور ومرجعيون الجنوبية الحالية».
ـ تعقيب: تنبغي الإشارة هنا الى الخلاف القائم حول مزارع شبعا، اذ لا تكفي الاشارة الى حدود القضاءين المذكورين لتأكيد لبنانية هذه المزارع من عدمه. فضلاً عن الخلافات القائمة حول ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
÷ المادة 12: «لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة، حسب الشروط التي ينص عليها القانون».
ـ تعقيب: إن هذه المادة منتهكة باعتماد التوازن الطائفي في الوظائف العامة. وكثيراً، بل دائماً، يُطاح بميزان الاستحقاق والجدارة والكفاءة من أجل هذا التوازن، بما يعكس ميزة لمواطن على آخر.
÷ المادة 19: «ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية…».
ـ تعقيب: إن المجلس الدستوري معطل منذ نحو سنتين. وفي غيابه أُجريت انتخابات نيابية، وقدّم بنتيجتها أحد عشر طعناً نيابياً، لم يجر البت بها حتى الآن. وصدرت عشرات القوانين التي لم تتوفر هيئة للمراجعة بها أمامها والبت بدستوريتها. وهذا الغياب يطرح اسئلة كبيرة من شأنها أن تهز بنيان الدولة بكامله. وهذه الاسئلة تطال شرعية مجلس النواب وتركيبة الأكثرية والأقلية فيه، وبالتالي شرعية الحكومة المنبثقة عن هذا المجلس، قبل استقالة الوزراء الستة. ومن هنا يفترض أن يلحظ المشترع بدائل للبت في الطعون والمراجعات في غياب الهيئة المنوطة بها هذه المهمة، حتى لا يظل عامل الشك قائماً في شرعية المؤسسات.
÷ المادة 30: «للنواب وحدهم الحق بالفصل في صحة نيابتهم ولا يجوز إبطال انتخاب نائب ما إلا بغالبية الثلثين من مجموع الأعضاء. تلغى هذه المادة حكماً فور إنشاء المجلس الدستوري ووضع القانون المتعلق به موضع التنفيذ».
ـ تعقيب: يفترض أولاً إلغاء هذه المادة وحذفها من الدستور بعد إنشاء المجلس الدستوري، حتى لا يجتهد أحد في عطف هذه المادة على المادة 19 السالفة الذكر، في غياب المجلس الدستوري، فيقال مثلاً أن مجلس النواب هو الذي يفصل في صحة النيابة لعدم وجود الهيئة المكلفة هذه المهمة.
÷ المادة 32: «يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة».
ـ تعقيب : ينبعي التوضيح هنا هل يجتمع المجلس حكماً في بداية الدورة العادية الأولى أم بدعوة من رئيسه، حتى لا يستمر الجدل الذي ما يزال قائماً منذ بداية الدورة، باعتبار ان الدورة الثانية في تشرين الأول محكومة بالانعقاد لانتخاب اللجان النيابية.
÷ المادة 33: «إن افتتاح العقود العادية واختتامها يجريان حكماً في المواعيد المبينة في المادة الثانية والثلاثين. ولرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه».
ـ تعقيب: تطرح هذه المادة اسئلة مشروعة: ماذا لو رفض رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة الانصياع لإرادة الاكثرية النيابية بفتح دورة استثنائية؟ وماذا يترتب على الرئيسين في مثل هذه الحالة؟ وماذا لو لم تتأمن أكثرية الثلثين لمحاسبة الرئيسين لإخلالهما بالواجبات؟ ألا يفترض ذلك تحديد مهلة لإصدار مرسوم فتح الدورة، او تعتبر الدورة نافذة حكماً، كما يحصل في القوانين والقرارات؟
÷ المادة 34: «لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات. وإذا تعادلت الأصوات سقط المشروع المطروح للمناقشة».
ـ تعقيب: إن تعبير «الأعضاء الذين يؤلفونه» يحتمل الـتأويل، بين أن يكونوا عدد أعضاء المجلس او الأحياء منهم، وذلك لاعتماد النصاب القانوني. وقد توقف المجتهدون عند هذه النقطة يوم انتخاب الرئيس بشير الجميل والرئيس رينه معوض عامي 1982 و,1989 وحسم الجدل باعتماد عدد الأحياء. وعليه يفترض توضيح هذه النقطة حسماً لأي جدل.
÷ المادة 41: «إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في انتخاب الخلف في خلال شهرين…».
ـ تعقيب: ماذا لو امتنع رئيس الجمهورية عن إصدار مرسوم بدعوة الهيئات الناخبة لاختيار خلف للنائب الذي يخلو مقعده لأي سبب، كما حصل عند اغتيال النائب بيار الجميل؟ ألا يفترض إيجاد بدائل دستورية لهذه الواقعة التي عطلت اختيار البديل حتى الآن؟ ولماذا لا ينوب مجلس الوزراء في هذا الأمر كما هو متبع في القوانين والقرارات والمراسيم؟
÷ المادة 49: «… ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته… كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد».
ـ تعقيب: إن الجدل القائم حول هذه المادة منذ فترة يقتضي تفسيراً سريعاً وواضحاً لها، كي لا تذهب البلاد مع كل خلاف حولها إلى مخاطر الانقسام السلطوي. يفترض تحديد النصاب القانوني لهذه الجلسة بوضوح تام لا يحتمل التأويل وإن كانت السوابق تغلّب نصاب الثلثين في الدورة الاولى.
أما الجزء الثاني من هذه المادة المتعلق بولاية رئيس الجمهورية فينبغي وضع حد نهائي له، بحيث تنتفي شهوة التمديد وتعديل الدستور كلما اقتربت ولاية رئيس الجمهورية من الانتهاء، فيمنع التمديد للرئيس تحت أي ظرف، أو يسمح له بالتمديد لمرة واحدة غير قابلة للبحث كما هو حاصل في العديد من الدول.
وفي الجزء الثالث من هذه المادة ثمة لبس ينبغي توضيحه أيضاً وهو يتناول تعبير «أو ما يعادلها»، وهو ما يحتمل التأويل بالنسبة لبعض المراكز كقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وغيرهما. وقد بدأ همس خفيف في هذا الموضوع مع تردّد اسمي قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان كمرشحين للرئاسة، من دون إجراء تعديل دستوري، قياساً لما حصل مع انتخاب الرئيس اميل لحود عندما كان قائداً للجيش.
÷ المادة 52: «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء…».
ـ تعقيب: لقد سبب الاجتهاد في هذه المادة كما هو معروف أزمة سياسية ما يزال لبنان يحصد نتاجها حتى اليوم، وذلك في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه كمعاهدة دولية. فالرئيس اميل لحود يصرّ على أنه لم يتول المفاوضة في هذه المعاهدة، وهو لم يبرمها حتى الآن، فيما تجاوزت حكومة الرئيس السنيورة هذا الاعتراض الرئاسي واعتبرت المعاهدة نافذة، بناء على اللبس القائم في هذه المادة. ومن هنا ينبغي توضيح صلاحية الرئيس في مثل هذه المعاهدات لتفادي الوقوع في المحظور مرة أخرى.
÷ المادة 53 (المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية) الفقرة 6: «يحيل مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب».
ـ تعقيب: وهذه الفقرة تطرح إشكالية تفترض التوضيح: ماذا لو امتنع رئيس الجمهورية عن إحالة مشاريع القوانين إلى المجلس النيابي؟ وهل يحق لرئيس مجلس النواب استقبال مشاريع قوانين غير محالة من رئيس الجمهورية؟.. لقد حصل ذلك وأغلق الرئيس نبيه بري أبواب المجلس أمام هذه المشاريع استناداً الى هذه المادة، وقامت قيامة الأكثرية النيابية ولم تقعد بعد.
÷ المادة 54: «مقررات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة».
ـ تعقيب: تفترض هذه المادة السؤال: ماذا لو امتنع رئيس الحكومة أو الوزير عن توقيع مقررات رئيس الجمهورية من دون تحديد مهلة لذلك، فيما الرئيس نفسه مرتبط بمهل معينة في هذه القرارات؟ ألا تستدعي ذلك إعادة النظر وربط رئيس الحكومة والوزراء بمهل معينة كي لا تتعطل أمور الدولة وشؤون الناس؟ وما هو البديل في هذه الحالة؟ صحيح أن الحكمة من وراء ذلك هي إشراك كل الطوائف في تسيير السلطة، ولكن ألم تظهر السنوات الماضية منذ اتفاقية الطائف مدى الضرر الذي تلحقه هذه المادة بالدولة والناس؟
÷ المادة 58: «كل مشروع قانون تقرر الحكومة كونه مستعجلاً بموافقة مجلس الوزراء مشيرة إلى ذلك في مرسوم الإحالة يمكن لرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يوماً من طرحه على المجلس، وبعد إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها ومضي هذه المهلة دون أن يبت فيه، أن يصدر مرسوماً قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء».
ـ تعقيب : صحيح أنه في هذه المادة المهمة جداً يكمن سر المشاركة لإحدى الطوائف الكبرى، وذلك بإعطاء رئيس مجلس النواب نوعاً من التأثير في قرارات السلطة التنفيذية، ولكن إذا ساءت نيات رئيس المجلس فمن شأن ذلك أن يعطل إقرار القوانين في المجلس الى أمد منظور، وقد يكون غير منظور، ما يستدعي إعادة النظر، ليس في هذه المادة فحسب، بل في الكثير من المواد الدستورية المتعلقة بالمشاركة، قبل الولوج إلى النظام الوطني البديل للنظام الطائفي الذي يبقى علة العلل.
÷ المادة 64: «… لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال…».
ـ تعقيب: إن «المعنى الضيق لتصريف الأعمال» يحتاج الى تدقيق وتوضيح وحصر قبل الوقوع في المحظور. فماذا لو حصلت تطورات كبرى خلال تصريف الأعمال كالحرب والسلم والحاجة لاتخاذ قرارات كبرى ضرورية قبل نيل الثقة او بعد استقالة الحكومة؟.. إن العرف السائد للمعنى الضيق لا يمكن حصره إذا طال أمد الحكومة المستقيلة لعلة ما، وقد حصل ذلك في السابق. ومن هنا ينبغي تحديد هذه المسألة بدقة.
÷ المادة 65: (في صلاحيات مجلس الوزراء) الفقرة 4: «حل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية إذا امتنع مجلس النواب، لغير أسباب قاهرة عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر أو في حال رد الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل».
ـ تعقيب: ماذا لو رفض رئيس الجمهورية الطلب من مجلس الوزراء حل المجلس النيابي؟ ومن يحاسب رئيس الجمهورية في هذه الحالة؟ أليس الأولى أن يعتبر مجلس النواب منحلاً إذا امتنع عن الاجتماع طوال عقد عادي؟.. ثمة مشكلة هنا يفترض إيجاد بدائل منطقية لها.
÷ المادة 69: (في اعتبار الحكومة مستقيلة) الفقرة ب: إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.
والفقرة (د) عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
ـ تعقيب: بالنسبة للفقرة ب فهي تطرح إشكالية استقالة الوزراء استناداً الى رفض حكومة الرئيس السنيورة استقالة الوزراء الستة. وحتى الآن لم يحسم الجدل حول هذا الموضوع. صحيح أن الحكومة لا تجتمع بأقل من ثلثي أعضائها، ولكن ماذا لو استقال أكثر من ثلث الوزراء بالتتابع ورفضت استقالاتهم، وهل يحق لأحد أن يرفض استقالة الوزير؟ وما هي الآلية لهذه الاستقالة؟
اما بالنسبة للفقرة د، فينبغي التوضيح ما اذا كانت الولاية الممددة لرئيس الجمهورية تشمل هذه الفقرة أم لا. وقد عاش لبنان نوعين من هذا النموذج مع الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود، حيث استمرت حكومة الرئيس الحريري مع الأول واستقالت مع الثاني.
÷ المادة 72: «يكف رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه. وإذا استقال لا تكون استقالته سبباً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية.
ـ تعقيب : لم يحدّد الدستور مَن ينوب عن رئيس مجلس الوزراء في حال كف يده عن العمل فور صدور قرار اتهامه. فهل تستمر الحكومة في ممارسة أعمالها بغياب رئيسها؟ ومن يتولى إدارة هذه الحكومة وفق ما تنص عليه صلاحيات رئيسها؟ وماذا لو صدرت براءة رئيس الحكومة، هل يعود إلى ممارسة عمله؟
÷ المادة 73: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس».
ـ تعقيب: تطرح هذه المادة إشكالية بدأ يدور اللغط حولها. فإذا دعا رئيس المجلس إلى جلسة انتخاب خلال المهلة الدستورية ولم يلتئم المجلس بسبب عدم اكتمال النصاب او لسبب آخر، هل تنسخ هذه الدعوة او تلغي اجتماع المجلس حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس أم تبقى هذه الدعوة الحكمية قائمة؟.. أمام هذه الإشكالية فإن المادة 73 تصبح حكماً في إطار المواد التي تستدعي التوضيح.
÷ المادة 95: «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
ـ تعقيب: لعل هذه المادة هي الأكثر أهمية وإلحاحية استوحيت من وثيقة الطائف، باعتبار أنها تحول الطائف من تسوية إلى حل دائم من خلال إنتاج وطن والخروج من النظام الطائفي. إلا أنه بعد ثمانية عشر عاماً على الطائف ما تزال هذه المادة حبراً على ورق، ولم يحاول اللبنانيون حتى تشكيل الهيئة الوطنية لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية التي هي علة لبنان الدائمة. ويمكن اعتبار ذلك تعدياً فاضحاً على الدستور وتخلياً عن أبرز بنود وثيقة الطائف، وضرباً للقيمة الوطنية لهذه الوثيقة.
وبرز الإخلال الفــاضح في هذا الامــر من خلال ما تنص عليه الفقرة ب من هذه المادة التي تقــول: في المرحــلة الانتقالية «تلغى قاعــدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقــضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسســات العامة والمخــتلطة وفقاً لمقتضــيات الوفاق الوطني باستثناء وظائــف الفئة الأولى فــيها، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحــيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».
وتبعاً لتجاهل المادة ,95 يجري تجاهل هذه القاعدة في الوظائف العامة بحيث ما زال التوزيع الطائفي يراعى عملياً في مختلف الوظائف.
خلاصة
الخلاصــة من خــلال هذه المراجعة إن عشرين مادة في الدستور اللبناني تحتــاج الى تفسير وتوضــيح وتعديل، ما يبقي باب الاجتهاد في الدستور مفتــوحاً. وقد يجد البعــض ردوداً على هذه المراجعة في عدد من المواد، لكنها ستكون اجتــهاداً يجد من يناقضه، إلى أن توضع اليد على هذا الدستور ويُصار إلى رفع اللــبس والغموض والتأويل عن مضمون هذا الكتاب.