..على شفا حرب نووية لن تحدث.. لكنها ستغير وجه العالم (محمد صادق الحسيني)
بقلم محمد صادق الحسيني
العالم لم يعد هو العالم..
ونحن على شفا حرب نووية لن تحدث.. لكنها ستغير المزيد من وجه العالم المتسارع التغيير اصلاً.
كيف !؟
دخول بوتين بعمليته العسكرية في اوكرانيا كان المؤشر الاهم في اختلال نظام او معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثايية، وبالتالي كشف عورة نظام التوازن العالمي المتأرجح منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه.
ومثل هذا لم يكن ليحدث لولا عاملين اساسيين:
١- تصدع القوة العظمى الاميركية التي كانت تقود العالم بنظام احادي القطبية ، نتيجة هزائم عسكرية متكررة ومتلاحقة على بوابات عواصم الشرق التاريخي من بغداد الى دمشق الى صنعاء وصولاً لكابول.
٢- السقوط المدوي لاوروبا في حضن امريكا ، بعد ان فشلت في الدفاع عن نفسها كقطب مستقل بعد انتهاء الحرب الباردة ، كان خروج بريطانيا من تكتلها الاقتصادي اخر علامات ذلك السقوط.
هذا بالذات هو ما جعل بوتين ينفذ عمليته الخاصة في اوكرانيا ضامناً الانتصار منذ اللحظة الاولى ،رغم علمه الاكيد بوقوف الغرب الجماعي ،كما يسمى الأطلسي، بقيادة امريكا.
وقد تمكن بوتين من تحقيق اهداف العملية العسكرية كافة، اي تحرير الدونباس ، وتدمير التسلح الاوكراني الشامل، ومنع كييف من أن تصبح دولة عضوة في الناتو.
وهكذا اهتز النظام العالمي الاحادي المترنح اكثر فاكثر.
تجرأ بوتين اكثر وصار يطلب مبارزة الغرب على حصة اكبر في النظام العالمي الجديد، و الذي اصبح فعليا متعدد الاقطاب، بعد التبلور الساطع لهذا التعدد، في قمة منتدى شانغهاي الاخيرة التي رسمت جبهة شرقية جديدة تضم اربع دول نووية هي الصين وروسيا والهند والباكستان، ودولة خامسة قادرة خلال اسابيع ان تكون كذلك لو ارادت وقررت وهي ايران.
اعلانه التعبئة ولو الجزئية وتنظيمه الاستفتاء في اربع ولايات اوكرانية لتصبح جزءا من التراب الروسي، وتهديده الغرب الجماعي بأسلحة الدمار الشامل دون ان يستعملها، ستكون معادلة الردع الاستراتيجي الاخطر بين يدي بوتين لتجعل الغرب يرضخ لعالم متعدد الاقطاب.
هل هذه التحولات العالمية بنت ساعتها!؟
كلا والف كلا..
فمنذ نحو اربعين عاماً حصل انقلاب في موازين القوى العالمية لم يكن وقتها محسوساً كثيراً من جهة ،ولم يرد العالم الاعتراف به من جهة اخرى، لكنه فعل فعله مع الايام…
فالثورة في ايران في العام ١٩٧٩ وتسلم الحكم من قبل رجال ليسوا من هذا العالم ، كان بمثابة خروج قوة تاريخية جيو- سياسية عريقة ، على النظام العالمي ونادي الدول التقليدي.
يومها ورغم سقوط وخروج كل من مصر وتركيا من الحلبة كمشروع قوة مستقل ، وهما الضلعان الاساسيان في مثلث القوة الشرقي المعروف ، الا ان انتزاع الإمام الخميني لايران من فم السبع الامريكي وبالطريقة الاستثنائية اسلوباً ورؤيةً وامتداداً واصلاً ، كان بمثابة الرصاصة الاخطر على معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.
تلك المقدمة كما يقول المناطقة هي التي ادت الى ما نعيشه اليوم من نتيجة صغرى اي تصدع النظام العالمي ، ومن ثم نتيجة كبرى اي اعلان بوتين الحرب العالمية على ما تبقى من نظام الغرب الجماعي الاحادي الظالم.
لماذا لن تحصل حرب نووية رغم دخولنا في حرب عالمية بين دول نووية !؟
لان روسيا متفوقة على الغرب عشرات المرات نووياً، اذ يكفي ثلاث قنابل من نوع “القيصر”، قوة كل واحدة منها تساوي ما يعادل ١٠٠ مليون طن “تي ان تي” كافية لتزيل واشنطن، ولندن و باريس كما تقول مراكز الابحاث الغربية.