على حماس الفوز بالمفاوضات..فوقف النار بحد ذاته انتصار(ناجي أمهز)
كتب ناجي أمهز :
في البداية: تؤكد مصادر قيادية في حماس لـ”الجمهورية” أن الحركة أبلغت حلفاءها في “محور المقاومة” أن المفاوضات الأخيرة فشلت، وقالت لهم: “يمكنكم أن تأخذوا راحتكم في الرد.”
إذا كان هذا الخبر صادرًا بالفعل عن حماس، اعتقد انه سيشكل نكسة دبلوماسية تؤثر على سير المفاوضات، لأنه لا يوجد في السياسة الدبلوماسية مثل هذه الأفكار أو المصطلحات.
اما اذا كان المقصود من النص التهديد برد حلفاء حماس، وفي مقدمتهم المقاومة في لبنان، فان المقاومة مشتبكة مع العدو الاسرائيلي منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الاقصى، والمقاومة التي قدمت مئات الشهداء على طريق القدس، لم توقف القصف والعمليات العسكرية والضخ الإعلامي وحتى التواصل مع الكثير من النخب السياسية اللبنانية لتسخير خبراتهم وعلاقاتهم وأسمائهم للدفاع عن غزة والمقاومة، وهذا ما تفعله المقاومة بشكل واسع وكبير.
وإذا كان القصد هو رد المقاومة وإيران على عمليات الاغتيال، فإنكم تلزمونهم بالرد مما يفقد الرد قيمته الاساسية في المعادلة الاستراتيجية، كما انه مع حصول الرد من قبل المقاومة وايران فانه عمليا لم يعد هناك من داع للمفاوضات. فالذي يلزم امريكا وبعض الدول العربية للقيام بالمفاوضات هو تجنب الرد الايراني والمقاومة، كما ان الرد الان يحرر نتنياهو ويحقق له ما يريده وهو ما أكدته القراءات السياسية والدولية بأن نتنياهو يسعى لجر المنطقة إلى الحرب.
كما لا يجوز طرح مثل هذه المقاربة في عملية تفاوض يتواجد فيها العديد من الدول، ومنها دول عربية تحرض على ايران والمقاومة، وهي على علاقة طبيعية مع الكيان الاسرائيلي.
أما إذا كان قصدكم هو إرسال رسالة إلى أمريكا والكيان الإسرائيلي بأنه إذا لم يتقدموا في المفاوضات “فسنشعل المنطقة وندع حلفاءنا يأخذون راحتهم”، فلا أعتقد أن السياسيين الكبار يتأثرون بهذا الكلام الذي لا يصلح حتى في خلاف بين أولاد الحي “الذي يقول للآخر: أنا سأدع إخوتي يتدخلون.”
الرجاء إما نفي هذا الخبر، أو في حال كان صادرًا عنكم بالفعل، الرجاء إقالة الشخص الذي صرح به.
أما في ما يتعلق بالمفاوضات، فقد صنعت السياسة البريطانية مقولة “لا يمكن التفاوض مع النمر ورأسك داخل فمه.”
كل ما يقوم به الإسرائيلي الآن هو السعي للمفاوضات بينما رؤوس أطفال ونساء غزة داخل فمه، ما يمنحه هامشًا من الاطمئنان بأن العالم سيرضخ لشروطه التفاوضية، ويسعى لإيجاد حل لإرضاء الكيان الإسرائيلي، على الأقل لسحب هذه الرؤوس ومن ثم الانتقال إلى مربع آخر.
وهناك أمر آخر يستفيد منه نتنياهو، وهو الضخ الإعلامي الكبير الذي ينشر بعض تصريحات حماس ما يفقدها عامل الثقل السياسي، بل يحول أخطر وأعقد المفاوضات في القرن الحادي والعشرين إلى عملية بروباغندا إعلامية تفرغها من قضيتها الجوهرية والأساسية. هنا يجب الانتباه جيدًا بألا تتحول المفاوضات إلى وسيلة لظهور البعض أو محاولة إبراز بعض الوجوه.
قضية غزة الآن أكبر من الجميع، حتى من الدول التي تسعى لإشراك نفسها بالمفاوضات من خلال التقرب من حماس.
كما يجب استغلال الوقت الضائع الذي تحتاجه أمريكا بشقيها الديمقراطي والجمهوري.لأن الحزب الديمقراطي يريد تسجيل مكسب سياسي في ما يتعلق بغزة، ليس نصرةً لغزة أو لأنه ضد العدوان الإسرائيلي، بل لاستثماره في معركة الرئاسة الأمريكية.
ما تقوم به المقاومة في جنوب لبنان يشكل ورقة ضغط كبرى لصالح حماس، والعالم أيضًا يستثمر بورقة المقاومة للضغط على نتنياهو ليعلم أن ما تعجز حماس عن فعله في غزة، تكمله المقاومة في لبنان، وخاصة أن الإعلام العبري بدأ بالحديث عن الخسائر التي يتكبدها العدو الإسرائيلي جراء معركة شمال فلسطين.
حتى الرد الإيراني هو بحد ذاته ورقة ضغط كبرى ومؤثرة إقليميًا ودوليًا، وتداعيات الرد الإيراني ليست بعدد إصابة الأهداف أو عدد القتلى في الكيان، بقدر ما هي رسالة بأن عاصمة الكيان قد قُصفت.
يجب على حماس أن تستفيد من هذا التقاطع بقوة، لأنه الفرصة الأهم، كما أنه لا يرتب عليها أي شروط أو ضغوط.كل ما يقوم به الحزب الديمقراطي للنجاح في المفاوضات يقابله الحزب الجمهوري بعرقلة هذه المفاوضات لإفشال مهمة الحزب الديمقراطي.
لهذا، يستفيد نتنياهو من هذا التناقض ومن الصراع الرئاسي في أمريكا ويستثمره لصالحه وصالح حكومته، خاصة أنه لا يريد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، لأنه يعلم أنه في حال تم الإفراج عن الأسرى، سيواجه مشكلة داخلية كبيرة جدًا، يعقبها محاكمات سياسية، وربما وقف إطلاق النار قد يؤجج الكيان الإسرائيلي بفوضى عارمة تصل إلى حد التصادم الداخلي.
اليوم مطلوب وقف النار، وهذا هو العامل الأهم. وقف إطلاق النار بحد ذاته انتصار، لأنه عندما يتوقف صوت الرصاص سينطلق الإعلام العالمي لينال من حكومة نتنياهو.
نتنياهو لا يمتلك إلا حلًا واحدًا وهو الذهاب إلى حرب كبرى في المنطقة للتغطية على جرائمه وعجزه وفشله السياسي.وإذا حصلت الحرب الكبرى، كل هذه الأوراق ستحترق ولم يعد لها معنى في المفاوضات القادمة، ما يعني أنه يجب أن يحصل متغير كبير، ربما احتلال أحد البقع الجغرافية في الكيان الإسرائيلي، حتى يذهب الجميع إلى مفاوضات كالتي تجري الآن.
في ظل وصول الحزب الجمهوري إلى سدة الرئاسة في أمريكا، سيكون الشرق الأوسط أمام تعقيدات كبيرة جدًا، خاصة أن العالم العربي والإسلامي في سبات عميق.
والسلام!