الحوارنيوز – خاص
ألقي الدكتور عصام خليفة كلمة في يوم البيئة – أميون الذي عقد اليوم وتميزت، كلمته بمجموعة أسئلة تتصل بالملفات البيئية في لبنان معطوفة على السياسات التي شرّعت للمخالفات أو تتغاضى عنها.
واعتبر أن هذه السياسات تعرض اللبنانيين لإبادة منظمة.
الحوارنيوز تنشر كلمة خليفة كاملة لما تضمنته من أسئلة علمية مشروعة وحقائق،وهذا نصها:
عندما كنت أبحث في الأرشيف العثماني في الديمغرافية التاريخيّة والضرائب والانتاج للنواحي اللبنانيّة في القرن السادس عشر، اكتشفت أنّ أميون كانت تدفع أعلى مبلغ من الجزية (على الذكر الناضج 130 آقجة) بينما الجزية في ناحية البترون كانت 89 آقجة.
والملفت أن مجموع جزية أميون خصّصت في عهد السلطان سليمان القانوني، لترميم أسوار القدس. فتحيّة لأميون ومثقّفيها لا بل تحيّة للكورة الخضراء، ولما تختزن هذه المنطقة من طاقات بشريّة وعلميّة واقتصاديّة متفوّقة. واسمحوا لي أن أحيي جميع الحاضرين لهذا اللّقاء من جمعيّات بيئيّة وأفراد هدفهم الدفاع عن جغرافية إنسان الوطن.
أيّها الحفل الكريم،
الكارثة البيئيّة الّتي يعاني منها شعبنا، في المرحلة الراهنة، هي جزء مكمّل وأساسي لعمليّة الإبادة الجماعيّة الّتي نتعرّض لها (سرقة أموال المودعين، إنهيار خطير في العملة، انفجار المرفأ، زيادة الأسعار عشرة آلاف % منذ 2019 حتّى الآن، النزوح السوري الكثيف واللاّجئين الفلسطينيّين، الهجرة الى الخارج، واللائحة تطول…
سأطرح بعض الأسئلة، ثمّ أطرح بعض الحلول.
أوّلًا : في الأسئلة
1- لماذا تحتكر شركات الاسمنت السوق اللبناني ؟
2- ولماذا تعمل أغلب مقالع هذه الشركات مخالفة للاصول وللقوانين ؟
3- لماذا لا تلتزم بإعادة تأهيل المقالع ؟ ولماذ سُمح لها باستعمال الديناميت ؟
4- لماذا أطلقت يدها في أشغال الأملاك العامّة البحريّة وجزء من الأملاك العامّة النهريّة ؟
5- لماذا أُعطيت حقّ استملاك كميّات هائلة من المياه ؟
6- لماذا سُمح للشركات بنسبة 6% معدّل الكبريت في الفيول، في حين أنّ المعدّل العالميّ المسموح به هو 1،75% ؟
7- كيف تخزّن مادّة بيتروكوك في هنغار مفتوح ضمن منطقة سكنيّة ؟
8- لماذا سُحبت مقالع وكسّارات الكورة من المرسوم الصادر في تشرين الأوّل 2002 ؟
9- لماذا لم ينفَّذ الاتّفاق بين اتّحاد بلديّات الكورة ووزارة البيئة وشركات الإسمنت الّذي يؤكّد على تنفيذ مشاريع إنمائيّة في الكورة على شكل هبات غير مشروطة ؟
10- رغم صدور 3 قرارات عن مجلس الوزراء، لماذا لم تستطع الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلّ جذريّ يعتمد ما أوصت به الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي ومرسوم تنظيم المقالع والكسّارات الّتي لا تزال تنهش جبال الكورة وتتسبّب بالأمراض المختلفة ؟
11- لماذا لا تُنشر تسجيلات محطّات قياس الغبار وانبعاثات الغازات في أربع بلدات في الكورة ؟ ولماذا أمرت جهات رسميّة حجب المعلومات عن الأهالي ؟ وما هو موقف النوّاب من هذا الأمر.
12- كيف يسمح باقتلاع عشرات آلاف أشجار الزيتون، ولماذا سُمح بحفر الأرض على عمق يصل إلى 25 مترًا، الأمر الّذي يؤدّي إلى مستنقعات وانتشار مرض عين الطاووس الّذي أضرّ بأكثر من 400 ألف شجرة ممّا أدّى إلى تراجع المواسم ؟
13- لماذا يغضّ المسؤولون نظرهم عن استيراد زيت الزيتون الأمر الّذي ينافس الإنتاج المحلّي ؟
14- ألا يؤدّي رمي النفايات الصناعيّة السامّة دون أيّة معالجة، إلى تلوّث مصادر المياه السطحيّة والجوفيّة، ثمّ ألا يلوّث البيتروكوك والكلينكر مياه البحر ممّا يؤثّر على الثروة السمكيّة وعلى سلامة روّاد أجمل شاطئ في لبنان ؟
15- من يعوّض على الناس الّذين خفضت أسعار أراضيهم بسبب المقالع ؟ وماذا عن الفلاتر في المصانع ؟ وماذا عن الأمراض السرطانيّة، وهل حقًّا أن نسبة السرطان تبلغ 31% في فيع و26% في شكا (أي 5 أضعاف المعدّل الوطنيّ) ؟
ثانيًا : في الحلول / المطالب
لقد قدّمت الحركة البيئيّة المذكّرات إلى المراجع الدوليّة طارحةً الحلول للمشاكل المتفاقمة. والشكر كلّ الشكر للدكتورة “فيفي كلاّب” الّتي أطلعتني على إحدى المذكّرات الهامّة المقدّمة إلى المراجع الدوليّة. ومنها أستوحي هذه المطالب الّتي أتمنّى أن تندرج في توصيات المؤتمر :
1- انتقال المقالع وحصرها بالسلسلة الشرقيّة كما أوصى المخطّط التوجيهي لترتيب الأراضي.
2- رفع الاحتكار والسماح باستيراد الإسمنت بالأسعار المتداولة (السعر الداخليّ ضعف السعر العالميّ ؟!)
3- إعتماد المعايير الدوليّة وإلزام شركات الإسمنت بتطبيقها.
4- الإستيعاضة عن البيتروكوك بوقود أقلّ ضررًا.
5- إستصدار تصنيف الأراضي بمراسيم وليس بقرارات.
6- عدم الموافقة على إعطاء أو تجديد رخصة لمستثمر لم يقم بتأهيل موقع استثماره سابقًا.
7- إجراء فحوصات دوريّة على المياه.
8- دراسة تقييم مدى خطورة التعرّض للغبار في المناطق المجاورة.
9- دارسة إنتشار تلوّث الهواء.
10- تأليف لجنة لرصد الأضرار وجمع المعلومات الصحيّة عن سكّان البلدات.
11- مطالبة وزارة البيئة بتشغيل وصيانة آلات مراقبة التلوّث بصورة مستدامة وإعطاء نتائجها للبلديّات والجمعيّات البيئيّة .
12- تألف لجنة مراقبة مستقلّة من أصحاب الكفاءة والاختصاص لمتابعة أعمال الشركات.
13- المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانيّة :
– تفتح ملفّ المقالع والكسّارات.
– تغرّم المستثمرين المخالفين والمتواطئين معهم.
– المطالبة بالتعويض المحقّ للبلدات المتضرّرة من جرّاء المخالفات المرتكبة.
– تدرس أسباب تعطّل محطّات تكرير الصرف الصحّي والجهات المسؤولة عن ذلك.
في ختام كلمتي، إسمحوا لي أن ألفت إلى أربعة أمور :
الأوّل : على مدخل طرابلس يُوجد مطمر بالغ الخطورة، قال عنه الخبير البيئيّ الشّجاع “ريمون متري” أنّه يمكن أن يشكّل إنفجارًا أخطر من إنفجار مرفأ بيروت.
فمن يهتمّ بمواجهة هذا الخطر ؟
الثاني : أهالينا في شكّا يعانون من العطش وثمّة سدّ في منطقة المسيلحة لا يخزّن ماء. وبين شكّا والهري يصبّ تحت الشاطئ مجرى مائي صبيبه السنويّ 700 مليون م3 (أي بكميّة نهر الليطاني).
السؤال الّذي يطرح في وجداني : لماذا لم تخصّص أموال السدّ الفاشل لاستخراج مياه النهر الّذي يُهدر في البحر. ألم يكن بالإمكان بيع مياهه إلى قبرص العطشى، ألم يكن بالإمكان تمرير قنوات تحت خطّ الأوتوستراد لتأمين المياه على امتداد الشاطئ من عكّار شمالًا إلى بيروت جنوبًا ؟
الثالث : الحفاظ على البيئة والأشجار كانت بالنسبة لأجدادنا فرضًا دينيًّا. فقد جاء في المجمع اللبناني 1736 (القانون 519) : “لا تقطع الأشجار المثمرة والنامية إلاّ إذا وجب قطعها ورخّص الرئيس المكاني فيه…” فكيف تسمح بعض الجمعيّات الدينيّة أن تتاجر بقطع الأشجار ؟!
الرابع : ثمّة فضيحة كبرى كانت في أساس تلوّث أنهرنا ومياهنا :
عدم تنفيذ محطّات تكرير الصرف الصحّي. فإلى متى يسكت القضاء عن هذه الكارثة ؟ وإلى متى يتهرّب النوّاب والمسؤولون عن التصدّي لهذه القضيّة ؟
أيّها الأصدقاء،
كوارثنا البيئيّة جزء من عمليّة إبادتنا الجماعيّة. فهل نستسلم أم نتحرّك ضدّ ملتزمي ورشة الإبادة ؟
هذا هو السؤال وهنا تكمن القضيّة.