عشر نقاط مهمة يجب معرفتها عن توسيع الشرايين
في مطلع عام 2019، وبهدف تعميم ثقافة العلم والمعرفةعلى اوسع شريحة من اللبنانيين ، كان لا بد لنا من جولة أُفق سريعة على آخر المستجدات والتطورات العلمية التي وصلت إليها عمليات علاج توسيع الشرايين التاجية للقلب بواسطة التقنيّات او الطرق التدخّلية ،اي عمليات توسيع هذه الشرايين بواسطة البالون والروسور ووضع اللبنانيين عامة والمصابين بأمراض تصلّب الشرايين خاصة، في اجواء آخر ما توصّل له طب القلب التدخّلي في هذا المجال . ومن المُمكن إيجاز اهمّ هذه التطورات وتلخيصها بشكل مُختصر ومُكثّف بهذه النقاط العشر التالية:
١-مع نهاية عام 2018 وبداية عام 2019، أصبحت معظم هذه العمليات تتم عبر إستعمال شريان المعصم(الشريان الكعبري : Radial Artery) في حوالي 95% من الحالات في لبنان وفي معظم الدول المتقدمة ،ويتم فقط إستعمال شريان الفخذ(Femoral Artery) في باقي الحالات اي عند 5% فقط من المرضى، عند وجود صعوبات كبيرة للمرور عبر الشريان الكعبري الأيمن أو الأيسر، او عند المرضى الذين يعانون من انسداد في هذه الشرايين او الذين خضعوا لعمليات قلب مفتوح مع زرع جسور أبهرية-تاجية ،ذلك لأنّ المرور من شرايين الفخذ يسمح بالبحث عن هذه الشرايين بطريقة أسهل وأسرع خاصّةً عند المرضى المتقدمين بالسن الذين يعانون من وجود إعوجاجات مع تكلّس شديد في شرايينهم.كذلك قد يختار بعض الأطباء المرور من شرايين الفخذ(الأيمن او الأيسر)عند إجرائهم عمليات خطيرة أو دقيقة جداً تستدعي أن يكون عندهم ثبات شديد في فوّهة الشريان التاجي ،ما يمكّنهم من الحصول على قوة دفع قوية جداً في الشريان التاجي للقلب مثل عمليات توسيع النهر الكبير الأيسر أو عمليات توسيع الشرايين المتكلّسة جداً او التي توجد فيها إعوجاجات كثيرة ،أو الشرايين التي توجد فيها تفرّعات كثيرة حيث يضطر الطبيب لإستعمال مسابر قطرها عريض(7 او 8 French )لكي يستطيع ان يمرر في داخلها عدة أسلاك وعدة بالونات وراسورات في ذات الوقت.
٢-إنّ عمليات توسيع الشرايين بالبالون والروسور Primary Angioplasty بحالة طارئة ،أي عند وصول المريض مباشرةً الى المستشفى بعد تعرّضه لذبحة قلبية حادة او لحالة خناق صدري غير مستقر، تعتبر حالياً العلاج الأول والأكثر فعالية الذي يجب ان نعرضه على المريض ،خاصةً اذا وصل المريض الى المستشفى خلال الساعات الأولى من بدء ظهور علامات الذبحة القلبية(يُفضّل ان يصل الى المستشفى في أول ساعة من بداية الأعراض) لكن الفوائد الكثيرة المترتّبة على هكذا علاج تبقى مهمة جداً حتى بعد ٦ ساعات و ١٢ ساعة ،وهنالك دراسات تشير الى إمكانية ان يكون ذلك مفيداً في فتح الشريان حتى في أول ٢٤ ساعة من بداية ظهور الأعراض.ولا يستحسن حالياً علاج المريض بواسطة الأدوية المضادة للتجلط Thrombolytics او Fibrinolytics إلا اذا وصل المريض الى مستشفى غير مجهّز بغرفة تمييل(مستشفيات بعيدة عن المدن الكبرى او المراكز المجهزة لإستقبال حالات القلب)أو اذا كانت غرفة التمييل مشغولة بعلاج مريض آخر ،وعند ذلك من الممكن أن يعطى هذا الدواء الذي نترك له المجال لإذابة الجلطة الموجودة داخل الشريان ولفتحه بإنتظار أن يخضع لاحقاً لعملية التمييل او القسطرة لفتح الشريان نهائياً، لأنّ هذه الأدوية لا تغني كلياً عن عملية التمييل التي يجب ان يخضع لها المريض لاحقاً بعد إذابة الجلطة لفتح الشريان كلياً ووضع روسور في المكان المتضيّق.
٣-إنّ عمليات توسيع الشرايين بالبالون والروسور تعالج حالياً حوالي ٧٥ الى ٨٠% من أمراض تصلب الشرايين التاجية للقلب ،ذلك بسبب التطورات الهائلة التي قام بها أطباء القلب والخبراء في هذا المجال منذ إجراء العملية الأولى لتوسيع الشرايين والتي قام بها الطبيب السويسري من أصل نمساوي ويُدعى Andreas Gruntzing سنة ١٩٧٧.وقد شهد علاج هذه الأمراض تطورات هائلة منذ ذلك التاريخ بحيث أصبح من الممكن علاج معظم الحالات بواسطة هذه التقنيات.أمّا الجراحة القلبية فهي فقط محصورة لعلاج الحالات المعقدة جداً او التي يكون فيها إنسدادات متعدّدة او متكلّسة جداً على الشرايين التاجية للقلب او موجودة في أماكن خطيرة او عند مفترقات الشرايين.
لم تعد هذه العمليات تعرّض المريض كما في السابق لمخاطر كبيرة وأصبح من الممكن للمريض الذي يخضع لهكذا عمليات أن يخرج من المستشفى غالباً في اليوم التالي بعد إجراء العملية خاصةً اذا كانت العملية سهلة وخاصة أيضاً إذا أُجريت عن طريق شرايين المعصم.أما المضاعفات الجانبية لهذه العمليات فقد أصبحت نادرة جداً مع تطور التقنيات وهي بنسبة لا تتجاوز ٢ الى ٣ بالألف، وتشمل بعض حالات الوفيات النادرة او بعض الذبحات القلبية نتيجة عدم التمكن من فتح الشريان أو تمزّق الشريان(انقطاعه) او انسداده بالكامل خلال العملية مع حالة صد قلبية ناتجة عن تجمّع الدم في غشاء القلب.وكل هذه الأعراض الجانبية أصبح لها حالياً علاجاتها المتخصّصة بها ،وبالتالي أصبحت مخاطر هذه العمليات نادرة جداً في المراكز المجهّزة والمتمرّسة على إجراء هكذا عمليات.
٤-لا يُشترط حالياً للخضوع لعملية توسيع الشرايين التاجية للقلب وجود قسم لجراحة القلب في ذات المستشفى التي يخضع فيها المريض للعملية.وبحسب القانون اللبناني يكفي أن تكون المستشفى التي يخضع فيها المريض لهكذا عملية متعاقدة مع مستشفى مجهزة لعمليات القلب المفتوح تبعُد فقط مسير ساعة بالسيارة من المستشفى المذكور ،ذلك لأنه عكس الماضي لم تعد هناك حاجة ملحّة لأن يخضع المريض بحالة طارئة لعملية قلب مفتوح بعد فشل عملية التوسيع بالبالون والروسور اذا ما تعرض المريض لمضاعفات جانبية، لأنّ كل هذه المضاعفات الجانبية أصبحت نادرة جداً مع تقدم هذه التقنيات.
٥-كما أشرنا في في مقالات سابقة يستعمل الأطباء في لبنان الروسورات المطلية بالدواء (Drug Eluting Stents:DES)في حوالي ٩٥% من الحالات ،خاصةً مع إنخفاض أسعار هذه النوعية الأخيرة من الروسورات،أمّا الروسورات العادية غير المطلية بالدواء (Bare metal stent :BMS) فهي فقط تستعمل عند بعض المرضى الفقراء جداً غير القادرين على تغطية كلفة الفرق المترتب عليهم نتيجة زرع روسور مطلي بالدواء.ومن غير المسموح في سنة ٢٠١٩ أن نعمد لزرع روسورات عادية خاصةً عند المرضى الشباب او المصابين بمرض السكري او المصابين بإنسدادات متعدّدة في أماكن خطيرة على شرايين القلب.
٦-تبلغ كلفة عملية التمييل حالياً مع زرع روسور مطلي بالدواء حوالي ٤٥٠٠ الى ٥٠٠٠ دولار إذا كان المريض على حسابه الخاص .لكن بعض المستشفيات قد ترفع بشكل كبير جداً هذه التكلفة حسب شهرتها وتصنيفها وأمور أخرى لها علاقة بشهرة الطبيب وغيره.
وتبلغ كلفة العملية مع زرع روسورين مطليين بالدواء حوالي ٦٥٠٠ الى ٧٠٠٠ دولار. وهنا نشير إلى أن نسبة المرضى الذين يتعالجون على حسابهم الخاص في لبنان لا تتجاوز ال ٥ الى ١٠% في بعض المستشفيات وهي تنخفض بشكل كبير كلّما ابتعدنا عن مستشفيات العاصمة واقتربنا الى المستشفيات الريفية والنائية ،حيث تزداد هناك نسبة المرضى الذين يتعالجون على حساب وزارة الصحة بسبب الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة في تلك المناطق، وتغطي كل الجهات الضامنة تقريباً كلفة هذه العمليات بعد الحصول على موافقة مسبقة أو مؤخرة من الجهة الضامنة،ويدفع المريض حوالي ٥٠٠ دولار كفرق ضمان إجتماعي لتركيب روسور واحد، وحوالي ٧٥٠ دولار لتركيب روسورين مطليين بالدواء.كذلك تقدّر كلفة الفرق بحوالي ٥٠٠ دولار لتغطية كلفة روسور واحد مطلي بالدواء على حساب وزارة الصحة أو الضمان وحوالي ٧٠٠ دولار لتغطية فرق تركيب روسورين.أما المؤسسات الأخرى مثل الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي وتعاونية موظفي الدولة وبلدية بيروت فهي تغطي بشكل عام كلفة هذه العمليات بحسب النسبة التي تشملها تغطية المريض او والديه او أبنائه(٨٠ الى٩٠%….)
ونشير هنا الى أنّ المؤسسات العسكرية بشكل عام تحصل على تسعيرات أقل كلفة من غيرها من المؤسسات الضامنة نتيجة ضغطها على المستشفيات وعلى الشركات التي تسوّق للروسورات ،ولأنها تستدرج عروضا لكميات كبيرة من الروسورات وتأخذ لذلك أسعارا منافِسة بشكل كبير، كما يحصل بالنسبة لمعظم أنواع الأدوية المرتفعة الثمن، وخاصة أدوية علاج السرطان كما أوردت المعلومات التي نشرتها مؤخراً في تحقيق أجرته جريدة "الأخبار".
٧-يجب على كل المرضى الذين خضعوا لعملية بالون مع روسور تناول أدوية مضادة للتخثر على نوعين ،إمّا ال Aspirin مع دواء آخر يدعى Plavix أو Clopidogrel 75mg(حبة باليوم)وإمّا ال Aspirine100mg حبة باليوم مع دواء آخر يسمى Ticagrelor(Brilinta 90 mg) حبتين باليوم.على أن يبدأ المريض بهذا العلاج قبل أيام من التحضير لعملية توسيع الشريان مع الروسور وان يكمل هذا العلاج ( Aspirin+clopidogrel او Aspirin+Brilinta لمدة شهر)في حال كان الروسور عاديا أي غير مطلي بالدواء ولمدة تتراوح بين ٣ الى ٦ أشهر او ٦ اشهر او اكثر غي حال كان الروسور مطليا بالدواء على ان تكون هذه الفترة لمدة سنة على الأقل في حال كان المريض قد تعرض لذبحة قلبية حادة او لحالة خناق صدري غير مستقر ACS(Acute Coronary Syndrome) .
ولا يجب على المريض قطعاً إيقاف هذين الدواءين مهما كانت الأسباب إلا بعد إستشارة الطبيب الخاص.ففي بعض الحالات الطارئة قد يحتاج المريض الى عملية جراحية قلبية او غير قلبية (تغيير ورك،جراحة في الركبة،جراحات عظمية اخرى،جراحة في البطن او الحوض او البروستات)بحالة طارئة ،ولذلك يجب إستشارة طبيب القلب وإيقاف ال Aspirin والدواء المضاد للتخثر الآخر قبل ٣ أيام من العملية بالنسبة للBrilinta ،وقبل خمسة أيام من العملية بالنسبة لل Plavix.ويوضع المريض خلال هذه الفترة تحت علاج بديل قد يكون من نوع الأبر المضادة للتجلط التي تؤخذ تحت الجلد(Lovenox)بجرعات كافية لمنع الإنسداد المفاجئ للراسور.
لا يجب أبداً التذرع بسعر او كلفة الأدوية المضادة للتخثر لإيقافها من دون أي مبرر لأن ذلك يعرّض حياة المريض للخطر.وفي حال احتاج المريض لأي عمل جراحي أو لعلاج في الأسباب بعد عملية توسيع الشرايين مع زرع روسورات ،يجب تأخير العملية الى أطول وقت ممكن من تاريخ عملية التوسيع لكي لا نعرّض حياة المريض للخطر بسبب إنسداد مفاجئ في الروسور(٣ أسابيع على الأقل بعد عملية زرع روسور عادي وشهرين الى ٣ أشهر على الأقل بعد عملية زرع روسور مطلي بالدواء).
٨-إنّ خضوع المريض لعملية توسيع للشرايين بواسطة تقنيات زرع الروسورات لا تُغني المريض أبداً عن استكمال كل الأدوية التي يتناولها لعلاج مرض ارتفاع الضغط الشرياني او مرض السكري او ارتفاع الدهنيات أو الأمراض الأخرى.ولا تغنيه أبداً عن اعتماد كل وسائل الوقاية المعتمدة لمنع وقوع إصابات جديدة على الشرايين التاجية للقلب او لمنع معاودة إنسداد الشرايين في الأماكن التي تم توسيعها ،لذلك على المريض قطعاً إيقاف التدخين في كل الحالات واتباع نظام غذائي صحي خالي من الذهنيات والقيام بتمارين رياضية منتظمة لمدة ٤٥ دقيقة على الأقل في كل مرة وبمعدل ٣ مرات في الأسبوع .كذلك يجب تخفيف الوزن الى أقرب وزن مثالي قياساً على طول المريض والابتعاد عن القلق والتوتر والغضب والسعي قدر الإمكان للنوم لفترات كافية تتراوح بين ٧ الى ٩ ساعات يومياً، ويجب عليه في كل الحالات إستشارة طبيب القلب بعد مرور شهر ثم بعد مرور ٣ أشهر وستة أشهر على إجراء العملية لكشف احتمالات معاودة إنسداد الشرايين أو لكشف تطور المرض على شرايين أخرى.
٩-لقد إستبشر أطباء القلب خيراً عند إكتشاف الروسورات البيولوجية أو التي تتآكل تدريجياً لمجرد زرعها في داخل شرايين القلب BioResorable stent(BRS) وكان ذلك سنة ٢٠١٠ عندما عمدت أكثر من ٢٠ شركة عالمية لتطوير أنواع مختلفة من هذه الدعامات المصنوعة من مواد بيولوجية موجودة أصلاً في داخل الجسم مثل ال Polylatic Acid أو ال Magnesium وقامت شركة Abbott بتسويق الراسور الأول من هذا النوع تحت إسم Absorb.لكن رحلة هذه الدعامات انتهت الى طريق شبه مسدود بسبب حصول حالات إنسداد مفاجئ متأخر للشرايين التي كانت تُزرع فيها هكذا دعامات ممّا تسبّب بحصول حالات وفيات كبيرة ناتجة عن ذبحات قلبية مفاجئة بعد مرور سنة أو سنتين او ثلاثة على تركيب هكذا دعامات.وقد فسّر الخبراء ذلك باستمرار وجود بؤر التهابات ناتجة عن عدم الذوبان او التحلل الكامل للمواد المكوّنة بهكذا دعامات،مما يؤدي الى حصول جلطة مفاجئة مع ذبحة قلبية حادة متأخرة عند المريض الذي زُرعت عنده،لكن الأبحاث لا تزال تتطور يوماً بعد يوم في هذا المجال وقد سوّقت مؤخراً شركة Biotronik o روسور مصنوع من ال Magnesium تحت اسم Magmaris والنتائج الأوّلية مع إستعمال هذا الروسور تُظهر أنّها إيجابية حتى الآن تحت شروط زرع معينة لهكذا نوع من الدعامات.ولا تزال شركة Abbott وشركات أخرى تعمل على تطوير هكذا نوع من الدعامات بهدف الوصول الى دعامة مثلى تقوم بالواجب المطلوب من الدعامة المعدنية ،ولكنها تذوب بسرعة وتتحلل في الجسم دون أن تترك أي أعراض جانبية في جدار الشرايين.
١٠- في الخمس سنوات الأخيرة وبسبب فشل الروسورات البيولوجية ولتخفيف فترة تناول الأدوية المضادة للتخثر ولتقصير هذه المدة الى أقل فترة ممكنة، لجأت شركات عالمية كبرى لتطوير نوع من الروسورات المطلية بالدواء تحت مسمّى الجيل الثالث من الدعامات المطلية بالدواء Third Generation of DES،وذلك باستعمال تقنيات متطورة جداً لتغليف الراسور المعدني بالدواء دون وضع أي طبقة من المواد التي كانت تُستعمل سابقاً(polymers)والتي كانت تتسبّب في حصول بعض الإلتهابات او ردّات الفعل الجانبية في جدار الشريان او الى استعمال أقل كميات ممكنة من هذه المواد لطلاء المعدن وبالتالي لغرس او زرع الدواء في داخله.وقد أثبتت دراسات متعددة أهمية هذا الجيل الثالث من الراسورات بحيث أصبح من الممكن الإكتفاء لفترة شهرين أو ثلاثة على الأكثر من العلاج بالأدوية المضادة للتخثّر دون تعريض المرضى المسنين أو المرضى المعرّضين للنزيف ،مثل المرضى الذين يعانون من فشل كلوي أو كبدي او من تقرّحات في المعدة.هذه الروسورات متوفرة حالياً في لبنان ويجب تحفيز إستعمالها عند المرضى الذين نشك أنهم قد يكونوا معرضين لحصول حالات نزيف مُفاجئة.
*طبيب قلب تدخلي