دولياترأيسياسة

الصوت الكردي في قلب معادلة الانتخابات التركية*

 

د. كولشان یوسف صغلام – الحوارنيوز

تشهد الانتخابات التركية حالة من الترقب والمتابعة الحثيثة على كافة الصعد الداخلية والاقليمية والدولية، وهذا الأمر مرده الى الحالة التي خلقها الرئيس أردوغان في السياسة التركية، والتي جعلت منه المحور الذي تدور بفلكه هذه الانتخابات بين مؤيدين وداعمين لسياسته ،ومعارضة جعلت الاطاحة به جزءا من برنامجها الانتخابي، اضافة الى من يعتبره حاجة وضرورة في ملفات التقاء المصالح الدولية.

 تفصلنا ساعات عن موعد الانتخابات و يبرز الصوت الكردي كصوت وازن ومؤثر وفقا لخريطة التحالفات الانتخابية، حيث يتنافس في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحالفان رئيسيان وبعض التحالفات الأخرى الأقل تأثيراً. ويمثل الأكراد في هذه المعادلة نسبة 15% من عدد سكان تركيا ويحتلون نسب مرتفعة من حيث المشاركة الشعبية في الانتخابات.

يمثل حزب الشعوب الديمقراطي الشريحة الكردية الأكبر، وهو يمثل أكبر شريحة كردية، حيث حصل في انتخابات 2018 على نسبة فاقت 11% ليصبح ثالث كتلة برلمانية، وتشير الإحصاءات إلى أنه لن يكون بعيدا عن هذه النسبة في انتخابات 2023 بالرغم من ملاحقته أمام المحكمة الدستورية العليا والمطالبة بحله بعد توجيه الاتهام له بارتباطه ودعمه لحزب العمال الكردستاني المصنف ارهابيا.                                  

   وفي قراءة لتركيبة التحالفات، نجد بأن كليتشلارأوغلو قد نجح في صياغة تكتيكاته مع حزب الشعوب لناحية عدم التأثير السلبي على حلفائه، وهي تخلي الحزب عن مرشحه للرئاسة وتوجيه أصواته للمعارضة. والمرونة التي اظهرها حزب الشعوب تعكس واقعية الشروط التي وضعها على التحالف السداسي مقابل دعمه انتخابياً، وهو سبق ودعم المعارضة في انتخابات البلدية عام 2019، التي انتزعت أكبر بلديتين هما بلدية إسطنبول وأنقرة، وهذه كانت ضربة قاسية للحزب الحاكم.

 بالمقابل استطاع تحالف الجمهور استقطاب حزب الدعوة الحرّة الكردي، وتتراوح القاعدة الشعبية للحزب بين النصف  و 1% من الأصوات، ولكن أهمية ذلك لا تقتصر على هذه النسبة فحسب بل يعوّل على استرجاع الأصوات الكردية التي خسرها في السنوات الأخيرة.

لماذا الصوت الكردي هو الصوت الوازن في هذه الانتخابات؟

 تعتبر “القضية الكردية” من أكثر القضايا تعقيداً في تاريخ الجمهورية التركية، وتندرج ضمن المشاكل طويلة الأمد في أدبيات حل النزاعات، حيث تنتقل من جيل إلى جيل، وتحمل أبعادا مختلفة، بعد الهوية والانتماء والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، البنية السياسية والأمن والإرهاب، ولكل بعد حزمة من المشاكل. عند وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 كانت أولويته إنعاش الاقتصاد وسيادة القانون وإعادة دور المؤسسات ،ومن بين أولوياته حل مستدام “للمسألة الكردية”. قوبل نهج حل المسألة الكردية بردود فعل متباينة بالنظر للتجارب السابقة غير المجدية، لكنه لاقى تفاعلاً إيجابياً في الأوساط الشعبية الكردية.

المبادرة الأهم كانت “مشروع الوحدة الوطنية والأخوة” في العام 2010، حيث تم تطبيق الأنظمة القانونية الفعالة في إطارها القانوني والديموقراطي. قامت الحكومة آنذاك باتخاذ خطوات قانونية مهمة للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المواطنين الاكراد، من خلال سلة من الحقوق مع إجراءات تطبيقية، حيث تم إقرار الحق باستعمال اللغة الكردية في المدارس، وانشاء محطة تلفزيونية باللغة الكردية ضمن شبكة ال “ت .آر. ت” التركية، الحق بممارسة نشاطهم السياسي وتأسيس الجمعيات والأحزاب، حتى أن رئيس الوزراء الأسبق تورغوت أوزال كان من “القومية الكردية”. مع الإشارة إلى أن الدولة التركية تفرق بين الكرد كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وبين “حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه ارهابيا”.

لا شك أن ثمة أبعادا عدة للناخب الكردي إن لجهة الفئة والنشاط والمصلحة. على سبيل المثال لا الحصر فان الأحزاب الكردية لاسيما الأحزاب الموالية ل”حزب العمال الكردستاني” تعتمد المقاربات السياسية وتطمح لبناء دولة كردية مستقلة والسيطرة على جزء من تركيا، وهي ضمن منطقة ما تسمى “بإقليم كردستان” وتبني تحالفاتها الانتخابية على هذا الأساس. أما بالنسبة للأكراد من غير الحزبيين فهم ينتخبون على أساس مصلحتهم العليا والخدمات التي يحصلون عليها، وهذه الفئة التي يعول عليها أردوغان. أما الفئات الأخرى فنجد أن فئة الشباب هي التي تطالب بالتغيير من أجل الحرية والعدالة والديموقراطية وتطمح لوصول من يمثلهم ويفهم هواجسهم، بينما فئة النساء تنقسم لقسمين، قسم يعتبر أنّهنّ حصلن على حقوقهنَ وتم رفع الظلم عنهنّ، خاصة بعد أن تم الغاء نظام تعدد الزوجات من خلال تطبيق القوانين المدنية، أماّ الفئة الثانية من النساء وهي من أغلبية سكان المدن الكبرى وهي الأكثر تعليماً ومتابعة للأوضاع الاقتصادية والسياسية، تعتبر أن حالات العنف في ازدياد، حيث وصل عدد السيدات اللواتي قتلن جراء العنف الاسري الى 450 سيدة، وهذا يجعلهن من فئة طالبات التغيير. وبالنسبة لكبار السن وذوي الإعاقة وغيرهم من الفئات الأكثر هشاشة، عملت الحكومة على ضمانات صحية ومعيشية لهم من خلال تدابير وبرامج مستدامة. ولا بد من الإشارة إلى أن تركيا اليوم هي من أكثر البلدان التي تعتمد برامج وخدمات لمواطنيها.

لذلك فإن لحزب الشعوب الديموقراطي ثقله في الاستحقاق الانتخابي، و قد يكون “بيضة القبان” لمصلحة المعارضة في الانتخابات البرلمانية، ولكن في الاستحقاق الرئاسي قد تأتي النتيجة معاكسة والمرجح أنها تميل لكفة اردوغان وليس العكس، ويبقى عنصر المفاجأة في آخر لحظة، لاسيما من الناخبين المترددين والذين يتمسكون بالمكتسبات ويخشون المجهول.

 في النهاية تبقى الكلمة الأخيرة للشعب الذي سيقرر ويختار ممثليه خلال الساعات المقبلة وبالتالي تحديد مستقبل تركيا ودورها.

*بالتزامن مع الزميلة اللواء

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى