عرس الحسين ..ومملكة الفرح !(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة- خاص الحوار نيوز
بداية،لا يربطني بالعائلة الهاشمية الأردنية أي رابط ،سوى أن والدتي وزوجتي من العائلة الهاشمية. ولم أشعر يوما أنني على وفاق سياسي مع النظام الأردني،ولا أبتغي من وراء هذه الكلمات مداهنة السفارة الأردنية ولا مخابرات المملكة بعد أن كبرتُ على هذا المستوى من العلاقات ..لكنني بصراحة لا أكنّ مشاعر بغيضة ضد الشعب الأردني الشقيق ولا قيادته الملكية ،لأنني كنت أتحسس دائما حجم محبة الأردنيين لمليكهم واحترامهم له .. وأنا أحترم هذا الشعور.
مناسبة هذا الكلام، زفاف ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله وعروسه السعودية رجوة السيف ،وقد تابعت بالأمس القريب وقائعه بشغف عبر الشاشات ،وما زلت أشهد فصوله عبر وسائل التواصل الأجتماعي ،كعشرات الملايين غيري من أبناء هذه الأمة.
لفتني الكثير من المشاهد في هذا الزفاف ،وما سبقه وما تلاه،لكن عبارتين معبرتين يمكن أن تلخص هذا الحدث:الفخامة والتواضع. فخامة التنظيم والترتيب الذي لم يسبق المملكة الأردنية أحد إليه ،وتواضع العائلة المالكة الهاشمية واقترابها من مختلف المكوّنات الأردنية التي نزلت إلى شوارع عمان لتحتفي بمليكها المقبل.ولا أخال أن المخابرات وأجهزة الأمن هي التي نظمت كالعادة مثل هذه التظاهرات ،بل أزعم أن محبة الأردنيين لقيادتهم ،وشيء آخر يعتمل في النفوس،وهو حاجة الأردنيين إلى لحظة فرح،فوجدوها في زفاف أميرهم الشاب.
وعن تواضع العائلة الهاشمية الأردنية برز الكثير خلال المناسبة وهو غني عن الذكر، وقيل الكثير عن عادات وتقاليد العاهل الراحل الملك حسين بن طلال الذي كان قريبا جدا من شعبه،لكنني كتبت قبل نحو ربع قرن مقالة بعنوان “عندما يتواضع الملوك”،وكانت مناسبتها وفاة الملك حسين وتسلّم نجله عبد الله الثاني مفاتيح المملكة.
أذكر أنني رافقت الرئيس الدكتور سليم الحص (وكان رئيسا للحكومة اللبنانية) في شباط عام 1999 إلى عمان لتعزية الملك عبد الله والعائلة الهاشمية بوفاة الملك حسين. استُقبل الرئيس الحص بحفاوة في الديوان الملكي الواسع، وأبى الملك إلا أن يجلسه إلى جانبه ويتبادل معه باحترام ظاهر أطراف الحديث.
في هذه الأثناء أطل من باب القاعة أحد المعزين محمولا على كرسي نقال،وقد بدت رجلاه مبتورتين ،فعرفت فيه المناضل الفلسطيني الراحل بسّام الشكعة الرئيس السابق لبلدية نابلس. وكان الرجل قد تعرض لمحاولة إغتيال إنتهت ببتر قدميه.
في هذه اللحظات رأيتُ الملك عبد الله يهب مسرعا نحو باب القاعة ليستقبل الضيف الشكعة ويجثو راكعا أمام قدميه المبتورتين مرحبا به مقبّلا وجنتيه ،ثم يجر كرسيه النقال إلى جانبه وجانب الرئيس الحص.وقد أثرت هذه اللفتة الكريمة بالحضور، وأنا منهم،وعبروا عن ذلك بالتصفيق الحار على الرغم من طبيعة المناسبة الحزينة.
ولحظة مغادرة الرئيس الحص ومرافقيه أصر الملك على وداعه حتى باب السيارة خارج قاعة العزاء.
والحقيقة أنني منذ ذلك الحين لم أنفك عن احترام شخصية الملك عبد الله ،بعيدا عن أي موقف سياسي،وإن كنت في بعض الأحيان أبرر للأردن تصرفات مليكه السياسية لأسباب لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
لقد كان زفاف ولي العهد الأردني الأمير الحسين أكبر من حدث عادي بكل تفاصيله،وهو بلا شك حديث المجالس العامة في الوطن العربي،وقد شارك فيه كبار القوم في العالم ،شخصيا وتمثيلا ،وكان بينهم عقيلة الرئيس الأميركي .ولم تخرج متمماته من قبل ومن بعد ،عن العادات والتقاليد الأردنية العربية العريقة،من حمام العريس إلى حفلة الحنّاء للعروس،إلى عقد القران والكلمة البليغة لإمام الحضرة الهاشمية الشيخ أحمد الخلايلة،وكان اللافت الأغنية الخاصة في المناسبة للفنان السعودي الكبير محمد عبده والفنان الأردني المعروف عمر عبد اللات،وفي كل ذلك كانت هناك لمسة خاصة للملكة رانيا العبد الله والدة العريس التي عبرت بكلماتها المتعددة عن رصانة ملكية بارزة.
عرس الأمير الحسين أظهر لنا كم أن الأردن والعرب بشكل عام بحاجة إلى لحظات فرح في هذه الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها أمتنا.وقد رأى فيه كل والد في الوطن العربي الكبير حميمية زفاف ولده البكر.
..وما زالت الأفراح عامرة في دياركم!
ولمن فاته مشاهدة المناسبة ،هذا تسجيل كامل لوقائع الزفاف :