سياسةمحليات لبنانية

اشتباكات عين الحلوة: الخلفيات والأبعاد (حسن علوش)

 

 

حسن علوش – الحوارنيوز- خاص

لم يستسغ اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في المخيمات، على امتداد الاراضي اللبناني، أن يسمعوا من افرقاء لبنانيين ، أنهم حوَّلوا مخيمات اللجوء الى جزر أمنية، فيما لم تساعدهم الموازين والمعادلات المرسومة الخارجة عن إرادتهم ، بدحض هذا الوصف، فيصرون على التأكيد بأن المخيمات ما زالت، ومنذ تأسيسها غداة ما عُرف بـ “النكبة” عام 1948، رمزا لنضالهم وتمسكهم بالهوية الوطنية، حتى عودة مؤجلة حرمها عنهم المجتمع الدولي وأممه المتحدة، وإن كان “الوجود المؤقت”، وهي العبارة التي يرددها الفلسطينيون، بات عمره خمسة وسبعين عاما.

ما يجرى منذ يومين من تفجير أمني خطير، يشهده مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، شكل العنوان الأبرز الذي طغى على الساحة اللبنانية، المثقلة بالملفات المعقدة والحساسة، فأضاف التوتير الامني الواسع، الذي يحصد مع كل ساعة يستمر فيها، المزيد من الخسائر والاضرار، فضلا عن تداعيات امنية وسياسية، لا افق لها، ولا تقتصر التداعيات على حدود المخيم الجغرافية، وهو ما دلَّ عليه حجم الضغوط السياسية التي مارستها جهات لبنانية وازنة، على الفصائل الفلسطينية، بهدف لجم ما يجري من تفلت في التفجير الامني، وخطورته.

والمراقبون لمسلسل الاحداث التي يشهدها مخيم عين الحلوة، يٌدرجون “الجولة الجديدة” من المعارك العسكرية التي تدور في أحياء المخيم، والتي حوَّلت المخيم الى ساحة حرب حقيقية، في خانة استهداف الملف الفلسطيني، وسط تعدد في الاجندات الاقليمية والدولية، فلا يمكن لعاقل ان يُسلّم بان حادثاً فردياً حصل قبل سنوات او أشهر قليلة، يمكنه الى يُدخل المخيم في دائرة النار، على الصورة المرسومة اليوم، والتي امتدت نارها الى تخوم عاصمة الجنوب صيدا، لتعطّل معظم مناحي الحياة فيها، وسط استياء لبناني عارم. 

من المسؤول؟

 سؤال طُرح بقوة في الصالونات السياسية، من دون توفر إجابة واضحة عليه، لكن المسؤولية لا تعفي القوى والفصائل التي قدّمت نفسها كقيادة للشعب الفلسطيني، من دون أن ترسم خطاً أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه، وهل ثمة من يسعى الى فتح ملف الوجود الفلسطيني المسلح  في لبنان، من بوابة “زواريب” تحكمها مجموعات اسلامية متشددة، لتطال السلاح الفلسطيني في لبنان؟  

ومن خلف ذلك، يطيب للبعض من الغيوريين على السيادة اللبنانية استهداف السلاح بشكل عام، غامزين من زاوية سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية،من دون أي تمييز بين سلاح الفوضى والزعرنات وبين سلاح شكل ويشكل ورقة قوة بيد لبنان في مواجهة العدو.

ما يجري اليوم في عين الحلوة، أسقط كل الخطوط الحمر، بعد استباحة اكبر كتلة من فلسطينيي الشتات تقيم في أضيق بقعة جغرافية، فماذا فعلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، طوال كل هذه السنوات لصيانة الهوية الوطنية الفلسطينية في الشتات؟ وهل يجوز أن يبقى اللاجئون الفلسطينيون في دائرة النار، وهم يكافحون في سبيل تأمين عيش كريم بالحدود الدنيا، في ظل حصار دولي، يتمثل بتقليص حاد لتقديمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الانروا” ، واستبدال اولوية المجتمع الدولية اللاجىء الفلسطيني وبالنازح السوري؟، وخدمة لأي أجندات سياسية يتم ذلك؟.

كلها أسئلة لا تُبرىء الاجابة عليها، ما يحصل في مخيم عين الحلوة، الذي يعاني من تعدد في الهويات والمرجعيات والولاءات والاتجاهات، ومن ساهم في جعل مجموعات اسلامية متطرفة، لا تعلن الولاء للقضية الفلسطينية، أن تتغلغل في مجتمع الشتات الفلسطيني. واذا استُثنِيَت بعضها ممن “فلسطن” هويته، تشكل هذه الاحياء ما يشبه “الجمهوريات المقفلة” ، لا تدخلها الاجهزة الامنية الفلسطينية المشكلة من الفصائل الاخرى، ولا تلتقي معها في أي صيغة مشتركة، لتبقى هذه “الجمهوريات” المسخ، بؤرا للتوترات الامنية التي تحصل بصورة دورية، من دون ان تحسم قيادات الفصائل هذه الحالات الشاذة عن الواقع الفلسطيني العام.

وتكثر التسميات التي حملتها هذه المجموعات فقبل أعوام عدة عرف الفلسطينيون في المخيم اسم “جند الشام” التي كانت اشبه بفرع داعشي تناغم مع التنظيمات المتطرفة التي ارسلت عناصر لتقاتل في سوريا، وكانت الملجأ الآمن للعشرات من الاسلاميين المتطرفين اللبنانيين، الذي لجأوا الى الاحياء التي تسيطر عليها “جند الشام”، هربا من ملاحقات الاجهزة الامنية اللبنانية، في ملفات تتعلق بأعمال ارهابية، واليوم تبرز مجموعة “الشباب المسلم” التي تواجه عسكريا، أكبر التنظيمات الفلسطينية، حركة “فتح”، من دون ان تُحسم أي من المعارك التي دارت في السنوات العشر الاخيرة، فبقيت الاحياء التي تسيطر عليها، معاقل آمنة لها، بالرغم من القدرات والامكانيات التي تحظى بها “فتح”.

هل تُفقد الاشتباكات الدائرة اليوم، في مخيم عين الحلوة، مرجعية حركة “فتح” وفصائل منظمة التحرير، مرجعيتها في المخيم، وتُشرع الباب لمعارك اكثر دموية، لتُذَوِّب ملف الشتات الفلسطيني وتغرقه في مستنقع مدمر، يبتسم له قادة الاحتلال، ويفاخرون بصناعة انجاز من صنع ايديهم.

ما يشهده مخيم عين الحلوة، هو حلقة من مسلسل، يبدو انه طويل .التقاتل بين طرفين خاضا العديد من المعارك الطاحنة، بغياب اي نية لدى الفريق الاقوى الممثل بحركة “فتح”، بخيار الحسم الذي من شأنه، فيما لو تم، ان يوفر فاتورة  النزف الدموية التي تدفعها في كل مرة، من هيبتها وقادتها وعناصرها، سيعزز المناخات الملائمة  لجولات اضافية في المستقبل ، تحمل السيناريو نفسه .. عملية اغتيال ما، او محاولة اغتيال، فيما الحقيقة في مكان آخر..        

قد يكون هذا المكان، في الزيارة الامنية، “الفائفة الحساسية”، التي قام بها رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج الى بيروت قبل أيام قليلة، والرسائل المفخخة التي تركها على طاولة اللبنانيين، وهي رسائل لا قدرة للبنان على ترجمتها، رسائل تبدأ بمصير أمن المخيمات في لبنان، ولا تنتهي بتصفية ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى