عبرة ترشيحا عام 48 :سرية عراقية – سورية أجّلت سقوطها لأشهر..
محمد صادق الحسيني
في حرب ٤٨ خسرنا فلسطين نعم ، لكننا لم نخسر هويتنا القومية وثوابت الامة التي وان تراجع حضورها لفترة ،الا انها عائدة قريبا كما تشير اشراقات محور المقاومة التي نعيش انجازاتها في اكثر من ساحة وميدان عربي واسلامي …
ونموذج ترشيحا الذي نعرض له تالياً يمكن ان يتكرر قريباً وفي هجوم استراتيجي شامل من اجل التحرير والعودة…
تعريف : تقع بلدة ترشيحا الفلسطينيه في الجليل الغربي ، على بعد عشرين كيلومتراً عن مدينة عكا الى الشمال الشرقي ، كما تبعد ثمانية كيلومترات عن الحدود اللبنانيه ، مقابل بلدة مروحين.
تقع ترشيحا على ارتفاع ٦٠٠ متر عن سطح البحر وتحيط بها قرى : معليا / فَسوطَهْ / حُرْفيش / البقيعة / يانوح / كُفُرْ سميع / يانوح / سُحماتا . وقد اقيم على اراضيها ، بعد احتلالها ، في شهر ١٠/سنة ١٩٤٨ / العديد من المستوطنات اليهودية واكبرها مستوطنة معالوت الملاصقه ، بل المتداخله مع البلده الفلسطينيه حالياً ، والتي تدار عبر بلدية مشتركة مع ترشيحا .
كان عدد سكانها سنة ١٩٤٨ ، قبل احتلالها من قبل عصابات الهاغاناه ، ٥٧٠٠ نسمه . اما عدد سكانها العرب حالياً فيبلغ ٤٥٠٠ نسمه فقط ، حيث يعيش الكثير من اهالي القريه المهجرين في المخيمات الفلسطينيه في سورية ولبنان والشتات .
اما الآثار المسيحيه والاسلاميه في القريه فهي التاليه :
١)كنيسة الروم الكاثوليك ، التي بنيت عام ١٩٤٥ ، وهي من اكبر الكنائس في الجليل .
٢)كنيسة الروم الارثوذوكس ، التي بنيت بين اعوام ١٩٠٥و ١٩١٣ بدلاً عن الكنيسه القديمه .
٣)كنيسة الروم الارثوذوكس القديمه ، غير الصالحه للاستعمال ، والتي بنيت سنة ٥٥٠ م .
اما اهم الآثار الاسلاميه في البلده فهي التاليه :
١)جامع الحموله ، الذي بني اواسط القرن الثامن عشر الميلادي .
٢)مزار الشيخ مجاهد . ويقع على جبل المجاهد في اعالي البلده .
٣)الجامع الجديد . تم بناؤه في زمن عبدالله باشا ، والي عكا ، سنة ١٨٤٠ . واستخدمت في بنائه الهندسه التي استخدمت في بناء جامع الجزار في عكا ، الذي بني في نفس الفتره الزمنيه .
٤)الزاويه الشاذليه . بناها الشيخ علي اليشطري ، وهي بقيت لخدمة اهل الطريقه الشاذلية ، واستخدمت كذلك كبيت ضيافه للزوار الذين يقصدون البلده لسبب او لآخر .
ترشيحا والنكبة
عند صدور قرار تقسيم فلسطين المشؤوم ، في ٢٩/١١/١٩٤٧ ، بدأ اهالي ترشيحه كغيرهم من اهل فلسطين ، يبحثون عن السلاح استعداداً لتنظيم وتسليح انفسهم للدفاع عن قراهم ومدنهم . وقد بدأت الاسلحه بالوصول الى فلسطين ، من سورية ولبنان ، ومن خلال اشخاص وطنيين وكذلك تجار السلاح ، الذين كانوا يبيعون اسلحة من مخلفات الحرب العالميه الثانيه .
تشكلت في ترشيحا سرية دفاع ، من اهالي البلده ، اطلق عليها اسم : سرية ترشيحا ، التي كان قوامها حوالي مائة مقاتل ، وكان يقودها ضابط الصف ، في الجيش البريطاني سابقاً ، محمد كمال السعيد .
كما وصلت الى البلده ، بتاريخ ١٨/١/١٩٤٨ ، قوةً عسكريةً ، قوامها حوالي ٣٥٠ مقاتلا من فوج اجنادين التابع لجيش الانقاذ ، الذي شكلته الجامعه العربيه . كانت هذه القوه ، التي انضمت الى سرية ترشيحا ، تحت قيادة المقدم العراقي مهدي صالح ونائبه اديب الشيشكلي ، الذي كان قائداً لكتيبة اليرموك الثانيه ، واصبح لاحقاً رئيساً لسورية .
قررت قيادة هذه القوه ، ومنذ وصولها الى البلده ، المبادره الى شن هجمات وقائيه او استباقيه ، ضد مواقع قوات الهاغاناه اليهوديه المتمركزة في المستوطنات المجاوره . وكانت اهم الهجمات التي شنتها قوات اجنادين واهالي ترشيحا هي التاليه :
أ) معركة قلعة جدين ، التي تبعد خمسة كيلومترات الى الجنوب من ترشيحا ، وشاركت فيها سرية ترشيحا وفوج اجنادين / جيش انقاذ / وجمع من اهالي البلده . نجح المهاجمون في الوصول الى المستوطنه وفرضوا الحصار عليها ، تمهيدا لاقتحامها . الا ان تدخل الجيش البريطاني لحماية المستوطنين قد حال دون استكمال المهمه . ولكن القوات العربيه حافظت على الحصار مفروضاً على المستوطنه حتى سقوط ترشيحا لاحقاً .
ب) معركة كابري ، والتي بدأتها قوات فوج اجنادين وسرية ترشيحا ، وفصائل فلسطينيه اخرى من القرى المجاوره . تم التخطيط للهجوم بهدف قطع الامدادات ، التي كانت تصل مستوطنة قلعة جدين من نهاريا . وبتاريخ ٢٨/٣/١٩٤٨ وصلت احدى قوافل الامداد اليهوديه ، قادمة من نهاريا ، الى منطقة السَدّْ بالقرب من بستان " ابو علي توسيس " ، حيث وقعت في كمين محكم واشتبك معها الثوار العرب والفلسطينين لمدة عشر ساعات متواصله ، بقيادة محمد كمال السعيد / فلسطيني / وخليل كلاس / سوري / واميل جميعان / اردني / .
وقد اسفرت المعركه عن تدمير القافله ، ومقتل ٤٦ من عصابات الهاغاناه ، الذين كانوا يسيِّرونها ، وكان من بينهم قائد القافله بن عامي بحتر ، وذلك على الرغم من تدخل القوات البريطانيه لانقاذ القافله ، والتي فشلت في ذلك بسبب التخطيط المحكم للعمليه ، من قبل الثوار ، حيث كانوا قد اعدوا كميناً متقدماً آخر ، باتجاه نهاريا ، وذلك منعاً لتقدم اية قوة اسناد للقافلة عندما تقع في الكمين . وهذا ما حدث بالضبط ، عندما تقدمت قوة محمولة بريطانيه لفك الحصار عن القافله ، وقعت في الكمين ، الذي اسماه الثوار في حينه : كمين بن عامي . جدير بالذكر ان سلطات الاحتلال قد اقامت لاحقاً مستوطنة ، في اراضي قرية ام الفرج القريبه ، اطلقت عليها اسم مستوطنة بن عامي .
ج) معركة تين ابو شريتح ، في ١١/٦/١٩٤٨ ، والتي اندلعت إثر سقوط بلدة الكابري في ايدي عصابات الهاغاناه ومحاولة قوه منهم اختراق خطوط الدفاع عن ترشيحا ، حيث قامت قوة من الهاغاناه ، معززة بالمصفحات والاسلحه الثقيله بشن هجوم من محورين ، الاول هو محور معليا / ترشيحا والثاني هو محور كابري / ترشيحا . لكن يقظة الثوار والكمائن التي اعدوها لمواجهة الهجمات اليهوديه المحتمله قد اوقعت عصابات الهاغاناه في كمين محكم ، دارت على اثر ذلك معركة انتهت بمقتل قائد الهحوم اليهودي ، الكولونيل يعقوب ، وفشل الهجوم .وقد اقامت سلطات الاحتلال مستوطنة ، في منطقة تلك المعركه ، اسمتها عين يعقوب .
د) الهجوم المضاد ومعركة تل الاحمر . بعد ايام قليله ، من افشال محاولة التقدم اليهوديه باتجاه ترشيحا، قرر المدافعون عن البلده ، بقيادة الضابط العراقي مهدي صالح ، شن هجوم مضاد ، على مواقع الهاغاناه ، بهدف فتح الطريق الى عكا ، التي كانت لا تزال صامدةً ولم تسقط .
جاء قرار الهجوم المضاد إثر نجاح السريه اليمنيه ، التي كانت ترابط في مواقع التل الاحمر ، بصد هجوم كبير على مواقعهم ، ليلة ١٨/٦/١٩٤٨ ، حيث كانت استطلاعاتها ( السريه اليمنيه ) قد حددت محاور تقدم عصابات الهاغاناه المحتمله مسبقاً ، واعدت لهم مجموعة كمائن واوقعتهم فيها وانقضت عليهم في قتال من مسافة امتار وقضت على جميع افراد تلك العصابات بالكامل . حيث كان صمود السريه اليمنيه هو السبب الرئيسي في الحفاظ على بلدة ترشيحا وحمايتها من السقوط في ايدي عصابات الهاغاناه آنذاك .
لكن العصابات الصهيونيه ، وبمساعدة عسكريه بريطانيه مباشره ، عبر القصف من البوارج البريطانيه المرابطه قبالة ساحل نهاريا ، الواقعه على بعد ١٥ كم غرب ترشيحا ، واصلت ضغطها على ترشيحا كما واصلت حشودها العسكريه الكبيره ، استعداداً لدخولها وكسر مقاومتها .
حشدت العصابات الصهيونيه ، تحت قيادة اللواء شيفا ، كتيبتي مدرعات وكتيبة مشاة وكتيبة قوات خاصه ، من لواء عوديد ، وكتيبة قوات خاصه من لواء غولاني واخرى من لواءً كرمئيلي .وقد بدأ الهجوم الشامل ، لهذه القوات على محاور ترشيحا جميعها ، ومن بينها محور الجبل الاحمر الذي كانت ترابط فيه السريه اليمنيه ، بدأ هذا الهجوم بتاريخ ٢٥/١٠/١٩٤٨ ، ووصل ذروته يوم ٢٧/١٠/١٩٤٨ حيث شارك سرب من الطائرات الحربيه الصهيونيه ، البريطانية الصنع من طراز بريستول ولانكستِر ، في قصف مواقع المدافعين عن البلده ، ومن بينهم السريه اليمنيه ، بالقنابل الثقيلة والبراميل المتفجره عيار ٢٠٠ ليتر ، . وقد استمرت القوات المدافعه عن البلده في صمودها الاسطوري حتى نفاذ ذخيرتها بالكامل واستشهاد عدد كبير من افرادها ، بينهم متطوعون يمنيون ، الى ان تمكنت قوات العصابات الصهيونيه من دخول البلده والسيطرة عليها بتاريخ ٣٠/١٠/١٩٤٨ . وكانت بذلك آخر بلدة فلسطينيه تم احتلالها من قبل تلك العصابات .
ايام مجيدة سطر ملاحمها اخوة بالايمان لفلسطين، اقترب وقت عودتها بحلة جديدة ،ولكن هذه المرة بالنصر والظفر باذن الله،واعادة كل فلسطين الى كل اهلها وعودتها الى امتها.