كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
في كل عام يستوقفنا سؤال كبير :كيف نتفاعل مع ثورة الحسين وذكرى عاشوراء؟ هل بالتأثر والبكاء والعويل ؟أم بالمبالغات المسيئة لهذه الثورة من خلال التطبير والجلد بالسلاسل وتعذيب النفس ؟ أم بالاستفادة من هذه الذكرى وهذه الثورة من خلال استخلاص الدروس والعبر بما يخدم مجتمعاتنا الانسانية؟
لا شك أن العقل والمنطق يقولان بالأمر الثالث ، وهو أن نستفيد من هذه الذكرى المجيدة ،وإلا لما كان الحسين نفسه قد أوصى شقيقته السيدة زينب ب”إلا تشقّي علي جيبا أو تلطمي خدا”.
ولكي نستفيد من هذه الذكرى علينا أولا أن نحدد أهداف ثورة الحسين .والمسألة بسيطة جدا .فلنعد أيضا الى الحسين نفسه لكي نوفر علينا مشقة الجواب عن هذا السؤال .فهو يكاد يختصر ثورته بكلمة واحدة وهي “الإصلاح” حين يقول:
“إني لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم ،وهو خير الحاكمين”.
وقد توقفت أمام كلمة “أشِر”، وبحثت في علم المعاني فوجدت أن لها أكثر من معنى ،وهي أشد من البطر. لكنني أعتقد أن الحسين قصد بها “عدم حفظ النعمة”. وهذا يعني أن الحسين لم يخرج على نظام الحكم، لأنه لم يحفظ النعمة التي هو فيها ،اذ كان يكفي أن يبايع يزيدا ويعيش في نعيم ،لكنه خرج على نظام فاسد من أجل الناس وليس من أجل نفسه.
كان الإصلاح إذن، الهدف الرئيسي لثورة الحسين كما يقول هو نفسه . فهل من هدف أسمى وأعظم من هذا الهدف كي نتناوله اليوم بالذات ونحن ننظر في أحوالنا وأوضاعنا وواقعنا الراهن ،ليس في بلدنا وحسب، وانما على امتداد هذه الأمة من محيطها الى خليجها؟
ومفهوم الإصلاح في علم الكلام يعني أن ثمة أمرا غير سوي يفترض اصلاحه(شيء خربان).وفي أمورنا الحياتية تخرب مواد كثيرة لا يحتمل الإنسان الإبقاء عليها(لمبة ،راديو ،تلفزيون ،سيارة الخ..) فيعمد إما الى إصلاحها اذا كانت تحتمل الإصلاح ،أو يعمد الى تغييرها .وهذه سنّة الحياة. فكيف اذا كان الأمر يعني نظاما فاسدا جائرا ظالما؟ وكيف اذا كان المُصلح في مرتبة حفيد رسول الله وابن علي ابن أبي طالب؟
لقد كان الإصلاح وما يزال مطلبا حاضرا في كل زمان ومكان،قبل الاسلام وبعد الاسلام. وكان ثمة ناشطون في هذا المجال، لأن الحكّام عادة ليسوا قديسين ولا مُرسَلين .حتى أن المرسلين كانوا يخطئون أحيانا،وكان الله سبحانه وتعالي يصوّب مسيرتهم ،وكانوا هم يستنجدون بالخالق من أجل ذلك. وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدلل على ذلك.فكيف اذا كان ولي الأمر، أي الحاكم، انسانا عاديا .والإمام علي بن أبي طالب له قول مأثور في هذا المجال حيث يقول: “نصف الناس مع الحاكم اذا عدل”..فكيف اذا لم يكن الحاكم عادلا؟
ومحاولة الإصلاح لم يتصد لها الإمام الحسين لأول مرة في تاريخ الاسلام. فقبله تصدى والده الإمام علي لهذه المسألة عندما تولى الخلافة ،وكان الفساد قد راح ينخر في جسم الدولة الاسلامية الفتية ، بسبب التوسع والغنى والعائدات الكبيرة التي بدأت الأمصار الاسلامية تدرها على خزائن الدولة .وثمة قاعدة تقول بإنه “حيث يكثر المال وتغيب الادارة السليمة ،يعم الفساد”. وفي رسائل الإمام عليّ الى الولاة ما ينم عن المفسدة الكبرى التي بلغتها الدولة .ويروي المؤرخون فصولا كثيرة من هذا الفساد،لا مجال لذكرها اليوم.
حاول الإمام علي إصلاح ذات البين ،فقامت القيامة في وجهه،لأنه ليس سهلا على أصحاب الامتيازات أن يتخلوا بسهولة عن مكاسبهم، واضطر الإمام لأن يخوض حربين ضروسين لكي يصلح الحال ،لكنه لم ينجح في ذلك ،وانتهى الأمر بقتله غيلة في مسجد الكوفة.
صحيح أن الإمام علي لم ينجح في تحقيق الإصلاح ،لكنه رسم للاجيال خريطة طريق في صفات الحاكم العادل .هذه الخريطة صارت نبراسا لكل ثائر،حتى أن الأمم المتحدة اختارت علي بن ابي طالب عام 2002 رجل العام في حقوق الانسان،فأصدرت تقريرا تم فيه اتخاذ الإمام عليّ من قِبَل المجتمع الدولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في:
1.إشاعة العدالة،
- الرأي الآخر،
- احترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين،
- تطوير المعرفة والعلوم،
- تأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية،
- عدم خنق الحريات العامة.
و تضمن التقرير مقتطفات من وصايا الامام الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عماله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تعد مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.
وشدد التقرير الدولي على أن تأخذ الدول العربية بهذه الوصايا في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لأنها (لا تزال بعيدة عن عالم الديمقراطية، ومنع تمثيل السكان، وعدم مشاركة المرأة في شؤون الحياة، وبعيدة عن التطور وأساليب المعرفة).
والملاحظ أنَّ التقرير المذكور قد وزع على جميع دول الأمم المتحدة، حيث اشتمل على منهجية عليّ بن أبي طالب في:
1.السياسة والحكم،
- إدارة البلاد،
- المشورة بين الحاكم والمحكوم،
- محاربة الفساد الإداري والمالي،
- تحقيق مصالح الناس،
- عدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة.
وتضمن التقرير الدولي أيضاً شروط الإمام عليّ للحاكم الصالح، التي وردت في نهج البلاغة، وفيها يقول : (إنَّ من نصب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه. فمُعلّم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس)..
نخلص إلى القول:
من كان والده علي بن ابي طالب ،وهذه خصاله وصفاته،كيف يسكت على نظام فاسد وحاكم جائر ودولة يرى انهيارها متدرجا نحو الهاوية؟ وكيف يبايع رجل مثل الحسين ،والده علي وجده رسول الله،نظاما مثل نظام يزيد ؟
لذلك عندما جاءه والي المدينة طالبا البيعة ليزيد ،قال له جازما حازما : إنّا اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ،ومختلف الملائكة ،ومحل الرحمة. بنا فتح الله، وبنا يختم ..ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله” … ونقطة على السطر.
(يتبع)