سياسةعاشوراء

عاشوراء الحسين:ثورة الإنسان المُسلِم.. ام ثورة المُسلِم الإنسان؟(واصف عواضة)

عند المسلمين الشيعة:لا خلاف على الحسين ولا خلاف معه

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

 

ليس سهلا على الكثيرين من خارج الطائفة الاسلامية الشيعية ،تفهم ظاهرة عاشوراء، خصوصا اولئك الذين لم يتعمقوا في التاريخ الإسلامي. اذ كيف يمكن لواقعة يردها البعض الى صراع على السلطة، أن تعيش حية على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان بمثل هذه الحيوية وهذا الحضور؟!

بالنسبة للطائفة الاسلامية الشيعية ،المسألة ليست مستغربة ولا تحتمل النقاش أو الجدل. يولد الطفل في عائلة شيعية، فقيرة كانت أم ميسورة، فيفتح عينيه على مصيبة الحسين ومأساة كربلاء. يشرب المظلومية الحسينية مع حليب الأمهات، ويأكل من مائدة عاشوراء خبز الرفض والمقاومة عبر تاريخ طويل من الاضطهاد والانتفاضات.

 

ليس في تاريخ المسلمين الشيعة الكثير من فترات الاستقرار تدفعهم الى اجتناب القلق والتآلف مع الطمأنينة. هم يشعرون دوما ان الهواجس تسكنهم كلما راجعوا تاريخهم السياسي والاجتماعي والانساني. بطلهم التاريخي الإمام علي بن ابي طالب الذي يعتقدون انه كان الاولى بخلافة نبيهم محمد بن عبد الله.

 يحمل الإمام عليّ عند الشيعة كل صفات الرجل الرجل: هو سيف الرسول القاطع، الفقيه والاديب والشاعر والأمين والمؤتمن على رسالة الاسلام، الزاهد الزهود، نصير الفقراء والمساكين، الحاكم العادل الذي لا يطيب له عيش أو حياة وفي حدود خلافته والٍ جائر أو محتاج حائر. هو القائل: «أعجب لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه». ومن هذه الحكمة الراسخة يستمد المسلمون الشيعة عادة، وقود رفضهم ومقاومتهم وانتفاضاتهم.

 

تشكل معركة صفين مفصلا تاريخيا في حياة الطالبيين الشيعة. في هذه المعركة ارتضى علي بن ابي طالب مرغما نتائج التحكيم الذي فصل به عمرو بن العاص وابو موسى الأشعري. لكن المسلمين الشيعة في قرارة أنفسهم، لم يرتضوا هذه النتيجة حتى الآن، أو على الأصح لم يهضموا ما يعتبرونه “خديعة العصر”. يجدون في الحسين بن علي وريثا شرعيا لبطلهم الاول الذي سقط غدرا وهو يصلي في مسجد الكوفة، ويقرأون في كتاب كربلاء صبح مساء حتى غدا في ثقافتهم «أن كل يوم عاشوراء ،وكل أرض كربلاء».

على مر التاريخ كان للمسلمين الشيعة أئمةٌ وقادة وأبطالٌ كبار، كلهم يستمدون حضورهم من الحسين بن علي. وفي كل حقبة من الزمن كان للشيعة «حُسينُهم». يستحيل أن يأتلف المسلمون الشيعة مع قائد يكون على خلاف مع الحسين، أو يكون بعيدا عن طيف كربلاء، في الشكل والمضمون والمحتوى السياسي والأخلاقي والإنساني.يختلف الشيعة في ما بينهم على اعظم الأمور وأدناها ،لكنهم يتفقون على الحسين.لا خلاف مع الحسين ولا اختلاف حوله عند المسلمين الشيعة.

 ولكن،

 هل كانت ثورة الحسين حركة شيعية وللمسلمين الشيعة وحدهم ،أم هي ثورة إنسانية شاملة؟

   إن الدين الذي لا تكون غايته الانسان وسعادته هو ليس بدين . والإسلام هو دين الانسان والانسانية ،قبل ان يكون طقوسا وعبادات، واحيانا بعض الشكليات.وثورة الحسين لم تأت من فراغ ،بل هي قبس من ثورة ذلك الرسول العظيم ، جده محمد بن عبد الله.ولو عدنا قليلا الى حياة الحسين لاكتشفنا ذلك القبس الذي بدأ في المدينة ولم ينته في كربلاء.

   وعندما نتحدث عن الحسين، فإنما نتحدث عن الحسين الانسان ،وليس عن الحسين المقاتل المحارب حامل السيف الذي يجالد الأعداء في ساحة كربلاء. فالحسين لم يكن في الأساس قائد جيش تستهويه المعارك والحروب والبطولات ،بل كان ثائرا حقيقيا انتفض على واقع عمّ فيه الظلم والجور والفساد.ولذلك عاشت ثورته كل هذه القرون ،ينهل من معينها الشرفاء في كل زمان ومكان ،دفعا عن كرامتهم وكرامة أهلهم ومجتمعاتهم.

    وكيف لا يكون الحسين إنسانيا وتكون ثورته من أجل الناس والإنسان، وجده محمد بن عبد الله الذي كان يبسُط يده للناس كل البسط ،حتى نزلت فيه الآية الكريمة : وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا .

 

     كيف لا يكون الحسين إنسانيا وتكون ثورته من أجل الناس،وقد عاش طويلا في كنف أبيه علي بن أبي طالب الذي لم يطب له عيش وفي أطراف الدولة من لا طاقة له على رغيف او قرص تمر. علي بن ابي طالب الذي ما تزال رسالته الى واليه على مصر مالك الاشتر تدق أبواب كل مجالس حقوق الانسان في العالم طوال أربعة عشر قرنا ،والتي عُرفت ب”عهدة الأشتر” وفيها:
“أشعِر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، ولا تكونن عليهم سُبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين ،و إما نظير لك في الخلق. فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك”.

هذا هو الحسين الذي خرج من المدينة رافضا الطاعة ليزيد الذي تحولت الخلافة في عهده الى وراثة عائلية ،خلافا لمبدأ الشورى بين المسلمين .

لقد خرج الحسين على طاعة يزيد من اجل هذا الاسلام الإنساني الذي ساوى بين ابي سفيان زعيم قريش والعبد الفقير بلال الحبشي، ،والذي يحرّم على المسلمين ان يكون بينهم فقراء من خلال الزكاة. هذا الاسلام هو اسلام المساواة والكفاية وليس اسلام العبادات والطقوس فقط .

  هذا الاسلام الذي يقول فيه امير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته الرائعة “ولد الهدى”:

 

بك يا ابن عبدالله قامت سمحة   

 بالحق من ملل الهدى غراء  

 

بنيت على التوحيد وهو حقيقة

  نادى بها سقراط والقدماء  

 

ومشى على وجه الزمان بنورها

كهان وادي النيل والعرفاء  

 

الله فوق الخلق فيها وحده

    والناس تحت لوائها أكفاء 

 

والدين يسر والخلافة بيعة

 والأمر شورى والحقوق قضاء  

                        

 

والبر عندك ذمة وفريضة

لا منة ممنوحة وجباء  

 

جاءت فوحدت الزكاة سبيله

حتى إلتقى الكرماء والبخلاء  

 

انصفت أهل الفقر من أهل الغنى

 فالكل في حق الحياة سواء  

 

وهنا يراودنا السؤال الدائم :هل استفدنا واستفادت الإنسانية من ثورة الحسين؟

نقول: نعم.. ولا !

بكل راحة ضمير أقول نعم استفدنا، واستفادت البشرية والانسانية جمعاء، ما يدلل على ان هذه الثورة التي مضى عليها نحو 14 قرنا    لم تكن حركة نضالية للمسلمين عامة وللشيعة خاصة ،وان كانت الخصوصية في هذا المجال لها ما لها من مواقع ومواقف وانجازات. فهذه المقاومة العظيمة التي نشأت في جنوب لبنان ،وهذا الشعب الذي رعاها بأشفار العيون ليحقق التحرير في عام 2000 والانتصار في عام 2006 والردع الدائم للعدو حاليا ،كل ذلك استوحى نضاله وعزيمته التي لم تقهر  من ثورة كربلاء، وتحت شعار “لبيك يا حسين.. لبيك يا ابا عبد الله.. وهيهات منا الذِلة”.هذا من دون اسقاط حق المقاومين الاوائل من كل الاحزاب والملل والذين كانت ثورة الحسين في ضميرهم وذاكرتهم.

 

وهذا عظيم الهند وزعيمها ومحررها المهاتما غاندي يقول: «لقد طالعت حياة الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء ،واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين»

ويضيف غاندي:« لقد علمني الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر» .

 

وتتعدد آراء الكتاب والأدباء والمؤرخين والمستشرقين في هذه الثورة عربا ومسلمين واجانب، فيقول الكاتب والأديب المصري الكبير عباس محمود العقاد: “ثورة الحسين، واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ، لم يظهر نظير لها حتى الآن في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية. فلم تدم الدولة الأموية بعدها حتى بقدر عمر الإنسان الطبيعي، ولم يمضِ من تاريخ ثورة الحسين حتّى سقوطها أكثر من ستين سنة ونيّف”.

ويقول الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي :”الحسين شهيد طريق الدين والحريّة، ولا يجب أن يفتخر الشيعة وحدهم باسم الحسين، بل أن يفتخر جميع أحرار العالم بهذا الاسم الشريف”.

 

ويقول المستشرق الألماني ماربين : “قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ،ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيّته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما”.

نعم استفاد البعض من ثورة الحسين ،والبعض الآخر لم يستفد.فكم وكم من حكام العرب والمسلمين يتعاطون مع شعوبهم على هدي الجاهلية وقاعدة الأسياد والعبيد؟ وكم وكم من حكام العرب والمسلمين يحيط بهم الفقراء والجياع من كل جانب ،فلا مساواة في الانسانية ولا عدالة اجتماعية أمر بها اسلام محمد؟

وبعد،أمام هذه الثورة الانسانية العظيمة،هل يجوز ان نحول ثورة الحسين الى ذكرى للحزن والتأسي والبكاء واللطم وشج الرؤوس ؟

وهل يجوز الا ان نرفع رؤوسنا وهاماتنا فخرا بهذه الثورة ونتبارك ونبارك بهذه الذكرى المجيدة؟

 

الم يحن الوقت لتحويل عاشوراء الى مناسبة للوحدة الاسلامية ،لا للتفرقة بين الطوائف والمذاهب والملل ؟

ألم يحن الوقت لإخراج عاشوراء من الدائرة الشيعية بما يشبه الاحتكار ،الى العالم الاسلامي والانساني الرحب والواسع؟

وما الذي يمنع المسلمين عامة بكل مذاهبهم ومللهم ،من الاحتفال بهذه الذكرى الخالدة؟

وهل كان قتلة الحسين من المسلمين السنّة لكي يتنكب البعض للدفاع عنهم عن جهل وتعصب أعمى؟ أو ليذهب بعض الغلاة مذهبا خطرا في التحريض على المسلمين السنّة؟

الم يحن الوقت لإخراج السيرة الحسينية الشريفة من الزواريب، وتطهيرها مما علق بها على مر العصور من شوائب اساءت الى الحسين وآله وثورته العظيمة؟

اليس أولى بقراء السيرة الحسينية ان يحكّموا العقل والمنطق في تلاوة هذه السيرة العطرة، فلا يبالغوا في سرد الروايات الدخيلة عليها؟

 

اسئلة ستظل مطروحة امام الملأ الى ان يقتنع الجميع بأن ثورة الحسين في كربلاء هي ثورة المسلم الإنسان ،وليست ثورة الإنسان المسلم.فكل إنسان يُمكنه أن يدّعي الإسلام،ولكن ليس كل مسلم يمكنه أن يزعم أنه إنسان بكل ما للإنسانية من معنى.

(يتبع)

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى