“الخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه هو مسؤولية الجميع… فلنتّحد للتغلّب على ازمتنا المستفحلة……”
الرئيس العماد ميشال عون 6 أيار 2020
ان يصبح نصف الشعب اللبناني مادة تسوّل لبرامج الإغاثة في المحافل الدولية، فهذا عار علينا جميعا. في مفهوم بناء الدول، الدولة هي تطور قانوني ـ سياسي للمجتمعات والجماعات لتحويلها من بدائية وعشوائية إلى اطار لأفراد يحكم القانون علاقتهم مع بعضهم البعض ومع الدولة. ولما كانت السلطة هي نتاج خيارات الشعب فإن الطرفين، السلطة والشعب، يتشابهان لأن الانتخابات خيار تمثيل وتعبير. وما كان اللبنانيون يصلوا الى ما وصلوا إليه لو انهم اختاروا ممثليهم على قاعدة انهم مواطنون، وليسوا جماعات تهتف بإسم هذا او ذاك من الزعماء، او لأنهم اقترعوا بحثا عن حقوقهم الطبيعية التي هي من بديهيات منظومة الدولة. وما كانت السلطة لتتحول الى سلطة فاشلة لو انها احسنت ادارة الموارد البشرية والصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، او لو تصرفت بوصفها مسؤولة عن المواطنين وامامهم، وليست منغمسة حتى اذنيها بالمحسوبيات والازلام. لا بل على العكس فإننا جميعا بدّدنا ما نملك من موارد، وما عرفنا القيام بشيء غير ان نندب ونستجدي، ونصدّر طاقاتنا البشرية الى اصقاع العالم ليستفيد الاخرون منها.
انهيار الاقتصاد اللبناني كان نتاجا طبيعيا وتلقائيا لمعاناته القديمة من تحديات انمائية وازمات متراكمة كانت تُترك للقضاء والقدر معالجتها. ولم يلتفت احد الى تنمية القطاعات الانتاجية والخدماتية لتقوية الاقتصاد الوطني، وخلق فرص العمل على طريق نمو مُستدام. لكن ما حصل كان عكس ذلك تماما. اذ انصب الاهتمام على تضخيم القطاع العام الذي صار مخزنا للبطالة، وسببا لعجز يتراكم ويستنزف الخزينة، ويكبّدها تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة، دفع بالانهيار إلى مداه الاقصى والأخطر. وصارت البطالة والفقر والزبائنية من سمات الاقتصاد اللبناني وصار الحديث عنه يشبه الحديث عن العتمة والظلام في ظل تحول نصف اللبنانيين إلى فقراء ومعوزين، تتسول عليهم السلطة من الصناديق والدول، ما اذلّ لبنان واللبنانيين. هذا الاذلال بدت معالمه عندما بدأت الزعامات تتصارع على الحصص، آنذاك بلغت التفاهة مبلغا مريعا، إذ شاع الحديث وكثر عن تقاسم مصالح طائفية ومناطقية. ولو ان المسؤولين عندنا تنبهوا الى مستوى الانحطاط الذي انحدرنا اليه، لما تحوّلنا اليوم إلى متسولين على ابواب البرامج الدولية والصناديق الاغاثية.
نعم، كلنا مسؤول. كلنا سكت عن المأساة التي بدأت تتعاظم منذ قررنا عدم حماية الصناعة الوطنية المتنوعة وتطويرها، ومنذ اهملنا برامج تحديث البنى التحتية من مواصلات وطاقة واتصالات وخدمات الكترونية، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه. كان في امكاننا تدارك الوضع المأساوي بشيء من اعمال العقل في بناء القدرات وتطوير الموارد في سائر القطاعات وكلها غنية وقادرة بإمكاناتها، لكنها افتقدت الى قرار رسمي مسؤول، والى شعب ينطلق من مواطنته وليس من قبائليته الهمجية التي راحت تبرر الفساد العميم. لم يتطلع احد الى اهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة في كل من قطاعات الزراعة والأغذية والتجارة والسياحة والتكنولوجيا والمعلوماتية والاتصالات بغية دعمها وتطويرها، لا بل على العكس من ذلك فقد راحت السياسات الإقتصادية والنقدية تعزز وجهة الاكتتاب في المصارف مقابل سياسة فوائد مرتفعة ومغرية جدا، ما دفع الغالبية الى الانغماس في توظيف هكذا افضى في النهاية إلى وجود ودائع رقمية غير قابلة للتسييل الا بشروط غريبة عجيبة، لا يُفهم منها الا ان نصف شعبنا صار “عاهة” للتسول من المحافل الدولية.
ما لم نتحد، ونعمل جميعنا للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتعزيز الاستثمار في كل قطاعاته، فهذا النصف سيتضاعف، اي ان غالبية الشعب اللبناني ستصبح متسوّلة ومنتظرة لبرامج الإغاثة الدولية، وعندها لن ينفع الندم بشيء.