ظلمة لبنان ليست في الكهرباء وحسب ..(فرح موسى)
بقلم أ.د. فرح موسى – الحوار نيوز
سمعنا للتو أن دولًا عربية عازمة على إعانة لبنان بشحنات الوقود اللازمة لمساعدته في الخروج من الظلمة!وهذا خطأ كبير ترتكبه هذه الدول، إذ هي تعلم يقينًا أن طائفية السياسة ومنازع السياسين لم تبق لنا على أمل في الإنقاذ!ولهذا،فإن أدنى مراجعة لتاريخ الكهرباء اللبنانية منذ عام ١٩٩٠،وحتى يومنا هذا،لا بد أن تكشف عن حقيقة ضياع أموال اللبنانيين تحت هذا العنوان،وقد سمع العرب قبل غيرهم عن المليارات التي ضاعت وسرقت لتوفير الكهرباء،وكان دائمًا الظلام هو السائد !
كما إنه لم يخف على أحد تعاقب أهل السياسة من جميع الطوائف والمذاهب على إدارة هذا المرفق الحيوي للبنانيين،وها هم اليوم بعد عقود من الزمن وصرف الأموال يعودون إلى العصر الحجري بملء إرادتهم!؟ وإذا كانت العزيمة للمساعدة هادفة إلى إنارة حياة اللبنانيين،فليعلم هؤلاء أن اللبناني لن يستفيد من مساعدتهم بعد أن دفعوا به كرهًا إلى الاستدانة للاستفادة من الطاقة الشمسية!
فهذا العزم على المساعدة العربية ليس فيه شيء من النخوة طالما أن المستفيد من هذه الشحنات،هو الطبقة السياسية التي اعتادت على هذا النوع من التزلف لتوفير الطاقة!.فليبحث العرب وكل من يريد مساعدة لبنان على طريقة أخرى لمساعدة اللبنانيين!وكلنا يعلم معنى وحقيقة أن يكشف عن هذه الأزمة بين الفينة والآخرى دون أدنى اهتمام من حكومة،أو وزارة،أو مجلس إدارة!فهذا القطاع ،ونعني به الكهرباء،لم يعد له معنى في حياة أكثرية اللبنانيين،كيف لا ونحن نعيش في أحياء لبنانية ولا نعرف عن الكهرباء شيئًا منذ عشر سنوات!
لقد أصبحت الكهرباء ترفًا؛فإذا كان العراقي،أو الجزائري،يريد مساعدة لبنان،فليكن لديهم من العلم ما يكفي أنهم لا يساعدون اللبنانيين،وإنما هم يوفرون الطاقة لرهط سياسي يتاجر بالكهرباء،ويتصرف بها وفقًا لمصالحه دون اعتبار لمصالح الناس. فظلمة لبنان ليست في الكهرباء وحسب،وإنما هي تعدت ذلك،لتكون أزمة سياسة وترهلا بنيويا للدولة اللبنانية التي نراها اليوم في هياكلها المظلمة! والحق يقال:إن ما نكتبه عن حقيقة واقعنا وما أصابه من ترهل وظلمات،هو ما يعرفه كل لبناني،سواء كان مقيمًا،أو مغتربًا،فهم جميعًا يعلمون أن النظام اللبناني منذ تأسيسه حتى يومنا هذا لم يزل يعمل أهله على حفر القبور المظلمة،وهذا ما كان يقوله الإمام شمس الدين رحمه الله عن ظلامية هذا النظام،وظلامية كل من يعمل له،أو يسوّغه على قاعدة المصالح والغايات الطائفية والفئوية!
فدعوتنا للعرب أن يمتنعوا عن تقديم المساعدات في الكهرباء،ليست آتيةً من فراغ،وإنما لها ما يعطيها دافعية الموقف،لجهة أن معظم اللبنانيين لن يستفيدوا!وليعلم العرب قبل غيرهم أن دولة اللبنانيين تأخذ رسوم الكهرباء من شعبها دون أن توفر له ساعات التغذية الكهربائية!فإذا كانت عزيمتكم وفخر معونتكم،وعزة نخوتكم،قائمةً على إحساسكم النبيل اتجاه أخوانكم اللبنانيين،فلا أقل من أن تعلموا أن معونة الكهرباء لم تعد معونةً شعبية إلا في حدود ما تعطيه السياسة الطائفية من امتداد في الواقع اللبناني!
إنها الحقيقة التي يعلمها كثير من اللبنانيين،علماء وحكام،وأهل سياسة،وأهل تجارة،كلهم يعلمون أن الكهرباء أصبحت من الحظوات!!فليترك اللبناني يعمل على تأمين ذاته بما يمكنه من العيش، بعد أن تحولت حياته إلى جحيم،يدفع فاتورة الكهرباء والهاتف،والمياه مثلّثةً،ثم يقال له،كما نسمع في الإعلام،قريبًا ستشاهدون أنوار الحياة من العراق،أو من الجزائر،بحيث يكون هناك حل لهذه الأزمة التي يفتعلها الحكام والمسؤولون لغاية في أنفسهم،وكأنهم لا يحكمون البلاد،ولا يعرفون أن الظلام قادم!؟
لقد شبعنا كذبًا ونفاقًا،وكم نحن مساكين حينما نصدّق أن المفسد هو الضامن لصلاحنا،وأن السارق،هو المؤتمن على أموالنا!!!فلننتظر وقود هذه الطبقة الكهربائية،علّنا نحظى بجحيم جهنم على تصديقنا أن فساد الدهر يمكن أن تزيله شحنات من هنا أو هناك! فليمتنع العالم كله عن تزويد دولتنا بالوقود حتى ينعم الناس بظلام المفسدين،وكما قالت الحكمة الاجتماعية:كيفما تكونوا يولى عليكم.والسلام.