ظاهرتان تفرضان على العراق اعادة تقييم علاقاته الخارجية
د. جواد الهنداوي*
الأولى هي ظاهرة الإرهاب، والثانية وباء كورونا.
حرب الإرهاب والتي استهدفت العراق اولاً ثُمَّ سوريا واستمرت تتنقل بين البلديّن والتي دفعت العراق للاستنجاد كثيراً بإيران وقليلاً بروسيا و غيرهما، في السلاح والاستشارة و الخبرة. ومن نتائج هذه الحرب: زعزعة (ان لم نقل إنعدام) الثقة بين العراق كدولة، كطبقة سياسية، كمكونات والولايات المتحدة الأميركية و ترسيخ الثقة والتعاون بين العراق كدولة وإيران من جهه، وبين فصائل الحشد و المقاومة، التي حاربت وقاتلت داعش وبين ايران من جهه أخرى.
غفلَت او تغافلَت (بجهلٍ او بعمد) الإدارة الأميركية حقيقة سياسية وعسكرية تُميّز العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وهي ( وأقصد الحقيقة ) " قوة المقاومة " أو " كيان المقاومة "، و أعتادت "امريكا" و غيرها بتسميتها، ادانةً او استخفافاً ، بمنظمات ارهابية او بميليشيات. و للإشارة فقط، وقبل الاسترسال، نذّكر بأنًَّ حركة طالبان في أفغانستان، والتي يقصدها الوزير بومبيو ، وزير الخارجية الامريكية ، للتفاوض في الدوحة، منحتها الإدارة الامريكية، ومنذ مُدّة ، لقب وصفة الإرهاب.
لا يمكن لايّة دولة النجاح مستقبلاً في التعامل مع العراق ، وفي نيّتها القضاء عسكرياً على قوة او كيان او فصائل المقاومة. و لا يمكن لايّة دولة النجاح مستقبلاً في التعامل مع اليمن، وفي نيّتها القضاء عن طريق الحرب والاغتيالات، على فصائل المقاومة والحوثيين في اليمن . ويَصُحُ هذا الاستنتاج على حالة لبنان و فلسطين ( حماس والجهاد وغيرهما ) ، وحالة سوريا .
هنالك اسباب لولادة و نشئة واستمرار قوة او كيان المقاومة في فلسطين وفي لبنان وفي اليمن و في سوريا و في العراق : الاحتلال و الاستهتار الاسرائيلي في فلسطين وفي لبنان ، والحرب على اليمن ، والإرهاب واستهداف مقومات الدولة في العراق و سوريا . تُريد امريكا القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين و هي تدعم اسرائيل في تمددِها و توسعها ، ولا تسعى لحلٍ سياسي وفقاً للشرعية الدولية ، وتريد امريكا القضاء على أنصار الله واللجان الشعبية و الجيش اليمني ، وهي تدعم حرباً ضَّد اليمن و لا تسعى لحل سياسي ، وتريد امريكا القضاء على كيان او فصائل المقاومة في العراق ، وهي تنتهك سيادته ، وتهُدده بعودة الإرهاب إنْ أخرجت قواتها من العراق ، وتُملي عليه ارادته، و موقف امريكا تجاه العراق على إثر الاتفاقيات الاستراتيجية الصينية العراقية خير مثال على ذلك .
سياسة امريكا في المنطقة ومعَ أصدقاءها ( باستثناء اسرائيل ) ، او مع خصومها او مع اعداءها ، وبسبب اسرائيل والإرهاب و النفط ، أفقدها ثقة الدول ، وفرض على الدول ، ومنها العراق أنْ تُعيد تقييم علاقاتها الخارجية .
وَلمْ تكْ خطوة السيد رئيس الوزراء ، عادل عبد المهدي، بتوجههِ نحو الصين ، وتوقيعه اتفاقيات استراتيجية اقتصادية ، في شهر أيلول عام ٢٠١٩ ، و التي اثارت حفيظة امريكا ، الاّ شاهد على ادراك العراق لضرورة الاعتماد على قوة آسيوية صاعدة و واعدة ومحلاً للثقة في بناء و إعمار العراق .
وباء كورونا جاء بشّرهِ وبدروس ، منها ، تعزيز ثقة ومسار الدول تجاه الصين وترسيخ عدم الثقة بامريكا .
سَبقَ السيد عادل عبد المهدي كورونا في قرع جرس الاصطفاف نحو الصين ، حين وقّعَ الاتفاقيات الاستراتيجية الاقتصادية معها قبل حلول كورونا . تداعيات كورونا تفرض على العراق اتمام خطواته الاقتصادية نحو الصين .لا ينبغي المجاملة على حساب المصلحة الاستراتيجية للعراق .
لن ينفرد العراق بهذا التوجّه نحو الصين ،سيكون الامر منهجاً لكثير من دول العالم ، الجزائر ، مثلاً ، أعلنت رسمياً بانها ستُعيد تقييم علاقاتها الخارجية على ضوء تداعيات كورونا .
تزايد الدور الاقتصادي والسياسي للصين في العالم ، وخاصة بعد تداعيات وباء كورونا ، و انحسار الدور الامريكي يُعزّزُ دور المحور الآسيوي ( الصين ، روسيا ، ايران ) في العراق و في المنطقة . وهذا ما يُغيض امريكا و يجعلها في حالة استنفار اعلامي ( اشاعات) ، وسياسي و عسكري . امريكا لا تُريد ان تخسر العراق ولكن هي لا تعرف كيف تكسب العراق : والسبب يعود هو أنَّ سياسة امريكا قائمة على الآخذ او السلبْ دون عطاء ، و اهتمامها بمصالح اسرائيل اكثر من اهتمامها بمصالح الامريكيين .
تمّرُ الإدارة الامريكية اليوم في حالة فقدان للأعصاب ،فهي في آنٍ واحد ، تواجهُ بداية لهيمنة الصين ، و استفحال وباء كورونا ، و خسارة العراق ، بعدما رضيت وباتفاق مع روسيا او دون اتفاق وضمناً بمعادلة ، فحواها روسيا في سوريا و امريكا في العراق .
تُهدّد امريكا فصائل المقاومة و الدولة في العراق " بفجرٍ جديد "في وقت ، تُحسبْ ظروفه و معطياته لصالح هذه الفصائل وليست لصالح الدولة( العراق ) او امريكا ، حيث هبوط أسعار النفط و انتشار كورونا ، و هيمنة الصين. ايَّ عمل عسكري أمريكي هو ليس فقط انتهاك لسيادة العراق، و انما أيضاً سيضعف العراق كدولة ولن يضعف المقاومة ،بل سيعززّ دورها وقوتها، ولن ينفع امريكا بشئ.
*سفير سابق للجمهورية العراقية-رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات ، بروكسل