سياسةصحفمحليات لبنانية

قالت الصحف: قراءات متباينة حيال نتائج زيارة برّاك

 

الجوارنيوز – خاص

تباينت افتتاحيات الصحف اليوم في قراءاتها لنتائج زيارة الموفد الأميركي توم براك وانقسمت بين التفاؤل والتشاؤم، بإنتظار اتضاح معالم الرد على الرد!

 

ماذا في التفاصيل؟

 

  • صحيفة النهار عنونت: لبنان في مرحلة انتظار رد برّاك على ردّه

 مؤتمر باريس يتأخر بسبب بطء الإصلاحات

وكتبت تقول: مع أن الغارات الإسرائيلية على مواقع “حزب الله” ومناطق عدة في الجنوب والبقاع الشمالي لم تنقطع حتى عشية زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت توم برّاك، فإن إسرائيل تعمدت على ما يبدو إطلاق رسالة متطورة ميدانية في الساعات الأخيرة من وجود برّاك في بيروت. ففي الوقت الذي كان فيه الموفد الأميركي يهم بمغادرة مطار بيروت عصر أمس مختتماً زيارته، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة في عمق قياسي في لبنان في العيرونية- قضاء زغرتا قرب طرابلس، حيث اغتال مسؤولاً في حركة “حماس” بما شكّل رسالة ميدانية واضحة حيال “الساحة المفتوحة” أمام إسرائيل غداة تسلّم برّاك الردّ اللبناني على ورقته متضمناً موقف السلطة اللبنانية من موضوع سلاح “حزب الله”. ومع أن الجهات اللبنانية المعنية لم تكن تراهن على توقف الغارات والعمليات الإسرائيلية أقلّه في وقت قريب، فإن الغارة الإسرائيلية في العمق النائي للشمال بعيداً من خطوط جنوب الليطاني وشماله رسمت عنواناً ساخناً حيال مرحلة انتظار السلطة اللبنانية للردّ الأميركي على الردّ اللبناني، والذي تعهّد برّاك بإرساله عبر السفارة الأميركية بعد درسه ومراجعته من دون تحديد موعد محدد لذلك.

وبحسب شهود عيان، حصل مشهد ناري مروّع على طريق بلدة العيرونية في منطقة طرابلس شمال لبنان، بعد أن تعرّضت سيارة مدنية للاستهداف المباشر ما أدى إلى اشتعالها بالكامل.

وفي وقت لاحق، أعلنت القوات الجوية الإسرائيلية أن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيليّ قصفت عنصرًا بارزًا في تنظيم “حماس” في منطقة طرابلس شمال لبنان. وأفاد الإعلام الإسرائيلي أن الغارة استهدفت القيادي مهران مصطفى بعجور رئيس قسم التخطيط في “حماس”. وأفيد عن سقوط قتيلين آخرين في الغارة، هما عمر زهرة من باب التبانة وعلي حموي الذي كان في السيارة المستهدفة مع مهران، و13 جريحاً إلى جانب المستهدف من حركة حماس بالغارة.

وكانت مسيّرة إسرائيلية ألقت سابقاً قنبلة صوتية في اتجاه بلدة الضهيرة الجنوبية الحدودية. وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس”: “خلال ساعتيْن جيش الدفاع يقضي على قائد في قوة الرضوان وعلى عنصر آخر من حزب الله الإرهابي. وهاجم جيش الدفاع يوم أمس في منطقة دير كيفا في جنوب لبنان وقضى على المدعو علي عبد الحسن حيدر قائد في قوة الرضوان التابعة لحزب الله الإرهابي. لقد دفع الإرهابي بمخططات إرهابية عديدة ضد مواطني إسرائيل وقوات جيش الدفاع ومن بينها خطة احتلال الجليل. على مدار الأشهر الأخيرة تورّط في محاولات إعادة إعمار بنى تحتية إرهابية لحزب الله في جنوب لبنان حيث شكلت أنشطة حيدر خرقًا فاضحًا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان”.

جولة براك

أما الموفد الأميركي توم برّاك، فاكمل جولته أمس لليوم الثاني والأخير في لبنان، حيث زار قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، في حضور السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون. كذلك أفيد أن برّاك زار منطقة جنوب الليطاني وأثنى على دور الجيش اللبناني في المنطقة.

وقبيل مغادرته بيروت، جدّد براك تأكيده ضرورة أن يقتنص لبنان الفرصة المتاحة أمامه اليوم عبر النافذة المفتوحة على إيجاد حلول للأزمات التي يرزح تحتها على مختلف الصعد. وشدّد في لقاء خاص حرص على عقده مع مجموعة ضيقة من الصحافيين المتخصصين في الشأن الاقتصادي، على ضرورة أن يتمسك اللبنانيون بالأمل لمواكبة المتغيّرات الحاصلة حولهم، تمهيداً لمواكبتها عبر المضي في حزمة الإصلاحات المطلوبة لكي يستعيد البلد دوره وتعافيه، مذكراً بالحقبة الذهبية للبنان حيث كان رائداً في مختلف المجالات ولا سيما من خلال قطاع مصرفي ناجح.

ومساء الإثنين، زار برّاك رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، في معراب، وتناول البحث خلال اللقاء الأفكار التي وردت في ورقة العمل التي قدمها برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين، حيث أكد جعجع “أن مطلب جمع كل سلاح غير شرعي، فلسطينياً كان أم لبنانياً، من قبل الدولة اللبنانية هو مطلب لبناني في الأساس، وهو الممهّد لقيام دولة فعلية في لبنان. وشدّد على أنه من دون حلّ جميع التنظيمات العسكرية والأمنية غير الشرعية، وغير القانونية، لا يمكن الوصول إلى دولة فعلية في لبنان”.

ليس بعيداً، وفي إطار متابعة نتائج لقاءات برّاك الرئاسية، اجتمع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة أمس مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، حيث تناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية ونتائج زيارة الموفد برّاك. ولفت ما قاله سلام رداً على سؤال حول تقييمه لنتائج زيارة الموفد الأميركي: “الرئيس بري أمس كفى ووفى والجو منيح”.

إلى ذلك، يزور رئيس الجمهورية جوزف عون قبرص اليوم ، كما سيزور لاحقاً دولة البحرين في زيارة لم يحدد موعدها بعد، على أن يكون في الجزائر في الـ29 من تموز الجاري. وعصر أمس، زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الرئيس عون وأعلن على الاثر أن “زيارة توم برّاك ممتازة جداً وفق ما قال الرئيس عون، وقد قُدِّمَت ورقة الردّ إليه ولا يزالون ينتظرون إجابة من “حزب الله”، وحصر السلاح يحتاج وقتاً ولن نعود إلى الحرب”.

وعن وضع المسيحيين في سوريا، رأى الراعي أن “الوضع صعب وعندما نرى ما يحصل في سوريا نفهم قيمة لبنان”، مشدداً على أن “لبنان غير متروك وحيداً وهناك دول عظمى إلى جانبه”.

باريس

في غضون ذلك، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين، أن تأخر الإصلاحات المطلوبة لتنظيم مؤتمر إعمار لبنان مردّه إلى البرلمان اللبناني حسب باريس وممثلي الدول الخمس التي تتابع الوضع في لبنان، والتي بعثت برسالة للمسؤولين ورئيس مجلس النواب بضرورة التقدم على مسار إعادة تنظيم القطاع المصرفي اللبناني ثم توزيع المسؤوليات حول الانهيار الذي حدث في لبنان. والمحادثات التي تمت في باريس بين وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو والمبعوث الرئاسي الأميركي توم برّاك أكدت التنسيق بين البلدين حول لبنان وسوريا والتفاهم حول مهمة اليونيفيل في لبنان، علماً أن الجانب الإسرائيلي ينتقد المهمة. وتقول مصادر ديبلوماسية فرنسية إن الكل يعترف بأن عمل اليونيفيل أصبح أكثر نشاطاً والأميركيون يوافقون على المبدأ، إذ أن القوة تقوم بدور لا يمكن حالياً للجيش اللبناني القيام به لعدم امتلاكه الإمكانات لذلك. أما عن زيارة برّاك إلى لبنان ولقاءاته في فرنسا، فترى باريس أن أسلوب وورقة برّاك تختلف لأنه لبناني الأصل ويعرف البلد. ولا شك بأن الجانب الأميركي يفكر في عقد سلام بين كل من لبنان وسوريا مع إسرائيل، لكن في هذه المرحلة يتطلع الجانب الأميركي إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم ومفاوضات على الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وهذا موقف فرنسا منذ البداية بضرورة التفاوض على الحدود. أما عن حصر السلاح بيد الدولة، فورقة برّاك لا تحدد موعداً له لكن تنص على تنفيذ ذلك، وترى باريس أن لا مفر من حصر سلاح “حزب الله” بيد الدولة لكن ذلك ينبغي أن يكون بالتشاور مع القيادات اللبنانية، وهذا ما يقوم به برّاك الآن وأيضاً باريس بالتنسيق معه.

ملاحقة بوشيكيان

وسط هذه الأجواء، برزت خطوة ملاحقة قضائية لنائب حالي ووزير سابق، إذ وقّع وزير العدل عادل نصار طلب القاضي جمال الحجار برفع الحصانة عن وزير الصناعة السابق جورج بوشيكيان، على أن يحال إلى الأمانة العامة لمجلس النواب في الساعات المقبلة. وكان النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وجّه كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس النواب بواسطة وزير العدل عادل نصار، طلب فيه رفع الحصانة البرلمانية عن وزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان، لملاحقته “بجرم الاختلاس وقبض رشى مالية وابتزاز اصحاب المصانع لقاء منحهم  تراخيص عمل”، وذلك خلال تولّيه مهام وزير الصناعة.

 

  • صحيفة الأخبار عنونت: الإيجابية تنحسر… ومخاوف من تصعيد إسرائيلي | واشنطن: نافذة الفرصة مفتوحة لـ 3 أشهر فقط

 

وكتبت تقول: لن يتوقّف اللبنانيون عن تقديم تفسيرات متضاربة حول ما قاله المبعوث الأميركي توماس برّاك خلال زيارته إلى لبنان.

لكنّ مصدراً واسع الاطّلاع قال لـ«الأخبار» إن المشكلة ربما تكشّفت كثيراً هذه المرة بسبب طبيعة برّاك نفسه. ولفت المصدر إلى أن على اللبنانيين التعامل مع الرجل بطريقة مختلفة عن بقية الموفدين الأميركيين. وأوضح أن برّاك ليس سياسياً طامحاً لدور خاص في الولايات المتحدة، وهو مرتبط بعلاقة شخصية جداً مع الرئيس دونالد ترامب، وعلى تواصل مباشر معه في أكثر من ملف.

وقد اختاره الرئيس الأميركي أساساً لمهمة تتعلق بسوريا، لكنه وجد أنه قد يفيد في الملف اللبناني نظراً إلى ترابطه في مكان ما مع الملف السوري. وأضاف المصدر أن برّاك سبق أن تعامل مع اللبنانيين، سياسيين ورجال أعمال، ومع شخصيات مستقلّة، ولديه فكرة مفصّلة، بما فاجأ البعض، علماً أن فريقه الذي يضم دبلوماسيين وآخرين من أجهزة مختلفة في الإدارة الأميركية، يعرف أنه غير مهتمّ بحصد نتائج خاصة في هذه المرحلة.

وبحسب المصدر، فإن برّاك لا يهدف إلى كسب ودّ أحد من المسؤولين اللبنانيين. فهو من جهة له موقفه الشخصي من بعض القيادات، لكنه ملتزم بسياسة بلاده، ومن جهة ثانية، يعتبر أن التجربة لم تظهر أن هناك تغييراً كبيراً في سلوك القيادات اللبنانية. وهو عبّر عن استغرابه أمام أكثر من شخص إزاء رغبة قيادات لبنانية بتأويل ما يقوم به، ولذلك اضطر إلى شرح أن من يحاول ربط ملف لبنان بالمفاوضات مع إيران، لا يعرف شيئاً في السياسة، وأصرّ على نفي مجموعة من التفسيرات التي أعطيت لمواقفه، ليس لطمأنة أحد، بل لأنه يريد أن يكون واضحاً.

وقال المصدر إن كل ما سبق ربما يساعد في فهم آلية عمل برّاك، لكن ذلك لا يعني أن لديه تفهّماً بالمعنى الذي يتعارض مع سياسة ترامب، وهو يقول صراحةً إن بلاده تقف إلى جانب إسرائيل، ومعنية بتوفير كل عناصر الأمن لها، ويعتقد بأنه يمكن للبنانيين أن يجدوا علاجات لأمور كثيرة، من بينها ملف سلاح حزب الله.

ولفت المصدر إلى أن برّاك كان واضحاً في حديثه مع عدد من الذين التقاهم، إذ قال بوضوح إن «هناك نافذة زمنية مفتوحة لثلاثة أشهر، وعدم تحقيق تقدّم كبير، لن يغيّر في الوقائع القائمة الآن، سواء لجهة استمرار الحرب الإسرائيلية، أو عدم حصول أي خطوة في مجال إعادة الإعمار، إضافة إلى رفض تقديم أي عون مالي للدولة اللبنانية».

وعليه، فإن ما بدا أنها إيجابية، طبعت زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت، وكلامه عن «الرضى الكبير» على «الردّ المدروس والمتّزن» الذي قدّمه لبنان، كل ذلك اتّجه إلى الانحسار بشكل سريع، في انتظار مجموعة عوامل، أبرزها تحديد موعد لعودة برّاك إلى لبنان حاملاً معه الردّ على الردّ، ورصد الأيام الفاصلة عن موعد عودته، وما إذا كانت ستشهد تصعيداً إسرائيلياً.

وإذا كان الوسط السياسي لا يزال غارقاً في تحليل خلفيات المرونة التي أظهرها الرجل، فإن مصادر واسعة الاطّلاع قالت لـ«الأخبار» إن «الأجواء في السر غيرها في العلن، والحديث في الجلسات المغلقة تركّز على وجود مؤشرات إلى تصعيد إسرائيلي، وإن لبنان يتوقّع ذلك حقاً، إذ تؤكد الغالبية أن إسرائيل تحضّر لشيء ما»، مشيرة إلى «لُغمَين تضمّنهما كلام برّاك، هما: ترك الأمر للبنانيين في ما بينهم، وعدم إعطاء أي ضمانات للبنان بوقف الاعتداءات أو عدم حدوث جولة جديدة».

أكثر من ذلك، تؤكّد المصادر أن «ما قاله عن عدم وجود مهلة زمنية هو كذب، فالورقة التي جاء بها سابقاً تضمّنت آلية لتسليم السلاح على دفعات، والكلام الأميركي مع لبنان كان يؤشّر بوضوح إلى مهلة أقصاها تشرين الأول المقبل»، مشيرةً إلى أنه «لا رؤية مشتركة بين الأميركيين واللبنانيين، ولا وجود لمؤشرات إسرائيلية إلى الحل، وبالتالي فإن ما صدر عن برّاك ليس سوى انعكاس لشخصيته المتمرّسة في السياسة، لكن ذلك لا يعني ذلك تبدّلاً في الموقف الأميركي».

وفيما علمت «الأخبار» أن فريقاً من السفارة الأميركية في بيروت اجتمع صباح أمس مع مجموعة من مستشاري رئيس الجمهورية جوزيف عون في قصر بعبدا، لاستيضاح بعض النقاط الواردة في الردّ الذي طالب بوقف الأعمال العدائية، وتحدّث عن حصرية السلاح بيد الدولة، وسحب السلاح تدريجياً، وإنهاء الوجود المسلّح لكل الأفرقاء على كامل الأراضي اللبنانية. كما أكّد أن الجيش تمكّن من بسط سلطته على معظم الأراضي جنوب الليطاني، وهو بصدد استكمال انتشاره، وينتقل من هذا البند إلى طلب مساعدة للجيش لتمكينه من أداء دوره.

وفيما تابع برّاك أمس جولته في بيروت، والتقى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وقائد الجيش رودولف هيكل، نقل البطريرك الماروني بشارة الراعي عن رئيس الجمهورية قوله إن «زيارة الموفد الأميركي ممتازة جداً وقد قُدّمِت ورقة الردّ إليه ولا يزالون ينتظرون إجابة من حزب الله»، مؤكّداً أن «لبنان غير متروك وحيداً وهناك دول عظمى إلى جانبه». وكانت لبرّاك جولة في الجنوب، خصوصاً في قرى الحافة الأمامية، وخرج من هناك بانطباع «كارثي حول حجم الدمار الحاصل».

كما استمع إلى عرض موسّع من كبار ضباط الجيش في مقدّمتهم قائد قطاع جنوبي الليطاني العميد نقولا ثابت، للخطوات التي تقوم بها وحدات الجيش على صعيد الانتشار وتطبيق القرار 1701. وانتقل برّاك إلى علما الشعب مروراً ببلدة الناقورة المدمّرة، من دون أن يعرّج على مقر قيادة «اليونيفل» فيها. وزار نقطة الجيش الحدودية في منطقة لحلح في أطراف علما الشعب، متفقّداً الخط الأزرق. واطّلع من الضباط على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة وتوغّل قوات الاحتلال إلى داخل الأراضي اللبنانية المحرّرة في أطراف علما الشعب والناقورة برغم انتشار قوات «اليونيفل» والجيش.

 

  • صحيفة الديار عنونت: برّاك يطرح تسوية صعبة والحكومة على مفترق طرق

وكتبت تقول: في لحظة سياسية دقيقة يمر بها لبنان، في خضم تصعيد إقليمي واحتقان داخلي، جاءت زيارة المبعوث الأميركي توم براك لتعيد إلى الواجهة واحدة من أعقد القضايا اللبنانية وأكثرها حساسية، كاختبار جديد لوحدة القرار اللبناني وقدرته على مخاطبة الخارج من موقع الدولة، حيث جاءت تصريحات المسؤولين لتكشف تباين الرؤى حول مفهوم السيادة ودور السلاح، وتطرح تساؤلات حول حدود التنازلات الممكنة في ظل الترتيبات الإقليمية الجديدة.

وبين موقف واشنطن، وتريث الحزب، وحذر الدولة، تبقى الأسئلة معلقة: كيف يمكن لدولة منقسمة أن تُقنع المجتمع الدولي بأنها شريك في الاستقرار؟ هل يبدأ مسار الدولة من ملف السلاح؟ أم أن الدولة بحاجة أولا إلى استعادة نفسها؟ وكيف يمكن للداخل اللبناني أن يعيد تشكيل عقده السياسي في ظل استقطاب إقليمي حاد؟

زيارة غامضة

واضح ان زيارة براك يحيط بها الكثير الغموض، وتدور حولها الكثير من التأويلات التي تسببت بها تصريحاته، ورسائله، من جهة، وتسريبات المقار الرئاسية والجهات الرسمية، التي فسرت «الكلام الاميركي» بالايجابي جدا وبل الممتاز، في تكرار لسيناريو زيارته الاولى، وما تبعها، والتي انتهت الى اكتشاف اللبنانيين وجود ورقة شروط، وسط تحذيرات من ان تكون الايجابية التي حاول براك اظهارها مجرد خدعة، «عا طريقة ما صارمع ايران»، من هنا الخوف الكبير من فخ اظهار عدم قدرة الداخل على حل ملف السلاح وبالتالي تلزيم الامر الى جهة اقليمية ما، او حتى الى الفوضى.

من هنا لا شك ان في الأمر شيئا غامضًا، وربما يكون مقصودًا، بين السقف الأميركي الذي عبّر عنه برّاك، والذي لم يُعرَف إذا كان الرد اللبناني مطابقًا لورقته، الموقف اللبناني، الذي طلب مهلة جديدة لإقناع الحزب، وسقف حزب الله الذي يستشف منه أن تسليم السلاح غير وارد.

فأين الحقيقة وسط كل ذلك؟ فهل الموضوع موضعَ إقناع أو استجابة لمطلب؟ وفي هامش المهلة المطلوبة ، كيف ستتصرف إسرائيل خلال المهلة المطلوبة، في ظل عدم وجود اي ضمانة من الولايات المتحدة الأميركية بضبط اي تصعيد اسرائيلي؟ وهل ستكون لبراك محطة لبنانية جديدة عمّا قريب، بعد مناقشة الملاحظات اللبنانية وإطلاع إسرائيل عليها، كما وعد؟ ربما الجواب يحتاج الى بعض الوقت للتدقيق في انتظار ما سيقوله حزب الله، صاحب الكلمة الاولى والأخيرة باعتبار ان مطلب حصر السلاح يتعلّق به الى حدٍ كبير.

قراءة اولية

الملف اللبناني كان جزءا من جدول اعمال حافل لرئيس الحكومة الاسرائيلية في البيت الابيض، حيث يتوقع ان يتم نقاش مفصل حوله في الجلسة الثانية، حيث سيستمع الرئيسان الى احاطة كاملة، على ما اكدت مصادر اميركية، والتي اشارت الى ان اجتماعا عقد ضم مسؤولين اميركيين يتقدمهم المبعوث الاميركي الى المنطقة ستيفن ويتكوف، ونظراءهم الاسرائيليين، بحث النسخة التي وصلت من عوكر الى البيت الابيض من الورقة اللبنانية، حيث خلصت المشاورات الى ان ما وصل الى واشنطن يبين ان لبنان «لم يقدم ما يجب ان يقدمه، وما حملته الورقة اقل من عادي»، مؤكدة ان «لا تفاوض على عدم تسليم سلاح حزب الله الثقيل من صواريخ دقيقة ومسيرات.

براك

هذا وأشار المبعوث الأميركي توم برّاك، الى أنه «لا توجد تهديدات فقط اغتنموا اللحظة وانظروا من حولكم إنّ المنطقة تتغير فإذا لم ترغبوا في التغيير إذا كان الناس لا يريدون التغيير فقط أخبرونا ولن نتدخل». ولفت براك، الى أنه «لا أحد سيبقى يفاوض مع لبنان حتى العام المقبل فترامب يتمتع بشجاعة مذهلة وتركيز مذهل لكن ما ليس لديه هو الصبر».

وعن كيفية حل مشكلة حزب الله، قال «مسألة لبنانية ليست عالمية فنحن من الناحية السياسية قد صنّفناها منظمة إرهابية لذلك إذا عبثوا معنا في أيّ مكان على المستوى العسكريّ كما أوضح الرئيس فسوف يواجهون مشكلة معنا».

ورأى أن «نزع سلاح حزب الله كان دائمًا حقيقة بسيطة وواضحة جدًا أكد عليها الرئيس ووزير الخارجية باستمرار: بلد واحد شعب واحد جيش واحد»، مضيفاً «المقصود ليس فقط سلاح حزب الله بل أيضًا سلاح الفلسطينيين والميليشيات المسلحة وإذا اختارت القيادة السياسية هذا المسار فسنرشد ونساعد».

وذكر أن «الخليج يؤكّد التزامه لكنه أكّد كذلك التزامه بمساعدة لبنان وشعب الجنوب والشيعة على الأساس نفسه وهو التوصل إلى اتفاق حقيقيّ أي جداول زمنية حقيقية مهل حقيقية ونزع سلاح حقيقيّ وليس بالضرورة أن يتم ذلك بطريقة عدوانية».

وتعليقًا على كلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الرافض لتسليم السلاح، قال «التفاوض لبنانيّ تقليديّ إذ إنها مفاوضات مستمرة حتى يكون الجميع مستعدين فعلًا لإبرام اتفاق حقيقيّ».

صورة سوداوية؟

مصادر ديبلوماسية تكشف صورة غير زهرية للوضع، ناصحة بعدم تجاهل السياق السلبي الذي سبق وصوله في اي عملية تحليل او تقييم للزيارة، في ظل الرسائل الواضحة التي حملها معه، مع نعيه اتفاق 27 تشرين الثاني، وآلية المراقبة التي ارساها، اي «الميكانيزم»، بقرار اتخذ قبيل وصوله الى بيروت، بعد اجتماع اميركي – اسرائيلي عقد في واشنطن، وخلص الى قرار باطلاق يد تل ابيب في لبنان، الى حين التوصل الى اتفاق جديد يرسي قواعد اشتباك جديد بين الدولة اللبنانية وحزب الله، من جهة، واسرائيل، من جهة ثانية، والاهم اعادة كرة نار السلاح الى لعبة الداخل اللبناني التي يرعاها اتفاق الطائف، مع تقديم عرض صريح للحزب بحفظ دوره السياسية، والتي قرأها اكثر من ديبلوماسي، على انها «رسالة سياسية» من العيار الثقيل، قد تنتهي الى تفاوض مباشر او غير مباشر مع واشنطن.

ودعت المصادر الى عدم التعاطي مع هذا التغيير كما لو أنه انقلاب في الموقف الأميركي، لان ما ادلى به براك، وإن بدا محسوبًا ومنمقًا، لا يمحو الواقع القائم، ولا يبدّل جوهر المقاربة، التي لا يملك القرار الحاسم بشانها، فدوره الفعلي يقتصر على نقل الرد اللبناني إلى طاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي ستبلور الموقف الأميركي الفعلي من مضمون الورقة.

فخ براك

وفي هذا الإطار، تشير اوساط سياسية إلى أن علاقة باراك – بري المتينة والتي تحمل في طياتها صداقة قديمة، قد أدّت دورا اساسيا، خصوصا ان تواصلا غير علني حصل اكثر من مرة طوال الايام الماضية بينهما، مباشرة وبالواسطة، وهو ما دفع بباراك الى ابداء اعجابه وتقديره بإحاطة بري بالأوضاع الإقليمية، وليس فقط المحلية، وهو ما جعل براك متفهّمًا الى حد ما لملاحظات الثنائي الشفهية التي سمعها في عين التينة.

وتكشف الاوساط ان حزب الله «مرتاح بحذر»، اولا، لان واشنطن لن تفرط بلبنان، في ظل ما تعتبره انتصارا لها بعد «سحبه» من محور الممانعة، و «تركيب» سلطة موالية لها، وبالتالي لا مصلحة لها ، بعد السيطرة على سورية، بأن ينفلت الوضع اللبناني بما يُقوّي موقف حزب الله، وثانيا، لان تل ابيب بدورها عاجزة حاليا عن تنفيذ أي عملية اجتياح بري واسع، وعليه فان الأمور ستبقى في إطار التصعيد المستمر المضبوط السقف، رغم ان الحزب اتخذ كل الاجراءات العسكرية والميدانية لمواجهة أي مفاجآت.

فهل سيأتي ردّ مشترك إسرائيلي – أميركي على الرد اللبناني أو ما سُمّي بـ»الأفكار اللبنانية للحل»؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لما بعد هذا الرد؟ الاجابات لن تكون متوافرة قبل اسبوعين، الموعد الذي حدده براك، كمهلة تفاوض بين بيروت وواشنطن، تتولى خلالها السفارة الاميركية في عوكر نقل الرسائل والتوضيحات.

لقاء سري

المشهد السياسي المتصدع، والمازوم حكوميا، على خلفية الاعتراضات المتزايدة داخليا، لجهة اداء رئيس الحكومة نواف سلام وادارته للملفات الاساسية والحساسة، زاد من «بلته»، تداول معلومات عن لقاء سري جمع طوم براك برئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، في خطوة تحمل ابعادا سياسية بالغة الاهمية، وسط تزايد المؤشرات الى احتمال قيام ميقاتي بادوار محورية في المرحلة المقبلة.

حرد قواتي

وفيما يبدو ان الموقف القواتي ذاهب نحو مزيد من التصعيد، تصر معراب على ان ما يحصل يشكل انقلابا، على التسوية السياسية التي حصلت، اولا، وعلى النظام السياسي اللبناني، من خلال اعادة استنساخ تجارب سابقة اختزلت المؤسسات وادت الى تهميشها وتدميرها، وهو ما ناقشه «الحكيم» مع الموفد الاميركي، خلال العشاء الذي جمعهما.

من هنا، تؤكد اوساط مطلعة أن لبنان مقبل على مشهد سياسي مختلف تمامًا عمّا شهدناه خلال الاشهر الاخيرة، عنوانه سقوط «التفاهمات الهجينة» وصعود تحالفات ومقاربات جديدة، تحاول معراب ان تحفظ فيها حصة الاسد، سواء من موقعها كمشارك في حكومات الضرورات الاقليمية والتفاهمات الدولية، او في صفوف المعارضة، لترسيخ موقعها كأقوى حزب مسيحي.

كفى ووفى

ليس بعيدا، وفي دلالة على التناغم الرئاسي القائم، قال رئيس الحكومة نواف سلام، في نهاية زيارته الى عين التينة، حيث تناول اللقاء تطورات الاوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية ونتائج زيارة الموفد الاميركي، ردًا على سؤال حول تقييمه لنتائج زيارة باراك «الرئيس بري كفى ووفى والجو منيح».، مضيفا «كان هناك حرص كبير على مصلحة لبنان وسيادته وهواجس اللبنانيين كافة وكذلك مطالب حزب الله».

السلاح غير مطروح

في المقابل، تطرّق عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب إيهاب حمادة الى زيارة برّاك إلى لبنان، مؤكدا «موقف «حزب الله» من التدخل الأميركي في لبنان»، قائلا «نحن لا نعتبر أن «الأميركي وسيطا بل شريكا، لا سيما بالتجربة المتعلقة بالقرار 1701». مشيرا إلى ان «رئيسي الجمهورية والحكومة عبرا بشكل واضح انسجاما مع البيان الوزاري الذي حاول البعض أن يحمّله ما ليس فيه». وقال إن «موضوع السلاح ليس مطروحا إطلاقا، وهو فقط مطروح لدى بعض اللبنانيين في خيالهم وأوهامهم».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى