طوبى لأبناء وطني .. طوبى لمن لا يرف لهم جفن .
إيطاليا ـ هدى سويد
ما هذا الصمت الذي يُرخي ثقله على الكاهل ؟
أشعر بثقله من هنا كما أحسّ بأنين الناس وأنيني .
ما هذا الصمت الذي تركناه ونتركه يخترق جسدنا كالرصاص تاركا ثقوبه آثارا ؟
ما هذا الصمت الذي تخترقه في كل لحظة صرخة ؟ دمعة أو انتحار؟
ما الصمت هذا ؟
الذي يتركنا نتألم ، نتركه يتمدد في محاصرتنا ، يشلّنا دون أن يُلاقي حراكا في مجابهته ؟
يتركنا بلا حيلة أو أمل وكأننا فقدنا دوافعنا وأحلامنا ؟
في جمهورية الصرّافين كما أسميتها في نص سابق ، يرتع الصرّافون ، سياسيو أحزاب هشّة ومن لف لفهم وحدهم في الشوارع ؟
أحقا تركنا الشارع ، البيت ، المدرسة ، الجبل والبحر لهم ؟
أحقا تركنا الوطن للسماسرة ، المجهول والهاوية ؟
ليس من السهل الحل السريع وكلما حاول المرء الرؤية يجد دائرة مهرجين يتنكرون بصباغة وجوههم ، ومن كثرة استنزافنا احبطونا نازعين منّا روح الكرامة والتمرد والفعل ، التضحية والمقاومة .
ألهونا سنين بإسرائيل عدوّا ومن لفّ لفّها ،
ألهونا سنين وأقلقونا إمّا إسرائيل وإمّا نحن ! وكان أن أنهونا وأتلفونا وبقيت إسرائيل وبقوا هم.
ونسينا من هو عدونا الشرس الذي علينا استئصاله كي نتمكن من محاربة إسرائيل .
هل إسرائيل أخطر ممن يُحيط بنا من سياسيين ورجال دين كذبة ومهرطقين يصادرون هويتنا
ولقمة عيشنا ، فرحنا وحزننا ، مستقبلنا وقبرنا ؟
أتركوا هذه اللعبة إسرائيل والدين ، من يريد اللهو بها فليحفر أنفاقا إلى ما بعد الدين !
***
في هذا الإنهيار الكبير الذي جرف معه الانتفاضة علينا المراجعة ،
تذكير سريع بمرحلة محددة المتعلقة بما بعد الحركة الوطنية واغتيال رموزها ، كانت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وكانت الاغتيالات لكن كانت هناك حوالي 1113 عمليّة استشهادية ( استشهد فيها حسب الإحصاءات حوالي 184 ) منها 907 ضد العدو الإسرائيلي و 206 ضد العملاء ..
..وكانت أسماء في سني الحرب أولها كما ما بين 1982 و1990 وكانت الشهادة ما بين الشيوعي والقومي وكانت الشهيدة سناء محيدلي التي وصّت بتسميتها عروس الجنوب كما سهى بشارة ، لولا الياس عبود ، خالد علوان وغيرهم الكثير الذين أرجو سماحهم لعدم ذكر أسمائهم .(وبخاصة الشهداء الذين ارتبطت أسماءهم وشهادتهم في مرحلة سياسية لاحقة التي لا أتناولها في نصي هذا مع كل الإحترام لكل الشهداء ) .
أين هم وما الذي تبقى ؟ ولماذا لا نشعر بوجودهم التغييري ؟ وأين البدائل ؟
وإن كان لهم وجود فلا نريده فانتازيا لصورة وخبر .
هؤلاء الذين يرتعون في شوارعنا ماذا نسميهم ؟ أليسوا أخطر من العملاء الذين جندت عمليات عسكرية ضدهم ؟
هؤلاء ماذا نسميهم الذين يصادرون حياة الشعب في يقظته كما في نومه إن غفا له جفن ؟
هؤلاء هل يستحقّون موتا أو انتحار فقير ؟
لا أحب وأرغب بالدم أو أحرّض على العنف ، لكن في جمهورية الصرّافين عرفنا من هو عدونا حسب الأولويات وعلينا اليقظة والمحاسبة ، ألاّ نترك البلد لمن نهبوها وألا نسمح لأنفسنا بأن نهب البلد مجانا للفاجرين والمهرجين .
قد يُقال لا منفس أو كوّة خلاص ، استنفدنا نفسيا ، اقتصاديا و..
قد يكون ذلك صحيحا لكن علينا من جديد البدء بما لم نقم به .
ماذا علينا أن نفعل ؟
بما لم نفعله أو نقم به من قبل .
***
ما هذا الصمت الذي رمانا ويرمينا في هوته ؟ أإلى هذا الحد قدرته في سحقنا ؟ أليس بوسعنا فضّ هذا الصمت محدثين فيه نكهته الحقيقية بدل الشكوى ؟
أن يحيا المرء في الصمت يعني حسب مجموعة من مدارس علم النفس دينامية إيجابية تعمل على نقل الموجوع من خارجه (الذي لا يُغنيه) إلى داخله وبالتالي إلى فراغ هو عادة زادا غنيّا للتخيّل والإبداع !
أن يحيّا الإنسان فراغا مطلوبا ، هو بمثابة البحث عن ملجئ تكمن فيه جذوره ، وفي العتمة وحدها تنبت الجذور وتزهر.
"في العتمة ، في التخفي سحر اللامرئي لأن المرئي لا يمكنه أبدا المساعدة ، لذا يفرح الأطفال اللعب بلعبة "الغميضة " ويعلمون أن بتخفيهم يلجأون للبيت الذي يكمن خلاصتهم وجوهرهم فيه" كما يقول البسيكولوجي الإيطالي رفايل موريللي .
نحن في لبنان في إطار الجلاّد والضحيّة وتمر في خاطري حادثة ( وردت في كتاب "كيف يموت الكبار"قرأته في نسخته الإيطالية ل " سوشيلا بلاكمن " ) يروق لي ذكرها وتفيد أنه عندما قامت فلول المجموعات العسكرية على احتلال مدينة كورية ، هرب من المعابد كل من فيها إلاّ رئيس المعبد وهو من الزان الذي رفض أن يمد يده للجنرال الذي قدم إليه لمصافحته فاستاء منه صارخا بقوله :
" أنت لا تعلم بأنك تنظر إلى إنسان يمكنه قتلك دون أن يرفّ لك جفن ؟"
فرد رئيس المعب :
"وأنت لا تعلم بأنك تنظر لإنسان يمكن أن تقتله دون أن يرف جفنك؟"
طوبى لأبناء وطني ، طوبى لعذابهم و، لمن لا يمدون يدهم لجلادهم ولا يرف لهم جفن .