رأي

طوالستان.. الكَموج وأخواتها …(حيّان حيدر)

 

بقلم د.حيّان سليم حيدر – الحوار نيوز

 

(كان مقررًا لهذا التقرير، “الرصين”، أن يصدر في مناسبة مرور عام كامل على الشغور الرئاسي.  إلّا أنّ الأحداث المعاشة، المصيرية والأليمة في آن، حكمت تجاوز هذا التاريخ.  أمّا وقد قرّر موفد ما العودة إلى الدوران في الحلقات العبثية التي ذكرها أسلافه في الأعوام 1830 و 1860 و 1919 و 1926 وغيرها وغيرها، فلا بأس من بعض الطراوة).

     ويتعثّر “الإستحقاق” في بلد الكَموج (1).  وتمرّ الأيام والأشهر.  ويطفىء “الشعب” شمعة الإستحقاق الأولى.

     وتنبري الحنونة، مرّة مكرّرة، بمبادرة للحلّ.  وتفشل… مثنى وثلاث و… ولا أحد مَعْني يُنْعي.  ويستيقظ “الشعب” كلّ صباح على صياح الأسطوانة التي أصبحت مملة، على تكرار الإعلاميين لأقوال المبادِرين وتحليلات المبشّرين.   ويحتار الخارج فينكبّ، حرفيًّا، البعض “للمساعدة”… بِرَمي دلو من الزيت على النار.  وتتألّف، يا فرحتنا، الخُماسية.  وما أدراك ما الخُماسية.  وتتشكّل، بِرَفع الأصابع الخمس، أي “هاي فايف” (high five)، تتشكّل من دول طوالستان وعْراضْستان وعُلوجستان وأَلْأَمْرُلِي وأَلْغاليا (الحنونة سابقًا).

     والخُماسية، الذاتية التعيين والأنظمة والتصرّف والمراوغة، لا أحد منها يسير بنظام جمهوري برلماني دستوري، فدستور طوالستان يأتي برئيس على أساس الطول، ودستور عْراضْستان يختاره على أساس العرض، والأَمْرُلي على أساس حملات تمويل حزبين لا ثالث لهما، وألْغاليا على أساس رئاسي، وما أدراك بمواصفات عُلوجستان… ونبدأ.

     إجتماع على مستوى مندوب أو مفوّض في عاصمة أحدهم، ثم آخر على مستوى سفراء في مكان آخر، وينحدر الإهتمام إلى تلاقي، بالصدفة، لثنائي من بينهم أو أكثر، في مؤتمر من الذي يجول العالم على مدار الزَمَكان، من آخر الأرض إلى آخرها، على هامش سلام أو كلام…

     وكما مع الكَموج، أيضًا مع العُلوج، تدبّ الخلافات بينهم.  فبات مندوب طوالستان يسعى إلى إنهاء دور ألغاليا، والعْراضْستان يريد جمع طائفة، وثالث يريد إستغلال قدراته المالية ونقرأ : إنفتاح الخُماسي يؤخّر الرئاسي ومصيرها سيتحدّد (المبادرة وليس الرئاسة) قبيل عودة “اللّي بيَعْرِف”…ومعه لا يريد إستعجال  (أو باللغة  اللبنانية: سَلْقْ) وذلك بعد مرور سنة على الإنسداد.  إنسداد؟  يا لها من كلمة “منفتحة” على كلّ الإحتمالات..

     وتبرز عقدة أنّه يجب دراسة تأثير علاقات طوالستان مع جيرانها أو عُلوجستان مع حليفتها، وبعد سنة من التعطيل يدخل الملف (هو مجرّد ملف) مرحلة عدم الوضوح والرتابة (نعيمًا يا عبّاس !).  ثمّ كانت مناسبة الإجتماع السنوي لمنظمة اللَمَم المُلْتَحِدة، فيعوّل الكَموج على إجتماع ما لأعضاء من الخُماسية قد يصدف في رواق من أروقة اللَمَم، ويختلف فيها العُلوج.

     والحدث يطول بين مرشحين إثنين.  لنذهب إلى مرشّح ثالث، قيل، وليس هناك من ذكر لا لمواصفات ولا لبرنامج أو لخطة عمل ولا أيّ تلميح إلى مصداقية أو أخلاق أو تاريخ المرشّح…

     وتتكسّر المبادرات على المبادرات: أولى… ثم ثانية… ثم … والغاية هي المبادرة بحدّ ذاتها ليسجّل الفضل لصاحبها وليس لوضع حلّ … وقد أضيف إسم فلان إلى قائمة الترشيح ليس لكفاءته وخبرته وسمعته أو لمواصفات وصِفات فيه أو لبرنامجه أو… بل لقطع الطريق، نعم دولة قطّاع طرق هي، على حوار الطرشان القائم داخليًّا…

     ويْنك يا أخوت شناي؟  إلحقنا يا غوّار؟؟

     وبين بين، يتمّ الإشارة إلى أنّ، بهدف تطبيق الدستور في موضوع إنتخاب الرئيس، حسب وجهة محدّدة، علينا أن نخالف الدستور، بالطلب من المادة 74 منه لتُسعِف زميلتها في التعقيد المادة 49، فنرشّح مَن لا حقّ دستوري له بذلك، والسند “القانوني” لذلك هو أنّنا قد فعلناها في مناسبة سابقة (2008).  يا له من منطق دستوري بإمتياز !

     والبعض يريد رئيسًا غير مستفزّ لا للطوال ولا للعْراض، أي لا يقدِم على أيّ عمل.

     وضربًا للخُماسية بالسداسية، وزيادة في التعقيد، نقترح ضمّ إلى مجموعة القرار “راسم” البحر والبرّ فنضيف عقدة بحرية إلى العقد البرّية المعقودة والمتعاقدة… وما رأيكم بإدخال دولة أناكيديا؟

     ويلهث الكَموج إلى حلّ يظهر في مواعيد وأماكن لقاءات عالمية آتية: مجموعة العشرين، مؤتمر المناخ، “مجموعة السبع عبيد صغار” (G7) ثم؟… ثمّ ربّما يلتقي أهل النفوس الكبيرة في الأماكن الكبيرة كما حصل في مناسبة تاريخية (2)، وإلّا فالنُعَوّل على مؤتمر البريكس في السنة القادمة.

     ويتنطّح صاحب المبادرة المكرّرة من دون ملل منذ أعوام، فيرسل أسئلة إمتحان إلى شلّة من أعضاء البرلمان، إنتقائيًّا.  ما بعلمي لغيتوا البريفيه؟؟  ولإنّها خُماسية، فيكون الإمتحان 2+3 = 5، ويصرخ الجمهور اللبناني المتابع: حرام… إعطوه فرصة ثانية… إعطوه فرصة ثانية !

     ولأنّ أعضاء الخُماسية أصابتهم مصيبة لبنان، فبات المدخل إلى الحلّ: الدليفيري… ويصرخ الكَموج: “وجدتها” (Eureka) حوار بالدليفيري سيكون !

     ومع عصيان الحلّ، يطرح مندوب طوالستان المَخرج على أساس: “ميِّل يا غزيِّل” ليواجَه بطرح عْراضْستان الذي يفضّله معدّلًا حسب: “يا غزيِّل ميِّل”، ليقترح خبير الترسيم: “بَعْمِلّك تبّولة…” .

     ومع هذا كلّه نقرأ يوميًّا: ترقّب وجمود ومراوحة عند نقطة الصفر… الموفد ما زال هنا (يا هلا)…إستعدادًا للجزء المقبل من التحرّك… المعلومات المستقاة من جهات وثيقة الصلة بالدوائر… ضمن تبديل في المقاربة… نضوج وتطوّر…عبّر عنه بوضوح وصراحة… على خطّين: إقليمي ودولي… العودة إلى الملعب اللبناني… إنفراجات و”بلوكاج” على مدّ الخبر… فتح الباب أمام معركة ماذا بعد إنتخاب الرئيس…مأزق يخلف مأزق… رافعًا لواء الخيار الثالث (وينك يا أبو رياح وأصابيع الخيار..).

     ويأتي مَن يذكّر الكَموج أنّ هذه الدليفيريات شهدها البلد مع المندوب روبرت مورفي في العام 1958 وبعده مع دين راسك، وأيضًا في العام 1976، مع مندوب الفاتيكان الكاردينال برتولّي والفرنسي كوف دي مورفيل  يرافقه جورج كّورس بمشاركة الأميركي دين براون، وبين بين هدّد الأممي كورت فالدهايم بتقسيم لبنان إذا لم يتوصّل عُلوجه إلى حلّ أزمتهم.

     ويطفح الكيل أمام التهديد المكرّر بتطبيق عقوبات لأنّ أيلول سيكون آخر الكيّ.  وهذا للمرّة الألف (العقوبات وليس أيلول).  ومع ذلك، وقد تجاوزنا التشرينين، ونحن على أبواب كانون، دخيلكم، الشعب يريد تنفيذ العقوبات، رِجاءً، إلحقني يا برتولت (3).

     ولكن هناك عقبات أمام العقوبات.  فطوالستان تطبق عقوباتها على كلّ مَن يتطاول عليها مزايدًا عن إرتفاع 1,80 سم..  وعْراضْستان تقيسها على مقياس خصر 60 رجّالي، والمشكلة تتفاقم عند عُلوجْستان التي تطبّق عقوباتها على كلّ مَن يتجاوز ذكاؤه عتبة 55 على مقياس “آيْ كِيُو” IQ، ليواجهوا مشكلة أنّ اللبنانيين لا يتجاوز فهمهم للمصلحة الوطنية أيّ عتبة.

     والخُماسيون غير الـ”سينييه” signés يجهلون أنّ الحلّ يجب أن يكون “مانيكيورد” manicured لكون لبنان هو دولة بوتيك Nation boutique .

     والكلّ يبحث عن دور ونفوذ ولا يملك مشروعًا للحلّ.  فمنهم مَن هو مؤثّر وليس فاعلًا ومنهم مَن هو فاعل وغير متأثّر.  ويصيح الفذّ: “إلى التدويل…” هيه هيه هيه ، يعني يدخل إليها كلّ إبن …ستان وكلّ  أخو ….آنيا…

     وفي ليلة ليلاء… يذهب العالم بأسره والمنطقة والبلد، ومعه الخُماسية طبعًا، إلى البحث عن مخارج لمعضلات عالمية طالما إستعصى الحلّ لها منذ قرن.

     تصبحون على حلّ.

بيروت، في 29 تشرين الثاني 2023م.                                                            

  حيّان سليم حيدر

 

(1) سأل أحدهم الإمام الإشبيلي: ما هو الكَموج؟  فاستغرب الإشبيلي، وقال: وأين قرأت هذه الكلمة؟  فأجابه بكلّ ثقة.. في قول الشاعر: “وليل كَموج البحر أرخى سدوله”،  فقال الإشبيلي: الكَموج هو دابّة تقرأ ولا تفهم !

(2) إلتقى كليمنصو بخصم سياسي له في حمام عام فبادره بالقول: النفوس الكبيرة تلتقي في الأماكن الكبيرة (بمعنى المهمة)

Clémenceau: “Les grands esprits se retrouvent dans les grands endroits”

(3) سَبَقَ ونصح الكاتب والمسرحي الألماني برتولت بريخت حكومة بلاده بحلّ الشعب وإنتخاب شعب آخر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى