طريق الفرات خاتمة الغزو ونهاية المظالم (فرح موسى)

أ.د.فرح موسى* – الحوارنيوز
كتبنا قبل أيام عن خطوات النهاية للمشروع الأمريكي الصهيوني في الشرق الأوسط،إن لم يكن في العالم كله، لمؤشرات تُظهر لكل ذي عقل أن الخيارات النووية لم تعد مجرد كلام،وإنما خرجت عن كونها كذلك ،لتكون تهديدًا يوميًا للدول الكبرى في صراع المصالح والأطماع، كما قال الإمام علي:”أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع…!”.
فإذا ما تدبّرنا في مسارات الأحداث وسرعة التحولات العالمية،فإننا نجد ما كان يعتبر خيالًا وتكهنًا،أصبح واقعًا وملموسًا،وقد عرضنا لجانب من التأسيس التاريخي وما يترتّب عليه من نتائج منطقية وحتمية، وفي هذه المقالة نودّ التأكيد على ضرورة التبصّر بما يواجهه المشروع الصهيوني من عقبات في الطريق إلى الفرات،فهو لا يعتمد على كفاءته القتالية بعد تجربة غزة ولبنان، وإنما يختار إثارة الفتن والحروب الطائفية والإثنية لأجل تحقيق أهدافه،مستعينًا بكل أدوات الشر في العالم!
وقد صرّح الصهاينة مؤخرًا أنهم يسيرون بخطى ثابتة نحو الفرات،عملًا بمعتقدهم التوراتي،التلمودي،أن حدودهم من النيل إلى الفرات،فهم دمّروا غزة ولبنان على أمل أن تسهل المهمة في كل اتجاه،ولكن صمود قوى المقاومة،وظهور اليمن بقوة دفع هائلة،جعل من المهمة أكثر صعوبةً،فاختار أن تكون سوريا مجالًا حيويًا للتجربة،وها هو يثير النعرات الطائفية،ويحتل جزءًا من الجنوب السوري بهدف التفتيت والتقسيم،وللحيلولة دون ظهور المقاومة ضد الاحتلال، وهو لا يزال على قلق كبير اتجاه كل خطواته المجرمة، طالما لم يتمكن من حسم الموقف في فلسطين. فكل حروبه باءت بالفشل،رغم كل ما تسبّبت به من دمار،فهذا،كما نعلم جميعًا،لا يجعله على اطمئنان لحيوية مشروعه التوسعي.
نعم،إنها الطريق إلى الفرات،غزوًا وقتلًا،وتشريدًا،ولكنها طريق لا تزال محفوفةً بالمخاطر،وتحيط بها جبال من العزائم المقاومة،فهي خاتمة الغزو ونهاية المظالم الصهيونية على طريق سوريا والعراق وإيران،فلا ينبغي اليأس مما في أيدينا من عوامل القوة؛وذلك لما نؤمن به أن الأيام دولٌ،وأن سنن التاريخ والحياة تبسط أمامنا مصائر هولاكو،وتيمورلنك،ونيرون،وهتلر،والحجاج بن يوسف،وغيرهم كثير ممن امتدت بهم الأيام،وبلعتهم الأرض والأزمان!فهؤلاء لم يدم لهم الإمساك بالنواصي والأقدام بعد أن سجّلوا طفرتهم في التاريخ والجغرافيا،وماتوا وهم يذرفون دموع الهزائم !!!
فالصهاينةُ في كل ما يسعون إليه معروف أنهم في عجلة من أمرهم لتقسيم المنطقة وتفتيتها،كما هو مشروع رائدهم الحديث المستشرق”برنارد لويس”، الذي دعاهم إلى الاهتمام بتقسيم بلاد العرب والمسلمين،وتنفيذ ما هو أهم من السلاح النووي لحماية الكيان والوجود،وإثارة الحروب والفتن ليخلو لهم وجه وباطن المنطقة بكل خيراتها! ومن غير شك أنهم وفقوا إلى الكثير من ذلك،وكانت لهم بعض الطفرات القاتلة،إلا أنهم رغم ذلك تراهم يتحدثون عن نهاية الكيان، وخراب الهيكل،وصعوبة التنفس في غزة ولبنان واليمن في اللحظة ذاتها التي يتحدثون فيها عن امتداد الغزو نحو الفرات والعراق!
لقد علّمنا الدين والتاريخ أن الظلم مؤذنٌ بالخراب،وأن الاستعمار والاحتلال إلى زوال مهما كانت سطوتهما الإجرامية،وقد بلغت ذروتها ضد قوى المقاومة.إنه طغيان القوة الذي يمنع العدو من رؤية قدميه،وقصر أنفه. كيف لا،وها هي قوى المقاومة لا تزال على قوة دفع هائلة تؤهلها لأن تخوض حرب الوجود على أبواب فلسطين والقدس من اليمن إلى العراق وإيران ولبنان وفلسطين،فضلًا عن أحرار العالم.
إنها النهاية،بحسب رؤيتنا،للمشروع الأمريكي الصهيوني في منطقتنا والعالم،وهذا ما أوحى به الله تعالى لرسوله محمد (ص):”وقال الذين كفروا لرسلهم لنُخرجنكم من أرضنا،أو لتعُودُن في ملتنا،فأوحى إليهم ربهم لنُهلكن الظالمين،ولنُسكننكم الأرض من بعدهم…”.فالآية تنظر إلى أن وعد الله حق،ولا بد من هلاك الظالمين،فأحداث فلسطين، وظهور اليمن بقوته الإيمانية والدفعية الهائلة،ومد الصراع باتجاه المضائق والممرات المائية كلها تنذر بالمزيد من الترهل للمشروع الغربي المستعمر وأدواته الوظيفية في المنطقة العربية والإسلامية!
عدوٌ يريد الوصول إلى الفرات على أنقاض الفتن والمذاهب المتعثرة في وجودها!وهو عاجز عن تأمين نفسه حيث تطأ قدماه!فعلى أهل البحث والخبرة العلمية والسياسية متابعة رصد الأحداث،وكل ما يمكن أن تؤول إليه المنطقة من صراعات طائفية ومذهبية يُخدع بها الكثيرون،ظنًا منهم أنها من الدين والإيمان،وهي من كل ذلك براء،لأن مَن يسقط في امتحان فلسطين والقدس،لا يمكنه أن يُسوّغ لنفسه مذهبًا،ولا أن يُعطي لدينه خطًا ومنهجًا،أو صدقًا في مواجهة المشاريع الاستعمارية!
إن ما يرتكز إليه الأعداء من تشوّهات دينيةوحروب وفتن طائفية،هو الذي يطيل في عمر الأعداء،ويجعل عقيرتهم ترتفع في وجه أصحاب الحق والأرض،فهؤلاء في النهاية ستكون لهم الهزيمة المخزية،أعداءً وعملاء،لأن وعد الله حق،والسنن حاكمة،ولا بد أن فلسطين عابرة للضمائر،ومؤيَدة بكل مقدسات الأمة.وهذا ليس من التكهن والأماني في شيء،وإنما هو من الإيمان،وسنن التاريخ،وقبل ذلك كله،هو من معجزات الله تعالى في زمن تاهت فيه العقول عن قراءة الأحداث،واستخلاص العبر.فهل كنا قبل عقد من الزمن نتوقع ظهور اليمن بقوته الدفعية الهائلة ضد الغرب المستعمر؟؟أم كنا نتوقع صمود غزة فلسطين ولبنان وكل ما حصل من وعود صادقة ضد المحتل!؟
فالعرب والمسلمون يعيشون المعجزات،ولكنهم قلما يتدبّرون في أحداث العالم وسرعة تحولاته!وإن غدنا القريب سيشهد وعد الآخرة القرآني،وستفتح أبواب السماء على بلادنا والعالم بنصر منهمرٍ، وستفجرُ الأرض ،عيونًا وشعوبًا،ورايات،ليلتقي أهل الحق والقدس على أمر إلهي قد قُدِر.والله غالب على أمره ،ولكن أكثر الناس لا يعلمون.والحمد لله رب العالمين.تاريخ:١١-٣-٢٠٢٥.
*رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.