طباعة الفئات الكبيرة من العملة في زمن التضخم المفرط:هل أصبحت المليون ليرة ضرورة؟( عماد عكوش)
بقلم د.عماد عكوش – الحوار نيوز
استحداث المزيد من النقود وتوزيعها بشكل متساو على أفراد المجتمع ، يعدّ نظريا عملية عادلة وحيادية ، فزيادة النقود لا يعني زيادة الثروة ، لأن ما يحصل في الواقع هو مزيد من التضخم ومزيد من انخفاض في القدرة الشرائية لمحدودي الدخل، وخاصة بالنسبة للموظفين، سواء كانوا في القطاع العام او القطاع الخاص .
ويمكن تقسيم المجتمع إلى عدد من الفئات ، وفق هذه التأثيرات الاقتصادية ، فهناك أصحاب المدّخرات الكبيرة ، الذين يستفيدون من التضخم من خلال ارتفاع أسعار موجوداتهم ، ويتضرر في المقابل أصحاب الدخل المنخفض ، الذين يتطلعون لشراء الأصول ، والمتقاعدون الذين يحصلون على رواتب شبه ثابتة ، أضافة طبعا الى الموظفين العاملين الذين يتقاضون رواتب ثابتة بالعملة المحلية ، بالتالي تتقاطع هذه الفئات في ما بينها ، وتتشعب الآثار المترتبة عن التضخم ، ما يجعل تقييم التأثيرات على الأفراد أو حتى المؤسسات أمرا صعبا.
اليوم يعاني لبنان من أزمة التضخم المفرط لأسباب عديدة، ولكن من أحدى مظاهر هذا التضخم هو فقدان ما يزيد عن 96 بالمئة من قيمة الليرة اللبنانية ، ما زاد هما على هموم المواطن اللبناني الكثيرة ،هو صعوبة الادخار بها أو حملها الى السوق واستعمالها في العمليات التجارية او حتى التسوق بها . ونظرا لحجم الطلب على الليرة من قبل المودعين والحكومة اللبنانية لتغطية نفقاتها ، بسبب انخفاض الواردات من جهة وبسبب استيفائها للرسوم والضرائب بشيكات من الحسابات القديمة لدى المصارف والمحجوزة من جهة أخرى ، لذلك لجأ مصرف لبنان الى طباعة الليرة وبكميات كبيرة وصلت الى حدود 76 تريليون ليرة ، هذا الامر أدى الى مزيد من الضغط على الليرة ،وبالتالي أدى الى أنخفاض القيمة الشرائية لها وبشكل كبير، وما تزال الليرة تعاني من الانخفاض بسبب عدم معالجة مشكلة الطباعة وتعاظم الكتلة النقدية بالدرجة الاولى والمشاكل السياسية التي أدت الى عدم الثقة بكل السلطات الحالية بالدرجة الثانية .
هذا الامر طبيعي لأن حجم الكتلة الموجودة قيد التداول اليوم، تفوق حجم ما يحتاجه لبنان شهريا حيث ان موازنة الدولة لعام 2022 والمصادق عليها من قبل مجلس النواب لا تتجاوز 45 تريليون ليرة لبنانية ،بمعدل شهري حوالي 3.75 تريليون ليرة ،بينما حجم الكتلة يزيد عن 76 تريليون ، وتبقى المشكلة اليوم في كمية النقود التي يحتاجها اللبناني للتسوق بعد انخفاض قيمتها، الامر الذي يعرضه لمشاكل كبيرة ناتجة عن حمله كمية من الليرة في أكياس بعض الاحيان لشراء براد او غسالة او أي منتج تزيد قيمته عن المئة دولار ، وهذا الامر يعرض اللبناني لمخاطر كبيرة ليس أقلها مشكلة عدّها مرات عدة عند المحاسبة ، او انكشافه أمام أي لص شوارع . هذا الامر يدعو اللبناني الى عدم حمل الليرة وحمل الدولار الاميريكي بدلا عنها .
في الجانب الآخر، فإن طباعة الفئات الكبيرة ،ولا سيما فئة المليون ليرة ،سيوفر على الدولة تكاليف نقل العملة بين البنك المركزي والمصارف التجارية وبالعكس، كما سيوفر من كلفة الطباعة .فبدل طباعة عشرة اوراق من فئة المئة الف ليرة يمكن طباعة ورقة واحدة من فئة المليون وبنفس كلفة الورقة الواحدة ،ما يخفض الكلفة تسع مرات، أي حوالي تسعين بالمئة .
كما أن طباعة الفئات الكبيرة قد يؤدي إلى تراجع طلب بعض اللبنانيين على الدولار من أجل الاكتناز، إذ إن الكثير من اللبنانيين يحتفظون حاليا بالدولار لسهولة حفظه ، في حين يتطلب حفظ القيمة ذاتها بالعملة اللبنانية مكانا أكبر وبالتالي خزنة أكبر .
كما أن عملية التسعير بالليرة اللبنانية اليوم تواجه صعوبات، ليس فقط تقلب اسعار الصرف بالنسبة للدولار الاميركي ، بل كثرة الاصفار المستعملة في عملية التسعير والتي تربك التاجر والمواطن ، هذا عدا عن ضرورة امتلاك كل محل آلة لعد النقود، وبالتالي تحمل كلفة شرائها وكلفة صيانتها .
في النهاية فإن طباعة أي فئة يحتاج الى قانون ،وهذا الامر غير ممكن حاليا بسبب تعطل مجلس النواب وعدم قدرته على الاجتماع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، إلا في حالة الضرورة القصوى، وبالتالي هذا الامر مؤجل اليوم ولن يتم قبل ستة أشهر بالحد الأدنى، وسيبقى المواطن اللبناني يعاني من هذا الواقع، ويمكن ان تزيد المعاناة مع انخفاض القيمة الشرائية لليرة بنسبة أكبر ، وبالتالي فان استعمال الدولار الاميركي سيكون أكبر وسيزداد مع مرور الوقت اذا لم تتم معالجة هذا الموضوع .